"سيلفي ضاحك وسط الزلزال"، هذا ما فعله رئيس النظام السوري بشار الأسد حرفياً! ولكن ليست هذه فقط غرائب الأسد والزلزال، فأنصاره اعتبروا الكارثة المدمرة نعمة إلهية، ونظامه ضخَّم أعداد الضحايا لسبب غريب جداً، ثم اكتشف فائدة جديدة للزلزال وهي استخدامه لإخفاء جرائمه للأبد.
فبعد بضعة أيام من الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا وجنوبي تركيا، زار رئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء، مواقع الدمار والناجين في حلب التي يسيطر عليها النظام.
كان هذا أول ظهور علني للأسد بعد وقوع الكارثة الطبيعية. الواقعة المثيرة للصدمة هي أن الأسد كان يضحك حرفياً وسط الدمار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
قصة السيلفي الضاحك للأسد مع الدمار!
وصُوِّر الأسد البالغ من العمر 57 عاماً، في حي مُدمَّر محاطاً برجال يهتفون وهو يصافحهم وسط حشد. وصرخ رجل بأنَّ حلب لم تعد مدمرة لأنَّ الأسد موجود هناك. فردَّ الأسد بضحكة.
ثم طلب الرجل صورة سيلفي مع الأسد. وانتشرت هذه الصورة على نطاق واسع بالشبكات الاجتماعية. وبعدها زار الأسد وأسماء، أحد المستشفيات، حيث تبادلا القبلات مع حشد من النساء.
تعلق الصحيفة البريطانية قائلة: "هذا هو الأسد السوري، الديكتاتور نفسه الذي يذبح شعبه منذ أكثر من عقد".
في يوم الزلزال طائراته قصفت المعارضة، ولهذا السبب أنصاره اعتبروه نعمة إلهية!
وحتى يوم الزلزال، واصل السلاح الجوي التابع للأسد، بدعم روسي، قصف المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة، وهي المنطقة الأكثر تضرراً من الكارثة الطبيعية.
ولطالما أراد الأسد تدمير المنطقة وقتل أهلها. وأعطى الزلزال مهمته الدموية مكسباً تكتيكياً. وتداول أنصاره رسائل عبر الإنترنت تقول إنَّ التدخل الإلهي أنقذ الأسد من تكلفة البراميل المتفجرة.
منذ عام 2011، ارتكب نظام الأسد فظائع بحق الشعب السوري؛ وتشمل القائمة أكثر من الاغتصاب والتعذيب والأسلحة الكيماوية والحصار والتجويع والقصف الشامل وتدمير المستوطنات المدنية.
ودُفِع الأسد في موقف لا يُحسَد عليه من خلال العقوبات الغربية، حيث فاقت عزلة سوريا تلك العزلة التي تحيط بإيران، وحتى الرئيس الأسد نفسه فُرِضَت عليه عقوبات. وتضمنت العقوبات إعفاءً من إيصال المساعدات الإنسانية، إلى سوريا. وكانت الفكرة وراء ذلك أنَّ الضغط الاقتصادي سيدفع الأسد إلى الموافقة على تسوية سياسية.
المتربحون الجدد جمعوا ثروات على حساب الموالين التقليديين له
ومع معاقبة مزيد من المقربين من الأسد، استدعى متربّحين جُدداً؛ للمساعدة في المناورة حول القيود التي يفرضها الغرب مقابل الحصول على تخفيضات. وجمعت هذه الدائرة النخبوية ثروة لنفسها على حساب حتى الموالين للأسد، داخل الشعب السوري العاجز إلى حد كبير.
وعندما ساء الوضع الاقتصادي في سوريا، صار الأسد بارعاً في الاستغاثات الكاذبة. وتحت شعار التحدي والصمود، حرص الأسد على التقاط صور له باستخدام أحدث تقنيات شركة آبل.
واستمرت السيدة الأولى في ارتداء ملابس باهظة الثمن من مصممين غربيين. وفي غضون ذلك، تمسّكوا بروايتين بسيطتين: أنَّ الغرب هو المسؤول عن معاناة السوريين بسبب العقوبات المفروضة وليس تصرفات الأسد، وأنَّ كل من يعارض النظام السوري إرهابي.
وصار الترويج لهذه الروايات أكثر إلحاحاً بالنسبة للأسد، بسبب التكلفة البشرية والمالية للأضرار التي لحقت بمناطق سيطرة النظام بسبب الزلزال. وفي مقابلة أجراها في أثناء وجوده بحلب، حاول الأسد صرف اللوم عنه من خلال إعلان أنَّ "الشعور الإنساني غير موجود في الغرب".
لم يعلن الطوارئ ولكن نشر أخبار اتصالاته مع القادة الدوليين
لكن رأى الأسد في الزلزال فرصة لتحقيق اعتراف بحكم الأمر الواقع بعد سنوات من العزلة السياسية.
ففي أعقاب الكارثة مباشرة، لم يرسل مكتب الرئاسة تعازيه للشعب السوري أو يعلن حالة الطوارئ. وبدلاً من ذلك، أعطى الأولوية لتقديم الأسد على أنه يتمتع بالشرعية الدولية، وسلّط الضوء على جميع الرسائل التي تلقاها الأسد من قادة العالم، وكثير منهم من الدول العربية، للتعبير عن التعاطف. وكان هناك اهتمام خاص بالتعازي من الحليف الرئيسي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وازدادت ثقة الأسد السياسية أيضاً، إذ بدأت الدول العربية في إرسال مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام. لكن بالنسبة للأسد، فإنَّ الجائزة الحقيقية هي التطبيع مع الغرب دون أن يُنظَر إليها على أنها تنازل.
وهكذا استغل نظام الأسد الزلزال لإخفاء جرائمه
ويريد الأسد استخدام الدمار الناجم عن الزلزال حيلةً للحصول على تمويل غربي لإعادة الإعمار.
لكن الأمر يزداد خُبثاً، حسب وصف الصحيفة البريطانية، إذ يعطي الدمار الذي تسبب فيه الزلزال للأسد وسيلة لمحو الأدلة على جرائم النظام. ويمكنه ادعاء أنَّ الدمار الواسع النطاق الذي أحدثه قصف النظام كان كله من عمل الله، حسب الصحيفة البريطانية.
فقد اتبع الأسد استراتيجية الأرض المحروقة ضد خصومه، واستهدف في كثير من الأحيان هدم المناطق الخارجة عن سيطرته، على الأرض. وسمح الدعم العسكري الروسي في عام 2015 لنظامه بقصف حلب واستعادتها من المعارضة. وبعد الزلازل، استغلت جرافات الأسد الدمار في هدم مزيد من المباني بالمدينة، متظاهرةً بأنَّ الضرر ناتج عن الكارثة الطبيعية.
لماذا ضاعف النظام عدد الضحايا 4 مرات مقارنة بالتقديرات الموثوقة؟
وبلغ عدد ضحايا الزلزال في مناطق النظام والذي نشرته وزارة الصحة، أكثر من أربعة أضعاف ما أحصته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمع مدني مستقلة.
ولدى الأسد تاريخٌ موثق في تعذيب وقتل السجناء السياسيين، حسب تقرير صحيفة The Times البريطانية التي تفسر هذا الموقف بأن عدد القتلى المتضخم يسمح بإحصاء ضحايا التعذيب ضمن ضحايا الزلزال.
وفي إطار الضغط من أجل فرض التطبيع الفعلي، تكرر قنوات النظام والقنوات الروسية ادعاء أنَّ على الغرب رفع العقوبات عن سوريا؛ لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وأنَّ المساعدات الخارجية يجب أن تصل عبر دمشق التي يسيطر عليها النظام.
وعندما ناقشت الدول الغربية عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتمرير قرار بفتح مزيد من المعابر الحدودية بين تركيا وشمال غربي سوريا أكثر من المعبر الوحيد الذي يفرضه قرار مجلس الأمن الدولي الحالي (بسبب الفيتو الروسي ضد مزيد من المعابر)، لم يرغب الأسد في الظهور بمظهر المرفوض من الغرب. واستبق ذلك بالإعلان عن إعادة فتح معبرين إضافيين. وفي مؤتمر صحفي عُقد الأسبوع الماضي، أبدى السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، سعادته بإخبار وسائل الإعلام الدولية الحاضرة بأنَّ هذا "قرار سيادي".
وفي صدى لتصرفات الأسد، كان الصباغ يضحك. وعندما سأل أحد الصحفيين لماذا استغرق هذا القرار أسبوعاً كاملاً بعد الزلزال، أجاب صباغ مبتسماً: "لماذا تسأل؟! لسنا من يتحكم في هذه الحدود".
وكان قد أشار في وقت سابق إلى شمال غربي سوريا على أنها مناطق "تحت الاحتلال" (في إشارة إلى الوجود التركي) و"تحت سيطرة الجماعات المسلحة".
آخر حيل الأسد والزلزال.. يعتقد أنه سيمكّنه من الخروج من العزلة
ويعتمد ما إذا كان الأسد هو من سيضحك أخيراً اعتماداً كبيراً على ما سيفعله الغرب بعد ذلك؛ وترى الصحيفة البريطانية أن الغرب له كل الحق في عزوفه عن التطبيع الكامل مع الأسد.
لكن العقوبات وحدها لا تكفي. ولا يمكن للغرب الاستمرار في تجاهل حقيقة أنَّ التدخل الروسي في الحرب عام 2015 أنقذ الأسد من الهزيمة العسكرية، أو أنَّ بقاء الأسد يعتمد على الدعم الروسي والإيراني المستمر.
يجب على الغرب الاعتراف بأنَّ الأسد لا يضحك وحده الآن. فما زالت روسيا تضحك معه في الخلفية، حسب الصحيفة.
ويعتقد الأسد أنه يقترب من الخروج من العزلة الدولية. لكن إذا كان الغرب جاداً بشأن محاسبة روسيا على أفعالها في أوكرانيا، فلا يمكنه تجاهل عامل التمكين السوري؛ فبوتين والأسد وجهان لعملة واحدة.