في الوقت الذي تتضافر الجهود حول العالم دعماً لضحايا زلزال تركيا وسوريا المدمر، يوجد من يستغلون الكارثة الطبيعية الأعنف منذ عقود للاحتيال وجمع المال، أو من يحرقون تبرعات للمنكوبين بدافع الحقد.
زلزال تركيا وسوريا، الذي ضرب فجر الإثنين، 6 فبراير/شباط، هو الكارثة الطبيعية الأسوأ والأكثر تدميراً، وأودى بحياة أكثر من 41 ألف شخص، وترك الملايين مشردين في حاجة ماسة للمساعدات العاجلة، وهرعت أغلب دول العالم لتقديم المساعدات وإرسال فرق الإنقاذ والبحث عن الناجين.
ولا تزال فرق الإنقاذ تسابق الزمن بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض، وتتواصل المعجزات والقصص البطولية لكثيرين يضحون بحياتهم ذاتها لإنقاذ الضعفاء والمصابين العالقين تحت ركام بيوتهم، بعد مرور أكثر من 11 يوماً على وقوع الكارثة.
الحاقدون يحرقون "التبرعات" الموجهة لمنكوبي الزلزال
وبعيداً عن المناطق المنكوبة في تركيا وسوريا، يواصل مئات الملايين من البشر محاولات المساعدة للتخفيف من تأثير الكارثة المروعة، سواء بجمع التبرعات وإرسالها لمحتاجيها، أو بالدعوات على أقل تقدير.
فيجاي راج، الذي يملك متجراً في مدينة ركلنهاوزن الألمانية، واحد من هؤلاء الذين أخذوا زمام المبادرة وقرر المساعدة، فوضع لافتة لجمع التبرعات لإرسالها لمنكوبي زلزال تركيا وسوريا، وجمع بالفعل ملابس تساوي قيمتها آلاف الدولارات.
لكن أشخاصاً قرروا إضرام النيران في تلك التبرعات، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye، وأظهر مقطع فيديو نُشر على الإنترنت اقتحام المتجر الذي خُزنت فيه جميع الملابس عن طريق مشعلي الحرائق، الذين أضرموا النيران في الملابس التي جمعها المتطوعون.
وفي حديثه مع وسائل الإعلام المحلية في ألمانيا، قال راج إن متجره تلقى الكثير من تبرعات الملابس والنقود من أجل إرسالها إلى ضحايا زلزال تركيا وسوريا: "أحلامنا بالتبرع بهذه الملابس والأموال تحطمت عندما دخل صَبيَّان من أصل أوروبي إلى المتجر، وأضرموا النيران فيها". وأضاف: "وجدنا أيضاً علمين تركيين كنا نعلقهما، أُلقي بهما في النيران، وأُحرقا مع التبرعات".
وعندما سأله الصحفيون عن ردة فعل المجتمع، قال راج: "كنا جميعاً حزينين للغاية. بكى بعضنا لأننا استغرقنا ساعات لترتيب التبرعات، وحزم طرود الرعاية. ولكن نظراً لأننا مجتمعٌ، اجتمع الناس بعد الحريق وأنقذوا ما يمكنهم إنقاذه، وبفضل الله لم يصل مشعلو الحرائق إلى القسم الخلفي الذي حزمنا فيه بالفعل بعض الطرود".
وأوضح راج أنه لم يعد يقبل تبرعات في صورة ملموسة، وطلب من الناس إعطاءه نقوداً ليعطيها إلى المنظمات الخيرية التي تعمل على الأرض.
ومن الطبيعي أن يثير هذا التصرف تساؤلات بشأن دوافع من أقدموا على إحراق تبرعات لضحايا مثل هذه الكارثة الطبيعية، التي لم تشهد لها المنطقة مثيلاً منذ نحو قرن من الزمان؟
من أقدموا على ارتكاب هذه الجريمة هم مراهقون ألمان، بحسب ما أفادت التقارير بشأن الحادث، وقد أحرقوا أيضاً علمي تركيا وسوريا المعلقين في المكان المخصص لجمع التبرعات، أي إن الدافع على الأرجح هو "كراهية الآخر"، التي أصبحت تعصف بالغرب في ظل سيطرة اليمين المتطرف على المشهد في القارة التي يتغنى بعض قادتها بقيم "حقوق الإنسان والديمقراطية واحترام الآخر".
زلزال تركيا وسوريا.. الاحتيال الرقمي
وفي السياق ذاته، ولكن بدوافع مختلفة، حذّر خبراء في الأمن السيبراني من أشخاص محتالين يستغلون كارثة زلزال تركيا وسوريا لتحقيق مكاسب مادية من خلال خداع الملايين حول العالم من الراغبين في تقديم المساعدة للضحايا، فيجمعون ملايين الدولارات في صورة تبرعات ويحتفظون بها لأنفسهم.
إذ يزعم المحتالون أنهم يجمعون تلك الأموال لإرسالها إلى الناجين الذين تُركوا بدون مأوى أو تدفئة أو ماء بعد الكارثة الطبيعية، ولكن بدلاً من مساعدة المحتاجين، يقوم المحتالون بتحويل التبرعات بعيداً عن المؤسسات الخيرية الحقيقية، إلى حساباتهم على تطبيق بايبال PayPal، ومحافظ العملات المشفرة التي يملكونها، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ورصد التقرير بعض الطرق الرئيسية التي يستخدمها المحتالون، والوسائل التي يمكن استخدامها للتحقق جيداً قبل التبرع لضحايا الزلزال. حيث يمكن لصانع المحتوى على تيك توك لايف، جني الأموال من خلال تلقي الهدايا الرقمية.
وتنشر حالياً بعض حسابات تيك توك صوراً للدمار ولقطات متكررة وتسجيلات تلفزيونية تظهر جهود الإنقاذ، ومن ثم تطلب التبرعات. تتضمن التعليقات عبارات مثل "فلنساعد تركيا" و"لنصلّ من أجل تركيا" و"تبرع لضحايا الزلزال".
وظهر في بث حي لأحد الحسابات على تيك توك صورة جوية رديئة النوعية للمباني المدمرة، مصحوبة بأصوات انفجارات. لكن في الخلفية، وبعيداً عن الكاميرا يمكن سماع صوت رجل يضحك ويتحدث باللغة الصينية. عنوان الفيديو هو "فلنساعد تركيا.. تبرعوا".
ويُظهر مقطع فيديو آخر صورة لطفل بائس يركض هرباً من انفجار. وقد أرفق صاحب الحساب على تيك توك البث المباشر برسالة تقول: "الرجاء المساعدة في تحقيق هذا الهدف" – وهي نداء واضح للحصول على هدايا تيك توك (هي إحدى طرق التبرع من الجماهير إلى المؤثرين، ويمكن تحويلها إلى أموال).
لكن الحقيقة هي أن صورة الطفل ليست ملتقطة خلال زلزال تركيا وسوريا، حيث توصل البحث عن أصل الصورة إلى أنها نُشرت على موقع تويتر في عام 2018 مرفقة بجملة توضيحية تقول: "أوقفوا الإبادة الجماعية في عفرين"، وذلك في إشارة إلى مدينة عفرين في شمال غرب سوريا.
هناك تحذير آخر فيما يتعلق بالإهداء الرقمي على تيك توك، فقد توصل تحقيق أجرته بي بي سي إلى أن تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك يستحوذ على ما يصل إلى 70% من عائدات الهدايا الرقمية، على الرغم من أن المنصة تقول إنها تحصل على نسبة أقل.
وقال متحدث باسم تيك توك لبي بي سي: "نشعر بحزن عميق إزاء الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، كما أننا نسهم في جهود الإغاثة، إضافة إلى أننا نعمل بجد لمنع الناس من الاحتيال وتضليل الأشخاص الذين يرغبون في المساعدة".
كيف يمكن تجنب المحتالين؟
وعلى موقع التواصل الاجتماعي تويتر، يشارك بعض الأشخاص صوراً مؤثرة مرفقة بروابط لمحافظ العملات المشفرة، ويطالبون بالتبرعات. ونشر أحد الحسابات المنشور المطالب بالتبرع ذاته 8 مرات خلال 12 ساعة، مرفقاً بصورة لرجل إطفاء يحمل طفلاً صغيراً وسط المباني المنهارة.
غير أن الصورة المستخدمة في ذلك المنشور ليست حقيقية، فقد ذكرت صحيفة OEMA اليونانية أن الصورة تخص الجنرال باناغيوتيس كوتريديس Panagiotis Kotridis، من فرقة إطفاء بحر إيجة، وقد صنعها باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي ميدجورني Midjourney.
بالإضافة إلى تلك الطريقة، يتم استخدام أحد عناوين المحافظ المشفرة المستخدمة عام 2018 في رسائل الاحتيال، كما أن حساباً آخر كان موجوداً على موقع التواصل الاجتماعي الروسي VK جنباً إلى جنب مع محتوى إباحي.
وعندما اتصلت بي بي سي بالأشخاص المسؤولين عن ذلك الحساب، نفوا أن المنشور هو عبارة عن عملية احتيال. وقالوا إن هناك مشاكل في الاتصال لديهم بسبب ضعف شبكة الإنترنت، لكنهم أجابوا عن أسئلة هيئة الإذاعة البريطانية على تويتر باستخدام تطبيق الترجمة جوجل.
وجاء ردهم كالتالي: "هدفنا هو أن نكون قادرين على مساعدة الناس المتضررين من الزلزال إذا تمكنا من جمع الأموال.. يشعر الناس الآن بالبرد في منطقة الكارثة، وخاصة الأطفال ليس لديهم طعام. يمكننا إثبات شرعية هذه العملية عن طريق تزويدكم بالإيصالات". إلا أنهم لم يرسلوا أي إيصالات أو ما يُثبت هويتهم.
في مكان آخر على تويتر يقوم المحتالون بإنشاء حسابات وهمية لجمع التبرعات ويضعون روابط لتطبيق PayPal. آكس شارما، خبير الأمن السيبراني في شركة Sonatype، يقول إن هذه الحسابات تعيد نشر التغريدات الخاصة بالتقارير الإخبارية والرد على تغريدات المشاهير والشركات لاكتساب الجمهور والمتابعين.
كما قال لبي بي سي: "إنهم ينشئون حسابات مزيفة للإغاثة في حالات الكوارث، وهي تبدو كأنها تعود لمنظمات شرعية أو جهات إعلامية، لكنهم بعد ذلك يحولون الأموال إلى عناوين PayPal خاصة بهم".
أحد الأمثلة على ذلك حساب TurkeyRelief، الذي انضم إلى تويتر في يناير/كانون الثاني، ولدى الحساب 31 متابعاً فقط، ويروّج الحساب للتبرعات عبر PayPal. وقد تلقى الحساب، حتى الإثنين 13 فبراير/شباط، تبرعات بقيمة 900 دولار أمريكي. لكن هذا المبلغ يشمل 500 دولار تعود لصانع الصفحة، الذي تبرع لقضيته الخاصة. يقول شارما إن الهدف من ذلك هو "جعل جامع التبرعات يبدو حقيقياً ويتمتع بالمصداقية".
إنها واحدة من أكثر من 100 جهة لجمع التبرعات تم إطلاقها على PayPal في الأيام الأخيرة؛ للمطالبة بتقديم تبرعات لدعم المتضررين من الزلازل، وبعضها مزيف. ويقول شارما إن المانحين يجب أن يكونوا حذرين بشكل خاص من الحسابات التي تقول إنها في تركيا، لأن شركة PayPal لم تعد تعمل في تركيا منذ عام 2016.
"هناك جمعيات خيرية حقيقية خارج تركيا تستخدم PayPal، ولكن عندما يقول جامعو التبرعات إنهم في تركيا، فهذا مؤشر قوي على وجود احتيال"، بحسب شارما.
الأشياء الأخرى التي يجب توخي الحذر منها هي التبرعات والنداءات المجهولة التي جمعت مبالغ صغيرة، إذ إنه من المفترض أن يكون لدى المؤسسات الخيرية الحقيقية "أموال كثيرة"، وفقاً لشارما، غير أن العديد من جامعي التبرعات عبر PayPal لديهم أقل من 100 جنيه إسترليني.
أوقفت شركة PayPal الحساب المزيف المستخدم للاحتيال. وقال متحدث باسم الشركة لبي بي سي: "في حين أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يستخدمون PayPal لقبول التبرعات لديهم نوايا حسنة، هناك حتماً البعض ممن يحاولون استغلال الطبيعة الخيرة للبشر وكرم الآخرين".
وأضاف: "تعمل فرق PayPal دائماً بجد لفحص وتدقيق الحسابات وحظرها، لا سيما في أعقاب أحداث مثل الزلزال في تركيا وسوريا، لضمان أن تذهب التبرعات إلى الجهات الصحيحة". كما أوقف موقع تويتر حساب TurkeyRelief، لكن القائمين على تويتر لم يستجيبوا لطلب بي بي سي في التعليق على الموضوع.
هناك عدة خطوات يمكن اتباعها، أولها أن تبحث عن المؤسسات الخيرية في سجل المؤسسات الخيرية الوطني في بلدك، مثل سجل المؤسسات الخيرية في المملكة المتحدة أو مصلحة الضرائب في الولايات المتحدة أو بلد آخر.
وإذا كنت تشك في وجود عملية احتيال، فعليك الإبلاغ عنها فوراً إلى جهات التحقيق المختصة في بلدك أو إلى منصة التواصل الاجتماعي التي يستخدمها من تشك في أنهم محتالون.
وتقول بعض الجهات المحتالة إنها تنتمي إلى جمعيات خيرية أو منظمات حكومية حقيقية، فإذا كنت ترغب في التبرع لتلك المؤسسة الخيرية أو المنظمة الحكومية، ابحث عن موقعها الإلكتروني الخاص، وتبرع لها بصورة مباشرة بدلاً من التبرع لوسيط.