في أعقاب الزلزال المدمّر التي ضرب شمال غربي سوريا وجنوب تركيا في 6 فبراير/شباط الجاري، بلغت الاحتياجات الطبية مستويات هائلة في شمال غرب سوريا؛ إذ زاد الزلزال من معاناة الكوادر الطبية ومنشآتهم التي ما زالت تكافح من السنوات الأولى للحرب، والتي كانت مليئة قبيل وقوع الكارثة بالمصابين بفيروس "كورونا" الذي اشتدت موجته مع انخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى مرض "الكوليرا"، فكان السؤال الذي حيّر الكثير: كيف تم استيعاب الأرقام الضخمة من المصابين في ظل العواقب الهائلة للزلزال، وكيف ارتقت إلى المستوى المطلوب وساعدت الجرحى وأمّنت أسرّة لهم واعتنت بهم.
كارثة المشافي من قبل الزلزال!
ويواجه القطاع الطبي في شمال غربي سوريا كارثة من قبل وقوع الزلزال لاسيما أن أكثر من 18 مشفى ونقطة طبية توقفت دعمها من قبل المنظمات الإنسانية الداعمة لهذه المشافي منذ مطلع عام 2023.
يقول عمر حلاق، المسؤول في مديرية الصحة في حلب، والذي يشغل مدير مشفى "المغارة" في مدينة الأتارب، إن مشفى المدينة "المغارة" والذي يعتبر من إحدى النقاط غير المدعومة من قبل المنظمات الإنسانية استقبل في ساعات وقوع الزلزال الأولى قرابة 50 مصاباً ليزداد العدد إلى ظهر اليوم التالي من وقوع الكارثة في 7 فبراير/شباط الجاري إلى قرابة 120 جثة و70 مصاباً، قضوا معظمهم علاجهم على مداخل المشفى، مستلقين على ظهورهم ينتظرون دورهم.
وأضاف: "المشفى في تلك اللحظات كان يحتوي على 4 ممرضين وطبيب واحد من الخريجين الجدد من جامعة إدلب، والمعدات الطبية داخل المشفى لا تكفي أبداً لهذه الإصابات؛ ما جعلنا نحوّل معظم الإصابات إلى المشافي المدعومة في شمال إدلب؛ كالدانا وسرمدا وباب الهوى، ومشافي الريف الشمالي لإدلب الأخرى".
وأكّد حلاق أن المشافي في حلب وإدلب كانت ممتلئة بشكل كامل ولا تكاد تتسع لمصاب جديد، وهو ما دفع الكوادر الطبية إلى استخدام المراكز الصحية؛ مثل المستوصفات والعيادات العامة، لاستقبال مصابي الزلزال.
وأضاف أن معظم المشاكل والعقبات التي تواجه الكوادر الطبية هي النقص في غرف العناية المركزة وتخصص الجراحة العصبية، إضافة إلى أجهزة التنفس، منوّهاً أن المستلزمات الأساسية والضرورية التي تحتاجها المستشفيات هي الأدوية الأولية كالشاش الطبي والمسكنات وأدوية التخدير، فضلاً عن حاجة المشافي إلى وقود لتشغيل محطات توليد الأوكسجين اللازم للمرضى؛ إذ انقطعت الكهرباء بسبب الكارثة الأخيرة، وهو ما جعل المستشفيات تعتمد على مولدات بسيطة.
وأشار إلى أن المستشفيات رغم عدم قدرتها على استيعاب هذا العدد الكبير من المصابين، فإنها استقبلت جميع من لجأ إليها من الجرحى الذين تم توزيعهم على جميع المستشفيات في محافظة إدلب.
مراكز إيواء مؤقتة، وكوادر طبية تدفع الثمن
وتعمل المنظمات الإغاثية العاملة في الشمال السوري على تجهيز مراكز إيواء مؤقتة لإيواء المتضررين ومعالجتهم صحياً ونفسياً، لكن توقف الدعم قبيل وقوع الكارثة على معظم الجهات شمال سوريا، فاقم المأساة وأصبحوا عاجزين عن فعل أي شيء ممّا ترك الآلاف في العراء لمواجهة مصيرهم؛ إذ تشير الإحصائيات إلى أن الخدمات المقدمة تقدر بنحو 5% فقط من الاحتياجات، وفق مسؤولين إغاثيين.
وفي السياق، تقول الطبيبة "نور مستو"، وهي طبيبة وعاملة في مشفى "شفق" في مدينة معرة مصرين، إن الزلزال تسبب بوفاة 10 صيادلة وطبيبين، بالإضافة إلى عدد من الكوادر الصحية التمريضية، مؤكدةً أن المستشفيات تعاني من نقص الكوادر الطبية، فضلاً عن نقص في الأسرة، وكذلك التخصصات والجراحة العصبية والجراحة العظمية.
وأكّدت أن المشافي في شمال غربي سوريا بحاجة ماسّة إلى كوادر طبية ومستهلكات طبية عاجلة، ومسكنات الألم وأجهزة العناية المشددة وأسرة مجهزة. مدينة عفرين شمال حلب، إنه منذ بداية عام 2022 تعمل كوادر المنظمة الطبية بشكل تطوعي ضمن منشآتها لتقديم الخدمات الطبية لسكان شمال سوريا، وتزامنت الفترة الماضية مع ارتفاع في عدد القبولات الوافدة لهذه المنشآت بسبب الأمراض الموسمية والانتشار الكبير لمرض التهاب القصيبات الشعري ووجود موجة جديدة من جائحة كورونا، حيث بلغت نسبة الإشغال في هذه المنشآت 100%.
يقول الطبيب "مصطفى خلوف"، العامل في منظمة الأطباء المستقلين: "في أعقاب الزلزال المدمر، بلغت الاحتياجات الطبية مستويات هائلة في شمال غرب سوريا؛ إذ زاد الزلزال من معاناة الكوادر الطبية ومنشآتهم التي ما زالت تكافح من السنوات الأولى للحرب، والتي كانت مليئة قبيل وقوع الكارثة بالمصابين بفيروس (كورونا) الذي اشتدت موجته مع انخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى مرض (الكوليرا)، فكان السؤال الذي حيّر الكثير: كيف تم استيعاب الأرقام الضخمة من المصابين في ظل العواقب الهائلة للزلزال، وكيف ارتقت إلى المستوى المطلوب وساعدت الجرحى وأمّنت أسرّة لهم واعتنت بهم".
ونوّه "خلوف" إلى أن العمل يقتصر في الأماكن الطبية على التدبير الإسعافي للحالات الوافدة فقط، ما جعلنا مكتوفي الأيدي عن معالجة بعض الإصابات الحرجة قليلاً.
القطاع الطبي متأثر دوماً
ويواجه القطاع الطبي في شمال غربي سوريا كارثة قبيل وقوع الزلزال لاسيما أن أكثر من 18 مشفى ونقطة طبية توقفت دعمها من قبل المنظمات الإنسانية الداعمة لهذه المشافي منذ مطلع عام 2023.
وعلى ضوء ما سبق ولما جرى من آثار سلبية عن توقف الدعم القديم للمشافي ولطاقاتها الخجولة التي صدمت طوال سنوات الحرب في سوريا، حذّر ناشطون وكوادر طبية من استمرار توقف الدعم عن هذه المنشآت، خاصةً مع ازدياد الضغوط على المنشآت الأخرى وعدم قدرتها على تقديم الخدمات لجميع الحالات في المنطقة، كما حذّرت من العواقب الكارثية المترتبة على إيقاف الدعم المقدم للمراكز العلاجية، لا سيما بعد حادثة وقوع الزلزال.
وينذر استمرار توقف الدعم عن هذه المشافي والمراكز الطبية بكارثة إنسانية كبيرة في المناطق المحررة شمال غرب سوريا، بالتزامن مع البرد الشديد الذي يخيّم على حالة الطقس في المنطقة وتسجيل إصابات عدّة بفيروس كورونا ومرض الكوليرا.
وضرب زلزال مدمر قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر جنوبي تركيا وشمالي سوريا، فجر الإثنين الماضي، وأعقبه هزات ارتدادية شعر بها السكان في دول مجاورة بينها مصر ولبنان والعراق.
وبلغت حصيلة الضحايا في سوريا، حسب الدفاع المدني السوري 2274 حالة وفاة و12400 إصابة مع استمرار عمليات البحث لانتشال جثث المتوفين في عدة أماكن في ريفي إدلب وحلب، في اليوم الثامن على الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة,
وسارع العديد من الدول لإرسال مساعدات إغاثية للدولتين؛ حيث لا تزال أعمال البحث والإنقاذ جارية في المناطق التي ضربها الزلزال.