بينما يلفظ أطفال ونساء وشيوخ أنفاسهم الأخيرة تحت الأنقاض في شمال سوريا، بعد أن نفد الهواء لديهم، أو تحطَّمت أجسادهم من ثقل الركام، فإن الجدل مازال يدور بين نظام الأسد والدول الغربية والأمم المتحدة حول كيفية إيصال المعدات الضرورية لانتشالهم، في ظل تدمير الطرق التي كانت تصل هذه المناطق بالعالم عبر تركيا.
فلقد أدت الأضرار التي لحقت بالطرق والبنية التحتية في جنوب تركيا إلى توقف وصول المساعدات إلى منطقة شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها المعارضة، وهي منطقة عانت أصلاً من 12 عاماً من الصراع، حسبما قال متحدث باسم الأمم المتحدة.
والطريق الذي يربط مدينة غازي عنتاب بمعبر باب الهوى الذي يصل محيط إدلب بتركيا وبالتالي ببقية العالم يقع في واحدة من أكثر المناطق تضرراً، ولا يمكن الوصول إليه، حسبما نقل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، عن مصادر محلية.
وقال ماديفي صن-سون، من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية: "بعض الطرق معطلة، وبعضها لا يمكن الوصول إليه، هناك قضايا لوجستية تحتاج إلى حل، ليس لدينا صورة واضحة عن موعد استئنافها"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
في هذه الأثناء لا تزال حكومة بشار الأسد في دمشق منبوذة من قِبل كثير من أعضاء المجتمع الدولي، حيث تخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والتي تُحجم عن توجيه المساعدات مباشرةً من خلال نظام الأسد. وأوضح مسؤولون أمريكيون وأوروبيون أن زلزال تركيا وسوريا لن يغير هذا الوضع.
ومن المرجح أن أن يرتفع عدد القتلى بشكل كبير في مناطق شمال سوريا خاصة الشمال الغربي حول إدلب، حيث توجد مئات العائلات تحت الأنقاض، والعديد من البلدات لم تصل إليها فرق الإنقاذ.
مناطق المعارضة الأكثر تضرراً من زلزال تركيا وسوريا
وتوجد في شمال سوريا مناطق خاضعة للنظام وأخرى لما يُعرف باسم الإدارة الذاتية الكردية، كما أن هناك منطقتين خاضعتين للمعارضة السورية الحليفة لتركيا، إحداهما حول إدلب، وهي الأكثر تضرراً من الزلزال.
وثُلثا سكان المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 4.5 مليون نسمة هم نازخون من أماكن أخرى، وكانت أزمة إنسانية جارية بالفعل في هذه المناطق قبل الزلزال.
وقال مارك لوكوك، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة: "يبدو أن المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال داخل سوريا هي التي تُدار من قِبل المعارضة، الحليفة لتركيا، وليس من قِبل الحكومة السورية أو الأكراد.
وتسمح حكومة الأسد في دمشق بدخول المساعدات إلى المنطقة عبر معبر حدودي واحد فقط، وكانت تقاوم فتح المساعدات في المناطق الشمالية، لأنها تعتبر المساعدات تقويضاً لسيادتها، وتقلل من فرصها في استعادة السيطرة على المنطقة، وتريد الآن أن تتولى عملية توزيع المساعدات، علماً أن المناطق المتضررة لا تخضع لسيطرتها، بل تُحكم من قِبل فصائل المعارضة.
أما المساعدات الدولية، القادمة من المعابر التي تربط شمالي سوريا بتركيا، فقد تعرضت الطرق الموصلة إليها للتدمير بسبب الزلزال وكذلك معبر باب الهوى هو المعبر الوحيد المسموح به دولياً لتوصيل المساعدات إلى شمال سوريا.
هل فات الوقت لإنقاذ المدفونين تحت الأنقاض في شمال سوريا؟
يقول عمال الطوارئ إن تأخير المساعدات لسوريا قد يكلف الكثير من الأرواح، حيث تكافح فرق الإنقاذ المحلية من أجل انتشال العائلات والأطفال من تحت الأنقاض، وإيجاد سكن للناجين، وسط طقس شتوي قارسٍ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Washington Post الأمريكية.
ولكن يبدو أنه قد فات الأوان أو اقترب أن يفوت، حيث يقول مسؤولو منظمة الدفاع المدني، العاملة بشمالي سوريا، المعروفة باسم "الخوذ البيضاء"، إن مساء أمس الأربعاء 8 فبراير/شباط 2023، كان آخر يوم يمكن فيه انتشال المدفونين تحت الأنقاض أحياء، لأنه بعد ذلك سيكون قد فات على الزلزال أكثر من ثلاثة أيام، وهو الوقت الذي يصعب أن يبقى فيه المدفونون تحت الأنقاض أحياء.
وقال مدير الدفاع المدني في الشمال السوري "الخوذ البيضاء"، رائد الصالح، لقناة الجزيرة، إن البيروقراطية في الأمم المتحدة تأخّرت في إصدار إنذار حالة الطوارئ، وتنسق مع النظام، الذي لا يوصل المساعدات لمناطق المعارضة.
وجاء تصريح مدير الدفاع المدني السوري، مساء أمس، حيث أوضح أن عمليات الإنقاذ هي الآن في الساعات الأخيرة لإنقاذ أحياء، وأنهم يعانون من نقص في معدات رفع الأنقاض.
وقال: غداً (في إشارة إلى اليوم الخميس) سيكون هدف عمليات الإنقاذ هو البحث عن الجثث، وليس عن أحياء في الأغلب.
من جانبه، انتقد منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري بشمالي إدلب، تأخير المساعدات الدولية، حيث قال في لقاء مع قناة الجزيرة، إن هناك 2800 متطوع من أفراد الخوذ البيضاء يعملون لمواجهة الكارثة، باستخدام 40 آلية فقط، لكن الوضع أكبر من الإمكانات الموجودة، في شمال غربي سوريا، حيث إن 400 بناء مهدم بالكامل، وأكثر من ألف مدمرة بشكل جزئي، وعمليات الإجلاء جرت من آلاف الأبنية، كما أن السكان يعانون من البرد.
وقال في تصريح، الليلة الماضية، إن نقص المعدات يعني أن الأمل يتراجع بسبب عدم وصولها في الـ72 ساعة الأولى منذ وقوع الزلزال، التي تقترب من نهايتها، ما يؤدي لتضاؤل فرص إنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
وأضاف: في الساعات الخمس الأخيرة ننقذ شخصاً أو شخصين من كل عائلة من تحت الأنقاض، على قيد الحياة، أما في الساعات الأولى بعد زلزال تركيا وسوريا فقد كانت أغلب الأسر التي يتم انتشالها على قيد الحياة.
وأضاف: بدأ الوقت ينفد، أعداد الضحايا ترتفع بشدة، وهناك المئات من العائلات تحت أنقاض منازلها.
وقال: "عملنا مع المنظمات في الداخل، والإمكانات كلها محلية، وتم إنشاء بعض المخيمات، ولكن لا يزال عدد كبير من الناس في العراء، وفي المساجد والمدارس".
الخوذ البيضاء تعتبر أن الأمم المتحدة سقطت في الاختبار
وقال منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري بشمالي إدلب: لا أعرف أسباب هذا التأخير في المساعدات الدولية.
واختتم كلامه قائلاً: "ما لنا غيرك يا الله"، وتساءل: "لماذا الإنسانية تتجزأ".
من جانبه، قال رائد الصالح مدير الدفاع المدني بإدلب "الخوذ البيضاء" أن هذا اختبار آخر سقطت به الأمم المتحدة.
في المقابل، دعت الأمم المتحدة، أمس (الأربعاء)، إلى "وضع السياسة جانباً" وتسهيل إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة بفعل الزلزال في شمال سوريا، حيث قال المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا المصطفى بن المليح: "ندائي هو: ضعوا السياسة جانباً، ودعونا نقُم بعملنا الإنساني"، مشدداً على أنه "لا يمكننا تحمل الانتظار والتفاوض.
وأضاف "في الوقت الذي نتفاوض فيه، يكون قُضي الأمر، نحتاج لإمكانية الوصول الكامل، وإلى الدعم لهذا الوصول إلى شمال غربي سوريا، في إشارة إلى مناطق تحت سيطرة فصائل توصف بالمتطرفة وأخرى معارضة في إدلب ومحيطها".
الغرب يغسل يديه بإلقاء اللوم على الأسد وأحياناً المعارضة
في المقابل، يًتهم نظام الأسد من قبل الغرب بالتلاعب السياسي بالمساعدات الإنسانية، بعد أن قال السفير السوري لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، إن بلاده يجب أن تكون مسؤولة عن إيصال جميع المساعدات إلى سوريا، بما في ذلك تلك المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية، حسبما ورد في تقرير صحيفة the Guardian البريطانية.
ويبدو أن الغرب يحاول أن يغسل يديه من الأزمة، فتقول صحيفة واشنطن بوست، إنه بينما تخضع غالبية سوريا لسيطرة الحكومة في دمشق، فإن معظم الشمال يخضع لسيطرة مجموعات مختلفة- وأحياناً متصارعة. والشمال الغربي مقسم بين أراضٍ تسيطر عليها تركيا بحكم الأمر الواقع، وهيئة تحرير الشام، وهي جماعة معارضة لها صلات بتنظيم القاعدة. ويخضع شمال شرقي سوريا في الغالب لسيطرة جماعات يقودها الأكراد، تدعمها الولايات المتحدة.
ولكن التقارير المحلية الواردة من شمال غربي سوريا، تفيد بأن المشكلة ليست في الفصائل السورية المعارضة، التي حشدت قدراتها المحدودة لمواجهة الأزمة، ولكن المشكلة الأولى في قلة المعدات الخاصة بإزالة الحطام وكذلك وسائل الإيواء والوقاية من البرد، وهي مشكلة تواجهها تركيا، الدولة الكبيرة القوية، المعروفة باستعدادها لمثل هذه السيناريوهات، وسوف تواجهها في الأغلب أي دولة تشهد محنة بهذا الحجم.
وفي هذا الصدد يقول منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري بشمالي إدلب: هناك ألف مدني متطوع تحت تصرف "الخوذ البيضاء"، ولكن ليست هناك معدات.
أمريكا ترفض تمرير المساعدات عبر مناطق النظام
وذكرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أنها قد جاءها طلب من نظام الأسد للحصول على المساعدات، وأحالته لدولها الأعضاء، والأمم المتحدة حتى الآن موقفها مائع ومرتبك، فيما قالت الولايات المتحدة إنها سوف تقدم مساعدات دون مرور بالنظام السوري.
واستبعد نيد برايس، المتحدث باسم وزيرة الخارجية الأمريكية، تسليم المساعدات عبر النظام السوري، قائلاً: "سيكون من المفارقات، إن لم يأتِ بنتائج عكسية، أن نتواصل مع نظام مارس معاملة وحشية على شعبه، على مدار فترة عشر سنوات حتى الآن، فقتلهم بالغاز، وذبحهم، وكان مسؤولاً عن الكثير من المعاناة التي تحملوها".
"بدلاً من ذلك، لدينا شركاء في المجال الإنساني على الأرض، يمكنهم تقديم نوع من المساعدة في أعقاب هذه الزلازل المأساوية. هؤلاء الشركاء، على عكس النظام السوري، موجودون هناك لمساعدة الناس بدلاً من تعنيفهم".
يأتي ذلك في ظل جدل في مجلس الأمن، بسبب تقرير أممي حول استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية قرب العاصمة دمشق عام 2018، وسط تبادل اتهامات بين روسيا حليفة النظام والغرب.
وهكذا بات حصول الشعب السوري المنكوب على الأدوات الكفيلة بإنقاذ حياة أبنائه المدفونين تحت الأنقاض، أو ما يُبقي من نجا ولكنه عالق في العراء على قيد الحياة مسألة معقدة.
كانت الحكومة السورية خلال اتفاقات الهُدن، خلال الصراع، تسمح بمرور المقاتلين والمدنيين من المناطق التي أعادت احتلالها إلى محافظة إدلب الفقيرة أصلاً في شمال غربي البلاد، بجوار الحدود مع تركيا.
وبالإضافة إلى آثار القصف المنتظم من قِبل القوات الحكومية، كان المرض ينتشر بالفعل في المنطقة في ظل معاناتها من عملية نزوح كبيرة على مدار السنوات الماضية، حيث أن الكثير من السكان يعيشون في مخيمات للاجئين.
الخوذ البيضاء تشكر مصر
وجّه حساب "الخوذ البيضاء" على تويتر الشكر لمصر، على المساعدات التي قدمتها للشمال السوري، الذي تسيطر عليه المعارضة، وقالت تغريدة للخوذ البيضاء "شكراً لمصر، وللشعب المصري على موقفهم السبّاق في تلبية نداء السوريين المنكوبين في شمال غربي سوريا، جراء الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، لقدوم فريق تقني من الاختصاصيين، لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض، ومن الأطباء لتقديم الرعاية الطبية".
وقررت مصر إرسال مساعدات إغاثية عاجلة إلى كل من سوريا وتركيا، لمواجهة تداعيات الزلزال المروع. وجاء الإعلان خلال اتصالين هاتفيين أجراهما وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الأول الإثنين، مع نظيريه في تركيا مولود جاويش أوغلو، وسوريا فيصل المقداد لتقديم العزاء.
نظام الأسد يمنع المنظمات الدولية ويسعى للسيطرة على الملف
وفقاً للأمم المتحدة، تعيق المساعدة الدولية لشمالي سوريا القيود التي تفرضها حكومة نظام الأسد، والتي تمنع أيضاً بعض المنظمات الدولية من الوصول إلى المنطقة. كما يجب أن توافق الحكومة التركية على المساعدات، حيث إنها تتدفق إلى الجيب الذي يسيطر عليه المعارضون، فقط عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية، الذي تعرض للتدمير جراء الزلزال.
والأزمة معرضة لأن تزداد تعقيداً لأن تسليم المساعدات إلى الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة يعتمد على تصويت مجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر، لكن في عام 2020 أجبرت روسيا جميع معابر المساعدات على الإغلاق، باستثناء باب الهوى، واصفةً المساعدات بأنها انتهاك لسيادة الدولة، وحليفتها الحكومة السورية.
وتتصاعد المخاوف كل ستة أشهر من أن روسيا ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد المعبر الأخير، الذي تعتبره الأمم المتحدة الطريق الوحيد القابل للتطبيق لتقديم المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والمأوى والمساعدة الطبية.
تركيا داعمة المنطقة التقليدية منشغلة بأزمتها هذه المرة
وتركيا هي حليف المعارضة التي تسيطر على شمال سوريا، وعادة تقوم بدعم هذه المنطقة المعزولة، ولكن "أنقرة الآن غارقة تماماً في التعامل مع شعبها ومساعدته، حسبما قال مارك لوكوك، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة.
وأضاف "واقعياً لانتوقع من الأتراك إعطاء الأولوية حالياً للتركيز على تسهيل المساعدة للسوريين"، حسبما نقلت عنه صحيفة the Washington Post الأمريكية.
وتقدم المنظمات غير الحكومية الدولية المساعدة لإدلب والمناطق المحيطة بها منذ سنوات، ولكن بسبب ما وصفه مسؤولو الأمم المتحدة بـ"الإرهاق من سوريا"، (تراجع الاهتمام بها بعد أن طالت الأزمة)، تضاءلت التبرعات وتحول الاهتمام إلى أماكن أخرى، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.
كانت الجهود الإنسانية السابقة بمثابة تدابير مؤقتة في أحسن الأحوال، ولم تترك مجالاً كبيراً للتأهب لحالات الطوارئ إذا حدثت كارثة طبيعية.
وقال لوكوك: "إن الوضع البالغ الصعوبة تفاقم بالفعل، حيث كانت الوكالات بالفعل على أهبة الاستعداد لمحاولة منع المجاعة وأمراض الأطفال"، وقال إن حكومة الأسد لديها "سجل حافل في عدم التعاون ومحاولة منع الناس من المرور".
وقال لوكوك إن الحلول تشمل تبرعات للخوذ البيضاء، وهي جماعة دفاع مدني مدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي عمل أعضاؤها بلا كلل منذ وقوع الزلزال. وأضاف أن على الأمم المتحدة أيضاً توسيع آليات المساعدة من تركيا، وممارسة الضغط الدولي على سوريا حتى تزيل الحكومة القيود.
ولكن الخوذ البيضاء من جانبها، انتقدت بشدة عدم وصول المساعدات الدولية، كما سبق الإشارة.
فيما أفادت تقارير إعلامية غربية بأن مجموعة الخوذ البيضاء أعلنت أن بريطانيا ستُفرج عن 967 ألف دولار إضافية لدعمهم، وأن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كانت على اتصال بشأن كيف يمكنها "تلبية احتياجات الاستجابة الأكثر إلحاحاً".
الأمم المتحدة غير متفائلة بتجاوب الأسد في تسهيل وصول المساعدات
لم يبدو لوكوك متفائلاً بأن الحكومة السورية ستسهل وصول المنظمات الدولية، بالنظر إلى سجلها السابق.
ويعاني شمال غربي سوريا منذ فترة طويلة من القصف المنتظم، وكانت أحدث الغارات في يناير/كانون الثاني الماضي. واجتاحت الكوليرا المنطقة بسبب عدم الوصول إلى المياه النظيفة، الآن قضى الزلزال على الإنترنت والكهرباء ودمر الملاجئ المتهالكة بالفعل.
وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأدنى والشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "لا يمكننا الوصول إلى منطقة إدلب".
وأضاف كاربوني"بالتأكيد ليس لدى الشمال السوري الدعم الدولي الذي قدم لأنقرة، إضافة للفرق المحلية المنتشرة في تركيا، هذا يعني أن معظم الناس يموتون في شمال غربي سوريا".
وقال مدير الاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ في لجنة الإنقاذ الدولية إن المعابر الحدودية المتاحة "غير كافية" في الأصل حتى قبل الزلزال، وكانت اللجنة تطالب بزيادة الوصول، بسبب صعوبة المهمة، التي تفاقمت بسبب الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية والمباني والطرق جراء الزلزال.
العقوبات الأمريكية مبرر النظام وكذلك الغرب لعرقلة المعونات!
على الجانب الآخر من المعادلة، يمكن من الناحية اللوجستية نقل المساعدات إلى محيط إدلب عبر المناطق التي تسيطر عليها حكومة بشار الأسد.
ولكن تتجنب الحكومات الأجنبية والعديد من منظمات الإغاثة الدولية، توجيه المساعدات مباشرة من خلال الحكومة، التي فرضت عقوبات أمريكية وأوروبية عليها لارتكاب جرائم حرب ضد شعبها. وينتشر الاعتقادعلى نطاق واسع بأن المساعدة سيحصل عليها المستفيدون من الحرب، والمسؤولون السوريون، حسب الإعلام الغربي.
وتهدف مجموعة العقوبات الأمريكية، المعروفة باسم قانون قيصر، حسب واشنطن، إلى إجبار نظام الأسد على وقف قصفه، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة على نطاق واسع.
ولكن ينص القانون على أن "قانون قيصر والعقوبات الأمريكية الأخرى على سوريا لا تستهدف المساعدة الإنسانية للشعب السوري، أو تعرقل أنشطتنا لتحقيق الاستقرار في شمال شرقي سوريا".
أمس الأول الثلاثاء، طعنت الحكومة السورية في هذا الادعاء. وألقت وزارة خارجيتها باللوم بشكل مباشر على هذه القيود، قائلة إن السوريين كانوا يلجأون إلى "الحفر أحياناً بين الأنقاض باليد، لأن أدوات إزالة الأنقاض ممنوعة عليهم، وهم يستخدمون أبسط الأدوات القديمة… لأنهم يعاقبون بـ"الأمريكيين الذين يمنعونهم من الإمدادات والمعدات اللازمة".
غالباً ما تلقي الحكومة السورية مسؤولية الكثير من مشاكلها على العقوبات الدولية، في محاولة لتحويل غضب السوريين إلى قوى خارجية.
ودعا مدير الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، (محسوب على النظام)، أمس الأول الثلاثاء، إلى رفع العقوبات "لمواجهة آثار الزلزال المدمر". وقال إن سوريا بحاجة إلى آليات ثقيلة، وسيارات إسعاف، وعربات إطفاء، لمواصلة عمليات البحث والإنقاذ وإزالة الأنقاض، "الأمر الذي يتطلب رفع العقوبات عن سوريا في أسرع وقت ممكن". وقال إن هناك ما بين 30 و40 سيارة إسعاف استجابت للكارثة.
وأضاف حبوباتي: "نحن على استعداد لإرسال قافلة مساعدات إلى إدلب"، وطلب من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المساعدة.
ورفض تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، ومقره العاصمة الأمريكية واشنطن، دعوات النظام السوري لرفع العقوبات، ووصفها بأنها "نقطة تتعلق بالنظام الانتهازي"، مضيفاً أن العقوبات "ليس لها أي تأثير في تقديم المساعدة".
إنه لا يستطيع توزيع المساعدات على الأرض، وهكذا يريد استغلالها
يحاول النظام التحكم في عملية توزيع المساعدات لتحقيق أهداف سياسية، رغم أنه واقعياً غير قادر على توصيلها لسكان مناطق الشمال الخاضعة للمعارضة.
وقال قتيبة إدلبي، الباحث السوري في مركز أبحاث المجلس الأطلسي الأمريكي، إن إصرار الرئيس السوري بشار الأسد على أن المساعدات التي يتم تسليمها من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى المناطق التي يسيطر عليها المعارضون، أمر لا يتعلق بكيفية تقديم المساعدة إلى المناطق المتضررة، ولكن حول من يحوز هذه المساعدات ويسيطر على اقتصاد العمليات الإنسانية في الشمال الغربي.
وقال من الخطأ الظن بأن لدى حكومة الأسد القدرة على تنفيذ أي عملية مساعدة في شمال غرب سوريا.
فما هو واضح أنها تريد استغلال الأزمة لكسر الحصار الغربي عليها، دون أن تكون قادرة فعلاً على توزيع المساعدات، بل استغلالها لتعزيز نفوذها إن لم يكن جعل حياة السوريين في الشمال أكثر صعوبة، أما الغرب فيتعامل مع الأمر بلا مبالاة، والأمم المتحدة تُسهم في موت السوريين ببيروقراطيتها، حسبما يقول العاملون على الأرض في الشمال السوري.