مع اتضاح الصورة بشأن نطاق الدمار الذي وقع في سوريا نتيجة زلزال تركيا العنيف، تفاقم عقبات السياسة من صعوبة وصول المساعدات الدولية إلى محتاجيها، فالإغلاقات الحدودية والعزلة السياسية والسعي لحرمان المعارضين من المساعدات أمور تزيد الطين بلة.
إذ إن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا، الإثنين 6 فبراير/شباط، أصابت مساحةً واسعةً من أراضي سوريا، التي تعاني بالفعل من ندوب الحرب الأهلية الممتدة لأكثر من عقد كامل؛ حيث تنقسم السيطرة على أراضي الشمال بين حكومة بشار الأسد في دمشق وبين المعارضة، وألحقت الكارثة ضرراً بالغاً بالطريق المؤدي إلى المعبر الحدودي الوحيد المفتوح، الذي تمر عبره قوافل مساعدات الأمم المتحدة بين تركيا وسوريا.
وتسيطر جماعات المعارضة على الركن الشمالي الغربي من البلاد، على طول الحدود مع تركيا، ويقطنها حوالي 4.6 مليون شخص. وعشرات الآلاف من الأشخاص في تلك المنطقة أصبحوا مشردين مؤخراً. ومخيمات اللاجئين ممتلئة عن آخرها بالفعل جراء النزوح من مناطق الحرب، فهي تضم 2.7 مليون شخص قدموا إلى الشمال الغربي من أجزاء أخرى من البلاد.
الجميع يرغبون في مساعدة سوريا، ولكن!
منذ اللحظة الأولى لوقوع الزلزال المدمر، سارعت أغلب دول العالم بالإعراب عن تضامنها واستعدادها لإرسال المساعدات إلى تركيا وسوريا، وهو أمر معتاد في العلاقات الدولية، يعرف بدبلوماسية الكوارث الطبيعية أو دبلوماسية النكبات، حيث تنحّي الدول خلافاتها وعداواتها جانباً، ولو بشكل مؤقت.
لكن الوضع في سوريا مختلف وأثبت، بعد دخول الكارثة يومها الرابع، أنه أكثر تعقيداً رغم فداحة الكارثة وعمق المعاناة. فمرة أخرى، سمع السوريون دوي سقوط المباني، وشاهدوا الغبار المتصاعد من أكوام الخرسانة الرمادية القاسية وأسياخ الحديد الملتوية التي كانت منازل ومكاتب. ومرة أخرى، يحفر الناس بأياديهم في الأنقاض، على أمل، يتبدد في أحيان كثيرة، إنقاذ أهلهم وأحبابهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وحذّرت جماعات الإغاثة من أن العقوبات القاسية المفروضة على حكومة الأسد، نتيجة الحرب السورية، قد أعاقت الاستثمار وربما تضر بجهود الإغاثة. وصحيحٌ أن المعاملات مع سوريا للأغراض الإنسانية ما تزال مسموحة، لكنها تواجه فحوصات امتثال مطولة من المصارف، التي تخشى انتهاك القيود الأوروبية والأمريكية الصارمة على حكومة الأسد.
وقد ازدحمت الطرقات على الجانب التركي من الحدود بمركبات الإنشاءات والإنقاذ حتى يوم الأربعاء 8 فبراير/شباط. بينما اضطرت المناطق المتضررة في سوريا للاكتفاء بما لديها من معدات ثقيلة محدودة، وعمليات بحث وإنقاذ يُديرها المتطوعون في المقام الأول؛ إذ لم يعُد هناك الكثير من الأطباء في البلاد، عقب الهجرة الجماعية للسوريين من المناطق التي مزّقتها الحرب.
أما العامل الآخر الذي يمنع وصول المساعدات إلى سوريا فيتمثل في هيئة تحرير الشام؛ حيث تسيطر هيئة تحرير الشام على أجزاء من أراضي المعارضة، مثل إدلب وريف شمال حلب، لكنها مصنفةٌ كمنظمة إرهابية بواسطة الولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
فيما قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، يوم الثلاثاء، إن بلادها ستضغط من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا. كما دعت جميع الأطراف الدولية، بما فيها روسيا، إلى الضغط على الأسد لفتح جميع المعابر الحدودية أمام المساعدات.
وتلقى الأسد في أعقاب الجائحة رسائل دعم غير مسبوقة من مختلف زعماء الشرق الأوسط، الذين كانوا يتجنبونه حتى وقتٍ قريب بسبب حملة قمعه المميتة بحق المتظاهرين وعلاقاته مع إيران.
لكن مناطق المعارضة ستضطر للاعتناء بنفسها على الأرجح، حسب تصريحات نيكولاي سوركوف، الباحث البارز في International Relations' Center for the Middle East، وذلك أثناء حديثه إلى صحيفة Izvestia الروسية.
يُذكر أن وكالات الإغاثة في شمال غرب سوريا قد كدّست إمدادات المساعدة، مثل البطانيات ومفارش الأسرة والمصابيح الشمسية والخيام، في أعقاب النزاع الذي اندلع العام الماضي حول الوصول إلى المعبر الحدودي الوحيد المفتوح مع تركيا. بينما قالت كيرين بارنز، مديرة البرنامج السوري في منظمة "فيلق الرحمة" للمساعدات، إن تلك الإمدادات "ستنفد بسرعةٍ نسبياً".
وقد عرضت الولايات المتحدة، وحلف الناتو، والحكومات الأوروبية إرسال فرق إنقاذ ومساعدات إلى سوريا. لكن حكومة دمشق تُعَدُّ منبوذة من قبل غالبية الدول الأجنبية، باستثناء إيران، وروسيا، والصين. ولم تتقدم دمشق حتى الآن بطلب المساعدة التي ستسمح لفرق الاتحاد الأوروبي بالعمل مباشرةً في أكثر المناطق تضرراً بشمال غرب البلاد.
ويُعاني الشمال السوري من الفقر المدقع منذ سنوات في ظل نقص تمويل الاحتياجات الإنسانية؛ إذ قدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حاجة 4.1 مليون إنسان للمساعدات في شمال غرب سوريا، بينما تصل المساعدات إلى نحو 2.6 منهم فقط كل شهر.
أوضاع كارثية في شمال غرب سوريا
نجح النظام السوري أن يُقلص عدد مسارات عبور المساعدات للحدود في شمال غرب سوريا، بدعمٍ من حق الفيتو الروسي في مجلس الأمن، ليقتصر عبور المساعدات على معبرٍ واحدٍ فقط هو معبر باب الهوى التركي. لكن شريان الحياة الوحيد الممتد إلى معاقل المعارضة السورية تعرض للإغلاق نتيجة الزلزال.
إذ إن الطريق الممتد من غازي عنتاب إلى أنطاكية إلى باب الهوى قد تحوّل إلى حطام، بينما يتعذر الوصول إلى الطرق الأخرى. وقالت الأمم المتحدة إنها لا تمتلك "تصوراً واضحاً" عن توقيت إعادة فتح تلك الطرق؛ مما سيؤدي إلى ترك أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون هناك في أوضاع مزرية.
مهند هادي، منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، قال الأربعاء إن المنظمة الدولية تأمل في استئناف شحنات المساعدات الحيوية عبر الحدود من تركيا إلى شمال غرب سوريا يوم الخميس 9 فبراير/شباط، بعد توقفها منذ الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين.
وعلى مدى أعوام وصفت الأمم المتحدة نقل المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في سوريا عبر الحدود من تركيا بأنها "شريان حياة" لنحو أربعة ملايين شخص تقول إنهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
وقال هادي لرويترز، خلال إفادة صحفية عبر الإنترنت" "نأمل أن نتمكن غداً من توصيل (مساعدات) عبر الحدود". وأضاف" "لدينا بصيص أمل في إمكانية اجتياز الطريق والوصول إلى الناس".
وقال هادي والمصطفى بن المليح، المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، إن هناك استعدادات جارية لإرسال قوافل مساعدة عبر الخطوط الأمامية داخل سوريا وصولاً إلى شمال غرب البلاد، وهو الطريق الوحيد الذي تقول حكومة بشار الأسد إنه يتعين استخدامه لتوصيل المساعدات.
وقال هادي: "الفكرة هي الوصول إلى الناس بأسرع وأرخص وأفضل الطرق الممكنة. الخطوط المتقاطعة، مثلما هو الحال اليوم، لا تحل محل المرور عبر الحدود. نأمل أن يضع الجميع مصالح الشعب أولاً وأن نبقي السياسة جانباً".
منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري بشمال إدلب، قال في لقاء مع قناة الجزيرة، إن هناك 2800 متطوع من أفراد الخوذ البيضاء يعملون لمواجهة الكارثة باستخدام 40 آلية، لكن الوضع أكبر من الإمكانيات الموجودة، في شمال غربي سوريا، حيث إن 400 بناء مهدم بالكامل وأكثر من ألف مدمر بشكل جزئي، وعمليات الإجلاء جرت من آلاف الأبنية، كما أن السكان يعانون من البرد.
وانتقد تأخير المساعدات الدولية، قائلاً إن نقص المعدات جعل الأمل يتراجع بسبب عدم وصولها في 72 ساعة الأولى التي تقترب من نهايتها؛ مما يؤدي لتضاؤل فرص إنقاذ العالقين تحت الأنقاض. وأضاف: "في الساعات الخمس الأخيرة شخص أو شخصان من العائلة التي يتم إنقاذها من تحت الأنقاض يكون على قيد الحياة، في الساعات الأولى كان أغلب الأسر على قيد الحياة… الوقت بدأ ينفد".
السياسة وألاعيبها تزيد معاناة السوريين من الزلزال
خلال الأسابيع التي سبقت زلازل يوم الإثنين، عانى الشمال السوري من الطقس الشتوي شديد البرودة وتفشي الكوليرا. بينما دمرت الزلازل ثقوب السبر، مما أدى إلى تلويث الطين والتربة للآبار التي تمد آلاف السوريين بالمياه الصالحة للشرب، وفقاً لكثيرين.
ويزيد الطين بلة على صعيد توصيل المساعدات سريعاً لأن الزلزال ضرب بعض مناطق الشمال الغربي الخاضعة لسيطرة الأسد. بينما ستبذل الحكومات الغربية قصارى جهدها لتجنب توصيل المساعدات إلى حكومته مباشرةً، بعد سنوات من جرائم القتل والتعذيب والتدمير التي اقترفها. لكن تلك الحكومات تحرص على وصول المساعدات إلى جميع السوريين، رغم إغلاق الحدود.
وتستطيع المنظمات الإنسانية الموجودة في مناطق النظام أن توصل المساعدات إلى المدنيين، لكنها نادراً ما تدخل الأراضي الواقعة شمال غرب البلاد.
وتحاول الدول فتح المزيد من الطرق التركية المؤدية إلى الشمال الغربي، لكن قد يكون من الصعب تغيير آلية عمل الأمم المتحدة التي تسيطر عليها روسيا، حيث قال سفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة إن جميع المساعدات يجب أن تمر عبر حكومته، حتى المساعدات الموجهة إلى أراضي المعارضة. بينما يتمتع النظام بتاريخٍ طويل من الاستيلاء على أموال المساعدات وتقسيمها بين قاعدةٍ من أكثر أنصاره ولاءً.
كانت مناطق الشمال الغربي التي تسيطر عليها المعارضة مدمرةً بالفعل، ويصعب العيش فيها، قبل أن يضرب الزلزال. وما يزال المدنيون يتعرضون للقصف الجوي من قوات الأسد وروسيا، فضلاً عن المعارك البرية بين فصائل المعارضة من آنٍ لآخر. كما تخضع غالبية أراضي المنطقة لسيطرة هيئة تحرير الشام. بينما يتمتع النظام السوري بدعم روسيا وإيران، حيث تمتلك كل منهما معاقل سيطرتها الخاصة في الأراضي التي يسيطر عليها النظام.
ومن المرجح أن تركز تركيا على جهود الاستجابة للكارثة على أراضيها أولاً، قبل أن تعطي الأولوية لإصلاح الطريق المؤدي إلى شمال سوريا. فضلاً عن أن تركيا كانت تعاني أزمة اقتصادية، وقد أضرت تلك الأزمة بالمنطقة التي ضربها الزلزال على نحوٍ خاص.
يُعتقد أن أول زلزال كان من أكبر زلازل "الصدع الانزلاقي" التي ضربت الأرض على الإطلاق؛ حيث أحدث تصدعاً بطول 99 كيلومتراً بين الصفيحتين الأناضولية والعربية. وانبعثت من الزلزال طاقة تعادل 250 ضعفاً من الطاقة التي انبعثت من زلزال عام 2016، الذي ضرب إيطاليا وراح ضحيته 300 شخص.
وقد أدى الزلزال إلى إلحاق أضرار بطريق هاتاي-غازي عنتاب السريع؛ مما أعاق توصيل المساعدات بدرجةٍ أكبر. كما تضرر مطار هاتاي والطرق المؤدية إلى معبر باب الهوى. فيما قال مسؤولو الأمم المتحدة إن الاستجابة داخل مناطق الحكومة السورية تواجه مشكلات مماثلة، بعد تضرر العديد من الطرق الرئيسية، بحسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.
وتستطيع الأمم المتحدة توصيل مساعدات إلى داخل سوريا عبر الحدود مع تركيا لأنها تملك تفويضاً من مجلس الأمن، لكن الحكومة السورية تعتبر ذلك انتهاكاً لسيادة واستقلال ووحدة أراضي البلاد.
وقال باسم صباغ، سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، للصحفيين الثلاثاء: "بدون سيطرة الحكومة وتصريح الحكومة وموافقة الحكومة فإن هذا انتهاك ببساطة. الخطوط المتقاطعة متاحة".
وناشد هادي وبن المليح جميع أطراف النزاع السوري تغليب مصلحة الشعب وتسهيل المرور عبر الخطوط المتقاطعة. وأشار بن المليح إلى أن الحكومة كانت متعاونة.
ويخشى معارضو الأسد أن تسيطر الحكومة على المساعدات الغذائية وغيرها من مواد الإغاثة داخل سوريا. وذلك في الوقت الذي ترتفع فيه أعداد الضحايا بشدة، فهناك عشرات المئات من العائلات تحت أنقاض منازلها.
ويقول مدير الخوذ البيضاء إنه تم إنشاء بعض المخيمات، لكن لا يزال عدد كبير من الناس في العراء، وفي المساجد المدارس، وأضاف: "لا أعرف أسباب هذا التأخير في المساعدات الدولية"، مؤكداً أنه تم التنسيق وتشكيل فرق عمليات لكل موقع، يوجد في الغرفة قادة عمليات، تم تركيز غرفة خاصة بمنطقة جندريس و35 نقطة في منطقة جندريس وحدها.
"هناك ألف مدني متطوع تحت تصرف الخوذ، ولكن ليس هناك معدات. ما لنا غيرك يا الله"، بحسب مدير الخوذ البيضاء، الذي تساءل: "لماذا الإنسانية تتجزأ؟".