في ظل استمرار الكارثة والارتفاع المتواصل لأعداد الضحايا والجرحى في تركيا جراء الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد وشمال سوريا أيضاً، يحذر خبراء اقتصاديون من أن الزلزال سيكون ذا تأثير "هائل" على الاقتصاد التركي.
ويقول علماء الزلازل إن الزلزال الذي وقع فجر يوم الإثنين 6 فبراير/شباط 2023 والهزات التي تبعته، مثلت أسوأ مجموعة من الزلازل تضرب تركيا في العصر الحديث، وهو أقوى زلزال مسجل يضرب تركيا منذ عام 1939، كما وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزلزال بأنه "أكبر كارثة منذ زلزال إرزينجان عام 1939 الذي أودى بحياة نحو 33 ألف شخص".
وبلغ عدد الوفيات أكثر من 7100 في تركيا وحدها، حتى وقت نشر هذا التقرير، فيما تجاوزت بالمناطق السورية 2530، ناهيك عن عشرات آلاف الجرحى والمفقودين. ومن المقرر أن ترتفع هذه الأرقام بشكل كبير حيث لا يزال المئات إن لم يكن الآلاف، محاصرين تحت الأنقاض.
ما التأثيرات الاقتصادية الأولية لزلزال تركيا؟
هبطت مباشرة الليرة التركية منذ صباح يوم الإثنين إلى مستوى قياسي جديد مسجلة 18.85 أمام الدولار، قبل أن تقلص خسائرها خلال نهار اليوم ذاته، فيما انخفض مؤشر الأسهم الرئيسي في البلاد بنسبة 4.6 في المائة، مع تهاوي البنوك بأكثر من 5 في المائة، قبل تقليص بعض الخسائر.
في الوقت نفسه، انخفض مؤشر بورصة اسطنبول بأكثر من 16 ٪ في 3 أيام، ليسجل أكبر خسارة منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2021، حيث حذر خبراء اقتصاديون من عدم تعليق التداول فوراً، وإلا ستكون النتيجة هبوط السوق لفترة طويلة وستكون الخسائر فادحة.
بعد تلك التحذيرات، أعلنت بورصة إسطنبول ظهر يوم الأربعاء 8 فبراير/شباط، أنها أوقفت مؤقتاً التعاملات في أسهم العديد من الشركات في منطقة الزلزال، على الرغم من أنه من المتوقع استئناف التداول في وقت لاحق اليوم.
كيف سيكون تأثير الزلزال المدمر على الاقتصاد التركي؟
يقول خبراء اقتصاديون في تركيا إنه من المتوقع أن يؤدي الزلزال الشديد، الذي ضرب 10 محافظات في جنوب البلاد وتسبب في تدمير آلاف المباني، في تكليف الاقتصاد التركي مليارات الليرات خلال عملية إعادة الإعمار، وأن يتسبب بتراجع نمو الاقتصاد التركي بنسبة 1 إلى 2 بالمئة هذا العام.
وبحسب صحيفة Dünya Gazetesi، يعيش ما مجموعه 13.42 مليون شخص في المقاطعات التي تضررت من الزلزال، لذلك ستتطلب إعادة بناء المستشفيات والطرق وخطوط النقل التي تضررت مليارات الدولارات، بالإضافة إلى تأمين الاحتياجات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للمأوى لملايين المتضررين.
وقام 3 اقتصاديين بحساب تأثير الزلزال على الناتج المحلي الإجمالي، ووجدوا أن الخسارة ستكون بين 0.6 و 2 نقطة بحسب ما نقلت وكالة رويترز. ويعتمد الاقتصاديون على سيناريو يتعطل فيه الإنتاج بنسبة 50٪ ويتم تعويض هذا الانخفاض خلال 6-12 شهراً.
وقال مسؤول تركي لرويترز، إن النمو هذا العام قد يكون أقل بمقدار 1-2 نقطة من التقديرات الأولية بسبب الزلزال المدمر.
تأثيرات كبيرة وطويلة على النمو الاقتصادي
في الوقت نفسه، لا يمكن تقدير التأثير الدقيق للزلزال على الاقتصاد التركي، لأنه من غير المعروف حجم خسارة الإنتاج ومدة استمرار هذه الخسارة. ومع ذلك، فإن الخسارة البالغة 10٪ في تركيا مقارنة بالأسبوع الماضي، وكذلك الحسابات التي تم إجراؤها بعد الزلازل السابقة وبيانات استهلاك الكهرباء، تشير أيضاً إلى أنه ستكون هناك تأثيرات كبيرة على النمو الاقتصادي.
وفقاً لبيانات EPİA التركية للطاقة، انخفض الاستهلاك الوطني للكهرباء في تركيا بنسبة 11٪ إلى 37500 ميجاوات/ساعة يوم الإثنين، عندما وقع الزلزال، مقارنة بنفس اليوم من الأسبوع السابق.
وقال مسؤول كبير لرويترز: "ستقع أضرار بمليارات الليرات، الآن المباني العامة والمستشفيات والمساكن وخطوط الأنابيب والمنشآت المختلفة والمصانع متضررة، وبالنظر إلى كل هذه الأمور مجتمعة، ستكون هناك تكلفة ضخمة لإعادة الإعمار السريع"، مضيفاً أنه "سيتعين استخدام بعض الاستثمارات المتوقعة في الميزانية في هذه المناطق، ربما سيتم تكبد مليارات الدولارات فيما يتعلق بالدخل القومي في تركيا. وسيستغرق تحديد الإطار الزمني لهذه العملية وقتاً، لكنه كذلك من المتوقع أن يكون هناك انخفاض بنسبة 1٪ على الأقل، وربما 2٪، عن النمو المتوقع هذا العام".
وأشار اقتصاديون إلى أنهم يتوقعون خسارة مليارات الدولارات في الصادرات من المنطقة على مدار العام، لكن التأثير الإجمالي على التجارة الخارجية سيظل ضعيفاً؛ حيث سيظهر تأثير مماثل في الواردات. بينما يشير الاقتصاديون إلى أنه يمكن رؤية التأثيرات القطاعية بصرف النظر عن التأثيرات الكلية، وسيستغرق فهم التأثير الصافي وقتاً أطول.
ما حجم تأثير المناطق المنكوبة جنوب البلاد في الاقتصاد التركي؟
- بحسب البيانات التي أعلن عنها (المعهد الإحصائي التركي) TUIK هذا الأسبوع، يعيش 13.42 مليون شخص في 10 محافظات متضررة من الزلزال، ويشكلون 15.7٪ من إجمالي السكان.
- تبلغ حصة المناطق المنكوبة من الزلزال 9.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا.
- تساهم المناطق المنكوبة جنوب تركيا في الزراعة بنسبة 14٪، وفي الصناعة 11.2٪، وفي السياحة 1٪.
- كما تساهم المناطق المنكوبة بـ8.5٪ من إجمالي الصادرات التركية و6.7٪ من الواردات.
- ولاية غازي عنتاب وحدها تحقق 4.4٪ من صادرات تركيا، وهاتاي 1.6٪ وأضنة 1.2٪.
تأثيرات اقتصادية كبيرة مقارنةً مع زلزال عام 1999
من جهته، قال البروفيسور والأكاديمي بول مارتن ماي، من قسم علوم وهندسة الأرض في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا بالسعودية، إن بيانات الهزة الأولية تشير إلى أن الزلزال كان بطول أكثر من 300 كيلومتر. وأضاف: "على مدى 300 كيلومتر، دُمرت القرى والبلدات، وسيكون لذلك تأثيرات اقتصادية جمَّة، كما ستتعطل البنية التحتية اللازمة للحياة، من الغاز والكهرباء وأنابيب المياه".
وتابع مارتن ماي في حديثه لشبكة CNA الآسيوية التي تبث من سنغافورة: "سيكون التأثير على السكان والاقتصاد المحليين هائلاً؛ لأنه زلزال كبير أثَّر على مساحة كبيرة".
وأشار مارتن إلى أن هذا الزلزال يفوق حجم دمار وأثر زلزال تركيا عام 1999 الذي وقع بالقرب من إسطنبول، وأدى حينها إلى سقوط أكثر من 15 ألف ضحية، فيما من المرشح أن ترتفع أعداد ضحايا الزلزال الحالي لأكبر من هذا الرقم، بحسب تقديرات تركية.
تركيا تمر بوقت عصيب اقتصادياً من قبل وقوع الزلزال
في السياق، يقول موقع al-monitor الأمريكي، إن الزلزال يأتي في وقت عصيب؛ حيث تواجه تركيا أشد أزمة اقتصادية في تاريخها، بعدما بلغ معدل التضخم السنوي أكثر من 80٪، وانخفضت الليرة بنسبة 30٪ مقابل الدولار العام الماضي.
على الجانب الآخر، تضخم عجز الحساب الجاري للبلاد إلى ما يقرب من 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في ظل ضربات التضخم الكبيرة، بفعل الأزمة الأوكرانية. ويؤثر التباطؤ الاقتصادي على نمو البلاد واستمرار تعافيها من صدمة كورونا والحرب الروسية.
وتحولت الحكومة التركية إلى اتجاه الإنفاق لتنشيط الاقتصاد، بعروض تقاعد مبكر لـ2.3 مليون عامل، ووعود بتشييد نصف مليون منزل للأسر ذات الدخل المنخفض. كما يأتي وسط كل ذلك مع وجود ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري، وهو ما يضيف أعباء على الاقتصاد التركي.
وبحسب المونيتور، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً الآن هو ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستجرى كما هو مقرر في 14 مايو/أيار المقبل. وسيعتمد ذلك على عامل مهم، وهو ما إذا كانت الظروف المادية للانتخابات موجودة في أقرب وقت.
والاختبار الرئيسي -بحسب المونيتور- هو كيفية تعامل الحكومة التركية مع ما يمكن القول إنه إحدى أكبر الأزمات التي واجهتها في المنصب منذ 20 عاماً. وكان يُنظر على نطاق واسع إلى أن ردة فعل الحكومة الائتلافية بزعامة بولنت أجاويد مع زلزال عام 1999 شمال غرب تركيا على أنه عامل حاسم في سقوطها وصعود حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن.
لكن في المقابل، حشدت الحكومة الحالية كل ما تستطيع من فرق الإنقاذ، بما في ذلك آلاف العسكريين، بعد وقت قصير جداً من وقوع الزلزال الأول الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر في الساعة 4:17 صباحاً بالتوقيت المحلي.
فيما سارع الرئيس رجب أردوغان إلى التواصل مع خصومه ومنافسيه في الداخل، والترحيب بالمساعدات من جميع دول العالم، بما في ذلك من "إسرائيل" واليونان الخصمان لتركيا، وأعلن الحداد الوطني لمدة سبعة أيام.
وستكشف الأيام المقبلة، بحسب المونيتور "مدى براعة الرئيس أردوغان في تحويل الشدائد لفرص" كما حدث بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016، لكن لا شك أن هذا الحدث غير المسبوق حجماً وقوةً، ثقيل اقتصادياً على الدولة التركية، ويأتي في وقت عصيب وحرج.