هل يمكن أن يحدث تسونامي في البحر المتوسط بعد زلزال تركيا وسوريا، خاصة في ظل تحذير إيطاليا من هذا الخطر؟ ولماذا قد تكون دولة عربية بعينها مهددة به أكثر من بقية دول المتوسط؟ وما حقيقة المؤشرات المقلقة التي ظهرت بهذه الدولة العربية ودولة متوسطية أخرى؟
وتسبب زلزال تركيا الذي بلغت قوته 7.7 درجة بمقياس ريختر، في "موجات تسونامي صغيرة" بقبرص، حسبما نقل تقرير لموقع in-cyprus، عن مدير المساحة الجيولوجية في قبرص اليونانية، كريستودولوس هادجيجورجيو، الذي استدرك قائلاً إنه لم يتم الإبلاغ عن أي أضرار في قبرص، ولكن لو كان هناك انهيار أرضي تحت الماء، فقد تكون العواقب كارثية.
من جانبها، خففت إيطاليا تحذيرها من حدوث تسونامي في البحر المتوسط بعد زلزال تركيا وسوريا، حيث أصدرت إدارة الحماية المدنية الإيطالية بياناً يوصي الناس بالابتعاد عن المناطق الساحلية، لكنها خففت في وقت لاحق، حالة التأهب وكتبت على تويتر أنه تم سحبها، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
وفي مصر، ظهر في فيديوهات نشرت بمواقع التواصل الاجتماعي، أمواج البحر تضرب الحواجز على شواطئ البحر المتوسط في المدن الساحلية، مثل الإسكندرية ومنتجع رأس البر بمحافظة دمياط، ولكن لم يعرف هل لها علاقة بزلزال تركيا، أم أنها بسبب الطقس السيئ الذي يعم شرق البحر المتوسط حالياً.
ورغم أن مرور عدة ساعات على زلزال تركيا يؤشر إلى أن احتمال حدوث تسونامي في البحر المتوسط نتيجة هذا الزلزال، أصبح مستبعداً، فإن الخطر لم يختفِ تماماً، سواء بسبب الهزات الارتدادية التي كانت قوية بشكل لافت بعد هذا الزلزال أو بسبب زلزال لاحق.
الدرس الذي لم تتعلمه دول البحر المتوسط من تسونامي المحيط الهندي
كانت موجات مد تسونامي المدمرة التي ضربت إندونيسيا والدول المحيطة في عام 2004 واليابان في عام 2011 بمثابة جرس إنذار لدول البحر المتوسط.
وقالت منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، إنه على الرغم من أن المجتمعات بالمحيطين الهادئ والهندي، (حيث تحدث معظم موجات تسونامي)، تدرك في كثير من الأحيان المخاطر من هذه الظاهرة، فقد تم التقليل من شأن احتمالات حدوث تسونامي في المناطق الساحلية الأخرى، وضمن ذلك منطقة البحر الأبيض المتوسط.
إليك ما يقوله لنا التاريخ عن ظاهرة تسونامي في البحر المتوسط
ولكن موجات تسونامي ليست غريبة عن البحر المتوسط، فثورة البركان التي دمرت مدينة بومبي الرومانية الشهيرة، صاحبه زلزال وأعقبته موجات تسونامي، قضت على كثير ممن نجا من البركان والزلزال.
لقد مر ما يقرب من قرن على آخر تسونامي كبير في أوروبا، وكان عبارة عن موجةٍ ارتفاعها 13 متراً، سببها زلزال قبالة سواحل صقلية وتسبب في مقتل نحو 2000 شخص. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون موجات تسونامي في البحر الأبيض المتوسط أكثر تدميراً، حيث أدى انفجار بركاني كبير في جزيرة ثيرا (سانتوريني) منذ نحو 3500 عام، إلى موجة دمرت حضارة بأكملها، وهي حضارة مينوان اليونانية القديمة، حسبما ورد في تقرير لموقع greekreporter اليوناني.
ومنذ مطلع القرن تم تسجيل 177 تسونامي بالفعل، أربعة منها حدثت في حوض البحر الأبيض المتوسط. ولكنها كانت صغيرة نسبياً، ولم يمُت أحد. لكن التاريخ وعلم الزلازل يشيران إلى أن الموجات الأكثر تدميراً لا مفر منها.
كما حدث تسونامي في المحيط الأطلسي عقب زلزال أغادير بالمغرب الذي وقع عام 1960، ويعد أكثر الزلازل فتكاً في تاريخ البلاد.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ضرب تسونامي كبير نجم عن زلزال بقوة ريختر، جزيرة ساموس (اليونان) وساحل بحر إيجة في منطقة إزمير (تركيا)، حسبما ورد في تقرير لمنطمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة UNESCO.
وفقاً لهيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، غرق أحد الضحايا المؤكدين في تركيا بسبب هذا التسونامي.
وهذا التسونامي ثم زلزال تركيا الأخير، تذكير مرير بضرورة زيادة التأهب لتسونامي من خلال تعزيز شبكات الكشف عن مستوى سطح البحر، وتدريب فرق الإنقاذ والمواطنين، وكذلك التعاون الدولي بين بلدان المتوسط.
ويعيش ملايين الأشخاص على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط الذي يعد مهد عدد كبير من الحضارات القديمة.
وتشير دراسة جديدة في مجلة Ocean Science إلى أن زلزالاً معتدلاً في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يتسبب في حدوث تسونامي مع إمكانية التأثير على نسبة كبيرة من 130 مليون شخص يعيشون على سواحله.
الانهيارات الأرضية قد تسبب تسونامي في المتوسط
يحدث التسونامي في الغالب بسبب زلازل قوية، ومع ذلك قد تكون الانهيارات الأرضية أو الثوران البركاني سبباً أيضاً في حدوث تسونامي، والذي تم توثيقه من خلال البيانات التاريخية خاصة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، حسبما ورد في تقرير لمنصة معرفة نظام الأرض (ESKP) الألمانية.
غالباً ما يسبق الانهيار الأرضي حدوث زلزال، لكن هذا قد لا يكون قوياً جداً بالضرورة. ومع ذلك، ونظراً إلى أن العديد من أنظمة الإنذار المبكر من تسونامي تتحول فقط إلى وضع الإنذار عند حدوث زلازل قوية، يعمل علماء مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض (GFZ) في بوتسدام على الكشف السريع عن الانهيارات الأرضية والتغيرات في مستوى سطح البحر التي تسببها.
ضيق المتوسط قد يجعل الدمار كبيراً، ويطال أي بقعة
التحدي الآخر الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار من قِبل العلماء، هو حجم البحر الأبيض المتوسط. إنه صغير نسبياً، ومن ثم فإن موجات تسونامي في البحر المتوسط يمكنها أن تصل إلى كل نقطة على الساحل بسرعة، بحيث يكون وقت الإنذار المبكر غير كاف.
علاوة على ذلك، قد يتعين إصدار تحذير للعديد من البلدان في هذا البحر المكتظ بالدول، التي بعضها متخاصم أو ينتمي إلى عوالم مختلفة، ولذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار، هذا التعدد السياسي أيضاً في أعمال التطوير التقني وأنشطة التدريب.
كيف سيكون طول أمواج التسونامي التي قد تهاجم سواحل دوله؟
إن الحجم المحتمل لتسونامي في البحر الأبيض المتوسط يمكن مقارنته تماماً بالتسونامي الكارثي الذي وقع في 26 ديسمبر/كانون الأول 2004 بالمحيط الهندي، حسب منصة معرفة نظام الأرض (ESKP) الألمانية.
"الزلازل في منطقة البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تصل قوتها إلى ما بين 7.5 و8 ريختر، ومن ثم فإن ارتفاعات الأمواج من خمسة إلى ستة أمتار تقع ضمن نطاق الاحتمال"، كما يقول الدكتور يورن لوتيرجونغ المتخصص بهذا المجال، ستكون العواقب وخيمة. لذلك هناك اهتمام كبير بنظام الإنذار المبكر بأمواج تسونامي مثل النظام الموجود في المحيط الهندي.
الأمم المتحدة تحاول إنشاء نظام للإنذار المبكر في المنطقة
منذ عام 2005، ومجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة والمعنية بعلوم البحار والبيانات المرتبطة بها وتبادل المعلومات، تعمل على إنشاء نظام للإنذار المبكر.
نجح اختبار الاتصال الأولي في أغسطس/آب 2011 داخل نظام الإنذار المبكر من تسونامي والتخفيف من حدته في شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر المتوسط والبحار المتصلة، ويدعى NEAMTWS.
وهذا النظام واحد من أربعة هياكل للإنذار المبكر بشأن تسونامي في جميع أنحاء العالم، تنسقها اللجنة الدولية الحكومية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو، وهناك أنظمة مماثلة قيد التشغيل في المحيط الهادئ والمحيط الهندي ومنطقة البحر الكاريبي.
لعدة سنوات، كانت هناك مراكز إنذار وطنية في فرنسا والبرتغال وتركيا على سبيل المثال، والتي تراقب النشاط الزلزالي ومستويات سطح البحر على مدار الساعة وتطلق إنذاراً إذا لزم الأمر.
وبالتالي لم يكن هناك مركز إنذار مبكر واحد فقط في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن هناك الآن نظام متعدد الدول، يتمتع بميزة أن العديد من مراكز الإنذار المبكر المختلفة تقوم بملاحظات موازية.
إليك أبرز الدول والمدن المعرضة لتسونامي في البحر المتوسط
تقول منظمة اليونسكو إن خطر حدوث تسونامي كبير في غضون الأعوام الثلاثين القادمة يقارب 100%، وتحث المدن الساحلية على أن تصبح "جاهزة لمواجهة تسونامي في البحر المتوسط"، حسبما نقلت عنها the Guardian البريطانية.
فقد يضرب تسونامي قريباً مدناً رئيسية على البحر الأبيض المتوسط أو بالقرب منه، من ضمنها مرسيليا والإسكندرية وإسطنبول، مع احتمال حدوث موجة تصل إلى أكثر من متر واحد في الأعوام الثلاثين المقبلة، وفقاً لليونسكو.
من المتوقع أن ترتفع مخاطر حدوث تسونامي في المجتمعات الساحلية للبحر الأبيض المتوسط مع ارتفاع مستوى سطح البحر جراء التغير المناخي.
وقالت اليونسكو قبل بضعة أشهر، إن "خمسة مجتمعات معرضة للخطر بمنطقة البحر الأبيض المتوسط ستنضم إلى 40 بلدة ومدينة أخرى في 21 دولة جاهزة لمواجهة تسونامي في البحر المتوسط" خلال عام 2023.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات في لشبونة، ستعلن أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو "unesco"، عن برنامج عالمي جديد لضمان أن 100% من المجتمعات الساحلية ستكون "جاهزة للتسونامي" بحلول عام 2030.
لماذا يبدو الوضع في الدول العربية خطيراً بشكل خاص؟
العالم العربي يمر بأجزاء منه حزام ألبايد (Alpide)، الذي يعد ثاني أكثر أحزمة الزلازل خطورة في العالم بعد حلقة النار التي تحيط بالمحيط الهادئ.
وحزام ألبايد يشهد نحو 17% من أكبر الزلازل في العالم، وضمن ذلك بعض الزلازل الأكثر تدميراً في العقود الماضية.
يمر هذا الحزام بشمال العالم العربي وتحديداً الجزء الشمالي من المغرب وتونس والجزائر وكذلك أقصى شمالي سوريا والعراق وأقصى شرقي العراق، ويواجه الساحل الشمالي المصري.
ورغم أن معظم الدول العربية تبدو أقل عرضة للزلازل من دول شمال البحر المتوسط، فإن الأمر قد يكون مختلفاً بالنسبة لتسونامي، فنظراً إلى الضيق الطولي لهذا البحر، فإن زلزالاً في شماله- أي في تركيا أو اليونان أو إيطاليا- قد يؤدي إلى إطلاق موجات ضخمة على سواحل المتوسط الجنوبية والشرقية حيث تقع الدول العربية.
وبالنظر إلى حالة المباني والبنية الأساسية في الدول العربية، وبالنظر إلى ضعف التأهب للزلازل، لأنها أقل وتيرة في الدول العربية من الدول المتوسطية الشمالية، تزداد خطورة حدوث تسونامي في البحر المتوسط على الدول العربية مقارنة بتركيا والدول الأوروبية.
وتزداد الخطورة أيضاً بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية لسواحل الدول العربية على المتوسط.
فمن المعروف أن معظم ساحل البحر المتوسط تحيط به الجبال التي تمنع توغل موجات تسونامي، تاركةً سواحل ضيقة لمدن عريقة مثل روما وإسطنبول وبرشلونة والجزائر وبيروت وأثينا، وهي المدن المعرضة للخطر، وحتى كثير من هذه المدن تقع العديد من أحيائها على تلال، يمكن أن توفر لها حماية جزئية من موجات تسونامي.
ولكن الأمر مختلف في العديد من الدول العربية المتوسطية التي تقل فيها الجبال الساحلية، مثل تونس وفلسطين، بينما لا يوجد سوى الجبل الأخضر في شرق ليبيا، وجبل نفوسة في غربها، بينما لا توجد أي جبال على الساحل المتوسطي لمصر.
وبينما تقع الإسكندرية على ارتفاع بضعة أمتار عن سطح البحر (5 أمتار)، مما يجعلها معرَّضة لخطر في حالة حدوث تسونامي مرتفع، ولكن الدلتا يكاد يتساوى سطحها مع سطح البحر أو يعلو عنه قليلاً (جزء كبير من الدلتا ارتفاع سطحه أقل من متر عن سطح البحر).
يجعل هذا الدلتا، التي تمثل أكبر تجمُّع بشري في مصر والبحر المتوسط، وواحدة من أكبر الدلتاوات في العالم من حيث السكان، معرَّضة لخطر توغل كبير للبحر في حال حدوث تسونامي، خاصة في مناطقها الساحلية المكتظة في بورسعيد ودمياط ورشيد ومنطقة البرلس.
كما أن قطاع غزة المحاصر والمكتظ وكذلك طرابلس عاصمة ليبيا، معرضَين لخطر مماثل.