بعد دعوات للاقتداء بالصين.. هل الزيادة السكانية في مصر مرتفعة حقاً، وهل هي سبب الأزمة الاقتصادية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/02 الساعة 18:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/02 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
مشهد يظهر حشداً من المحلات والمتاجر في سوق العتبة المشهور بازدحامه بوسط القاهرة/رويترز، أرشيفية

"انظروا إلى ما فعلته الصين".. عاد الخطاب الرسمي القائل بأن الزيادة السكانية في مصر هي سبب كل المشكلات، للصعود مجدداً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية بالبلاد، فهل معدل زيادة المواليد والسكان مرتفع حقاً في مصر، وهل هي سبب وضع البلاد الاقتصادي، وبم تخبرنا تجارب البلاد الأخرى؟

وتحضّر الحكومة المصرية حوافز مالية لتشجيع السيدات على تنظيم الأسرة لخفض معدلات الإنجاب، وذلك ضمن مشروع قومي لتنمية الأسرة.

وتتضمن الحوافز وثيقة تأمين أو ادخار بقيمة 60 ألف جنيه (1986.47 دولار)، تُصرف للسيدة عند بلوغ 45 سنة بشرط الالتزام بعدة ضوابط، أهمها إنجاب طفلين على الأكثر، والزيارات الدورية لعيادات تنمية الأسرة، والفحص الدوري لسرطان الثدي.

وقال طاهر حسن مسؤول سابق بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن هناك زيادة سكانية ضخمة تؤثر على خطط الدولة للتنمية الاقتصادية رغم انخفاض معدل الإنجاب خلال الأعوام الماضية، موضحاً أن تلك الزيادة تؤثر على ارتفاع إنفاق الدولة على الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان، كما تؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي للأسر في ظل ثبات الدخول، وكذلك ترفع معدلات البطالة بشكل كبير.

وأكد حسن، في تصريحات خاصة لموقع شبكة CNN الأمريكية الناطق بالعربية، أهمية توعية المواطنين بخطورة قضية الزيادة السكانية، والآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية مع تضمين ذلك في المناهج المدرسية والجامعية لتوعية الطلاب، مع تفعيل منح حوافز مالية للسيدات الملتزمات ببرامج تنظيم الأسرة، مقترحاً خفض رسوم محاسبة الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والغاز للأسر الملتزمة بإنجاب طفلين على الأكثر.

وقالت رانيا الجزايرلي، عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب المصري، إنها تقدمت بمقترح مشروع قانون لتنظيم النسل، ومازال يناقَش في اللجان المختصة، مشيرة إلى أهمية إعداد القانون وإقراره في أقرب وقت ممكن؛ لمواجهة خطر الزيادة السكانية التي تؤثر على الأمن القومي، إذ تلتهم الزيادة السكانية معدل النمو الاقتصادي الذي تحققه الدولة، وأية جهود منها لتحسين الخدمات الأساسية ومن ثم لا يشعر المواطنون بتحسن في مستوى المعيشة، رغم ما يتم تنفيذه من مشروعات قومية ضخمة.

وأضافت الجزايرلي، في تصريحات خاصة لـCNN بالعربية، أن مشروع القانون الذي أعدته يتضمن حوافز عدة لتشجيع السيدات على الالتزام بتنظيم النسل، منها حوافز مالية تصرف من خلال بطاقات التموين، ومنح تعليمية للدراسة في الخارج.

الإشارة لتجربة الصين الصارمة

وأشارت رانيا الجزايرلي إلى التجربة الصينية في فرض عقوبات صارمة على المواطنين للالتزام بالصحة الإنجابية؛ لإدراكها خطورة الزيادة السكانية على مسيرة التنمية الاقتصادية للصين، وحددت سياسة "طفل واحد لكل أسرة"، وفرضت عقوبات مشددة على الأسر غير الملتزمة، واستمرت هذه السياسة 35 عاماً، وتغيرت في الوقت الحالي بعد التزام المواطنين بالإنجاب، مما يتطلب من الدولة المصرية منح حوافز للأسر الملتزمة وفرض عقوبات لغير الملتزمين.

ورفضت الحكومة فرض أية قرارات عقابية على غير الملتزمين بتنظيم الأسرة، ملتزمة بالمحددات الدستورية التي تراعي حقوق الإنسان المختلفة وعدم التمييز بين المواطنين، وفقاً لتصريحات لوزيرة التخطيط.

هل معدل الزيادة السكانية في مصر مرتفع حقاً؟

زاد عدد السكان في مصر خلال عام 2022 بإجماليٍّ قدره 1.583 مليون نسمة، ليصل إجمالي عدد السكان في الداخل إلى 104.53 مليون نسمة، وفقاً للساعة السكانية اللحظية التابعة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ولكن في الواقع، هذا الرقم لا يعني أن الزيادة مرتفعة، لأن المعيار هو نسبة الزيادة لعدد السكان، ومعدل إنجاب المرأة الذي يُعرف باسم معدل الخصوبة.

وتقلبت موجات الزيادة السكانية في مصر خلال العقود الماضية، حيث بلغت ذروتها في عام 1985 بمعدل 2.8%، ثم انخفضت على مدار فترة طويلة، حيث بلغت 2% في عام 2009،  قبل أن تسجل ما يمكن وصفه بذروة صغيرة في عام 2014، حين وصلت لـ2.4%. ومنذ ذلك العام تسجل تراجعاً حاداً، حيث بلغت هذه الزيادة أدنى معدل لها في تاريخ مصر عام 2021، مسجلة نسبة 1.7%، وفقاً للبنك الدولي.

وانخفض معدل الخصوبة الإجمالي (متوسط عدد الأطفال لكل أُم) من 7.1 في عام 1960 إلى 3.5 بين عامي 2000، و2014 (انخفض في بعض الأعوام إلى 3 أطفال فقط).

ثم تراجع بشكل لافت، إلى 2.85 طفل لكل سيدة عام 2021، بحسب بيان سابق للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، علماً بأن بعض التقديرات الدولية تصل به إلى 2.5.

لعب توافر وسائل منع الحمل دوراً في هذا الصدد، حيث انتشرت موانع الحمل بشكل حاد في معظم أنحاء المنطقة بالثمانينيات والتسعينيات. في مصر، وبتمويل كبير من المساعدات الأمريكية وجهود حكومية فعالة، ارتفع معدل استخدام وسائل منع الحمل من 30% من النساء المتزوجات في عام 1984 إلى 57% في عام 2000. وخلال الفترة نفسها في الجزائر، ارتفع المعدل من 7% إلى 64%. 

إلى جانب وسائل منع الحمل، كان التحضر عاملاً آخر ساهم في انخفاض معدل الخصوبة الإجمالي. في حين أن عمالة الأطفال بالمزرعة تمثل ميزة اقتصادية للمزارعين، فمن السهل مراقبة الأطفال أثناء العمل، والإسكان ليس عبئاً في الريف، كل هذا يتغير في المناطق الحضرية، حيث غالباً لا يستطيع الأطفال المساعدة في الوظائف الحضرية، وعادةً ما يحتاجون إلى ترتيبات الرعاية النهارية، والشقق الأكبر حجماً.

إضافة إلى العامل الأهم وهو تمكين المرأة وارتفاع مستوى تعليمها ودخولها لسوق العمل.

وقالت الجزايرلي إن مصر تحقق معدلات نمو سكاني مرتفعة جداً تصل إلى 4 مواليد كل دقيقة، مما يتطلب الحد من ارتفاع معدلات الإنجاب حتى يشعر المواطنون بآثار التنمية الاقتصادية التي يتم تحقيقها.

وبالطبع هذا قياس خاطئ، لأن الحديث عن عدد المواليد في الدقيقة الواحدة لا معنى له، لأن الصين التي تشيد البرلمانية المصرية بتجربتها في الحد من زيادة المواليد، تسجل أعداداً أكبر بكثير في عدد المواليد في الدقيقة بطبيعة الحال، لأن عدد سكانها أكبر.

ونما الاقتصاد المصري بنسبة 4.4% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2022-2023، رغم تأثرها بتداعيات الاقتصاد العالمي، والحرب الروسية الأوكرانية، وهو معدل أعلى من الزيادة السكانية بنحو 2.7%.

عدد المواليد لكل امرأة لمصر اقترب من حافة معدل تعويض الوفيات

وما زالت الحكومة تريد خفض معدل الخصوبة (متوسط عدد المواليد لكل أُم) من المستوى الحالي البالغ 2.8 طفل لكل أسرة إلى 1.6 طفل لكل أسرة، وذلك ضمن مشروع قومي لتنمية الأسرة.

ولكن الواقع أن المعدل الحالي في مصر قريب من معدل التعويض، أي معدل الإنجاب للمرأة اللازم لكي تستطيع الزيادة السكانية تعويض الوفيات، علماً بأن هناك تقديرات أخرى تخفض عدد المواليد لكل امرأة في العام بمصر إلى 2.5، كما سبق الإشارة.

ومعدل التعويض في الدول المتقدمة هو 2.1، علماً بأنه أعلى على الأرجح في الدول النامية، لأن نسب الوفيات بها أعلى وكذلك متوسط الأعمار بسبب تراجع الخدمات الصحية، وفي مصر والدول العربية تزداد هذه المشكلة بسبب السلوكيات الصحية والغذائية للسكان، وقلة ممارسة الرياضة، الأمر الذي يزيد معدل الوفيات، حتى لو تحسن معدل الرعاية الصحية.

وتحتاج الدول التي تكون معدلات وفيات الأطفال فيها مرتفعة إلى معدل خصوبة أعلى حتى تضمن التعويض.

وعلى مستوى العالم شهد متوسط ​​عدد الأطفال المولودين لكل امرأة انخفاضاً تاريخياً على مستوى العالم ليبلغ حالياً 2.3، أي أصبح معدل الخصوبة الإجمالي العالمي قريباً من مستوى الإحلال، أو عدد الولادات اللازمة لاستبدال السكان المولودين بالفعل (2.1).

زيادة المواليد
مستشارة في تنظيم الأسرة تتحدث مع أمهات مصريات في عيادة بمحافظة الفيوم، جنوب غرب العاصمة المصرية القاهرة /رويترز، أرشيفية

وعلى الرغم من هذا الاتجاه التنازلي، في مصر والعالم، ما زال عدد السكان في نمو، فما السبب؟

كثير من النمو السكاني الحالي والمستقبلي في مصر والعديد من دول العالم الثالث، يحدث نتيجة الزيادة السكانية التي حدثت بالفعل من الماضي.

تضرب جينيفر دابس سكيوبا، الخبيرة الدولية في مجال الأمن الديموغرافي، عند حديثها عن هذه الظاهرة، مثلاً بحالة مصر تحديداً، في تقرير لها نشر بموقع مكتب المراجع السكانية (PRB)، وهو منظمة خاصة غير ربحية، مقرها في الولايات المتحدة.

إذ تقول: "دعونا نلقِ نظرة على النمو السكاني السريع في مصر".

لدى النساء في مصر حالياً 2.5 طفل في المتوسط ​​خلال حياتهن (أقل من التقديرات الحكومية)، لكن سكان مصر في طريقهم للنمو بنسبة 40% تقريباً على مدى العقود الثلاثة المقبلة.

والسبب ليس أن معدل الخصوبة لدى النساء مرتفع.

بل يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن عدد النساء في سن الأمومة كبير، لأن الجيل الحالي من الأمهات وُلد في أثناء طفرة النمو السكاني خلال السبعينيات والثمانينات والتسعينيات، مشيرة إلى أنه لم يبدأ عدد الأطفال بمصر في التضاؤل ​​إلا بعد عام 2015.

ونظراً إلى أن عدد الأطفال الذين سيَصلون إلى سنوات الإنجاب على مدار العقود القادمة سيظل كبيراً، فإن إجمالي عدد سكان مصر سينمو حتى لو استمر متوسط ​​الخصوبة في الانخفاض، كما هو متوقع.

ومع متوسط ​​العمر المتوقع عند الولادة 75 عاماً، سيستمر هذا التوجه لفترة.

هل الزيادة السكانية سبب الأزمات الاقتصادية؟

لسنوات، أكدت الحكومات المتعاقبة أن الزيادة السكانية في مصر هي السبب الرئيسي لمشكلات الاقتصاد (وأحياناً الحروب التي كان آخرها عام 1973)، رغم أن بلداناً مثل الهند وبعض دول جنوب شرقي آسيا، حققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة رغم الزيادة السكانية بها.

والحقيقة أن العلاقة بين الأزمات الاقتصادية والزيادة السكانية عامة مركبة ولا يمكن تبسيطها بهذا الشكل، رغم أنه لا يمكن إنكار وجود علاقة بينهما أحياناً أيضاً.

ويمكن القول إن الزيادة السكانية سبب للمشكلات الاقتصادية أحياناً وحافز للنهضة الاقتصادية أحياناً أخرى.

تلتهم الزيادة السكانية موارد البلدان الاقتصادية، ولكنها من العوامل المحفزة للنمو، لأنها تؤدي إلى الاستهلاك، كما أن الأيدي العاملة المتوافرة إذا كانت مدربة جيداً ومتعلمة جيداً فهي وقود ضروري للنهضة والنمو الاقتصادي.

وتتهم الزيادة السكانية بأنها تضغط على السلع والخدمات.

ويزداد الأمر سوءاً في الدول النامية، خاصة خلال العقود الماضية، حيث كانت الحكومات تدعم الطاقة والغذاء، وبالتالي الزيادة في السكان تلتهم ميزانيات الدول.

ولكن هذه التوجهات تتراجع عالمياً عبر التوجهات الاقتصادية السائدة بتقليل دعم الطاقة والغذاء (قللت مصر دعم الطاقة بشكل كبير في السنوات الماضية)، بل يعلو توجه بفرض ضرائب على الوقود في الدول المتقدمة وبدأ يتسرب للاقتصادات الناشئة.

والحجة الدائمة بأنه كيف تستطيع الحكومات توفير الطعام والمال للمواليد الجدد والداخلين في أسواق العمل مردود عليها، فالواقع أنه في الاقتصاد الحديث لا توفر الحكومات العمل والطعام للمواطنين (إلا شديدي الفقر منهم)، بل هي توفر الظروف الملائمة، للنشاط الاقتصادي والاستثمارات الخارجية والداخلية التي توفر العمل، وبالتالي تكلفة الطعام والخدمات والسلع للمواطنين، الذين يتحولون لدافعي ضرائب.

أما الإنفاق المالي الأساسي للحكومات، فيكون لتوفير البنية الأساسية وكذلك التعليم والصحة الجيدين، علماً بأن مصر تحديداً، تشهد طفرة حسب الحكومة في مجال البنية الأساسية خلقت لها فائضاً في هذا المجال، جعلها مستعدة لاستقبال الاستثمارات، وفقاً لتأكيدات الحكومة.

أما الصحة والتعليم فلم تتوسع فيهما الحكومة المصرية بشكل مماثل، بينما تعتمد الطبقة الوسطى المصرية على نفسها في هذا المجال، خاصةً التعليم.

نجحت بعض البلاد في اغتنام الفرصة التي قدمتها الزيادة السكانية في بداية نهضتها، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة. وهذه البلاد بفضل سياستها الاقتصادية ذات الكفاءة لم تواجه التحدي المتمثل في زيادة أعداد الشباب العاجزين عن العثور على الوظائف، وهو ما كان من الممكن أن يثير احتمالية وقوع الفوضى والاضطرابات، التي جسدت ديناميكيات كانت كامنةً وراء أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 في تونس ومصر وسوريا وغيرها من البلدان العربية.

إيلون ماسك يحذّر من تراجع السكان

وفي المقابل، فإن تراجع السكان بشكل كبير، يؤدي إلى أزمات في العمالة ويهدد نمو الصناعة، ويسبب مشكلات كبيرة في الخدمات، والأخطر أنه يهدد بانهيار أنظمة التقاعد التي تقوم بشكل أساسي، على أن مدفوعات العاملين الحاليين تذهب للمتقاعدين، وإذا زاد معدل المسنين بالنسبة لمن هم في سن العمل، يختل توازنها (بدأت بعض صناديق التقاعد داخل مؤسسات حكومية مصرية تواجه هذه المشكلة مع تراجع التعيينات الجديدة، واستمرار تقاعد الموظفين المسنين، خاصةً أن سن التقاعد في مصر يبلغ 60 عاماً).

وكان الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مؤسس شركة Tesla، قد جدد مؤخراً تحذيره من انخفاض معدل المواليد في الصين والذي يمكن أن يؤدي إلى "انهيار سكاني" محتمل في المستقبل القريب. وماسك شخصياً لديه عدد كبير من الأولاد من زيجات متعددة. 

وقال ماسك رداً على مقال أشار إلى قضية انخفاض عدد السكان في الصين: "بمعدلات المواليد الحالية، ستفقد الصين نحو 40% من الناس كل جيل! جراء انهيار السكان".

ويعتقد على نطاق واسع، أن تراجع السكان سوف يصبح أكبر خطر على تجربة النمو الاقتصادي الصيني، وقد يجعلها تتخلف عن منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في حجم الاقتصاد بعد أن تلحق بها لفترة قليلة، ثم يخذلها تراجع نموها السكاني.

الزيادة السكانية في مصر
تراجع السكان أكبر خطر يواجه الصين/رويترز

وعكس الاعتقاد الشائع فإن العالم العربي ودول منطقة الشرق الأوسط قد تواجه هذه المشكلة في وقت ليس ببعيد.

فمن المرجح أن يخضع وضع سوق العمل في الشرق الأوسط لتغير جذري بحلول منتصف القرن عندما يتوقف عدد السكان في سن العمل عن النمو إلى حد كبير. في ستة من بلدان المنطقة العشرين، سينكمش عدد السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و60 عاماً فعلياً بين عامي 2040 و2050. 

وفي الوقت الذي سيتوقف فيه عدد السكان في سن العمل عن النمو بشكل كبير، ستبدأ أعداد كبار السن في الارتفاع، وسوف يؤدي ذلك إلى انخفاض حاد في نسبة الأشخاص في سن العمل مقابل كبار السن، وهو المحدد الرئيسي لمدى العبء الذي يواجهه المجتمع لتمويل التقاعد. 

ومع ارتفاع البطالة في المنطقة وقلة نسبة عمل النساء ستزداد الصورة قتامة، فقد يكون عدد العاملين النشطين فقط نصف عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و60 عاماً. 

وبينما مازالت مصر بعيدة نسبياً عن عن هذا السيناريو وخطر الشيخوخة، ولكن الأرجح أيضاً أن دور الزيادة السكانية في مصر في الأزمات الاقتصادية تضاءل بشكل كبير.

فمعدل الزيادة في عام 2021 والبالغ  1.7% وفقاً للبنك الدولي، أقل بكثير من معدل النمو الاقتصادي الذي يتراوح في مصر بين 3 و 5%.

ومعدل الزيادة السكانية في مصر حالياً، يمكن اعتباره معتدلاً، ويتيح في حال تحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة للبلاد الوصول لمعدل نمو معقول في دخل الفرد.

وبالتالي فإن حجة أن الزيادة السكانية في مصر هي سبب للأزمات الاقتصادية تشبه حجة دور الأزمة الأوكرانية في حدوث الأزمة الاقتصادية، فلها دور جزئي محدود غالباً فاقمته السياسات الاقتصادية مثل التوسع في القروض والتركيز على مشروعات البنية الأساسية الباهظة وغير الضرورية أحياناً على حساب العملية الإنتاجية.

لماذا ليس من السليم المبالغة في الحديث عن دور زيادة السكان في أزمة الاقتصاد؟

ورغم أن مصر قد تكون في حاجة لبعض التراجع الإضافي في النمو السكاني لتحقيق تحسن مقبول في دخل الفرد، فإن المبالغة في التركيز على مسألة الزيادة السكانية لن يؤدي فقط لصرف النظر عن الأسباب الحقيقية للمشكلات الاقتصادية، بل قد يؤدي إلى تفاقم الانخفاض في معدل الزيادة السكانية في مصر بطريقة قد تكون مضرة حتى ولو بعد حين.

فدراسة منحنى النمو السكاني في مصر تؤكد أنه يسير نحو انخفاض لافت، وبالتالي فإن المبالغة في دفعه إلى التراجع بسياسات تهويلية أو تعسفية، قد تؤدي إلى التعجيل بدخول مصر مرحلة الشيخوخة، خاصة في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي تعرقل الزواج والإنجاب، إضافة للهجرة الخارجية الكبيرة وتوسع حجم الطبقة الوسطى المصرية التي تميل بشكل واضح إلى تقليل عدد الأطفال.

ومثلما أن الزيادة السكانية الكبيرة لها أضرارها على الدول النامية فإن التراجع السكاني له أضرار مضاعفة على الدول النامية أكثر من الدول المتقدمة.

لأن الأضرار السابق ذكرها لتراجع السكان، تتفاقم في الدول النامية التي تفتقر إلى الإمكانيات المالية لإنقاذ نظم تقاعدها إذا اختلت.

كما أن الدول النامية يصعب عليها تعويض نقص العمالة باستقبال المهاجرين أو توسيع نطاق التكنولوجيا المتقدمة الباهظة لتعويضهم، مثلما تفعل اليابان الهرمة عبر استخدام الروبوتات بدل البشر.

وبصفة عامة فإن أي دولة تدخل مرحلة التراجع السكاني قبل أن تصبح متقدمة، سوف تعاني أكثر من الدول المتقدمة التي دخلت هذه المرحلة، وفي هذا الإطار يقال إن هذه إحدى مشكلات الصين وهي أنها تخوض سباقاً تحاول فيه أن تصبح أمةً غنيةً قبل أن تمسي أمةً عجوزاً.

وهي مشكلة تواجه بعض دول شرق أوروبا، خاصةً الأكثر فقراً منها مثل بلغاريا.

كما أن الهوس بهذا الملف قد يدفع الموظفين البيروقراطيين إلى ارتكاب انتهاكات بحق المواطنين، فالهند الدولة الديمقراطية سبق أن قامت في عهد رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي بـ"تعقيم الرجال المتزوجين قسراً"، والكارثة أن سعي الموظفين لإرضاء الحكومة والفوضى المصاحبة لهذه السياسات المرفوضة شعبياً، أديا إلى تنفيذ القرار ضد رجال غير متزوجين، بالخطأ أحياناً (يتم تعقيم الرجال بقطع قناة تسمى قناة فالوب تؤدي لمنع الإنجاب دون تأثير على القدرة الجنسية).

وفي كل الأحوال تشير تجارب العديد من الدول، إلى أنه بعد الإيغال في سياسة الحد من الإنجاب وتحويلها لسلوك اجتماعي مترسخ، يصعب عكس الأمر، فأغلب الدول التي تعاني من تراجع السكان، تقدم حوافز كبيرة للأسر لكي تتوسع في الإنجاب، والنتائج محدودة.

فرغم تخلي الصين عن سياسة الطفل الواحد، فإن نتائجها ترسخت في المجتمع، خاصة في ظل انشغال السكان بطاحونة الاقتصاد وهوس العمل والإنتاج، تتراجع رغبة الأزواج في الإنجاب، إذا تزوجوا أصلاً.

وتواجه اليابان خطراً مماثلاً أو أكبر جراء العزوف عن الإنجاب والزواج وحتى الجنس خارج إطار الزواج، مع مجتمع مغلق لديه هواجس من تقبُّل الهجرة الخارجية، رغم أن كبار السن فيه يخشون ألا يجدوا من يرعاهم في مرضهم أو حتى يقف على قبورهم لرثائهم.

تحميل المزيد