استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في عاصمتها أبوظبي، يوم الأربعاء 18 يناير/كانون الثاني، قمة أبوظبي التشاورية المصغرة تحت عنوان "الازدهار والاستقرار في المنطقة". ضمّت القمة قادة أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، هي الإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، إلى جانب الرئيس المصري وملك الأردن. بينما تغيبت كل من السعودية والكويت عن حضور القمة.
ماذا وراء عقد قمة أبوظبي؟
يقول تقرير لموقع أسباب المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، إن قمة أبوظبي التشاورية تأتي في سياق نشاط دبلوماسي ملحوظ للإمارات للتأكيد على دورها المحوري في الإقليم؛ حيث سعت أبوظبي إلى تكثيف مشاركتها في المبادرات والتكتلات الإقليمية في الفترة الأخيرة، والتي منها قمة النقب وقمة العلمين.
كما عززت أبوظبي علاقاتها مع دمشق لتصبح في المدى القصير بوابة تطبيع العلاقات العربية مع سوريا. وكذلك اتجهت أبوظبي إلى سياسة أكثر مرونة تجاه الأزمة الليبية تظهر من خلال الوساطة في مساعي تحقيق تفاهمات بين طرفي الصراع.
ومنحت الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك احتدام المنافسة بين أمريكا والصين، دول الخليج فرصة لاستعراض أدوارها كدول فاعلة ومستقلة نسبياً تسعى لتحقيق مصالحها وسط بيئة دولية متغيرة تتجه للتعددية القطبية، الأمر الذي انعكس على تزايد اهتمام القوى الدولية بتعزيز علاقاتها مع دول الخليج.
واكبت تلك التطورات تغيرات في سياسة الإمارات الخارجية، والتي كان من ضمنها المزيد من التركيز على الدبلوماسية الإقليمية، تزامناً مع نهج تصفير المشاكل دبلوماسياً، وخفض حدة التوترات الخارجية الذي تتبناه منذ أواخر 2019.
ما علاقة الأوضاع الاقتصادية في مصر والأردن بقمة أبوظبي؟
يقول موقع أسباب إن الإمارات تستهدف من خلال القمة التشاورية بصورة أساسية مناقشة الأوضاع الاقتصادية في مصر والأردن، والمخاوف المرتبطة بها على الاستقرار الداخلي في كلا البلدين؛ حيث تأتي مصر والأردن في مقدمة دول المنطقة الأكثر تضرراً اقتصادياً.
ويعاني كلا البلدين من تحديات اقتصادية معقدة يصاحبها تزايد مخاطر الاضطرابات الاجتماعية، وهو الأمر الذي قد ينعكس على الاستقرار في المنطقة، خاصة في حالة مصر التي تنظر إليها الإمارات باعتبارها حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي، إلى جانب كونها بمثابة سوق كبير للاستثمارات الإماراتية.
ما السر وراء تغيّب السعودية عن قمة أبوظبي؟
على الجانب الآخر، يشير التغيب السعودي عن قمة أبوظبي إلى أن العلاقات السعودية الإماراتية ليست على ما يرام، كما يقول موقع أسباب. حيث يواصل الأمير محمد بن سلمان جهوده لتعزيز موقع الرياض كمركز للمال والأعمال في المنطقة على حساب أبوظبي.
ويتزامن تصاعد التنافس الاقتصادي بين البلدين مع خلافات أخرى في ملفات مثل العلاقة مع الولايات المتحدة، عقب قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط؛ حيث تبرأت الإمارات من القرار سراً وحمّلت السعودية المسؤولية عنه، وسعت لتجنب غضب واشنطن. كما أن ثمة خلافات لم تتضح أبعادها بعد حول الملف اليمني. لذلك؛ لم يكن من الممكن أن تشارك السعودية في قمة أبوظبي التي تملك الإمارات فيها زمام المبادرة.
ضغوط سعودية متزايدة على مصر
من جهة أخرى، ثمة خلافات سعودية محتملة مع القاهرة حول أحقية الرياض في الحصول على مزايا اقتصادية واستثمارية في قطاعات استراتيجية، والتي مازالت الإمارات تحظى بأفضلية للاستثمار فيها.
ويشير تأكيد وزير المالية السعودي محمد الجدعان في مؤتمر "دافوس" الأخير أن مساعدة مصر ستكون من خلال الاستثمارات وليس المنح غير المشروطة، إلى أن الرياض تمارس ضغوطاً متزايدة على القاهرة؛ لأن مسألة المنح ليست مطروحة حالياً حتى من قبل الإمارات وقطر، وهو ما أكده بيان صندوق النقد الدولي في 10 يناير/كانون الثاني 2023، والذي أوضح أن القرض المصري (3 مليارات دولار) سيكون محفزاً لتمويل آخر تبلغ قيمته 14 مليار دولار ومصدره الرئيسي البيع المستمر للأصول المملوكة لمصر لصالح بعض دول الخليج، وليس كمساعدات أو منح.
الأزمة حول تيران وصنافير
قد تستهدف الضغوط السعودية كذلك حث مصر على سرعة تنفيذ اتفاق نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير، والذي كشفت مصادر إسرائيلية أن القاهرة تعطله متعللة بأسباب فنية، رداً على تعليق إدارة جو بايدن مساعدات إلى مصر لأسباب حقوقية. وبينما لا يتوقع أن يتراجع الرئيس المصري عن تنفيذ الاتفاق، لأن ذلك قد يدمر علاقته بولي العهد السعودي، فإن الضغط السعودي يستهدف حث القاهرة على عدم ربط تنفيذ الاتفاقية بخلافاتها مع إدارة بايدن.
من جهة أخرى، ربما جاء التغيب الكويتي عن القمة التشاورية في أبوظبي نتيجة الأزمة الداخلية المتفاقمة بين الحكومة والبرلمان، والتي انتهت بتقديم الحكومة استقالتها في 23 يناير/كانون الثاني الجاري، حيث قد يؤدي تقديم المزيد من المساعدات النقدية لمصر، لمزيد من الصدام مع مجلس الأمة، وهو الأمر الذي بدا بوضوح من خلال تصريحات أمين سر المجلس في منتصف الشهر الجاري.
ويشير تغيب السعودية والكويت عن قمة تشارك فيها بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى أن العلاقات بين دول الخليج مازالت تستند بصورة أكبر على أسس من التفاهمات الثنائية وليست على مستوى منظمة مجلس التعاون؛ ما يعني أنه على الرغم من التقارب والتفاهمات الحالية بين مجمل أطراف مجلس التعاون، باستثناء قطر والبحرين، فمازالت المسافة بعيدة كي يمثل المجلس محوراً إقليمياً متجانساً وموحداً إزاء القضايا الإقليمية.
لا تطور جديداً في الدعم الخليجي لمصر والأردن
في النهاية، يقول موقع أسباب إنه ليس من المرجح أن ينتج عن قمة أبوظبي التشاورية تطور جديد في مستوى الدعم الاقتصادي المقدم لكل من مصر والأردن لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تثير القلق حول الاستقرار الداخلي في كلا البلدين.
لكنّ القمة فيما يبدو تستهدف التأكيد على التضامن مع البلدين من قبل الإمارات بصورة خاصة، في ظل أنها تأتي بعد أشهر من "قمة العلمين" التي تبنتها الإمارات. وتمثل مشاركة كل من قطر وسلطنة عمان تأكيداً لهذه الرسالة في ظل دولتين لم تشاركا في قمة العلمين.
لكن يشير غياب السعودية عن قمة أبوظبي إلى تعقد العلاقات مع الإمارات بصورة أساسية، على خلفية ملف التنافس على الريادة الاقتصادية في المنطقة، بالإضافة إلى تباينات مازالت غير واضحة تتعلق بملفات ثنائية مثل ملف اليمن.
كما أن غياب السعودية يرسل رسالة للضغط على مصر من أجل الحصول على امتيازات تفضيلية في قطاعات الاستثمار المطروحة لـ"شركاء مصر الاستراتيجيين"، بالإضافة لتسريع خطوات تنفيذ اتفاق نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير.