"إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع (عدة) أسلحة نووية إذا أرادت ذلك"، لم يأت هذا التحذير من مسؤول أمريكي أو إسرائيلي، بل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي، في أقوى تحذير بشأن قرب امتلاك إيران للأسلحة النووية.
ويبدو أن الغرب بدأ يطلق موجة تصعيد كبيرة ضد إيران، إذا اعتبرت صحيفة The Independent البريطانية أنه صار مستبعداً أن تؤتي الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى تقييد برنامجها النووي مرة أخرى أُكلها، في وقتٍ تزود فيه طهران روسيا بالأسلحة في حربها على أوكرانيا وتعصف فيه الاحتجاجات بالجمهورية الإسلامية.
وجاء تحذير رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رداً على أسئلة طرحها نواب أوروبيون هذا الأسبوع.
ويُظهر التحذير مدى خطورة البرنامج النووي الإيراني. فحتى في ذروة التوترات السابقة بين الغرب وإيران في عهد الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد قبل الاتفاق النووي لعام 2015، لم تخصّب إيران اليورانيوم بهذه المستويات المرتفعة، حسب الصحيفة البريطانية.
هل بات امتلاك إيران للأسلحة النووية قريبا؟
ويشير خبراء حظر الانتشار النووي منذ أشهر إلى أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60% لبناء سلاح نووي واحد على الأقل، رغم أن طهران تؤكد باستمرار أن برنامجها مخصص للأغراض السلمية. ورغم تنبيه غروسي إلى ضرورة "توخي الحذر الشديد" في وصف برنامج إيران، ولكنه أقر صراحة بنمو مخزون طهران من اليورانيوم عالي التخصيب.
وقال غروسي: "الشيء الوحيد المؤكد أنهم يملكون ما يكفي من المادة النووية اللازمة لصنع عدة أسلحة نووية، وليس واحداً فقط في هذه المرحلة".
وقال: "لديهم 70 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. الكمية متوافرة. وهذا لا يعني أن لديهم سلاحاً نووياً. فهم لم يصنعوها بعد".
سبق أن قال خبراء إنه إذا جمعت إيران كمية كافية من المواد الانشطارية، يمكنها تجميع قنبلة واحدة وربما تكون صغيرة بما يكفي لتحملها صواريخها الباليستية.
كم من الوقت سيستغرق ذلك بالضبط غير واضح، لكن تخزين ما يكفي من المواد الانشطارية يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكبر عقبة في إنتاج سلاح.
لكن الخطر لا يزال قائماً. وأشار المحللون إلى ما حدث مع كوريا الشمالية، التي توصلت إلى اتفاق عام 1994 مع الولايات المتحدة لتتخلى عن برنامج أسلحتها النووية. وهذا الاتفاق انهار عام 2002.
وعام 2005 وبسبب القلق من نوايا الولايات المتحدة بعد غزو العراق، أعلنت بيونغ يانغ أنها صنعت أسلحة نووية. واليوم تمتلك كوريا الشمالية صواريخ باليستية مصممة لحمل رؤوس حربية نووية يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة.
ولم ترد بعثة إيران لدى الأمم المتحدة على الفور على طلب للتعليق يوم الخميس 26 يناير/كانون الثاني على تصريحات غروسي، ولم تتحدث السلطات في طهران عنها بشكل مباشر. لكن التلفزيون الإيراني الرسمي نقل عن محمد إسلامي، رئيس البرنامج النووي المدني في البلاد، قوله يوم الخميس إن طهران ترحب بزيارة من غروسي للبلاد.
وأشار دبلوماسيون إيرانيون على مدى سنوات إلى فتاوى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، التي يصفونها بالملزمة، بأن إيران لن تسعى للحصول على قنبلة ذرية. لكن مسؤولين إيرانيين بدأوا مؤخراً في التحدث علناً عن إمكانية تصنيع أسلحة نووية.
صفقة سوخوي 35 تقلق الغرب
اقترح أحد المشرّعين الإيرانيين أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تحصل على مقاتلات سوخوي Su-35 لتحل محل طائراتها الحربية القديمة، التي كانت تتكون أساساً من طائرات حربية أمريكية تعود لما قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
على الرغم من عدم تأكيد صفقة السوخوي، فإنه حال تنفيذها ستوفر مثل هذه الطائرات المقاتلة دفاعاً جوياً رئيسياً لإيران، خاصة لمواقعها النووية في مواجهة أي ضربة نووية إسرائيلية محتملة، خاصة أن تل أبيب سبق أن نفذت ضربات لوقف البرنامجين النوويين للعراق وسوريا.
وأطلقت الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً أكبر مناورة جوية وبرية وبحرية مشتركة على الإطلاق هذا الأسبوع، والتي وصفها البنتاغون بأنها "لا تهدف إلى التركيز على أي خصم أو تهديد". ومع ذلك، يأتي ذلك وسط التوترات المتصاعدة مع إيران، وتتضمن التزود بالوقود الجوي واستهداف وقمع الدفاعات الجوية للعدو – وهي قدرات ستكون حاسمة في تنفيذ الضربات الجوية.
يقول غروسي إن "النشاط الدبلوماسي" لإعادة الاتفاق النووي الإيراني "شبه غائب"، وهو يصف هذا الاتفاق بـ"القذيفة الفارغة". لكنه شجع على تكثيف الجهود الدبلوماسية؛ لأن طهران لا يزال يتعين عليها تصميم واختبار أي سلاح نووي قد تصنعه.
وقال: "علينا ألا نستسلم".
هل يروّج الغرب لهذا الاحتمال للتمهيد لقصف إيران؟
ولطالما أصرت إيران على أن برنامجها النووي هو لأغراض سلمية بحتة. وقالت وكالات مخابرات أمريكية ودول غربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران أدارت برنامج أسلحة نووية منظماً حتى عام 2003.
ومنذ تولي بايدن السلطة يكرر المسؤولون الغربيون التحذيرات بأن إيران قد تكون على بعد أسابيع معدودة من امتلاك القنبلة النووية"، مثلما فعل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، في فبراير/شباط 2022.
على الرغم من أنه ظل غير مؤكد ما إذا كانت طهران ستتخذ القرار النهائي لإنشاء أسلحة نووية، فقد طورت مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وتصميم الرؤوس الحربية وأنظمة الإطلاق، والتي من شأنها أن تمنحها هذا الخيار في إطار زمني قصير نسبياً.
ولكن من الصعب تحديد هل باتت إيران على وشك إنتاج قنبلة نووية فعلاً، وهل ستقدم على ذلك أما أننا أمام حملة إعلامية غربية تهدف لضربها أو على الأقل توفير المبررات لإسرائيل لضربها.
ولكن الهجوم الذي تعرّض له مصنع عسكري قرب أصفهان بوسط إيران مؤخراً بواسطة طائرات مسيرة، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إنه تم تنفيذه من قبل إسرائيل، مؤشر على أن احتمالات تنفيذ هجوم أمريكي أو على الأقل إسرائيلي تقترب.
لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم الأخير، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت على نطاق واسع أن تل أبيب دبرت في السابق هجوماً إلكترونياً مدمراً تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في المنشأة النووية. ونادراً ما يعترف المسؤولون الإسرائيليون بالعمليات التي نفذتها الوحدات العسكرية السرية للدولة أو وكالة المخابرات التابعة لها.