بعد عشرة اجتماعات كاملة على مدار نحو عام، لم ينجح تحالف المعارضة التركية الذي يُعرف بـ"قادة الطاولة السداسية"، في تسمية مرشحهم للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم الإعلان عن موعد الانتخابات، في 14 مايو/أيار 2023.
وكشف نائب رئيس مجموعة حزب الشعب الجمهوري في البرلمان التركي، إنغين أوزكوتش، في مؤتمر صحفي، عقب اجتماع المجموعة، أن الإعلان عن مرشح المعارضة وطاولة الستة سيكون في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الجاري، خلال الاجتماع الحادي عشر لقادة الطاولة السداسية، الذي سيُعقد في مقر حزب "الجيد"، بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2023.
تأخر الإعلان عن مرشح المعارضة
وبحسب مصادر لصحيفة "يني شفق" التركية، فإن الإعلان عن مرشح المعارضة قد يتأخر إلى أوائل شهر فبراير/شباط القادم.
ومن المتوقع أن يخرج من الاجتماع القادم لقادة المعارضة البيان الانتخابي وخارطة الطريق لعملية الانتقال التي تدعو إليها المعارضة.
وكان قادة أحزاب الطاولة السداسية (الشعب الجمهوري والجيد والمستقبل والديمقراطية والتنمية وسعادات والحزب الديمقراطي) عقدوا في 5 يناير/كانون الثاني 2023، أطول اجتماعاتهم منذ تشكيل الطاولة السداسية، والذي استمر لأكثر من 9 ساعات.
وتناول الاجتماع قضايا شاملة مثل التعديل الدستوري بشأن الحجاب، والقرار القضائي بشأن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، والشروع في عملية التشاور بشأن المرشح الرئاسي المشترك، ومقتل الرئيس السابق لحركة "الذئاب الرمادية" القومية سنان أتيس.
وفي البيان المشترك للاجتماع المكون من أربع صفحات تم التأكيد كذلك على تضمين تقويم خارطة الطريق المزمع اتباعها من قبل تحالف الطاولة السداسية، والتي شملت عقد مؤتمر دعائي، في 30 يناير/كانون الثاني الجاري، للإعلان عن هيكل التعاون السياسي بين أحزاب الطاولة.
أسباب تأخر إعلان مرشح المعارضة
يرى الباحث والكاتب الصحفي التركي المعارض، أوزغور زاران، أنه رغم إعلان قادة الطاولة السداسية منذ تشكيلها فإنهم لن يعلنوا مرشحهم للانتخابات إلا بعد الإعلان الرسمي عن موعد عقد الانتخابات؛ فإن قصر المدة المتبقية حتى الموعد الرسمي يجعلهم مجبرين على اختيار مرشح بأسرع وقت ممكن.
ويعزو الكاتب التركي المعارض لـ"عربي بوست" تأخر قادة الطاولة السداسية الإعلان عن مرشحهم، بسبب بحثهم عن شخص بمواصفات معينة، وهو أن يكون "تصالحياً، ليبرالياً، مستوعب القيم الديمقراطية، ويحتضن الجمهور بأكمله، ويتبنى مبادئ الأخلاق السياسية، وله ميزة"، مضيفاً أنه يجب اختيار المرشح من بين قادة الطاولة الستة.
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي والباحث التركي حمزة تكين، أن السبب وراء عدم توافق المعارضة على مرشحهم للانتخابات القادمة هو أن لديهم هدفاً موحداً لا غير، وهو الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية من الحكم.
خلافات أيديولوجية عميقة
أضاف تكين في تصريحاته لـ"عربي بوست" أن هذا الهدف وحده لا يكفي لتقريب وجهات النظر الاستراتيجية بينهم؛ خاصة أن الخلافات بين القادة الستة هي خلافات عميقة على مستوى الجانب الأيديولوجي، فهناك من بنيهم القومي والكمالي والعلماني والإسلامي، وبالتالي من الصعب التوافق بينهم بسهولة حول مرشح واحد.
وأوضح أنه حتى لو اتفق قادة الأحزاب الستة على مرشح واحد، رغم صعوبته، فإن قواعد تلك الأحزاب الجماهيرية هي بطبعها غير متوافقة مع بعضها البعض. فالإسلامي لن يصوت للعلماني؛ خاصةً إذا كان علمانياً متطرفاً، وهذه إشكالية كبيرة- بسحب تكين- تعاني منها الطاولة السداسية؛ لذلك فشلوا حتى اللحظة كما يُرى في التواصل لاسم مرشحهم في مواجهة أردوغان.
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية برهان كورأغلو في حديثه لـ"عربي بوست"، أن تأخر المعارضة التركية في الإعلان عن مرشحها جاء بسبب الرغبة الشديدة لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو، الراغب في الترشح للانتخابات بأي ثمن.
وتابع أستاذ العلاقات الدولية أن زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنر ترى في ترشحه ضعفاً لقادة الطاولة السداسية، بسبب خسارة كيليتشدار أوغلو لكافة الانتخابات التي واجه فيها الرئيس التركي أردوغان من قبل.
وبالتالي ستكون أوراق القوة التي يملكها كل طرف على الطاولة هي المحددة بصورة كبيرة لاسم المرشح الرئاسي للمعارضة من قبل الطاولة السداسية.
ويرى عميد كلية القانون جامعة أنقرة، علي أولوسوي، أن المعارضة تبحث عن مرشح سلبي يقول نعم لكل طلبات بقية قادة الطاولة السداسية، بدلاً من اختيار من مرشح رئاسي يأخذ بزمام المبادرة، ويكون حازماً في إنتاج الخدمات والإجراءات الفعالة، مثل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أو حتى رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش.
ويشير أولوسوي كذلك في مقال بموقع "T24" المعارض، أن الطاولة السداسية إذا ما نجحت في اختيار مرشح قوي، فإنها ستواجه مشكلة أخرى تتمثل في كيفية إدارة الدولة.
وفي هذه النقطة أوضح عميد كلية القانون في أنقرة أنه يجب أن يكون بقية قادة طاولة السداسية مجرد مشاركين في البرلمان لخدمة بلدهم.
حزب الشعوب الديمقراطية
من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية برهان الدين كورأغلو، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الطاولة السداسية- وفقاً لآخر استطلاعات الرأي- لن تستطيع الفوز بالانتخابات، إلا بدعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، المختلَف على وجوده ضمن طاولة الستة بين أعضائها.
وبحسب كور أوغلو، هناك عدد من القادة داخل الطاولة السداسية، يرفضون المشاركة مع الحزب الكردي في طاولة واحدة، لارتباط بعض قادته بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا، لكن ائتلاف المعارضة بدون دعم الحزب الكردي لن يصلوا به إلى الفوز بالانتخابات، كما يرى كور أغلو، ما قد يقود التحالف إلى الانهيار.
اجتماعات 2022 التسعة
واجتمع قادة الأحزاب الستة للمرة الأولى، في 12 فبراير/شباط 2022، في ضيافة رئيس حزب الشعب الجمهوري كيليتشدار أوغلو، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يُطلق على هذه الأحزاب "الطاولة السداسية".
ومنذ ذلك التاريخ التقى القادة تسع مرات في المجموع، وتمت مناقشة العديد من الموضوعات المختلفة في البيانات التي تم الإدلاء بها بعد الاجتماعات.
منها على سبيل المثال، ما جاء عقب الاجتماع الذي عُقد في شهر مايو/أيار 2022، وفيه تم التعهد بإقامة نظام برلماني معزز، يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، وحرية الدين والوجدان، والدولة الاجتماعية وعدالة الدخل، ووضع حد للتمييز، وبناء اقتصاد يركز على الإنتاج والتوظيف.
وكانت البيانات التالية لقادة الطاولة السداسية التي تم الإدلاء بها متشابهة، فيما تم وصف بيانهم، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، بأنه النسخة الأكثر تفصيلاً من النسخة الأولى، في 28 فبراير/شباط 2022.
وفي مسودة النص هذه، كانت هناك مواد مثل خفض عتبة الانتخابات إلى 3%، وإنهاء حق النقض للرئيس، وزيادة سلطة البرلمان الإشرافية، والعودة إلى اتفاقية إسطنبول في اليوم الأول من السلطة حال فوز المعارضة.
هل ينهار تحالف الستة?
لكن الكاتب التركي المعارض أوزغور زاران يرى أن الطاولة السداسية اجتازت العديد من الاختبارات المهمة منذ إنشائها، ورغم وجود مناقشات قاسية من وقت لآخر، أثناء عملية اختيار المرشح، فإن احتمال حدوث أزمة سيؤدي إلى حل طاولة الستة منخفض للغاية.
وتابع زاران في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن جميع أحزاب الطاولة السداسية يعلمون أنهم ضعفاء بدون هذا التحالف، وليس لديهم منفردين ما يكفي للفوز بالانتخابات. وبالتالي سيكون على الزعيم الذي سيعلن فشل تحالف الطاولة السداسية، بسبب الخلاف على تسمية مرشح بعينه، الانتحار سياسياً.
وفي مواجهة ذلك، يرى الكاتب التركي أوزغور زاران أنه يمكن ترشيح أكثر من مرشح في الانتخابات من قِبل المعارضة، مثلما أعلن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، وفي حالة وصول أي من مرشحي المعارضة إلى الجولة الثانية بحسب زاران، فيمكن للمعارضة التوافق عليه ودعمه في مواجهة أردوغان والإطاحة به.
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي حمزة تكين، أن تفكك تحالف الستة قائم بصورة كبيرة في ظل خلافات خافية بين قادته؛ خاصة إذا ما اختلف قادة الطاولة في التوافق حول مرشح واحد، وهو ما حدث من قبل في الانتخابات الماضية، حين أرادوا اختيار مرشح توافقي بينهم، لكنهم فشلوا في ذلك.
وفي هذه النقطة يتفق تكين مع زاران حول أن المعارضة ربما تتجه إلى اختيار أكثر من مرشح، والتوافق حول الفائز منهم في الجولة الثانية أمام الرئيس أردوغان، وذلك حال حدوث ذلك فعلاً، لأن استطلاعات الرأي بحسب تكين تعطي تفوقاً كبيراً للرئيس أردوغان على كل منافسيه.
ليست قطعة حلوى
أضاف الكاتب الصحفي أوزغور زاران، أن الانتخابات القادمة لن تكون قطعة حلوى بالنسبة للحزب الحاكم أو للمعارضة، فالمشاكل الاقتصادية في تركيا والتضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية هي أكبر معضلات الحكومة، بحسب الكاتب.
وتابع زاران أن الاقتصاد سيكون هو أهم عامل لتوجيه الانتخابات نحو الفائز، لكن الوضع الذي جلبته الحكومة للاقتصاد، وانعدام الأمل في إيجاد مخرج في المدى القريب- بحسب الكاتب التركي المعارض- يقوي يد المعارضة للفوز بالانتخابات.
لكن أستاذ العلاقات الدولية برهان الدين كور أوغلو، يرى أن هناك عملية توجيه لاستطلاعات الرأي من قِبل المعارضة، تسعى بها لتوجيه الناخبين بزعم أنهم في المقدمة، وأنهم يمكنهم الفوز في الانتخابات القادمة.
وأضاف كور أوغلو أن المسار الذي يسير عليه الحزب الحاكم في تركيا حالياً، برئاسة أردوغان، وفي ظل الخلافات المتفاقمة بين شركاء طاولة الستة، ربما يقود حزب العدالة والتنمية الحاكم للفوز بها رغم المشكلات القائمة في الوقت الحالي.
وما يعزز ذلك هو الخلاف القائم كذلك بين قادة طاولة الستة، حول كيفية إدارة تركيا حال فوز المعارضة بالانتخابات.
وفي هذه النقطة، أضاف الكاتب الصحفي التركي حمزة تكين أن نجاح المعارضة التركية في الفوز بالانتخابات، وإدارة تركيا بالطريقة التي أعلنها أحمد داوود أوغلو من قبل، حيث يكون قادة طاولة الستة شركاء في الحكم سواسية، سيقود بحسب تكين إلى تدمير تركيا.
في المقابل شدّد الكاتب الصحفي المعارض أوزغور زاران على أنه في حال فوز المعارضة في الانتخابات، فسوف يتحولون إلى نظام برلماني معزز في أقرب وقت ممكن، وأثناء الانتقال إلى النظام البرلماني سيكون هناك رئيس يتمتع بكافة صلاحيات الرئيس الحالي.
وتابع زاران في حديثه لـ"عربي بوست"، أن بقية القادة الستة سيتمتعون بسلطات متساوية، ورغم الارتباك الذي سيحصل بسبب ذلك سيستخدم الرئيس الذي سيتم انتخابه صلاحياته وفقاً للاتفاقية التي تم الحصول عليها، والموقّعة في اجتماعات المائدة السداسية، والتأكد من تغيير النظام على النحو المحدد.