نشرت أمريكا حاملة الطائرات الأكبر والأحدث، بتكلفة 13.3 مليار دولار، في المحيط الهادئ، فكيف يمكن حمايتها من الصواريخ فرط الصوتية المضادة للسفن والتي تمتلك الصين ترسانة منها؟ الإجابة التي يعوّل عليها البنتاغون هي أشعة الليزر، فإلى أين وصل هذا الطموح الأمريكي؟
ففي 4 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قامت الولايات المتحدة بنشر أحدث حاملة طائرات لديها، وهي "يو إس إس جيرالد آر فورد"، للمرة الأولى وسط التوترات المتزايدة عبر المحيط الهادئ وعدم اليقين بشأن الدور الذي ستسهم به هذه السفن العملاقة في الحرب عموماً، والمواجهة مع الصين خصوصاً.
فالعقد الحالي (2020 – 2030) أصبح الآن عقداً حاسماً في ظل تحول ميزان القوة بين الولايات المتحدة والصين، وهذا ما يدركه جيداً خبراء الاستراتيجية في البلدين. ويرى صانعو القرار السياسي في بكين وواشنطن، إضافة إلى العواصم الأخرى حول العالم، أن هذا العقد هو سنوات الخطر. ففي حال وجد العملاقان (أمريكا والصين) وسيلة للتعايش معاً دون التخلي عن مصالحهما الجوهرية، سيكون العالم أفضل حالاً. أما في حالة الفشل في تحقيق ذلك التعايش السلمي، فالنتيجة هي احتمال اندلاع حرب أكثر خطورة وتدميراً بأضعاف ما نراه اليوم في أوكرانيا، بل أخطر من الحربين العالميتين السابقتين.
سفن أمريكا باهظة التكلفة في مواجهة خطر داهم
وتعد سفينة فورد، التي تبلغ تكلفتها 13.3 مليار دولار، أكبر وأغلى سفينة حربية تبحر على الإطلاق. وترتفع فورد فوق خط الماء بأكثر من تسعة طوابق وتزن 97 ألف طن. وهذا أثقل بـ 32 ألف طن من أكبر البوارج في الحرب العالمية الثانية. لكن الضخامة لا تعني بالضرورة البطء؛ إذ تعمل السفينة بزوج من المفاعلات النووية المتطورة من طراز A1B، ولديها ما يقرب من ثلاثة أضعاف قوة حاملات الطائرات العملاقة الموجودة في أمريكا، أي حوالي 300 ميغاوات من الطاقة الكهربائية إجمالاً، وفقاً للبحرية الأمريكية.
ونشرت مجلة Popular Mechanics الأمريكية تقريراً حول ما تعنيه خسارة الولايات المتحدة لسباق الأسلحة فرط الصوتية لصالح الصين، وتعويل البنتاغون على الليزر عالي القدرات الجديد لتغيير قواعد اللعبة لصالح واشنطن مرة أخرى. فالصواريخ الجديدة المضادة للسفن من الصين، وبعضها قادر على المناورة بسرعات تفوق سرعة الصوت تصل لأعلى من 5 ماخ (6174 كيلومتراً في الساعة)، تهدد بجعل فورد وأسطول المحيط الهادئ بأكمله كما لو كان أسلحة قديمة، بل أسلحة عتيقة. وبنفس الطريقة التي نشرت بها اليابان التكنولوجيا الناشئة في الحرب العالمية الثانية -المتمثلة في أسراب الطائرات الهجومية- لإغراق أقوى البوارج الأمريكية والبريطانية، فإنَّ هذه الصواريخ الجديدة لديها القدرة على القضاء على أكثر السفن تقدماً التي تبحر حالياً في المحيطات.
وبينما تمتلك روسيا أيضاً أسلحة تفوق سرعة الصوت، فإنَّ أكثر ما يقلق البحرية الأمريكية هي الأسلحة الصينية من هذا النوع. فقد عملت بكين على توسيع حجم أسطولها البحري بقوة في العقد الماضي وطوّرت العديد من الأسلحة المضادة للسفن، بما في ذلك صواريخ تفوق سرعة الصوت عالية القدرة على المناورة وقادرة على الوصول إلى سرعة 10 ماخ (12348 كم/ساعة). ولا تخفي الصين حقيقة أنَّ هذه الأسلحة تهدف إلى صد سفن القوات الأمريكية؛ إذ يحتوي أحد مواقع اختبار الأسلحة في صحراء تاكلاماكان على نماذج بالحجم الكامل لحاملات الطائرات الأمريكية التي تُستخدَم في التدريب على الأهداف.
تمتلك حاملة الطائرات فورد والسفن المماثلة لها بطاريات من الدفاعات المضادة للصواريخ، لكن لا أحد منها قادراً على حمايتها في معركة طويلة الأمد ضد أحدث أسلحة الصين. وللحفاظ على هيمنتها في المحيط الهادئ -لإبقاء سفنها عائمة فقط- تعمل البحرية بكامل طاقتها على تقنية جديدة ظلت بعيدة المنال لعقود من الزمن؛ وهي الليزر. وفوائد مثل هذه التقنية مثيرة. فهي مدعومة من مصدر وقود كبير -وستكون مفاعلات فورد النووية الضخمة مناسبة لهذا الغرض- الذي سيطلق أشعة الليزر بسرعة الضوء؛ مما سيُبطِل سرعة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. ويمكن إعادة شحنها سريعاً لصد أسراب الطائرات بدون طيار، ولا تتطلب مخزوناً من الذخيرة؛ مما يمنح السفن فرص إطلاق نار غير محدودة تقريباً.
إلى أين وصلت أسلحة "الليزر" الأمريكية؟
أو على الأقل، هذا هو ما تأمل البحرية في تحقيقه، فقد اختبر مقاولو الدفاع الأمريكيون مؤخراً أشعة ليزر منخفضة الطاقة -حتى إنَّ إحداها أسقطت طائرة بدون طيار في وقت سابق من هذا العام- لكن الوصول لسلاح ليزر يمكن الاعتماد عليه وله قوة كافية لإحباط الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لا يزال بعيد المنال. ومع ذلك، فإنَّ البنتاغون يثق في التكنولوجيا الناشئة؛ لدرجة أنه ألغى هذا العام بحثاً عن سلاحين واعدين آخرين، ومُطلِق قذائف، ومقذوفات موجهة خاصة تُطلَق من مدفع (GLGP)، التي كان يأمل في أن تتمكن من الدفاع عن أسطوله ضد الأسلحة الحديثة. ومع وضع هذه المشاريع على الرف، فإنَّ السؤال هو: هل تستطيع البحرية تطوير هذه التكنولوجيا بالسرعة الكافية لإحباط أي تهديد قبل فوات الأوان؟
لدى الصين الآن أسطول يضم أكثر من 770 سفينة بحرية وخفر سواحل وسفناً عسكرية أخرى. وهذا أكثر من ضعف حجم الأسطول الأمريكي. وهي مركزة بالكامل تقريباً في المحيط الهادئ، في حين أنَّ الأسطول الأمريكي منتشر بين منطقتي المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. وتعزز قوة الصين أيضاً ترسانة من الأسلحة المتقدمة المضادة للسفن، التي يمكن إطلاقها من القواعد الأرضية والسفن الحربية والطائرات.
وتستطيع صواريخ الصين إلحاق أضرار كارثية. على سبيل المثال، DF-21D هو صاروخ نووي باليستي بطول يزيد على 10 أمتار ويمكنه تدمير السفن من مسافة 1000 ميل (1609 كيلومترات) أو أكثر. ويمكن للصين إطلاق هذا السلاح الذي يبلغ وزنه 32 ألف رطل (14.5 طن) من الأرض أو من القاذفات الثقيلة في الجو، ويعتقد المحللون أنَّ رأسه الحربي النووي يمكنه المناورة أثناء الطيران لضرب السفن المتحركة.
لكن أكثر هذه الأسلحة إثارة للرعب هو DF-ZF، وهو صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت؛ يقال إنَّ سرعته يمكن أن تصل إلى 10 ماخ ويهاجم من مسافة تزيد على 1500 ميل (2414 كيلومتراً). وعلى عكس الصواريخ التي تطير في شكل القوس التقليدي مما يجعل اعتراضها أسهل، يتمتع هذا الصاروخ بقدرة شديدة على المناورة حيث يعيد الدخول إلى الغلاف الجوي ويقترب من الهدف.
وحتى إسقاط صاروخ بطيء الحركة يتحدى أفضل دفاعات البحرية. يقول قائد البحرية المتقاعد دون غارسيا، وهو متخصص في الأسلحة وعمل مع المدمرات والطرادات: "اعتراض الصواريخ أثناء الطيران هو أحد أكثر مشكلات التحكم في النيران تعقيداً". وستجعل سرعة صاروخ DF-ZF ومساره غير المتوقع من المستحيل تقريباً إيقافه باستخدام الدفاعات الأمريكية الحالية.
ولا تقتصر التهديدات على أسلحة الصين التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. فقد أدرك قادة الناقلات منذ فترة طويلة مدى ضعف مركباتهم أمام بطاريات صواريخ كروز المضادة للسفن. فعند إطلاقها بأعداد كبيرة، يمكن أن تطغى الأسلحة على دفاعات السفن. وتعتبر أسراب من الطائرات بدون طيار الانتحارية بعيدة المدى رخيصة ويمكن أن تشل مجموعة ناقلة بنفس السهولة.
أسلحة الصين فرط الصوتية "مرعبة" للسفن
تمتلك مجموعة حاملة الطائرات الهجومية أجهزة كافية لاعتراض عشرات الصواريخ الواردة من مسافة تصل إلى 200 ميل (321.8 كيلومتر). لكنها تصير معزولة بمجرد نفاد أجهزة الاعتراض التي يمكنها إطلاقها، والتي يجب تخزينها ثم إعادة تخزينها بعد المعركة. ويمكن تجديد بعض الذخائر في البحر، بينما يجب إعادة تزويد الصواريخ في الميناء. ويسمي البنتاغون هذه بمشكلة "عمق المستودع"، وهو أمر يمكن للأعداء استغلاله بهجمات حاشدة.
ويعتقد البنتاغون أنَّ أفضل دفاع ضد هجوم حاشد بطائرات مُسيَّرة هي الفوتونات التي تطلقها ذرات شديدة الاهتياج. ويحدث هذا عن طريق ضخ ما يكفي من الكهرباء عبر الذرات -أو الأيونات، أو الجزيئات- لإثارة هذه الذرات حقاً، وينبعث منها الضوء. ثم يُحبَس طيف الضوء هذا بين المرايا بحيث يرتد ذهاباً وإياباً؛ مما يزيد من إثارة تلك الجسيمات الدقيقة. ويُمرَّر هذا الضوء المُعظَم عبر شعاع ضيق ويُوجَّه نحو هدف بسرعة الضوء، وحينها يتكون لديك ليزر.
وعلى عكس المتفجرات في أفلام Star Wars، لا تنفجر أشعة الليزر عند اصطدامها بالهدف. وبدلاً من ذلك، فإنها توفر حرارة شديدة. وعند خروج الليزر بطاقة منخفضة، يمكنه تعطيل المستشعرات الضوئية في طائرة بدون طيار. وبزيادة الطاقة، ستخترقها أشعة الليزر محدثة ثقباً.
في الأساس، يحول الليزر الطاقة إلى ذخيرة. ويعمل بمفاعلات نووية مثل تلك الموجودة في فورد، ويمكن إطلاقه آلاف أو حتى عشرات الآلاف من المرات على الذخائر القادمة. ونظراً لأنَّ أشعة الليزر تنتقل بسرعة الضوء، يمكن لليزر تتبع واستهداف أسلحة لا يمكن التنبؤ بها؛ مثل صواريخ الصين التي تفوق سرعتها سرعة الصوت DF-ZF، بطريقة أفضل من الصواريخ التقليدية؛ إذ لن يضطر المدفعيون إلى قيادة الأسلحة نحو هدف وتوقع موقعه بالطريقة التي يفعلونها حالياً.
إضافة إلى ذلك، يحب البنتاغون تكلفتها المنخفضة. عند التخطيط لمعارك ضد نظير اقتصادي مثل الصين، يقلق محللو الدفاع بشأن التكاليف بالإضافة إلى القوة النارية. إنَّ استخدام صواريخ بملايين الدولارات لمحاربة أسراب من طائرات العدو بدون طيار أو صواريخ كروز الرخيصة نسبياً هو ما يسميه هؤلاء المحللون "نسبة التبادل السلبي للتكلفة". وتعمل أشعة الليزر الرخيصة لإطلاق النار على إعادة التوازن إلى تلك المعادلة.
سباق محموم، فمن يصل أولاً؟
في أحد اختبارات البحرية الأمريكية، تفوقت أسلحة الليزر على طائرة بدون طيار أُطلِقَت من سطح سفينة قريبة. عندما اشتبك الليزر مع الطائرة بدون طيار، اخترقت الحرارة الشديدة الطائرة مثل موقد اللحام. وفي غضون ثوانٍ، اشتعلت النيران في الطائرة بدون طيار وسقطت باتجاه البحر.
في أغسطس/آب 2022 ، قامت البحرية بتركيب أول ليزر دائم لها على مدمرة صواريخ موجهة طراز "أرلي بيرك". طوَّرت هذا السلاح شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، ويمتلك قدرة إنتاج تبلغ 60 كيلوواط ويتكامل مع رادار منظومة "إيجيس" المتقدم ونظام التحكم في الأسلحة. وتطلق البحرية عليه اسم "هيليوس"، أو الليزر عالي الطاقة مع اندماج نظامي المراقبة الإليكترونية والمراقبة البصرية معا. ويتطلب عقد البحرية مع المطور الحصول على واحد على الأقل من أجهزة الليزر التي تبلغ قيمتها 105 ملايين دولار، مع خيار شراء ما يصل إلى تسعة أجهزة في المجموع. ويمكن أن تتمتع الإصدارات اللاحقة بقوة أعلى. وتقول شركة لوكهيد مارتن إنَّ السلاح يمكن أن يصل حجمه في النهاية إلى 150 كيلوواط، لكن حتى عند هذه القوة سيكون أكثر فائدة ضد الطائرات بدون طيار والسفن السطحية الصغيرة.
لإيقاف وابل من صواريخ كروز أو سلاح فرط صوتي يتجه نحو فورد بسرعة 5 ماخ أو أسرع، تحتاج البحرية إلى شيء أقوى بكثير. لإحباط صواريخ كروز، تُقدِّر البحرية أنها بحاجة إلى ليزر بقوة 300 كيلووات على الأقل. كما أنها بحاجة إلى طاقة كافية للتغلب على تأثير الاضطرابات الجوية على الليزر. وأخيراً، تتطلب تحديداً سريعاً لنقطة الهدف الدقيقة على صاروخ داخلي يسافر بسرعة ميل واحد (1.6 كم) في الثانية لإسقاطه.
ويبدو أنَّ مثل هذا السلاح في طريقه إلى البحرية الأمريكية، إذ تخطط البحرية لبدء اختبار سلاح بقوة 300 كيلووات في وقت مبكر من العام المقبل، وتسمي السلاح التجريبي "هيلكاب"، أو برنامج الليزر عالي الطاقة المقاوم لصاروخ كروز المضاد للسفن. وإذا نجح، فستكون المنصة أول ليزر للبحرية قادر على إسقاط صواريخ كروز القادمة المضادة للسفن.
بالنسبة للبنتاغون، التي استثمرت المليارات في حاملات الطائرات، لا يمكن أن تصل هذه التكنولوجيا بسرعة كافية. فنظراً للظهور السريع للأسلحة الصينية المضادة للسفن، صارت السفن الحربية مثل فورد أكثر عُرضة للخطر مما كانت عليه منذ 80 عاماً. وبالتالي فإن مصير أقوى قوة بحرية في العالم يمكن تحديده من خلال ضربة صاروخية واحدة تفوق سرعة الصوت. ولمنع حاملات الطائرات من مواجهة نفس المصير الذي واجهته البوارج في الحرب العالمية الثانية، فإنها تعمل على الليزر؛ إذ تراهن على أنها تستطيع تطوير تقنية الخيال العلمي إلى دفاع قوي وموثوق. وبغض النظر عن مدى سرعة الصواريخ المضادة للسفن أو قوتها، تأمل البحرية أن تتمكن تقنيتها الليزرية المستقبلية من حرقها من السماء بتكلفة أقل من تكلفة فنجان قهوة.