لماذا بدأت الشركات الغربية بتقليل الاعتماد على الصين في التصنيع والمبيعات؟ الاعتبارات السياسية تلعب دوراً كبيراً

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/05 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/05 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
عمال صينيون / Getty

عندما أعلنت شركة آبل، التي كانت متحمسة فيما مضى للتصنيع في الصين، في ديسمبر/كانون الأول، أنها تخطط لنقل بعض إنتاجها إلى فيتنام والهند، كان من الواضح أنَّ شيئاً ما قد تغير في الطريقة التي تعمل بها العولمة. والآن يوثق تقرير جديد ما توقعه الكثيرون بالفعل: دول تنحاز إلى كتلتين؛ واحدة يقودها الغرب، والأخرى بقيادة الصين حتى الآن. 

وهذا التطور له تداعيات هائلة على الشركات، التي تمكنت، منذ نهاية الحرب الباردة، من العمل على مستوى العالم مع القليل من الاعتبار بالجغرافيا السياسية الكبرى. والآن يتعين على الشركات أن تعتاد على عالم لم يعُد فيه الحياد استراتيجية رابحة، ولا حتى ممكناً، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.

الشركات الغربية تريد التحرر من الاعتماد على الصين في التصنيع والمبيعات

في وقت من الأوقات، كان 85% من هواتف iPhone والعديد من منتجات آبل الأخرى يصنعها حوالي 300000 عامل في مصنع iPhone City الضخم في تشنغتشو الصينية. لكن يبدو أنَّ عملاق الهاتف المحمول قد توصل إلى نفس النتيجة التي توصلت إليها الشركات، بما في ذلك منافستها سامسونغ، التي نقلت بعض إنتاجها إلى فيتنام. في الواقع، صارت الشركات العاملة عالمياً غير مرتاحة بشأن اعتمادها على الصين في التصنيع والمبيعات منذ بعض الوقت. 

ووجد تقرير المخاطر السياسية لعام 2022 الصادر عن وسيط التأمين العالمي WTW، الذي صدر في مارس/آذار من العام الماضي، أنَّ نسبة المديرين التنفيذيين الذين أعربوا عن مخاوف بشأن المخاطر السياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (في الواقع، الصين) إلى أولئك الذين يقولون إنهم غير قلقين وصل الآن لما يقرب من 20 إلى 1، ارتفاعاً من 2 إلى 1 قبل أقل من عامين.

وهذه قفزة أعلى بكثير من أية منطقة أخرى. في استطلاع نشرته غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، الصيف الماضي، قالت 23% من الشركات إنها تخطط لنقل عملياتها خارج البلاد. وصرحت نائبة رئيس الغرفة بيتينا شوين-بهانتزين، عندما صدر الاستطلاع: "الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به بشأن الصين اليوم هو عدم القدرة على التنبؤ بها، وهذا ضار ببيئة الأعمال".

توجيه الصناعات نحو "البلدان الصديقة"

تستجيب الشركات الأمريكية والغربية للمخاطر المتزايدة من خلال مفهوم إسناد الأعمال للأصدقاء، وهي عملية إعادة توجيه أجزاء من التصنيع وسلاسل التوريد والمبيعات إلى البلدان الصديقة. وشركة آبل ليست الأولى التي تفكر في فيتنام والهند. 

حتى الآن، لم تتحرر معظم هذه الشركات بالكامل من الصين، وبدلاً من ذلك صارت مدركة لمخاطر وضع كل بيضها في سلة واحدة. فقد تسببت السياسة الداخلية المضطربة والتغييرات السياسية في الصين على مدى السنوات الثلاث الماضية في إعادة النظر في استقرار البلاد.

بيد أنَّ التكاليف السياسية والآثار على السمعة المرتبطة بممارسة الأعمال التجارية في دولة تضع الغرب أكثر فأكثر في صورة العدو تزداد قسوة. ولا تنتهي المخاطرة عند الأعمال التجارية الصينية؛ لأنَّ العالم ينقسم إلى كتلتين جيوسياسيتين تزدادان وضوحاً، كما تقول فورين بوليسي.

الانقسام بين الكتلتين الشرقية والغربية

في تقرير، من المقرر صدوره في وقت لاحق من هذا الشهر، وضعت شركة WTW وشركة الأبحاث Oxford Analytica تقييماً لـ 61 دولة ومنطقة تُدرَج عادةً في تقارير المخاطر السياسية؛ وهي دول خارج الأمان السياسي للغرب الأوسع (الذي يشمل دولاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية)، لكن أسواقها كبيرة بما يكفي لكي ترغب الشركات العالمية في العمل فيها.

ووجد التقرير أنَّ 25 دولة تميل إلى الغرب، في حين أنَّ 18 دولة تنحاز للشرق، وتعارض القوى الغربية في العديد من القضايا الرئيسية. وتتراوح الدول من دول غنية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى تلك المكتظة بالسكان مثل الهند وباكستان ونيجيريا؛ إلى الشركات الأصغر والأقل ثراءً مثل ميانمار وكمبوديا التي تحظى بشعبية لدى الشركات المصنعة الدولية. 

في حين أنَّ كلتا الكتلتين فضفاضة للغاية، وخاصة الكتلة الشرقية؛ نظراً لافتقار الصين إلى التحالفات الرسمية، فإنَّ الكتلة الغربية تقودها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والكتلة الشرقية بقيادة الصين. كما كان الحال أثناء الحرب الباردة، هناك أيضاً مجموعة غير منحازة. من بين 61 دولة تم تقييمها بواسطة WTW وOxford Analytica، حاولت 18 دولة أن تكون محايدة.

قال سام ويلكين، رئيس تحليلات المخاطر السياسية في WTW: "التوافق الجيوسياسي لا يفرض بالضرورة إقامة علاقات تجارية. هناك العديد من الدول التي لديها علاقات تجارية قوية مع الشرق؛ لكن علاقاتها الجيوسياسية قوية مع الغرب". 

يجب على الشركات الكبرى القلق الآن من الاعتبارات الجيوسياسية 

لكن التوافق الجيوسياسي صار الآن يقود إلى مزيد من مخاطر الاستثمار". ويشكل ذلك خطراً أساسياً على الشركات، التي تمكنت منذ عام 1991 من وضع نفسها في أي مكان في العالم تقريباً دون الحاجة إلى القلق بشأن الاعتبارات الجيوسياسية الأكبر، باستثناء النزاعات المحلية وعدم الاستقرار. بدورها، استطاعت البلدان التي انضمت إلى الاقتصاد المعولم فعل ذلك دون اختيار جانب أو آخر. فيتنام، على سبيل المثال، تتاجر مع الولايات المتحدة والصين واليابان.

من منظور الشركات الغربية، بدا العالم مختلفاً تماماً قبل هذا العصر الجديد من الصراع، حين تفوقت فرص البيع والتصنيع على أية اعتبارات أخرى. في حين بدأت تدرك الشركات متعددة الجنسيات الصينية منذ فترة طويلة أنَّ مصيرها يعتمد على النزوة السياسية للحكومة، بينما تمتعت الشركات الغربية بأمان نسبي. فحكوماتها ليست هي المشكلة في الغالب، بل المشكلة في التعامل مع دولة استبدادية في زمن العداء الجيوسياسي.

طالما أقامت العديد من الدول الغربية علاقات تجارية قوية ليس فقط مع الصين وروسيا؛ بل مع دول أخرى في الكتلة الشرقية الناشئة أيضاً. وستحتاج الشركات في هذه البلدان الآن إلى إيلاء اهتمام وثيق لميول الدول للتأكد من أنها لا تواجه مشكلات ذات دوافع جيوسياسية. فإذا عملت في بلد قرر الانتقام من دولها الأم، فإنها الآن في خطر كبير، فقد كانت الصين رائدة في معاقبة الشركات الأجنبية ضمن استراتيجياتها الجيوسياسية. على سبيل المثال، انتقمت بكين من جرائم مزعومة ارتكبتها حكومات السويد وليتوانيا وأستراليا من خلال معاقبة الشركات أو قطاعات محددة أو القطاع الخاص بأكمله في هذه البلدان.

ويمكن أن تكون العقوبة قاسية بدرجة غير عادية؛ فبعدما دعت الحكومة الأسترالية إلى تحقيق مستقل في منشأ وباء "كوفيد-19″، فرضت بكين تعريفات عقابية على النبيذ الأسترالي تسببت في انخفاض صادرات النبيذ الأسترالي إلى الصين، أكبر سوق لتصدير صانعي النبيذ الأسترالي، بنسبة 96%. وعندما سمحت ليتوانيا لتايوان بفتح مكتب تمثيلي في عاصمتها فيلنيوس، منعت السلطات الصينية واردات جميع السلع تقريباً التي تحتوي على أجزاء ليتوانية. ويمكن أن تستلهم الدول الأخرى في التحالف الشرقي من هذه الخطوات وتستخدم تكتيكات مماثلة.

هل يستمر الحياد الجيوسياسي؟

سوف يتسبب ظهور تكتلات تجارية في مشكلات خاصة في المناطق المتكاملة اقتصادياً مثل الشرق الأقصى، حيث ينضم الآن شركاء تجاريون مقربون إلى تكتلات مختلفة.

من المؤكد أنَّ العديد من الدول لن يمكن جذبها لكتلة الغرب بسهولة؛ بما في ذلك البلدان الـ18 التي تتبنى موقفاً محايداً. لكن الحياد الجيوسياسي اليوم يشير إلى أنَّ الدول تشعر أنها قادرة على تحقيق المزيد من خلال التظاهر بأنها سلعة يصعب الحصول عليها. قال ويلكين: "يمكن لتركيا والأرجنتين وعدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء التلاعب بالقوى العظمى ضد بعضها البعض".

لكن الحصول على تأييد هذه الدول لا يزال يستحق الجهد المبذول. فمفهوم إسناد الاستثمارات للأصدقاء يتسارع، ووجود سلع حيوية في البلدان التي يمكن للمرء الاعتماد عليها يمثل أمراً إيجابياً بلا منازع. والعديد من الشركات الغربية التي تسعى لتقليل وجودها في الصين، على سبيل المثال، تنظر إلى مواقع محتملة في تركيا. إضافة إلى ذلك، تحتاج الحكومات والشركات الغربية إلى عدد كافٍ من البلدان التي يمكنها الاعتماد عليها، حتى لو لم تكن تلك الدول صديقة للغرب مثل تايوان. وبخلاف ذلك، سينتج عن تراجع العولمة تكتلات تجارية صغيرة جداً.

تحميل المزيد