منح قرار للأمم المتحدة يطلب من محكمة العدل الدولية التأثير في الاحتلال الإسرائيلي انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للفلسطينيين. ومع ذلك، فإن محكمة العدل الدولية، التي تحل النزاعات بين الدول، ليست لديها سلطة لفرض آرائها رغم كونها مُلزِمة قانوناً. إذاً ما هي العواقب التي قد تترتب على رأي المحكمة الدولية الاستشاري بشأن إسرائيل والأراضي الفلسطينية؟
ما هو القرار الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل؟
يدعو القرار، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً محكمة العدل الدولية إلى التدخل "بشكل عاجل" في "احتلال إسرائيل الطويل الأمد واستيطانها وضمها للأراضي الفلسطينية"، الذي قالت إنه ينتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ويشير القرار إلى الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل منذ حرب عام 1967 -الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية- والسياسات التي تهدف إلى "تغيير التكوين الديموغرافي وطابع ومكانة مدينة القدس المقدسة".
ويطلب قرار الأمم المتحدة من المحكمة إبداء رأي حول كيفية تأثير هذه السياسات والممارسات الإسرائيلية على الوضع القانوني للاحتلال، وما هي التبعات القانونية التي تترتب على هذا الوضع على جميع الدول والأمم المتحدة.
ويقول خبراء السياسة والأكاديميون الفلسطينيون إنه في حين أن أي قرار لمحكمة العدل الدولية ينتقد إسرائيل من شأنه أن يساعد الفلسطينيين من حيث زيادة الوعي، إلا أنه لن يفعل شيئاً يذكر لمحاسبة إسرائيل ووقف سياساتها ضد الفلسطينيين، والتي تصفها جماعات حقوق الإنسان بالفصل العنصري.
وقال طارق الشوا، زميل السياسة الأمريكية في الشبكة الفلسطينية للسياسة لموقع Middle East Eye البريطاني: "إن قرار محكمة العدل الدولية سيمثل انتصاراً رمزياً للفلسطينيين على المسرح الدولي، لكن من غير المرجح أن يغير كثيراً بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي".
ما الذي يمكن أن تفعله محكمة العدل الدولية للفلسطينيين؟
محكمة العدل الدولية، المؤلفة من 15 قاضياً، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة ومقرها لاهاي بهولندا، حيث تصدر أحكاماً في النزاعات بين الدول.
تختلف المحكمة عن المحكمة الجنائية الدولية، التي تحاكم الأفراد على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في جرائم حرب محتملة ارتُكِبَت في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
سيقوم مسجل محكمة العدل الدولية، البلجيكي فيليب غوتييه، بنشر جدول أعمال المحكمة قريباً للأشهر القادمة. وسوف تُدعَى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لتقديم موجزات صديقة للمحكمة كجزء من مهمة أوسع لتقصي الحقائق.
من المرجح أن تتحرك العملية ببطء، حيث لا يُتوقع أن تصدر المحكمة رأيها لمدة عام أو أكثر.
ومن المحتمل أن يُقرَّر أن السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة ليست مؤقتة ولا تبررها ضرورة عسكرية، وبالتالي فهي غير قانونية. ويدعو القرار إسرائيل إلى إنهاء احتلالها.
وبحسب موقع "MEE" يمكن للمحكمة أيضاً أن تذهب أبعد من ذلك وتدرس الآراء المتزايدة من الجماعات الحقوقية الإسرائيلية والدولية التي تقول إن إسرائيل تمارس شكلاً من أشكال الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
صراع على السردية والرواية التاريخية بين الاحتلال وأصحاب الأرض
كانت آخر مرة نظرت فيها محكمة العدل الدولية في قضية الاحتلال الإسرائيلي عام 2004، عندما قضت بأن الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية غير قانوني. ورفضت إسرائيل هذا الحكم متهمةً المحكمة بأن لها دوافع سياسية. وقد ورد الحكم في العديد من التقارير حول الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يزال الجدار سليماً حتى يومنا هذا.
وقال الشوا: "إن إصدار حكم ضد إسرائيل سيسهم بلا شك في مزيد من التحول في السرديات من خلال تسليط الضوء على عدم شرعية النظام القمعي الإسرائيلي، وهو أمر مهم بالنظر إلى اعتماد إسرائيل على المجتمع الدولي لحمايتها من المساءلة".
وأضاف: "مع ذلك، سيكون أيضاً بمثابة أحدث مثال على القيود المتأصلة في النظام القانوني الدولي الذي يعتمد على التنفيذ من قبل عدد قليل فقط من الدول القوية، وبالتحديد الولايات المتحدة والغرب، أقوى المدافعين عن إسرائيل".
وسبق أن قامت الولايات المتحدة، وهي حليف وثيق لإسرائيل، في مناسبات عديدة بحماية إسرائيل من الانتقاد في الأمم المتحدة، مستخدمة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعرقلة أكثر من 50 قراراً ينتقد إسرائيل.
إلى متى يستمر الإفلات الإسرائيلي من العقاب؟
لقد انتقدت إسرائيل بالفعل القرار، قائلةً إن الأمم المتحدة كانت متحيزةً على نحو بالغ وإن هذه الخطوة تضر بفرص السلام.
ومن غير المرجح أن تشارك إسرائيل في تحقيق محكمة العدل الدولية، وفقاً لمسؤولين في وزارة الخارجية تحدثوا إلى صحيفة Times of Israel الإسرائيلية. وبالمثل، رفضت إسرائيل المشاركة تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب على الأراضي الفلسطينية.
مهما كانت النتيجة التي ستسفر عنها المحكمة الدولية، من المرجح أن ترفض الحكومة الإسرائيلية أي شيء ينتقد إسرائيل، وقال مسؤولون إسرائيليون إن أي نتائج سلبية من هذا القبيل في محكمة العدل الدولية قد تضر بمفاوضات السلام.
وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، يائير لبيد، بعد تصويت أولي على القرار في نوفمبر/تشرين الثاني، أن "الفلسطينيين يريدون استبدال المفاوضات بخطوات أحادية"، مضيفاً: "إنهم يستخدمون الأمم المتحدة مرة أخرى لمهاجمة إسرائيل".
وقال جورج بشارات، الأستاذ في كلية هاستينغز للقانون بجامعة كاليفورنيا، لموقع Middle East Eye إن "الأمم المتحدة وجدت أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي بشكل منتظم وفاضح في العديد من التقارير والآراء".
وأضاف: "ومع ذلك، لا يبدو أن أياً منها يحد من استمرار القوة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية، التي تواصل فرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، داخل إسرائيل والضفة الغربية. وهذا، بالطبع، يرجع في المقام الأول إلى الإفلات من العقاب التي تتمتع بها بفضل دعم الولايات المتحدة".
وقال إن الرأي الاستشاري الجديد لن يأتي على الأرجح بتغيير يُذكر، بالنظر إلى أنه "غير قابل للتنفيذ ضد طرف غير ملتزم" في إسرائيل.
وقال بشارات إنه إذا انتهى الأمر بمحكمة العدل الدولية إلى تصنيف السياسة الإسرائيلية على أنها مذنبة بالفصل العنصري، "فقد يكون لذلك تأثير عميق طويل المدى على الخطاب المتعلق بحقوق الفلسطينيين، وقد يساعد في إعادة توجيه الجهود بعيداً عن سراب حل الدولتين. ونحو حقوق متساوية من النهر إلى البحر".
أثيرت مخاوف كبيرة بشأن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة الجديدة، بما في ذلك أنها "قد تضر بسمعة إسرائيل الدولية" كما يقول الموقع البريطاني. وحذر أكثر من 100 دبلوماسي إسرائيلي سابق الأسبوع الماضي من "القلق العميق إزاء الضرر الجسيم الذي لحق بالعلاقات الخارجية لإسرائيل، ومكانتها الدولية ومصالحها الأساسية في الخارج".