الآن بعدما جرت معظم مراسم تولي المناصب، وبدأت بالفعل حكومة بنيامين نتنياهو مهام عملها، تبرز عديد التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة بعدما أعلن غالبية الوزراء عزمهم تغيير وتنفيذ سياسات جديدة.
إذ من المتوقع أن يواجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ولايته السادسة، سلسلة من التحديات الداخلية والخارجية التي ربما لا تجعل فترة ولايته الجديدة مفروشة بالورود.
فقد استبقت الإدارة الأمريكية الاجتماع الاحتفالي للحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو بالإعلان عن تمسكها بحل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومعارضتها السياسات التي تعرض هذا الحل للخطر. هذا يمثل أحد أبرز التحديات أمام الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، والتي تضم في عضويتها مستوطنين يدعمون ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية.
نتنياهو.. تهدئة المخاوف
حطّم بنيامين نتنياهو الرقم القياسي في عدد ولاياته؛ إذ خدم 15 عاماً كرئيس لوزراء إسرائيل، وهو الآن يدخل حكومته السادسة. لكن الفرق الكبير هو أن نتنياهو لم يشغل قط منصب رئيس الوزراء في حكومة يمينية كاملة مثل هذه؛ حكومة تجعله دون أي معارضة داخلية من اليمين الإسرائيلي.
لكن رغم كل هذا، فإن نتنياهو يدخل مرحلة حساسة للغاية من الناحية السياسية والأمنية، مع العديد من التحديات؛ إذ سيتعيّن عليه أولاً طمأنة الجمهور في إسرائيل، فنصفهم قلقون جداً ويخافون على مصير الدولة. وفي نفس الوقت، عليه أن يطمئن العالم بأن إسرائيل لا تحكمها حكومة مُركبة من شخصيات متطرفة.
بالإضافة إلى ذلك، سيتعيّن عليه تهدئة القلق في الشرق الأوسط، مع التركيز على الأردن ودول الخليج، بشأن الاختلاف في الوضع الراهن بالحرم القدسي الشريف، خصوصاً مع قيام وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير بتنفيذ وعوده باقتحام المسجد الأقصى، وهو ما حدث بالفعل.
المهمة الأولى التي تواجه نتنياهو -كما تستعرض صحيفة يديعوت أحرنوت– هي تهدئة مخاوف العالم من الحكومة. سيكون التحدي الأكبر هو إقناع الأمريكيين والأوروبيين بأن نتنياهو يسيطر على شركائه المتطرفين في الحكومة ولن يدعهم يضرون بحل الدولتين.
كما ألقت صحيفة معاريف الضوء على نفس الأمر، قائلة إن الإدارة في واشنطن والمسؤولون الأوروبيون أرسلوا رسائل تحذيرية ضد "الإجراءات الخطيرة التي ستهدد مستقبل حل الدولتين للشعبين".
كبح جماح اليمين
داخلياً، يبدو التحدي الأهم الماثل أمام نتنياهو -حسب معاريف- هو الحفاظ على توازن وقوة الحكومة في الممارسة، والسماح للشركاء الوفاء بالوعود الانتخابية التي تظهر في اتفاقيات الائتلاف. ومن جهة أخرى، للحفاظ على الدولة، وعدم السماح بأن تصبح الحكومة ساحة للمعارك الأيديولوجية وتجنب الإجراءات الشعبوية، كل ذلك من أجل الهدف السياسي الأعلى ضمان استمرار الحكومة لأطول فترة ممكنة.
ستكون مهمة نتنياهو الأساسية هنا هي كبح جماح شركائه اليمينيين، بحيث لا يتسببون في إحراجه بمحاولة زعزعة المنطقة بتصريحات وإجراءات متطرفة.
ففي اتفاق الائتلاف، تعهد نتنياهو بالعمل من أجل تطبيق السيادة في الضفة الغربية، وعند النظر إلى التوقيت والظروف الدولية يتضح أن نتنياهو لن يكون قادراً على الضم في ظل وجود الإدارة الأمريكية في واشنطن. ربما يتعين تأجيل فكرة الضم حتى عودة رئيس جمهوري مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة؛ مثل المرشحين البارزين، دونالد ترامب أو رون دي سانتيس.
سيتعين على نتنياهو أيضاً طمأنة الجاليات اليهودية في العالم بأنه لن يسمح بإلغاء بند الحفيد في قانون العودة. سيتعين عليه مواصلة العمل على تهدئة مجتمع المثليين، الذين لا يؤمنون بالوعود بعدم تعرضهم للأذى.
إيران.. التحدي العسكري الأبرز
يريد نتنياهو ترك إرث في هذه الفترة كشخص دخل مكتب رئيس الوزراء عن عمر يناهز 73 عاماً. وستكون مهمته المركزية وقف التسلح النووي لإيران، والوصول إلى التنسيق الكامل مع إدارة بايدن، التي لم تتخلَّ بالكامل عن طموح حل النزاع مع طهران بالوسائل الدبلوماسية.
كما سيتعين على نتنياهو أن يواصل ما بدأه أسلافه، بينيت ولبيد، وتجهيز الجيش الإسرائيلي للهجوم العسكري على إيران، إذا ومتى حدث ذلك سيتعين عليه إقناع الولايات المتحدة بأنه لا مفر من التلويح للإيرانيين بخيار عسكري يمكن الاعتماد عليه، وأن يكون مستعداً لاستخدامه أيضاً.
من جانبه شدد وزير الجيش الإسرائيلي الجديد على القضية الإيرانية في الاتفاق مع القوى التي تزداد تباعداً، بما قد يقرب طهران من تطوير قدرات إنتاج قنبلة نووية.
مشروع الصواريخ الدقيقة المشترك بين حزب الله وإيران، سيكون في قلب معضلة أخرى للمؤسسة الأمنية في السنوات المقبلة. بحسب معاريف، إلى جانب تطوير القدرات الهجومية لمهاجمة هذه الوسائل أثناء الحرب وتحسين قدرات الدفاع الجوي، سيكون التحدي الذي يواجه المؤسسة الدفاعية هو تعطيل وإتلاف جزء كبير من مركز ثقل المشروع في لبنان، مع الفهم أنها تتمتع بهامش من الحصانة بسبب إحجام إسرائيل عن شن حرب في الساحة الشمالية.
استمرار التطبيع في الشرق الأوسط
ستكون واحدة من المهام الرئيسية لبنيامين نتنياهو هي تحقيق اختراق في العلاقات مع السعودية. فقد صرح رئيس الوزراء المنتهية ولايته لابيد بأن حكومته مهّدت الطريق للسلام مع السعودية، وأن هذا ممكن في وقت قصير نسبياً.
ويعتقد نتنياهو أن السلام مع السعودية سيحل الصراع العربي الإسرائيلي.
الساحة الفلسطينية.. الدبلوماسية والمقاومة
في الواقع، دخل نتنياهو مكتب رئيس الوزراء وكانت العلاقات مع الفلسطينيين في حالة تدنٍ، بعد أن حققوا انتصاراً دبلوماسياً في مجلس الأمم المتحدة وأرسلوا الاحتلال الإسرائيلي إلى قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
من ناحية أخرى، تولى نتنياهو السلطة بعد تصاعد مقلق للعمليات الفلسطينية في الضفة الغربية؛ مما يعني أن هناك فرصة كبيرة للتصعيد مع الفلسطينيين. نتنياهو يعرف أن حكومته، على عكس الحكومة السابقة، لن تحصل على دعم تلقائي من العالم، بل على العكس دخل نتنياهو عندما لا يملك أي ائتمان في العالم بشأن القضية الفلسطينية، ومن المتوقع أن يستخدموا ذلك لزيادة الضغط على القضية الفلسطينية.
في الساحة الفلسطينية، ليس من المتوقع أن يحظى وزير الجيش الجديد بدقيقة واحدة من الراحة؛ بسبب عمليات إطلاق النار التي المتواصلة على مدار الأسبوع تقريباً، خاصة في شمال الضفة.
الضفة الغربية
على الرغم من أنه من الصعب حالياً معرفة كيفية آلية عمل داخل وزارة الجيش، ومدى استقلاليتها، إلا أن لدى بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية في حكومة نتنياهو، عدداً من القضايا على جدول أعماله. أولاً انعقاد المجلس الأعلى للتخطيط الذي يصادق على البناء في المستوطنات. لكن في الوضع الحالي يتطلب في كل اجتماع للجنة وكل خطوة لإقرار الخطط موافقة المستوى السياسي. إلا أن سموتريتش يعمل على تغيير هذه الآلية، بحيث تكون المشاركة السياسية في حدها الأدنى.
ثانياً، فيما يتعلق بقضية المناطق (ج) سيعمل سموتريتش -الذي يتفهّم الوضع في المنطقة جيداً- على دفع الفلسطينيين، الذين يبنون بوتيرة سريعة وغير قانونية في المناطق (ج) إلى تنفيذ المزيد من عمليات الهدم.
ثالثاً، سيعمل سموتريتش على تنفيذ المشورة القانونية المؤيدة للاستيطان، والتي ستعمل على مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك تقديم إجابات للمحكمة العليا بشأن التماسات اليسار (في وقت مبكر من اليوم، ستطالب الدولة بالرد على محكمة العدل العليا)، وكذلك تغيير ترتيب الأولويات في الإدارة المدنية الرئيسية وبدء عملية تنظيم البؤر الاستيطانية في المستوطنات.
رابعاً، يخطط الوزير الجديد لتغيير تدريجي داخل الإدارة المدنية في توفير المرافق والخدمات للسكان، بمن في ذلك المستوطنون والفلسطينيون الذين يعيشون في المنطقة ج. هذه كلها عمليات ستستغرق وقتاً، ولكن حتى أصغر التغييرات التي يخطط لها سموتريتش ستؤثر على المنطقة فوراً من خلال الحكومة، حتى القضايا السياسية.
السياسة الخارجية
تتمثل مهمة وزير الخارجية إيلي كوهين الجديد الأولى في ضمان عدم احتكار السلطة من وزارة الخارجية. إلا أن كوهين الذي جاء من وزارة المخابرات وكان على دراية جيدة بالاتصالات السرية بين الجيش المغربي والموساد لإقامة علاقات مع الدول العربية والإسلامية، سيتعين عليه التأكد من قيام وزارة الخارجية بهذه الإجراءات. وأن الأمور لا تتم من وراء ظهره -كما في السابق- خاصة في حكومات نتنياهو.
سيتعين على كوهين التأكد من أن وزارة الخارجية تظل قريبة من طاولة صانعي القرار عندما يتعلق الأمر بالقضايا السياسية والأمنية الرئيسية، إيران، وتوسيع اتفاقية إبراهام، والحرب الروسية الأوكرانية بأكملها وعواقب ذلك على إسرائيل. كما سيتعين على كوهين التأكد من أن وزارة الخارجية في صورة الاتصالات السرية مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط التي لا توجد علاقات معها.
وترى صحيفة معاريف تحدياً آخر ينتظر الحكومة الجديدة ووزير الخارجية الجديد، وهو ضبط العلاقات مع دول الجوار -مصر والأردن- التي لم تكن مستقرة مؤخراً، والاستمرار في الجهود السياسية لرئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت ويائير لابيد، والرئيس هرتسوغ الذي قدم مساهمته في تهدئة الروح المعنوية مع الأردن، وتدفئة العلاقات مع تركيا.
فلسطينيو الداخل
على مكتب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي قام بالفعل باقتحام المسجد الأقصى، هناك عدة أهداف عاجلة يجب معالجتها؛ استمرار محاربة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، ومصادرة السلاح، فرض القانون والنظام في الشوارع، ورفع صورة ومكانة الشرطي في الجمهور، حتى يصبح رمزاً لحكم القانون الذي سيخلق بُعداً للردع، بحسب وجهة نظر الإعلام الإسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على بن غفير إحداث زيادة في رواتب ضباط الشرطة، لا سيما في جنود القطاع الذين يتم تجنيدهم حتى السنوات الخمس الأولى، من أجل تحويل الشرطة إلى جهاز أمني يجتذب أناساً أكفاء.
سيُطلب من بن غفير أيضاً استعادة الحكم والأمن الشخصي في الفضاء العام، سواء كان ذلك الطريق أو المركز التجاري أو المناطق الزراعية. كما يجب التعامل مع ظاهرة الحمائية وعائلات الجريمة القادرة على تنفيذ الاغتيالات في وضح النهار.
كما سيُطلب من مكتب بن غفير التعامل مع تنفيذ ما جاء بتقرير لجنة التحقيق في هروب الأسرى الأمنيين الستة من سجن جلبوع، والذي قد تشير استنتاجاته إلى أن نظام السجن من حيث البناء قد عفا عليه الزمن ويتطلب تجديداً تقنياً ومادياً. وكان بن غفير صرح خلال مراسم التبادل التي أقامها مع سلفه عمرو بارليف بأنه سيعمل على "وقف معسكر الإرهابيين في السجون".
الأمن والجيش
بدأ وزير الجيش الجديد "يوآف غالانت" يومه الأول في منصبه بتلقي آخر المراجعات الأمنية، ومن المتوقع أن يكمل توليه منصبه بمساعدة رئيس الأركان أفيف كوخافي، خلال الأسابيع الثلاثة التي سيبقى فيها في منصبه. ترى معاريف أنه وقبل كل شيء وفي المرحلة الأولى من ولاية الحكومة هنالك مسؤولية تقع على عاتق وزير الجيش ألا وهي إخراج الجيش من قلب النقاش السياسي؛ حيث تنظر المؤسسة الأمنية بعض البنود في اتفاقيات الائتلاف على أنها إشكالية للغاية.
بالفعل في الأيام المقبلة، من المتوقع أن يُطلب من غالانت تلبية مطالب كل من سموتريتش وبن غفير من قبل نتنياهو في إطار الاتفاقات الائتلافية الموقعة، بما في ذلك تبعية الإدارة المدنية ومنسق عمليات الحكومة في المناطق إلى رئيس الصهيونية الدينية. وكذلك إبعاد سرايا حرس الحدود من قيادة الضفة الغربية في الجيش إلى سلطة بن غفير.
لكن الجيش الإسرائيلي يعارض هذه التحركات على أساس أنها ستضر بسلسلة القيادة ووحدة القيادة، وحتى الإدارة الأمنية المستمرة للضفة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشارك غالانت بالفعل في الفترة القادمة في المناقشات لتحديد ميزانية الدفاع، من المتوقع أن تكون الميزانية متعددة -عام ودائم- كجزء من خطة جديدة متعددة السنوات يحددها رئيس الأركان الجديد اللواء هارتسي هاليفي.