يبدو أن العام الجديد لا يحمل الكثير من الأنباء السارة للقارة السمراء، فالتضخم والديون المتفاقمة وخطر المجاعة تمثل تحديات على دول إفريقيا أن تواجهها، إضافة إلى انتخابات حاسمة في بعض الدول، فهل تتحول لانقلابات؟
وعلى الرغم من أن القارة تحولت خلال العام المنصرم (2022) إلى بؤرة الاهتمام العالمي بعد أن تحولت إلى ساحة للصراع الاستراتيجي بين أمريكا والصين، فإن مدى استفادة دول إفريقيا من هذا الاهتمام والمنافسة بين القوى الكبرى يظل موضع شك كبير، بحسب أغلب المحللين.
وقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعوداً سخية لزعماء القارة خلال القمة الأمريكية الإفريقية التي استضافتها واشنطن خلال الشهر الأخير من 2022، منها ما هو مالي ومنها ما هو سياسي، بينما تحظى الصين باستثمارات ضخمة في القارة بطبيعة الحال.
هل تشهد إفريقيا موجة من الانقلابات؟
تشهد قارة إفريقيا عدداً من الانتخابات الحاسمة في عدد من دولها، وهو ما يمثل اختباراً لمسار الديمقراطية في القارة السمراء وسط تحذيرات من استمرار الأزمات في هذه البلدان، التي تشهد من وقت لآخر، اضطرابات وانقلابات.
ففي عموم القارة، تؤدي التداعيات الاقتصادية إلى تفاقم الأزمات السياسية والإنسانية، وبما أن عام 2023 سيكون مزدحماً من الناحية السياسية في إفريقيا، حيث ستُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية في 17 دولة، فإن ذلك ستكون له تأثيرات كبيرة على القارة السمراء، وفقاً لما كشفت عنه "وحدة المعلومات الاقتصادية" التابعة لمجلة الإيكونوميست.
وحذرت الوحدة من أن فترات إجراء الانتخابات تتسم بالتقلب وتحمل في طياتها مخاطر مرتفعة لاندلاع احتجاجات سياسية ومظاهرات وإضرابات في عدد من البلدان الأفريقية.
وقال فونتيه أكوم، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الأمنية، لموقع دويتش فيله الألماني، إن السؤال الأهم هل ستشهد القارة "موجة من الانقلابات" كما كان الحال في عام 2022؟ أم أن العام المقبل سيمثل قطيعة مع هذه الظاهرة في ضوء محاولة الانقلاب الفاشلة بجزيرة ساو تومي وبرانسيبي في نوفمبر/تشرين الماضي؟
وفي هذا الصدد، سيكون التحدي الأكبر أمام إفريقيا العام المقبل كيف سيؤثر ذلك على مسار الديمقراطية، فهل سيُجرى تعزيزها أم سترتد إلى الوراء؟ أليكس فاينز، رئيس برنامج إفريقيا بمركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن، شدد على أن الانتخابات الرئيسية التي "يُجدر مراقبتها، هي تلك المزمع إجراؤها في نيجيريا وجنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي خاصة مع احتمال وقوع أعمال عنف في بعض هذه البلدان".
وفيما يتعلق بنيجيريا، فقد شهدت زخماً متزايداً من القوى المدنية والسياسية الشبابية قبل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى أواخر فبراير/شباط 2023، لكن البلاد شهدت أيضاً موجة من العنف السياسي والاضطرابات.
وفي ذلك، قال أكوم إن الانتخابات في نيجيريا "تتسم بأهمية بالغة؛ نظراً إلى أن نيجيريا واحدة من أكبر اقتصادات القارة بالتزامن مع أنها تواجه تحديات أمنية".
ومع قرب الانتخابات في هذا البلد، تتجه الأنظار بالذات إلى الشباب الذين بمقدورهم تغيير موازين القوى بين الأحزاب السياسية الرئيسية في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 217 مليون نسمة. فقبل أشهر من إجراء الانتخابات، اتسمت الأجواء السياسية في نيجيريا بالتوتر، خاصة في أعقاب قرار الرئيس الحالي محمد بخاري عدم خوض غمار الانتخابات مجدداً، فيما يؤكد أكوم أن الانتخابات المقبلة ستكون فرصة لإحداث التغيير.
ويتنافس في الانتخابات أكبر حزبين سياسيين في البلاد وهما حزب المؤتمر التقدمي الحاكم وحزب الشعب الديمقراطي المعارض، فيما يشير أكوم إلى أن حزب العمال ومرشحه بيتر أوبي قد يُحدثان مفاجأة انتخابية، خاصة في ضوء حصوله على دعم كبير من الشباب في نيجيريا.
التضخم وأزمة الديون في القارة
يرى أليكس فاينز، رئيس برنامج إفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" بلندن، أن أزمات إفريقيا سوف تستمر خلال العام المقبل ليس فقط في منطقة الساحل، خاصة في مالي وبوركينا فاسو، وإنما أيضاً في النيجر.
وأشار، في مقابلة مع دويتش فيله، إلى أن الوضع في الكاميرون ونيجيريا مازال مقلقاً في ظل حالة انعدام الأمن في كثير من مناطق البلدين، مضيفاً أن الوضع في إثيوبيا أيضاً سيكون في محور الاهتمام، خاصة مدى صمود اتفاق السلام الذي أُبرم قبل شهور بين الحكومة و"جبهة تحرير شعب تيغراي ".
وأكد أن الأمر لا يتوقف على هذه البلدان الإفريقية فقط، وإنما تنضم إليها دول مثل موزمبيق، خاصة شمال البلاد الذي يشهد عملية نزوح بسبب الجماعات الجهادية المسلحة.
وتطرق فاينر إلى عقبة أخرى تواجه القارة، مشيراً إلى أن عملية "تعافى الاقتصاد الإفريقي من تداعيات جائحة كورونا مطلع عام 2022 قد تضررت بسبب سلسلة من الصدمات مثل نقص الإمدادات والارتفاع السريع لمعدلات التضخم وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا".
وقد ألقى ذلك بظلاله على سداد ديون القارة، حيث تضاعفت تكاليف خدمة الديون، فيما أشار فاينز إلى أن الأمر سوف "يستمر في عام 2023، لكن سيحدث نمو اقتصادي إفريقي".
وقال إنه من المرجح أن تنمو الاقتصادات الرئيسية في نيجيريا وجنوب إفريقيا وإن كان بوتيرة بطيئة، لكن سوف ترتفع أسعار السلع، خاصةً منتجات الطاقة والمعادن، فيما سيحاول المستثمرون تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن روسيا، ومن جانبهم سيلجأ المستهلكون إلى سلع بديلة. وقال إن هذا الأمر سوف يصب في صالح بلدان إفريقية مثل أنغولا ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا وتنزانيا وزامبيا.
كما تواجه إفريقيا أزمة جوع صامتة، وهو التعبير الذي جاء في تقرير حالة سنوي لمجلة Foreign Policy الأمريكية حول المتوقع في القارة عام 2023، حيث تتصدر الصومال قائمة لجنة الإنقاذ الدولية في العام الجديد، إذ يعيش 40% من السكان على الإعانات الغذائية بالفعل، بعد عامين متتاليين من الجفاف الذي أصاب القرن الإفريقي.
ورغم أن هيئة الأمن الغذائي الدولية لم تصنف القرن الإفريقي كمنطقة مجاعة حتى الآن، فإن منطقة القرن الإفريقي تعاني من أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من أربعة عقود، وهو ما يؤثر على الأمن الغذائي لنحو 8.3 مليون صومالي، أي نصف عدد السكان.
كما قدم صندوق النقد الدولي مجموعة من التقديرات الاقتصادية مع بداية العام الجديد لشكل الاقتصاد العالمي في عام 2023، تبدو أكثر تشاؤماً من تقديراته السابقة، وجاءت أغلب المناطق المرشحة للسقوط بشكل كبير في هاوية الركود ضمن القارة السمراء.
وتوقع الصندوق أن يعاني ثلث الاقتصاد العالمي من حالة ركود، وبدا قلقاً بشكل خاص بشأن مصير الدول النامية، خاصةً ديونها المتراكمة، وسط مخاوف من تخلف بعضها عن سداد ديونه.
تونس وجنوب إفريقيا والقائمة طويلة
وفي واحدة من أكبر الدول الإفريقية وهي مصر، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 95% في شهر يوليو/تموز 2022، وشهدت واحدة من أكبر هجرات النقد الدولي هذا العام، نحو 11 مليار دولار، ولم يؤدِّ اتفاق صندوق النقد الدولي مع مصر، الذي تضمن تقديم قرضاً أقل كثير من المتوقع، إلى حل أزمة العملة حتى الآن، فيما تترقب الأسواق المساعدات والاستثمارات الخليجية التي تحدث عنها صندوق النقد، والتي يبدو أنها تنتظر بدورها تحريراً حقيقياً لسعر الصرف وإصلاحاً اقتصادياً يعزز دور القطاع الخاص، فيما الصادرات متوقفة تقريباً رغم وعود الحكومة بإزالة القيود.
كما تبدو تونس كواحدة من أكثر الدول عرضة لخطر التخلف عن سداد الديون مع عجز في الميزانية يقارب 10٪، وهو إحدى أعلى فواتير أجور القطاع العام في العالم، وهناك مخاوف بأن جدية الالتزام ببرنامج صندوق النقد الدولي، قد يكون أمراً صعباً بسبب مسعى الرئيس قيس سعيد لتعزيز قبضته على السلطة ونقابة العمال القوية التي تعارض سياسته الاقتصادية.
ورسم تقرير فورين بوليسي صورة قاتمة بشأن تونس، بعد عام مما وصفته المجلة الأمريكية ب"حكم الرجل الواحد"، إذ أشارت إلى أن "البلد على شفا الإفلاس وهو ما يشجع على الهجرة إلى أوروبا. كما أجل صندالنقد الدولي اجتماعا يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2022، كان مخصصا لمناقشة برنامج القروض لتونس لإن موازنة البلاد لعام 2023 وإصلاحات الإنفاق لم يتم الإنتهاء منها.
أما في جنوب أفريقيا، المركز الاقتصادي الهام في القارة السمراء، فيواجه الرئيس الحالي سيريل رامافوزا أزمة على وقع اتهامه بالتورط في عملية تبييض أموال وتطالب المعارضة باستقالته ما يعني أن حزب المؤتمر الوطني بزعامة رامافوزا يواجه تحديا وبات أمام مفترق طرق مع قرب الانتخابات.
ويتعرض الحزب لانتقادات واتهامات بسوء إدارة البلاد والتورط في قضايا فساد وتبني سياسات متناقضة.
وفي جوار جنوب أفريقيا، يبدو أن الوضع السياسي في زيمبابوي ليس في أحسن حال، إذ من المرجح أن يخوض زعيم المعارضة الزيمبابوي نيلسون تشاميسا من "تحالف المواطنين من أجل التغيير"، وهو أكبر كيان معارض في البلاد وجرى تشكيله مؤخرا، غمار الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الحالي إيمرسون منانغاغوا.
وتثير طريقة قمع حزب "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي-الجبهة الوطنية" الحاكم أي محاولة في السابق قد تشكل تهديدا لسيطرته على زمام الأمور ، مخاوف من وقوع اضطرابات قبل الانتخابات المقبلة في تكرار لما عانت منه البلاد من حالة عدم الاستقرار لأكثر من عقدين.
الخلاصة هنا هي أن قارة إفريقيا تواجه احتمالات غير مبشرة خلال العام الجديد، من تضخم وركود وأزمة ديون متفاقمة واضطرابات سياسية، فهل تصدق وعود إدارة بايدن وتسهم في تخفيف حدة تلك العقبات؟