حالة من الجدل المغلف بالسخرية أصابت المصريين بسبب صندوق الزواج، الذي أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح نيته تشكيله لتحصيل رسوم من المتزوجين قبل عقد القران، إضافة إلى إصدار موافقات حكومية للزواج وإجراء كشف طبي مسبق.
ويثير الصندوق الجدل بسبب عدة نقاط، الأولى إعلان الرئيس المصري نيته إلزام المتزوجين بالتبرع لصندوق تؤسسه الحكومة يدعى صندوق الزواج (رسوم أو ضرائب)، يخصص رأسماله الذي تشارك به الدولة من أجل الإنفاق على الأطفال والأسر في حالات الطلاق، وسط تقارير بأن هذا المبلغ الذي سوف يُلزم به الزوجان قد يصل لـ60 ألف جنيه (أكثر من ألفي دولار)، رغم عدم وجود تأكيد رسمي لذلك.
وفي ظل المخاوف من أن يتحول هذا المبلغ لعبء إضافي على تكاليف الزواج، فقد ظهرت بعض الدعوات للإسراع بالزواج قبل تطبيق القانون الجديد، وأفادت تقارير صحيفة بأنه تم القبض على مأذون مصري بعد دعوته للشباب على "فيسبوك" بتعجيل الزواج
كما ظهرت دعوات يختلط فيها الجد بالهزل، يقترح بعضها سفر أي عروسين للخارج، مثل السعودية لأداء العمرة، ثم عقد القران هناك وتوثيقه في السفارات المصرية.
بينما اقترح آخرون عقد الزيجات عند المحامين (بدل المأذون) الذين سيوثقونه في الشهر العقاري، (وهو أسلوب يعتقد أنه قائم بالفعل في بعض الزيجات شبه السرية).
هل يؤدي صندوق الزواج للتوسع في الزيجات غير الرسمية، أم السير على النمط الغربي؟
وفي الأغلب، فإن الأعباء المحتمَلة لمشروع صندوق الزواج ولجنة ترخيص الزواج، قد تشجع بعض الفئات الفقيرة على التحول للزيجات غير الموثقة لدى المأذون، ولكن هذا التحول لن يكون كبيراً في الطبقة الوسطى المصرية التي تنظر للزواج بقدسية شديدة، وهي مضطرة لتحمل أي أعباء أو عراقيل للحفاظ على الشكل الاجتماعي والديني والقانوني للزواج الذي يمثل خطوة مركزية في حياة المصريين حتى الآن، عكس الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية والعربية الأكثر تأثراً بالغرب.
ولكن صندوق الزواج قد يترتب عليه التوسع في الزيجات غير الرسمية، أو شبه الرسمية (مثل الزواج العرفي أو بمعرفة محام أو لدى رجل دين)، في حالات مثل الزيجات الثانية للرجال أو الزيجات السرية أو شبه السرية، التي ستصبح فيها إجراءات صندوق الزواج نفسها مخالفة للطبيعة الكتومة لهذه الزيجات، التي قد تكون مؤقتة أو سرية أو تمثل جانباً هامشياً من حياة الزوج الذي لديه زوجة أولى وأبناء منها.
ويبدو صندوق الزواج أقرب في فكرته للفلسفة الغربية والمسيحية التي تجعل الزواج عملية صعبة؛ لأنها تريد ضمان سلامة الأسرة بعد الزواج، إلا أن المشكلة كما ثبت من التجارب الغربية أن إضافة مزيد من الأعباء على الزواج والطلاق، سواء قانونية أو مادية، تؤدي في النهاية إلى إضعاف مؤسسة الزواج نفسها، وهو أمر مضر للمرأة أكثر من الرجل.
ففي الدول الغربية أدى تكبيل الرجل بمزيد من الالتزامات والقيود مثل منح المرأة نصف ثروة الرجل بعد الطلاق إلى إضعاف رغبة الرجل في الزواج، وفي النموذج الأمريكي أدى لنشأة ظاهرة إبرام اتفاقات زواج قبل عقد القران عن طريق محامين؛ لأن الرجال في الأغلب يخشون من الالتزامات التي يفرضها الزواج القانوني التقليدي عليهم.
وهكذا أصبح قطاع كبير من الذكور في الغرب، يفضل العيش مع النساء دون زواج؛ لأنه يعطيه كل ما يريده من الزواج دون أعبائه.
هل نالت مسألة ضرورة توثيق الطلاق موافقة شيخ الأزهر؟
أما النقطة الثانية المثيرة للجدل، والتي لم تلق كثيراً من الاهتمام هي إعلان الجهات الحكومية عن أنها حصلت على موافقة كتابية من الأزهر، بوجوب أن يكون الطلاق موثقاً وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، وهي قضية خلافية بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء، وبدا فيها الأزهر يتحدى الرئيس في موقف نادر بإصراره أن الطلاق يقع شفاهية، وفقاً للشريعة الإسلامية.
بينما يرى الرئيس أن الطلاق الشفهي يؤدي إلى خراب كثير من البيوت المصرية، علماً بأنه لم يقدم دراسة تؤكد ذلك.
ويبدو من إعلان الحكومة بشأن الحصول على موافقة الأزهر ودار الفتوى، كتابة على شرط توثيق الطلاق، أن الموافقة لم تأتِ من شيخ الأزهر أو هيئة كبار العلماء، لأنها لو كانت كذلك، لكان قد أعلن عن الجهة الأزهرية التي قدمت الموافقة، علماً بأن الأزهر مليء بالجهات والعلماء الذين يمكن أن يتم الحصول على موافقة منهم.
وستثير هذه النقطة جدلاً شديد الحساسية؛ لأن في حال وقوع طلاق شفهي، سوف يصبح هناك نقاشاً بين الأزواج وأهاليهم حول العلاقة الزوجية بين الزوجين، وهل ستكون سليمة وفقاَ للتعديل الذي دعا إليه الرئيس السيسي، أم أن العلاقة الزوجية قد انتهت وفقاً للرؤية السائدة في الأزهر وبين الفقهاء المسلمين، كما قد يثير ذلك جدلاً حول احتساب عدد مرات الطلاق التي تمنع عودة الزوجين لبعضهما مرة أخرى.
هل تتحول اللجنة الحكومية لترخيص الزواج لوسيلة للتوغل الحكومي بالحياة الشخصية؟
النقطة الثالثة المثيرة للجدل، وأحياناً السخرية في مشروع صندوق الزواج، هي توجيه الرئيس السيسي لضرورة إجراء الكشف الطبي للمتزوجين وفق قانون الأحوال الشخصية الجديد، قائلاً: "من إجراءات الكشف الطبي سلامة العقد.. سلامة الشاب قدام سلامة الشابة.. المصداقية والشفافية"، وأضاف "يبقي كدولة قصرت لو ما حافظتش على سلامة العقد".
وأضاف "وهنعمل لجنة برئاسة قاضي وتروحلها النتائج مميكنة عن طريق وزارة الصحة إلى القاضي، ده لتصريح سلامة التحاليل".
ومع أن فكرة إجراء تحليلات طبية لضمان سلامة الزوجين أو الشفافية بالنسبة لها تبدو منطقية، ولكنها إضافة إلى أنها تخالف طبيعة المصريين، فإنها قد تفتح جدلاً حول ما هو يمكن قبوله أو رفضه في الأمراض والعيوب الصحية لدى الزوجين.
كما أنه يخشى أن تؤدي لتعطيل عملية الزواج بسبب البيروقراطية المتوقعة، خاصة في ظل انتقاد البعض لتركيز الرئيس السيسي على الزيادة السكانية وتحميلها مسؤولية الأزمات الاقتصادية في البلاد، رغم أنها فعلياً شهدت تراجعاً كبيراً، خاصة بين أبناء الطبقة الوسطى.
ومما يزيد من المخاوف من أن يتحول الأمر إلى أداة بيروقراطية لتعطيل الزواج، أن القضاء المصري يعاني من نقص كبير في الأعداد، الأمر يؤدي لتكدس القضايا لسنوات وبطء إجراءات التقاضي، وهو ما يعرفه الجميع.
وبينما سيتم تشكيل لجنة برئاسة قاض، فإنها قد تضم في الأغلب أطباء، كما أن هناك مخاوف من أن تضم رجال شرطة واستخبارات وعسكريين، ما يجعلها تمثل تدخلاً فجاً في الحياة الشخصية للمصريين، وهناك مخاوف بدأت أكثرها ساخرة من أن تؤدي لدور للدولة ومؤسساتها، ولاسيما الأمنية والعسكرية، لفرض شروط على الزواج وطبيعة التكافؤ بين الطرفين بناء على رؤية المؤسسة العسكرية للحياة الاجتماعية.
هل هي أداة جديدة لجباية الأموال؟
بالنسبة لكثير من المصريين، فإن الأمر تحوّل إلى سبب جديد للتهكم، وإطلاق موجة سخرية كبيرة، ولكن الطرح يثير تساؤلات جدية حول مدى الإلحاح التي تمثله المشكلات التي تحدث عنها الرئيس والتي تستلزم إنشاء صندوق الزواج.
ولأن المصريين بطبيعتهم يتشككون في أية أفكار جديدة من قبل حكوماتهم خاصة التي تتطلب تمويلاً منهم، فإن البعض لم ير في الفكرة إلا وسيلة جديدة من الحكومة المصرية لجباية الأموال، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة.
كما أن هناك تساؤلات جدية حول قدرة البيروقراطية المصرية على إدارة أموال صندوق الزواج المقترح، في ضوء اعتراف الرئيس السيسي نفسه بأن أموال التأمينات الاجتماعية (المعاشات) تم استثمارها بشكل خاطئ، كما أن هناك تساؤلات حول قدرة الدولة المصرية على إنفاق كفؤ لأموال هذا الصندوق للمتضررين، وفقاً للمفهوم الذي ستضعه.
بينما تساءل آخرون حول ما إذا كان الهدف من الموضوع برمته تحويل النظر عن أزمة الدولار الخانقة للاقتصاد المصري.
أم الهدف صياغة الحياة الاجتماعية للمصريين بشكل جديد
يؤشر طرح صندوق الزواج لسمة رئيسية في حكم الرئيس السيسي، تختلف عن بقية حكام مصر السابقين من العسكريين ومن قبلهم، هو درجة عالية من تدخل الدولة في الشؤون الشخصية للمواطنين، بطريقة تشبه تركيا في عهد مؤسسة الجمهورية، كمال أتاتورك، أو فرنسا بعد الثورة الفرنسية وإلى الآن، أو الاتحاد السوفييتي وغيره من دول أوروبا الشرقية أو إيران بعد الثورة الإسلامية أو الصين حالياً.
وعلى عكس معظم المشروعات السابقة، التي تتسم بطابع أيديولوجي واضح ومعروف، فإن النموذج الذي يقدمه السيسي يستند لرؤاه واجتهاداته الشخصية التي تبدو مزيجاً من الأفكار العسكرية والنزعة الوطنية المصرية مع اللجوء أحياناً للنزعة العروبية وقت الحاجة، وخليط بين سمات المحافظة الاجتماعية والرغبة في تعزيز حقوق المرأة، وبعض الرغبة في التجديد الديني في المجال الاجتماعي لا المتعلق بالسياسة، وكذلك مزيج من الهيمنة المالية للمؤسسة العسكرية بطريقة تشبه تجربة محمد علي والأفكار الرأسمالية الأقرب للنموذج الخليجي وليس الغربي أو الآسيوي.
وهذا المزيج فيه الأمر المركزي فيه، هو تعزيز لدور الدولة وولاء الشعب لها، وتضحيته من أجل تنفيذ مشروعاتها الكبرى على حساب النزعة الفردية، مشروعات يركز الخطاب القائم على فائدتها المستقبلية أكثر من الحالية، للجيل القادم، وهو الجيل الذي يبدو أن مجيئه للحياة غالباً سوف يصبح قراراً تتخذه لجنة تعينها الدولة أيضاً.
هل تنجح الحكومة المصرية في تنفيذ مشروع صندوق الزواج؟ إليك السيناريوهات المرجَّحة
مدى نجاح الحكومة المصرية في تنفيذ مشروع صندوق الزواج بالطريقة التي يريدها الرئيس السيسي، غير معروف.
ولكن على الأرجح أن هناك 3 سيناريوهات أولها أن يكون المشروع ناجحاً ومرناً محققاً مصلحة الأفراد والدولة، ويتحول لأداة فعالة للإنفاق على الأسر التي تعاني من تبعات الطلاق، ووسيلة لعقد الزيجات بطريقة تتوفر فيها شفافية في الجانب الصحي.
وهناك سيناريو ثانٍ، قد يتحول فيه الصندوق لأداة بيروقراطية معرقلة للزواج، وتزيده تكلفاً وتعقيداً على التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، وهو الأمر الذي يخشاه الكثيرون، خاصة أنه يأتي في وقت يحاول فيه الغرب والمنبهرون به ترويج بدائل الزواج في المجتمعات العربية، من المعاشرة بين الرجال والنساء دون عقد قران، رغم أن مصر بعيدة عن ذلك نسبياً.
قد يؤدي هذا السيناريو لتصاعد احتمال تنفيذ الاقتراحات التي قدمها الكثيرون، بطريقة يغلب عليه المزاح حتى الآن، والتي تتضمن التوسع في بدائل للزواج الرسمي، قد تكون شرعية من الناحية الدينية، ولكنها غير مقبولة اجتماعياً، وهذا أمر قد يحدث بالفعل في طبقات معينة نادرة شديدة الفقر أو حالات معينة مرتبطة بالزيجات الثانية في الأغلب.
أما السيناريو الثالث، وهو احتمال وقوعه كبير، وهو أن تفرغ البيروقراطية المصرية المشروع من محتواه، عبر تسهيل الأبواب الخلفية وتحويل الإجراءات المقترحة في صندوق الزواج إلى إجراءات شكلية، سواء بواسطة المجاملات أو الفساد، أو حتى لعدم اقتناع القائمين على تنفيذ المشروع بجدوى هذه الأفكار.
وبالتالي، فإن مشروع مثل صندوق الزواج أو غيره قد يؤدي لبعض الأعباء البيروقراطية والمادية الإضافية، ولكن البيروقراطية المصرية نفسها سوف تحولها لعملية شكلية بحتة، مثلما حدث مع الأفكار على مدار السنوات الماضية.