إذا نجوا من البرد ستتلقفهم العصابات.. كيف تحولت محنة آلاف اللاجئين على حدود أمريكا لورقة مساومة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/28 الساعة 10:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/28 الساعة 11:32 بتوقيت غرينتش
مهاجرون يسبحون عبر نهر ريو غراندي على الحدود الأمريكية المكسيكية/رويترز

خذلت المحكمة العليا الأمريكية آلاف المهاجرين المعرضين للموت على الحدود الأمريكية في ظل واحدة من أسوأ العواصف في تاريخ أمريكا الشمالية، بعد رفضها وقف سريان إجراء قانوني أصدرته إدارة ترامب السابقة في زمن جائحة كورونا بهدف وقف الهجرة لأمريكا عبر الامتناع عن النظر في طلبات اللجوء؛ بدعوى الخوف من انتشار العدوى وطرد أي لاجئين دون بحث حالاتهم. 

ونشبت أزمة بين مسؤولي الولايات الجنوبية الأمريكية التي يسيطر عليها الجمهوريون، وبين إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن، بسبب إصرار الولايات الجنوبية على الإبقاء على إجراء قانوني سنَّته إدارة ترامب لطرد طالبي اللجوء يُعرف باسم الباب 42، وبالتالي الاستمرار في طرد آلاف المهاجرين وإبقائهم على الحدود، ورفض حتى النظر في مدى جدية أوراق طلبات اللجوء التي يقدمونها.

وقررت المحكمة العليا استمرار سريان الباب 42 إلى حين نظرها في طلب مسؤولي الولايات الجنوبية الجمهوريين بوقف خطط إدارة بايدن لإنهاء هذه السياسة، لأن هذه الولايات تقول إن الزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين الذين يعبرون الحدود ستثقل كاهلها بتكاليف إضافية لإنفاذ القانون والخدمات مثل الرعاية الصحية.

مأساة مروعة للاجئين بسبب الباب 42 الذي طُرد بموجبه أكثر من مليوني لاجئ

ويعيش هؤلاء المهاجرون منذ أشهر في ظروف مروعة في ظل مطاردة السلطات المكسيكية وتهديدات العصابات وزاد الطقس حالهم سوءاً، حيث تتعرض أمريكا الشمالية لواحدة من أسوأ العواصف القطبية في تاريخها، بينما أغلب المهاجرين جاءوا من بلاد حارة، غادروها منذ فترة طويلة، وبالتالي، يرتدون في الأغلب ملابس خفيفة، وليس لديهم وسائل للتعايش مع العاصفة التي تُسمى بـ"إعصار القنبلة".

وينام الكثيرون من هؤلاء اللاجئين في شوارع مدن وبلدات شمال المكسيك في درجات حرارة قد تنخفض إلى ست درجات تحت الصفر.

ويقول النقاد إن الباب 42، الذي وُضع بدعوى مكافحة انتقال عدوى كورونا عبر الحدود، سرعان ما أصبح مجرد أداة أخرى من ضمن أدوات وقف الهجرة لأمريكا رغم حاجة البلاد للعمالة الأجنبية.

طالبو لجوء، معظمهم من فنزويلا وكوبا، ينتظرون نقلهم من قبل وكلاء الجمارك وحماية الحدود الأمريكية بعد عبور نهر ريو غراندي إلى الولايات المتحدة من المكسيك في صيف 2022/رويترز

وتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بإنهاء استخدام الباب 42، في المقابل، رفع الجمهوريون دعوى قضائية لإبقائه، وتقلبت المحاكم الفيدرالية ذهاباً وإياباً في مواقفها من القانون. 

وفي أبريل/نيسان 2022، قرر مركز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة المسؤول عن وضع سياسات مكافحة الأوبئة أن الباب 42 لم يعد مطلوباً لحماية الصحة العامة. 

وكان من المقرر أن ينتهي سريان الباب 42 في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، قبل صدور حكم المحكمة العليا الذي أبقى هذا الإجراء لحين حل الخلاف القانوني بين الولايات الجنوبية والإدارة الأمريكية حول الأمر.

وطردت السلطات الأمريكية أكثر من مليوني مرة مهاجرين منذ تطبيق هذا الإجراء في مارس/آذار 2020، ولا يُعرف بالضبط عدد المهاجرين العالقين حالياً على الحدود الآن، ولكن خلال شهر أبريل/نيسان 2022 وحده، اعترض مسؤولو الحدود الجنوبية نحو 234 ألف مهاجر على الحدود الأمريكية المكسيكية في أكبر معدل في تاريخ البلاد.

والمحكمة العليا تريد مزيداً من الوقت لدراسته

ووعدت إدارة بايدن بحل هذه الأزمة، معترفة بأن الإجراء القانوني الذي يتم طرد هؤلاء المهاجرين بموجبه دون حتى النظر في ظروفهم الإنسانية، عفا عليه الزمن؛ لأنه استند لمخاوف العدوى من انتشار جائحة كورونا، التي انتهت تماماً.

ولكن المحكمة العليا الأمريكية منعت أمس الثلاثاء، 27 ديسمبر/كانون الثاني 2022، خطط إدارة بايدن لإنهاء سريان الإجراء، فيما حذر مسؤولون أمريكيون من أزمة على طول حدود جنوب البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Washington Post الأمريكية.

في الحكم الصادر يوم الثلاثاء، انحاز 5 قضاة محافظين بالمحكمة الفيدرالية إلى جانب المسؤولين الجمهوريين في 19 ولاية جنوبية، بما في ذلك تكساس وأريزونا، الذين سعوا للحفاظ على الباب 42.

وقف الهجرة لأمريكا



مئات المهاجرين يعيشون في خيام، في رينوسا بالمكسيك بعد رفض أمريكا طلبات اللجوء التي قدموها، رويترز أرشيفية

في الواقع، يحافظ إجراء المحكمة العليا على الوضع الراهن من خلال منع حم قضائي فيدرالي سابق بوقف سريان الباب 42 حتى تتمكن المحكمة من النظر في النزاع في أواخر فبراير/شباط 2022. لكن المحكمة قالت إنها ستنظر فقط فيما إذا كانت الولاية المعترضة لديها الصفة القانونية للتدخل أم لا.

وقال نيل إم جورسوش، قاضي المحكمة العليا المعارض للقرار، إن سبب القرار أن أغلبية قضاة المحكمة كانوا يشترون الوقت، على أمل أن تتوصل الأطراف السياسية إلى حل وسط.

وكتب القاضي أن أزمة الحدود الحالية ليست أزمة COVID. ولا ينبغي أن تعمل المحاكم على إدامة المراسيم الإدارية المصممة لحالة طوارئ واحدة فقط، لأن المسؤولين المنتخبين فشلوا في معالجة حالة طوارئ مختلفة، نحن محكمة قانونية، ولسنا صُناع سياسة الملاذ الأخير".

حاكم تكساس يرسل اللاجئين إلى منزلة نائبة الرئيس في أوج الصقيع

هذا هو أحدث مثال على تصاعد المعارك القانونية والسياسية بين إدارة بايدن ودعاة الهجرة والمسؤولين الجمهوريين في الولايات الواقعة على طول الحدود الجنوبية الأمريكية الذين يقولون إنهم يتحمّلون وطأة العبور غير القانوني.  

وفي مؤشر على تصاعد الأزمة بين حكام الولايات الجنوبية وإدارة بايدن، أرسل  حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، الأسبوع الماضي حافلات محملة بالمهاجرين؛ ليتم إنزالها في درجات حرارة شديدة البرودة خارج مقر إقامة نائبة الرئيس الأمريكي كامليا هاريس.

وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، إن الإدارة ستمثل لإجراءات المحكمة العليا، لكنها أضافت أن "الباب 42 هو إجراء للصحة العامة، وليس إجراء لإنفاذ قوانين الهجرة، ولا ينبغي تمديده إلى أجل غير مسمى".

ودعت الجمهوريين في الكونغرس إلى "تجاوز توجيه أصابع الاتهام السياسي والانضمام إلى زملائهم الديمقراطيين في حل التحدي على الحدود الأمريكية من خلال تمرير تدابير الإصلاح الشاملة وتقديم الأموال الإضافية لأمن الحدود التي طلبها الرئيس بايدن".

في غضون ذلك، غرد حاكم ولاية تكساس، قائلاً إن "الولاية تتقدم بينما يفشل مسؤولو إدارة بايدن في القيام بعملهم، ويضيف الحرس الوطني في تكساس مزيداً من الحواجز بالأسلاك الشائكة وعربات همفي ثابتة على طول الحدود لمنع العبور غير القانوني.

الوضع الحالي يدفع اللاجئين للمخاطرة بدلاً من سلوك القنوات الرسمية 

وقالت إدارة بايدن إن إنهاء الباب 42 سيعيد القوانين الفيدرالية الحالية المصممة لمعاقبة المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني وترحيلهم بسرعة وحماية أولئك الذين لديهم حالات لجوء مشروعة.  

وقال المسؤولون إن هذا النظام أكثر فاعلية، خاصة بالنسبة للبالغين الذين يسافرون بدون أطفال، لأن الباب 42 يدفع الناس فقط إلى الجانب الآخر من الحدود للمحاولة مرة أخرى.

في الوقت الحالي، فإن المعابر الحدودية الرسمية مغلقة بشكل أساسي أمام طالبي اللجوء في ظل الباب 42، وقد ساعد ذلك في تدفق آلاف المهاجرين الذين يعبرون الحدود خارج نقاط الدخول القانونية، على أمل تسليم أنفسهم لشرطة الحدود وطلب إجراءات اللجوء التي من شأنها أن تسمح لهم بالبقاء – مؤقتاً على الأقل – في الولايات المتحدة.

ويحاول اللاجئون الآن عبور الحدود بشكل غير قانوني الوصول إلى وكلاء الحدود، الذين يقررون أي قلة سيتم إعفاؤها من الباب 42، حيث يمكنهم التقدم بطلب للحصول على اللجوء في الولايات المتحدة والانضمام إلى عدد غير مسبوق من الأشخاص يبلغ مليوني شخص ينتظرون موعداً في محكمة الهجرة.

وبالتالي، فإن الوصول إلى الأراضي الأمريكية والاستسلام لعناصر حرس الحدود، هي يمثابة الخطوة الأولى في طلب اللجوء، ولكن لتحقيق هذا الهدف، فإن اللاجئين يتعرضون لأخطار عديدة.

دعوات لتغيير قوانين الهجرة

أخبرت إدارة بايدن المحكمة العليا الأسبوع الماضي أن مسؤولي الولايات ليس لديهم أسباب قانونية صالحة للطعن في التغيير في سياسة الهجرة، وقالت "إذا كان مسؤولو الولايات غير راضين عن نظام الهجرة الذي أنشأه الكونغرس، فعلاجهم هو مطالبة الكونغرس بتغيير القانون – وليس مطالبة هذه المحكمة بإجبار الحكومة على الاستمرار في الاعتماد على إجراء غير عادي في مجال الصحة العامة وعفا عليه الزمن الآن".

أخبرت المحامية العامة، إليزابيث بريلوغار، القضاة أن الحكومة الفيدرالية تدرك أن رفع الباب 42 "من المرجح أن يؤدي إلى تعطيل وزيادة مؤقتة في المعابر الحدودية غير القانونية". لكنها كتبت أن حل مشكلة الهجرة هذه "لا يمكن أن يتمثل في تمديد إجراء للصحة العامة إلى أجل غير مسمى، والذي يقر الجميع الآن بأنه قد تجاوز فترة صلاحيته لتبرير الصحة العامة".

وكتبت في ملف للمحكمة، أن الحكومة مستعدة لزيادة الموارد و"تنفيذ سياسات جديدة، استجابة للاضطراب المؤقت الذي من المحتمل أن يحدث عندما تنتهي أوامر الباب 42″.

الحرس الوطني يتحرك بأوامر من حكام الولايات بهدف وقف الهجرة لأمريكا

مع عدم وضوح مصير السياسة، واستمرار تدفق المهاجرين عبر الحدود، حشد الحكام المحافظون الجمهوريون للولايات الأمريكية الجنوبية قوات الحرس الوطني، وحاولوا إنشاء حواجز حدودية وعوائق خاصة بهم.  

ونشر حاكم ولاية تكساس أكثر من 500 جندي على طول نهر ريو غراندي في إل باسو الأسبوع الماضي، حيث منعوا المهاجرين من استخدام بكرات تجاوز الأسلاك الشائكة. وأظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي عابري الحدود يتحولون حول المخاطر للوصول إلى الولايات المتحدة.  

في ولاية أريزونا، وافق حاكم الولاية دوج دوسي على البدء في إزالة آلاف الحاويات الفارغة من إدارته المكدسة على طول حدود المكسيك خلال الأشهر العديدة الماضية.  

ورفعت إدارة بايدن دعوى قضائية ضد دوسي في محكمة فيدرالية، بحجة أن تركيب الصناديق المعدنية الضخمة كان يلحق أضراراً بأراضي الغابات الوطنية وممتلكات أخرى لا تنتمي إلى ولاية أريزونا.

وخلق هذا الوضع حالة من الفوضى والمأساوية على الحدود الجنوبية الأمريكية، فلقد سارع أكثر من 1500 شخص لا يحملون وثائق عبر الحدود الأمريكية المكسيكية إلى غرب تكساس دفعة واحدة في نهاية الأسبوع الماضي، ما فاجأ مدينة إل باسو.

وضمت المجموعة العديد من القادمين من نيكاراغوا، الذين قالوا إنهم أطلقوا سراحهم من قبل السلطات المكسيكية بعد اختطافهم الأسبوع الماضي.

أطفال عالقون دون صحة ولا تعليم ومهدَّدون بالاغتصاب

وبعض الأسر ما زالت عالقة في شمال المكسيك منذ أشهر طويلة، وأطفالهم يعيشون دون تعليم أو رعاية صحية. 

يتعرض المهاجرون المعرضون للخطر من قبل المجرمين المنظمين في المكسيك الذين يقومون باختطافهم وابتزازهم وسلبهم واغتصابهم، حسب تقرير the Guardian البريطانية.

ويدفعهم إغلاق المعابر الحدودية إلى المخاطرة بالموت بسبب الغرق والإصابة من تسلق الحواجز الحدودية أو التعرض لحرارة الصحراء أو الاختناق في سيارة المهرب الخالية من الهواء أثناء المعابر السرية الخطرة.  يقول مؤيدو السياسة المتشددة إنها تقمع الهجرة إلى الولايات المتحدة. لكنها كانت سنة مميتة بشكل خاص على الحدود الأمريكية.

وسمح تعديل أدخلته إدارة بايدن على الباب 42 ساري المفعول لأكثر من عام، لإعفاء الأطفال غير المصحوبين بذويهم مع السماح للسلطات الأمريكية بإرسال مئات الآلاف من المهاجرين الآخرين، بما في ذلك العائلات، إلى المكسيك.

تقبل المكسيك طرد المكسيكيين والغواتيماليين والسلفادوريين والهندوراسيين والفنزويليين الذين طردوا عبر الحدود بموجب الباب 42، ولكن يُسمح للقوميات الأخرى عموماً بالدخول إلى الولايات المتحدة لمتابعة قضايا الهجرة الخاصة بهم.

تحميل المزيد