أصبحت قصة إمبراطور الشوكولاتة السوري بكندا ملهمة للمهاجرين والكنديين على السواء، وتحول الرجل لشخصية عامة، حيث يقدم النصائح إلى اللاجئين السوريين في كندا والحكومة على السواء.
فبينما ظهرت الكثير من القصص المؤثرة في السنوات السبع التي تلت استقبال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للاجئين سوريين وصلوا بالطائرة إلى تورنتو، لكن إحداها لم يلفت الانتباه مثلما فعلت قصة طارق هَدهَد، الذي كان مع عائلته على متن الطائرة الثالثة المحملة بالسوريين الذين هبطوا في كندا.
وفضلاً عن الاهتمام الكبير الذي حظيت به قصة هدهد من وسائل الإعلام، تحولت إلى فيلم ورُويت في كتاب أيضاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
مصنع والده في دمشق دمر خلال الحرب الأهلية
أسس والد طارق هدهد، عصام، مصنع حلويات في دمشق كان يعمل به مئات الأشخاص، ويصدّر الشوكولاته إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكن القصف، خلال الحرب الأهلية، دمره.
وأصبح أفراد عائلة هدهد لاجئين برعاية خاصة في أنتيغونيش بمقاطعة نوفا سكوشا. ورغم أن المدينة تضم جامعة القديس فرانسيس كزافييه، فهي بشكل عام تشتهر بالشيخوخة السكانية أكثر من الرخاء الاقتصادي.
كان هدهد يدرس في كلية الطب حين فر من سوريا. ولكن بعد وصوله إلى كندا، وبمساعدة كبيرة من سكان أنتيغونيش، تعهد بإعادة تأسيس تجارة والده تحت اسم "سلام الشوكولاتة" Peace by Chocolate.
وأجرت صحيفة The New York Times الأمريكية مع هدهد لقاءً في المتجر الرئيسي لشركة Peace by Chocolate في قلب منطقة هاليفاكس السياحية المطلة على البحر.
طوابير من الزبائن وإمبراطور الشوكولاتة السوري يبيع لـ1000 متجر
وكان افتتاح هذا المتجر في ربيع عام 2021 أثناء الجائحة قوة إيمان منه، حسب وصف الصحيفة الأمريكية، لكن هدهد قال إن عودة السفن السياحية إلى هاليفاكس هذا العام جلبت لمتجره طوابير طويلة من الزبائن. وحتى في فترات الظهيرة العاصفة خلال الأسبوع، كان متجره يجتذب تدفقاً ثابتاً من محبي الشوكولاتة.
وهذا الشهر، افتتح هدهد متجراً جديداً أكبر حجماً، ووسّع المصنع الذي ينتج الشوكولاتة للشركة. وقال هدهد إن شركة Peace by Chocolate توظف الآن حوالي 75 شخصاً، وقد توظف 30 أو 40 عاملاً جديداً، لو أنهم يتوفرون في أنتيغونيش. وحوالي 1000 متجر على مستوى كندا تبيع الشوكولاتة التي تنتجها الشركة في الوقت الحالي، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى صفقة أبرمتها مع شركة Empire Company التي يوجد مقرها في نوفا سكوشا وتمتلك سلاسل المتاجر Sobeys وCanada Safeway.
بعض اللاجئين السوريين في كندا يركزون على الدراسة ويتجاهلون الفرص التجارية
وقال إن بناء مشروع في كندا أسهل بكثير منه في سوريا.
وقال هدهد: "احتاج والدي 10 سنوات لتأسيس تجارته في دمشق. أما هنا فيمكنك فعلها في ظرف شهر".
ورغم تأكيد هدهد على أهمية عوامل مثل أن سهولة الاستثمار في كندا تمكن المهاجرين من إنشاء تجارة ناجحة، فدعم المجتمع للمهاجرين لا يقل أهمية.
ومن الواضح أن هدهد فخور بنجاح عائلته، وكان سعيداً بالحديث عنه. لكنه كان حريصاً أيضاً على مناقشة ما أصبح أشبه بمهمة شخصية له: إزالة الحواجز أمام الوافدين الجدد، وتأكيد قيمة المهاجرين الاقتصادية للكنديين.
على أن ما يزعج طالب الطب السابق أن العديد من المهاجرين واللاجئين السوريين في كندا يعجزون عن الاستفادة من مهاراتهم حين يأتون إلى كندا؛ ويكتفون عوضاً عن ذلك بالدراسة لسنوات إضافية، ومواجهة إجراءات اعتماد بطيئة ومكلفة.
كان طالباً بكلية الطب، ولكن بيروقراطية كندا أرادت إرجاعه للثانوية
إذ قيل لهدهد إنه إذا أراد متابعة دراسته في الطب، فسيتعين عليه العودة إلى المدرسة الثانوية، والحصول على شهادة جامعية كندية ثم إجراء امتحانات القبول في كلية الطب.
وقال: "كان هذا سخيفاً جداً"، وأضاف أن اللوائح أجبرته على تغيير أفكاره والتحول إلى تجارة الشوكولاتة.
ويسافر هدهد بانتظام إلى أنحاء كندا لإلقاء خطابات، ويلتقي بالحكومات ويشهد أمام اللجان التشريعية عن أمور متعلقة بالهجرة حيث لا يقتصر خطابه على مشكلات اللاجئين السوريين في كندا.
ويحرص هدهد على إضافة بُعد اجتماعي لشركته. وقال إن هناك الآن حوالي 200 سوري يعيشون في أنتيغونيش، التي يبلغ عدد سكانها 5000 نسمة، ومعظمهم يعملون في شركة الشوكولاتة، وقد انضم إليهم مؤخراً عشرات اللاجئين الأوكرانيين. وتتبرع شركة Peace by Chocolate بحوالي 5% لمختلف القضايا والجمعيات الخيرية.
ورغم أن هدهد واجه في بعض الأحيان مشاعر عدائية للمهاجرين (قال إن رجلاً اتهمه ذات مرة بأنه جاء إلى أنتيغونيش ليسرق وظيفته)، إلا أنه قال إن هذه المشاعر نادرة بدرجة كبيرة.
وقال: "الكل يرى أن هذا البلد يقوم على قيم كثيرة. وأهم القيم التي تمتلكها كندا هي التعاطف والتراحم".