تحمل قناة السويس قيمة تاريخية لدى جميع المصريين، قبل أن تكون لها أهميتها الاقتصادية والمالية واللوجيستية للدولة؛ لذا فإن أخبارها تأخذ صدى قوياً، مثلما طرأ مؤخراً بعد الكشف عن مشروع قانون قد يعرض أصول القناة للبيع أو التأجير واستغلال الأصول.
ووافق مجلس النواب المصري، الإثنين 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، "مبدئياً" على مشروع قانون هيئة قناة السويس الذي شهد جدلاً لدى الشارع ونواب خلال الفترة الماضية.
وبحسب بيان اللجنة المشتركة في مجلس النواب، فإن مشروع القانون الحكومي يهدف إلى تأسيس صندوق تملكه هيئة قناة السويس، "يسهم في تحقيق التنمية المستدامة في إيرادات الهيئة واستثماراتها". وسيمنح القانون -في حال إقراره والمصادقة عليه- الهيئة القيام بشراء أو بيع أو تأجير واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها لصالح مستقبل الهيئة.
وتتمثل معارضة الشارع المصري، في احتمالية دخول شركاء محليين أو أجانب من خارج الدولة في ملكية هيئة القناة، إلا أن الحكومة تؤكد أنه قانون "لزيادة قدرتها على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرافقه".
وتطمح الهيئة إلى "تحقيق أفضل استغلال الإيرادات، لتعزيز دور القناة كأقصر طريق للملاحة البحرية بين الشرق والغرب في ظل تقلبات الأحوال الاقتصادية ومعوقات حركة التجارة الدولية".
مجلس النواب المصري يوضح
من جهته، نفى المركز الإعلامي للحكومة المصرية مساء الخميس 22 ديسمبر 2022 اتجاه الحكومة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس كَبَابٍ خلفي لبيع القناة، وأنه تواصل مع هيئة قناة السويس، التي نفت تلك الأنباء.
بدوره، كشف رئيس مجلس النواب المصري، المستشار الدكتور حنفي جبالي، ما وصفه بالمغالطات التي أثارت الجدل حول إنشاء صندوق تابع لقناة السويس.
وأضاف أن مشروع القانون المنظور أمام البرلمان لا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس، وأن قناة السويس من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها، كما أن الدولة ملتزمة -بموجب المـادة 43 من الدستور- بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها، حسب تعبيره.
"صندوق قناة السويس كيان مستقل ليس له أصول بميزانية الهيئة"
من جهته، شدد رئيس هيئة قناة السويس الفريق، أسامة ربيع، على أن "صندوق استثمار قناة السويس الجديد، لن يسمح بوجود أي أجانب، كما أنه ليس له علاقة بأصول القناة"، مضيفاً أن "الصندوق سيصدر بمبلغ 10 مليارات جنيه والمرخص به 100 مليار".
وأضاف ربيع في تصريحات صحفية الخميس 22 ديسمبر 2022 أن "ميزانية الدولة تحدد في بداية السنة المالية رقم هو الأكبر من المبلغ القادم من الهيئة نتيجة مرور السفن، وهذا يذهب للدولة ولا يمكن اقتناص منه جزء، حتى الرئيس السيسي قال ذلك، ولكن ما يبقى للهيئة هو ما يمكن نخلص به مشروعات استثمارية".
وتابع ربيع أن "صندوق قناة السويس كيان مستقل وسيكون له مجلس إدارة وخبراء من خارج الهيئة مختصون بالاستثمار والاقتصاد والقانون"، موضحاً أنه "سيكون مراقباً من قِبل الجهاز المركزي، أي إنه كل عام سيكون له مراجعة للحسابات الخاصة به".
كواليس إنشاء "صندوق قناة السويس" بتوجيهات رئاسية مباشرة
في السياق، يبدو أن كلاً من البرلمان المصري والحكومة وهيئة قناة السويس يحاولون التخفيف من حدة الانتقادات حول تعديل قانون القناة، وساقوا مبررات لم تُقنع الرأي العام، الذي رفض أي خطوات تستهدف بيع أصول الشركات أو المرافق العامة لجهات خارجية.
وكشف نائب برلماني، فضَّل عدم ذكر اسمه، لـ"عربي بوست"، أن التحركات الأخيرة التي بدأت بتشكيل لجنة لدراسة التعديلات وسرعة الموافقة عليها من جانب الأغلبية التابعة لحزب "مستقبل وطن"، جاءت بتوجيهات رئاسية مباشرة.
وأضاف البرلماني، الذي هو على صلة بملف تقديم تعديلات القانون الذي يحمل رقم "30 لسنة 1975 الخاص بنظام قناة السويس"، أن مخطط إنشاء الصندوق ناقشه الرئيس عبد الفتاح السيسي سابقاً مع هيئة القناة والحكومة في أكثر من اجتماع.
وقال المصدر نفسه إن تعديلات القانون واجهت اعتراض نواب محسوبين على الحكومة، طالبوا بمزيد من النقاش حولها قبل إقرارها بشكل مبدئي، لكنهم في الأخير نفذوا التعليمات.
تمرير هذه التعديلات، حسب المتحدث، هدفه إرسال إشارات بأن أصول القناة ستتاح للاستثمار من جانب جهات اقتصادية خليجية توسعت في مشروعات تطوير الموانئ المصرية، ولديها حضور قوي ضمن مشروعات الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.
وأشار المصدر ذاته إلى أن أخطر ما في التعديلات، التي شملت مادة واحدة فقط لكنها قامت بتفريعها إلى تسعة بنود، هو أنها سمحت للصندوق المنتظر إنشاؤه، بشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصول هيئة قناة السويس الثابتة.
وسيُساهم هذا الصندوق، حسب المتحدث، في تأسيس شركات تتبع الهيئة وزيادة رؤوس أموالها، وهو ما يفتح الباب أمام دخول أطراف خارجية والسيطرة على أجزاء من الهيئة وأصولها الراسخة.
من سيستفيد من قناة السويس غير مصر؟
تواجه الحكومة المصرية ضغوطات تمارَس عليها من الدول التي حصلت منها على قروض تتراوح بين 26 و28 مليار دولار، ومن المفترض أن تسددها خلال العام المقبل، وهو رقم يصعب توفيره في غضون أشهر إلا ببيع أكبر قدر من الأصول وبشكل سريع.
ويأتي عامل الضغط الثاني، بحسب المصدر ذاته، من جانب دول الخليج التي تتنافس للحصول على الأصول المالية والعقارية والتاريخية لمصر، وتطاردها للحصول على جزء من عوائد خدماتها التي تقدمها للاقتصاد المصري.
لدى المتحدث قناعة بأن هذه الضغوط أخطر ما تتعرض له مصر في الوقت الحالي، لأن من يملك الأصول قد يتحكم في القرار السياسي، في حين أن المصريين ليست لديهم القدرة على إبداء آرائهم فيما يحدث في ممتلكاتهم العامة.
أما عن عامل الضغط الثالث، وفقاً للمصدر نفسه، فيأتي من صندوق النقد الدولي، الذي وافق مؤخراً على منح مصر حزمة مساعدات مالية حجمها 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً.
وأرجع صندوق النقد أسباب منحه القرض إلى "عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف، لسداد التمويل الإضافي الذي ستحصل عليه مصر من الشركاء الإقليميين وقيمته بـ14 مليار دولار".
وأودعت دول الخليج 13 مليار دولار على الأقل لدى البنك المركزي المصري منذ مطلع العام الجاري؛ لدعم الاقتصاد المصري، مما يرفع إجمالي الودائع الخليجية إلى 28 مليار دولار، وفقاً لـ"رويترز".
وخلال الأشهر الماضية انسحبت مصر من بعض القطاعات وعوَّضتها بالقطاع الخاص وصناديق استثمارية خليجية؛ وذلك لإقناع صندوق النقد بالموافقة على منحها القرض الأخير بعد انتقادات وُجهت إليها بأنها تتدخل في النشاط الاقتصادي.