بعد شهور من التقييمات والانتقادات اللاذعة من داخل روسيا وخارجها، بأن جهوده الحربية في أوكرانيا تفتقر حتى إلى الموارد الأساسية اللازمة للانتصار، أصدر الرئيس فلاديمير بوتين حكمه، الأربعاء، 21 ديسمبر/كانون الأول 2022، على هذا النقد: إنه صحيح.
في اعتراف غير عادي بنواقص روسيا في خطاب ألقاه في وزارة الدفاع في موسكو، حدد الزعيم الروسي قائمة المجالات التي يجب على جيشه تحسينها. أعلن أن الطائرات المسيَّرة يجب أن تكون قادرة على إيصال معلومات الاستهداف من خلال القنوات المشفرة "في الوقت الفعلي". وقال إن الجيش بحاجة إلى "تحسين نظام القيادة والسيطرة" وقدرته على الرد على المدفعية، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
ولفت إلى التقارير المنتشرة حول إرسال جنود إلى الجبهة دون معدات أساسية، وأمر الضباط بالاهتمام بـ"الأدوات الطبية والطعام وحصص الإعاشة الجافة والزي الرسمي والأحذية والخوذات الواقية والسترات الواقية من الرصاص".
ولكن بعيداً عن الاعتراف بالهزيمة، عكست إشارة بوتين إلى مشاكل جيشه رسالته الجريئة، في اليوم الذي أظهر فيه الرئيس الأوكراني عرضاً للوحدة مع الولايات المتحدة: ستستمر روسيا في القتال.
قال بوتين: "ليس لدينا حدود فيما يتعلق بالتمويل"، وأصرّ على أن روسيا ستنتصر في نهاية المطاف في أوكرانيا، قائلاً: "الدولة والحكومة يقدمان كل ما يطلبه الجيش -كل شيء".
حتى في الوقت الذي استحوذت فيه المقاومة الأوكرانية على الأضواء العالمية برحلة الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، نظم بوتين اجتماعاً مبهرجاً خاصاً به، حيث ألقى كلمة أمام أعضاء البرلمان وحتى البطريرك كيريل الأول من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لإلقاء خطاب في الاجتماع السنوي لكبار الضباط العسكريين.
مبرر بوتين للحرب
بمقارنة الجنود الروس، الذين يقاتلون في أوكرانيا، بـ"الأبطال" الذين صدوا جيش نابليون الغازي عام 1812، وهزموا هتلر عام 1945، أشار بوتين إلى أن حربه كانت وجودية تماماً، بغضّ النظر عن أن موسكو هي التي تقوم بالغزو الآن. وسعى إلى تقديم صورة عن السيطرة على المجهود الحربي والاهتمام باحتياجات الجندي العادي، وحث في مرحلة ما الضباط العسكريين المجتمعين على أخذ "النقد في الحسبان".
وبنفس القدر من الأهمية بالنسبة للكرملين، سعى بوتين إلى إضفاء جو من الإصرار على الغرب: الفكرة القائلة إنه بغضّ النظر عن مقدار الدعم الذي تحصل عليه أوكرانيا من الأسلحة، ورغم مشكلات الجيش الروسي، ظل الكرملين مصرّاً على الانتصار في النهاية.
في الوقت نفسه، يذكِّر المسؤولون الروس الغرب بأنهم مستعدون لعقد صفقة لإنهاء الحرب بشروطهم.
كيف سيحل أزمة جيشه؟
قال شويغو، وزير الدفاع الروسي، بعد كلمة بوتين: "روسيا منفتحة دائماً على إجراء محادثات سلام بناءة".
وعد شويغو بإجراء تغييرات في هيكل الجيش، وإنشاء وحدات جديدة وزيادة حجم الهدف بأكثر من 300 ألف من أفراد الخدمة. وأظهر التلفزيون الحكومي أيضاً شويغو وهو يصطحب بوتين في جولة للتعرف على المعدات العسكرية الروسية الحديثة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع المسيَّرة ومعدات الرؤية الليلية والخيمة الطبية.
لكن في حين بدا أن الرسالة هي أن بإمكان روسيا تصحيح الأخطاء بسرعة، واستعادة الزخم في الحرب، شكك الخبراء فيما إذا كان هذا أمراً واقعياً. سيفرض الاقتصاد الروسي المتعثر، الذي تثقله العقوبات الغربية، حدوده الخاصة على المبالغ التي يمكن أن ينفقها الكرملين لتحسين جيشه.
لم يكن معروفاً ما إذا كان حدث يوم الأربعاء قد حُدِّدَ عن قصد، باعتباره برنامجاً مضاداً لزيارة زيلينسكي رفيعة المستوى لواشنطن، لكنه لعب هذا الدور بالنسبة للكرملين المنتبه بشدة؛ لخلق هالة من الإصرار حول بوتين. في وقت سابق من اليوم، تمسك الكرملين بموقفه بأن أي شحنات غربية أخرى للأسلحة إلى أوكرانيا لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب.
الصين وروسيا.. الصداقة في وقت الحرب
وفي جزء آخر من الرسائل المضادة، التقى ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ورئيس حزب روسيا المتحدة الحاكم، يوم الأربعاء في بكين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث بدأت السفن البحرية الصينية والروسية تدريبات مشتركة لمدة أسبوع في بحر الصين الشرقي.
كان لقاء شي الشخصي النادر مع مسؤول أجنبي بمثابة تذكير بأن روسيا احتفظت بدعم الصين، أهم شريك دولي لها، رغم أن بكين تجنبت إعلان دعمها الكامل للغزو الروسي. وقال شي لميدفيديف إن العلاقات بين البلدين "صمدت أمام اختبار التغييرات الدولية" وإن شراكتهما كانت "خياراً استراتيجياً طويل المدى من قبل الجانبين"، وفقاً لما ذكره التلفزيون المركزي الصيني.
هذا النوع من التحالف مهم بالنسبة لبوتين وهو يقاتل الغرب. في ملاحظات لاحقة بعد خطابه يوم الأربعاء، كرر زعمه بأن هدف أعداء روسيا هو "تفكيك روسيا وإضعافها"، وأنه كان "لقرون لم يجر شيء جديد هنا". وادعى أن الحرب على التحول الأوكراني المؤيد للغرب كان من المحتم أن تندلع، عاجلاً أم آجلاً.
قال بوتين: "بطبيعة الحال، ترتبط العمليات العسكرية دائماً بالمآسي وفقدان الأرواح. ولكن بما أنه أمر لا مفر منه، اليوم أفضل من الغد".
وادعى أن لروسيا حالياً ميزة على الغرب في قوتها النووية، بما في ذلك صواريخها الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي ساعدت في خلق "هامش معين من الأمان". في حين أنه لم يكرر التهديدات العلنية التي أطلقها في سبتمبر/أيلول، بأنه يمكنه استخدام الأسلحة النووية، إلا أن التعليق كان بمثابة تذكير بأن بوتين رأى حرب أوكرانيا كجزء من صراع واسع النطاق مع الغرب؛ حيث توفر ترسانته النووية دعمه النهائي.
بعد أن تحدث بوتين، ألقى شويغو خطاباً أوضح فيه توسعاً في الجيش الروسي بأكثر من 300 ألف جندي إلى حجم مستهدف يبلغ 1.5 مليون. ولم يتضح على الفور ما إذا كان الهدف من هذا التوسع أن يشمل تجنيد حوالي 300 ألف جندي هذا الخريف، لكن يبدو أنه جزء من حملة لزيادة عسكرة المجتمع الروسي.
قال شويغو إن الفئة العمرية للرجال الذين يمكن تجنيدهم للسنة الإلزامية للخدمة العسكرية يجب تحويلها من 21 إلى 30 من النطاق الحالي، من 18 إلى 27- وهو إجراء يمكن أن يجعل من الصعب على الروس استخدام دراساتهم الجامعية للحصول على تأجيلات.