كان التعريف بالإسلام خلال المونديال هدفاً لقطر منظِّمة البطولة، ولكن الأمر تم بطريقة بسيطة وإنسانية دون تكلُّف، وذلك لتقديم صورة خالية من التشويه الذي يطال المسلمين من قِبل الإعلام في الغرب.
"فطيمة"، سيدة من السلفادور كانت تزور دولة قطر للاستمتاع ببطولة كأس العالم مع أصدقائها، لكنها استغلت هذه المناسبة، وقررت أخذ استراحة من كرة القدم بالذهاب لزيارة مسجد كتارا، حيث يوجد دعاة يقدمون الدين الإسلامي بمختلف اللغات للمشجعين المهتمين من جميع أنحاء العالم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
وقالت فطيمة من داخل مسجد كتارا الأزرق: "تمثل قطر أول تفاعلٍ لي مع الإسلام، وكانت بمثابة مغامرة غيرت حياتي، لأنها منحتني نظرةً على ثقافات مختلفة".
تفاصيل حملة قطر من أجل التعريف بالإسلام خلال المونديال
وتوافد مئات الآلاف من الزوار إلى قطر في أثناء كأس العالم، في زيارة هي الأولى لبلدٍ مسلم بالنسبة لكثير منهم، الأمر الذي أتاح فرصة للمنظمين من أجل التعريف بالإسلام خلال المونديال.
ولن يتعرض المرء لدين البلاد بصورةٍ كبيرة إذا لم يبتعد كثيراً عن الملاعب الرياضية وفنادق الدوحة البراقة، باستثناء الاستماع إلى أصوات الأذان عن بُعد ومشاهدة المسلمين في أثناء سجودهم في غرف الصلاة بالملاعب والفنادق والمطارات. لكن السلطات والمسؤولين الدينيين القطريين كانوا على أتمّ استعداد لمساعدة من ينتابهم الفضول لمعرفة المزيد عن الإسلام.
وتوفر المساجد المحلية جولات متعددة اللغات للزوار، كما يقدم مركز الثقافة الإسلامية في الدوحة جولة واقع افتراضي داخل مدينة مكة المقدسة. بينما تقدم الأكشاك الموجودة في المواقع السياحية نسخاً مجانية من القرآن الكريم، وتتوافر الكتيبات التعريفية عن الإسلام داخل الفنادق أيضاً. هذا فضلاً عن نشر اللوحات الإعلانية التي تحمل صور مبارِزة الشيش الأولمبية الأمريكية ابتهاج محمد وغيرها من الشخصيات الإسلامية، ضمن حملةٍ لتشجيع الناس على استكشاف الإسلام بجميع أرجاء الدوحة.
وقال أبو هريرة، المتطوع في الحملة التي تنظمها مؤسسة "اكتشِف الإسلام" ومبادرة الإسلام والمسلمين: "لماذا نفعل ذلك في أثناء كأس العالم؟ لأن الناس من مختلف أنحاء العالم يتوافدون إلى قطر، البلد المسلم، أي إنها فرصة لتعريف الناس بديننا".
وتحدث المسؤولون القطريون عن آمالهم أن تُساعد البطولة في منح الزوار فهماً أفضل عن ثقافتهم، وثقافة المنطقة بشكلٍ عام، خصوصاً التعريف بالإسلام من خلال المونديال.
وتلتزم قطر بمذهبٍ محافظ من الإسلام السني، لكنها لا ترى في الإسلام تعارضاً مع الحداثة، حيث ترعى الدوحة الفنون، وتسمح للنساء بالمشاركة في أعلى مستويات الحوكمة، وتشجع السياحة منذ زمنٍ بعيد.
وجادل المسؤولون القطريون بأن وسائل الإعلام الغربية تتجاهل التقدم والإنجازات التي أحرزتها البلاد. وقال أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إن بعض الانتقادات الموجهة لأول دولةٍ عربية ومسلمة تستضيف كأس العالم تضمنت كثيراً من "الافتراءات وازدواجية المعايير".
وبالعودة إلى مسجد كتارا المبني على الطراز العثماني، وقف المرشد الباكستاني رفعت إشفاق ليخبر فطيمة بأن المسجد من تصميم المصممة التركية زينب فاضل أوغلو، التي تحمل الاسم الأول لأكبر بنات النبي محمد. وأوضح "إشفاق" أن البلاط مصنوع يدوياً، وأن الأعمدة مغطاة بالجلد، وأن السقف المقبب يحتوي على الذهب. وفي نهاية الجولة، تعرفت فطيمة على سبب ارتداء النساء المسلمات ثياباً متواضعة، وعرفت المزيد عن أصول الدين.
واختتم "إشفاق" جولته قائلاً: "نريد تعريف الناس بالإسلام، لأننا نفخر بهويتنا. ويساعد هذا الأمر في دحض المفاهيم الخاطئة"، ثم طلب من فطيمة الاحتفاظ بالعباءة كهدية.
عرض لإنجازات العلماء المسلمين في العلوم والطب
وقف الغواتيمالي سيرجيو موراليس في الجوار ليستمع إلى جولةٍ بالإسبانية، بعد أن جاء لحضور البطولة كاملة. وأنهى موراليس جولته ثم خرج من المسجد باتجاه كشكٍ عند المدخل، حيث طلب الحصول على مصحف مجاني.
وقال موراليس: "أصبحت مهتماً اليوم، لأن جولتي بصحبة المرشدين كانت باللغة الإسبانية، واستطعت فهم كل شيء. ونحتاج إلى المزيد من المرشدين باللغة الإسبانية في كل جامع، لأن هذه البلاد يزورها كثير من سكان أمريكا اللاتينية".
وتنتشر الأكشاك التي توزع المصاحف والكتيبات التعريفية عن الدين بمختلف اللغات داخل أزقة سوق واقف، أقدم أسواق العاصمة الدوحة.
وعلى بعد خطوات من السوق، توافد زوار كأس العالم على مبنى مركز الشيخ عبد الله بن زايد آل محمود الثقافي الإسلامي الذي يتمتع بتصميم حلزوني، وذلك للحصول على جولةٍ بالمسجد في أثناء اجتماع الناس لتأدية صلاة الجمعة.
وتجول كارلوس بوستوس وميريا أرياس مع ابنيهما داخل المركز الثقافي، حيث قرأت العائلة الكولومبية كثيراً من المعلومات عن إسهامات العالم الإسلامي في الطب والعلوم والرياضيات والعمارة.
كسروا الحواجز وقدموا تفسيرات إلكترونية للقرآن
وقال بوستوس، الذي ارتدى الثوب القطري مع ابنيه: "نلاحظ أنهم بذلوا جهداً لتغيير الصورة التي نراها عن الإسلام في الغرب، مما يكسر الحواجز".
بينما أعربت زوجته، ميريا، عن إعجابها بإخلاص المسلمين لعقيدتهم والتزامهم بمواقيت الصلاة. كما أعجبتها جهود قطر لتعريف الزوار بالإسلام. وأوضحت: "استخدموا كثيراً من الاستراتيجيات من أجل التقرب إلى الزوار، وحتى نفهم ونتعلم. وفي أثناء ركوب الحافلات المتجهة إلى الملاعب، يمكنك مسح رمز الاستجابة السريعة QR لتحصل على تفاسير لآيات القرآن".
كما يقدم متحف الفن الإسلامي في الدوحة لمحات عن المعتقدات والطقوس الدينية، حيث يستطيع الزوار قراءة معلومات أكثر عن أركان الإسلام الخمسة، أو التعرف على طقوس الحج ومختلف الشعائر في العالم الإسلامي.
وقال البرازيلي خوسيه أنطونيو تينوكو، زائر المتحف: "سيزيد انبهارك بالثقافة الإسلامية كلما فهمتها أكثر. ولا شك في أن الجزء المتعلق بالإسلام كان أهم أجزاء المتحف بالنسبة لي".