يبدو أن المملكة المتحدة لم تكتف بغرق اللاجئين على حدودها جراء سياسة الهجرة البريطانية، ولكن هناك اتهامات تطال لندن بأنها متواطئة مع ممارسات عنيفة تمارسها دول أوروبية أخرى على حدود الاتحاد الأوروبي.
وتتوالى المآسي الناتجة عن سياسة الهجرة البريطانية، فقد ألغت وزارة الداخلية البريطانية صباح يوم الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول مؤتمراً صحفياً موجزاً كان من المقرر أن تكشف فيه عن تفاصيل سياستها الجديدة ضمن قائمة طويلة من السياسات الفاشلة للحدِّ من أعداد القوارب الصغيرة التي تنقل المهاجرين عبر القنال الإنجليزي، وقيل إن سبب إلغاء المؤتمر هو "حادث يجري التعامل معه في مياه المملكة المتحدة"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وكان المؤتمر يتعلق هذه المرة بتفاصيل إنشاء "القيادة التشغيلية لإدارة التعامل مع القوارب الصغيرة" (SBOC).
حادث غرق كان يمكن أن يتحول لكارثة كبرى
وتضمنت تفاصيل الحادث المشار إليه تعرُّض زورق مطاطي يحمل 39 شخصاً لتسرُّب المياه في القناة الإنجليزية على بعد نحو 97 كيلومتراً من مقر وزارة الداخلية قبل 7 ساعات.
ومن لطف أقدار الله أن سفينة صيد عابرة تمكنت بمشاركتها في إنقاذ المركب من تقليل عدد الضحايا المحتمل من الوصول إلى عشرات، فقد انتشل الصيادون معظم ركاب الزورق الغارق من المياه الجليدية، ومع ذلك فقد مات 4 مهاجرين، وما زال 4 في عداد المفقودين. وتحقيقات الشرطة مستمرة.
تبدو المشاهد صادمة لمن لا اطلاع له على أزمة الهجرة، أمَّا من يدرسون الهجرة في سياق علاقتها بسياسات اللجوء الحكومية بالبلاد، فلن تكون الحوادث من هذا النوع أمراً مفاجئاً لهم.
في اليوم السابق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن إنشاء القيادة التشغيلية للقوارب وراهن بمصداقيته السياسية على نجاعة هذه المساعي في حل أزمة القوارب، آملاً أن يخدم ذلك خطته العامة بشأن الهجرة. لكن الواقع كشف أن المنهج لم يتغير، ولم توفر الحكومة ممراً آمناً بديلاً لطالبي اللجوء، ومن ثم استمر وصول المزيد من القوارب، حسب الصحيفة البريطانية.
وقوع أكبر كارثة غرق في القناة الإنجليزية لم يغير سياسة الهجرة البريطانية
جاءت خطة سوناك أقرب إلى إعادة صياغة لخطط فاشلة سابقة بشأن سياسة الهجرة البريطانية، ووافق الإعلان عنها ذكرى مأساة أخرى وقعت قبل ما يزيد على العام بقليل في مكان قريب من مأساة الأسبوع الماضي، وكانت حادثة العام الماضي أسفرت عن غرق ما لا يقل عن 27 شخصاً.
ومع أن حادثة العام الماضي كانت أسوأ كارثة بحرية تشهدها القناة الإنجليزية منذ 30 عاماً، فإنها لم تُحدث سوى تغيير ضعيف في سياسة الهجرة البريطانية.
وهو ما دفع زانا، شقيقة أحد ضحايا المركب الذي غرق العام الماضي، إلى القول لصحيفة The Observer: "أرى أن الناس لم يعتبروا من المأساة التي وقعت لأخي ورفاقه. لا تزال بريطانيا تعامل اللاجئين المعاملة بنفس السياسة المتبعة قبل الحادث، ولم تغير خطط استقبالهم".
خطة ترحيل اللاجئين لرواندا لم تردعهم عن القدوم لبريطانيا
الحقيقة أن بريطانيا صارت أقل استقبالاً للمهاجرين بعد حادثة العام الماضي. فقد أعلنت وزارة الداخلية بعد الحادثة بخمسة أشهر أنها ستبدأ في إرسال طالبي اللجوء القادمين عبر القوارب إلى رواندا، وهي الخطة التي أثارت انتقادات حادة داخل البلاد وخارجها.
وكشفت الحكومة البريطانية عن خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا قبل 248 يوماً وتكلفت الخطة حتى الآن 140 مليون جنيه إسترليني (170 مليون دولار أمريكي).
وزعم المسؤولون أن الخطة تكمن أهميتها في الردع، إلا أنه على خلاف المزاعم، زاد عدد المعابر المستخدمة في تهريب اللاجئين زيادة غير مسبوقة، وصدر تقرير داخلي للحكومة يشكك في جدوى وسائل الردع المزعومة.
وأجرت هاندا ماجد من مؤسسة "المظلة الكردية" الخيرية مقابلات مع عدد لا حصر له من المهربين أثناء إعداد الفيلم الاستقصائي The Crossing الذي عرض على قناة ITV الشهر الماضي، وخلصت منها إلى أن تهديد المهاجرين بالترحيل إلى رواندا فشل في ردعهم عن محاولة الوصول إلى إنجلترا.
وتصوَّر معظم الناس أن وقوع مأساة الأسبوع الماضي يمكن أن يوقف عمليات تهريب المهاجرين عبر القوارب الصغيرة، ولو مدة قصيرة، لكن الواقع أن اليوم نفسه شهد عبور 8 قوارب أخرى تحمل 401 شخص.
خطة جديدة قد تشجع القادمين على السلوك الأكثر خطورة للهجرة
وذكرت صحيفة The Observer أن وزارة الداخلية البريطانية أقرت سراً سياسة جديدة لتقليل الأرقام الواردة في البيانات المتعلقة بطلبات اللجوء المتراكمة، والتي تعهد سوناك بإنهائها بحلول نهاية العام المقبل. وفي غضون ذلك، أفاد محامو الهجرة بأن المسؤولين بدأوا في منح "حماية من الدرجة الثانية للاجئين" القادمين عبر القوارب الصغيرة مؤخراً، بدلاً من حقوق اللجوء الكاملة، لأن الأولى أسرع إنجازاً وأسهل في الإجراءات.
ويتضمن النهج الجديد منح القادمين عبر القوارب 30 شهراً من الإقامة يمكن إلغاؤها بعد ذلك. ولا يتضمن ذلك حقوق لمّ الشمل لعائلات اللاجئين. ويتعيَّن على اللاجئ تقديم طلب جديد للبقاء في بريطانيا كل 30 شهراً، مع خطر التعرض للرفض في أي مرة. وتسري الإجراءات على اللاجئين الذين وصلوا بالقوارب منذ يونيو/حزيران.
وقالت زهرة حسن، مديرة الحشد والمناصرة في "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين": "انتظرَ اللاجئون سنوات لسماع أصواتهم، ثم الآن يخبرونهم أن قضيتهم صارت أقل أولوية، لأن الحكومة البريطانية تريد إعطاء الأولوية للقادمين الجدد. لكن الواقع أنها محاولة خبيثة من الحكومة لإعطاء الأولوية لقرارات منح الحماية من الدرجة الثانية للاجئين".
ومع ذلك، قالت حسن إن النتيجة ستكون المزيد من القوارب الصغيرة وزيادة الإجراءات البيروقراطية البطيئة للجوء. وبالحديث عن "تفريق القانون الجديد لأول مرة بين اللاجئين على أساس كيفية وصولهم، أشارت حسن إلى أن "هذه اللوائح القاسية ستزيد من لجوء الناس إلى طرق محفوفة بالمخاطر" للاجتماع بأهاليهم.
ولكن الأخطر الاتهامات لبريطانيا بالتواطؤ مع انتهاكات دول أوروبية أخرى ضد اللاجئين
وقالت منظمة حقوقية إن بريطانيا متهمة أيضاً بالتواطؤ في انتهاكات حدودية ضد اللاجئين على حدود قارة أوروبا. وأشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى أن القوات البريطانية أرسلت قوات لتعزيز أمن الحدود في بولندا وليتوانيا، وشاركت في بناء أسوار لمنع عبور اللاجئين.
وشاركت لندن في هذه المساعي التي ضمن سياسة الهجرة البريطانية، على الرغم من الانتهاكات الموثقة من سلطات تلك الدول بحق اللاجئين في المناطق الحدودية، ومنها إجبار حرس الحدود للناس على العودة عبر السياج، وتركهم عالقين في الغابات من دون مأوى أو طعام كافيين. ومع ذلك، ادعت حكومة سوناك أنها ليس لديها معلومات عن هذه الانتهاكات، ورفضت الكشف عن تقييمها الداخلي بشأن القضية.
على خلاف ذلك، فإن وثائق جديدة صدرت بموجب قواعد حرية المعلومات كشفت أن وزارة الدفاع البريطانية أجرت تقييماً بشأن مساعدة ليتوانيا في عمليات التصدي للمهاجرين، ومع ذلك قررت المضي قدماً في تقديم الدعم. وقد رفضت وزارة الدفاع الإفصاح عن تقييمها.
وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" مزاعم بريطانيا بعدم وجود أدلة على وقوع انتهاكات بأنها مزاعم "صاعقة" واتهمتها بـ"غض الطرف عمداً" عما يحدث في الواقع.
يلقون اللاجئين بالغابات في ظل برد شديد
من جهة أخرى، ظهرت يوم الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول أدلة جديدة على ترحيل عشرات الأشخاص بعنف عند حدود ليتوانيا ولاتفيا مع بيلاروسيا، ثم تركهم عرضةً لدرجات حرارة شديدة البرودة في الغابات طيلة أسابيع. وقالت صوفي ماكان، مسؤولة الحشد والمناصرة في منظمة "أطباء بلا حدود" في بريطانيا: "إنه لأمر يستدعي القلق الشديد أن تكون بريطانيا قدَّمت المساندة لمساعي تطبيق القانون على الحدود الليتوانية، على الرغم من إدراكها أن هذه التدابير تستخدم في عمليات غير قانونية وخطيرة لإيقاف المهاجرين. هناك الآن احتمال خطير بأن تكون بريطانيا متواطئة في هذه الانتهاكات".
ردَّت وزارة الدفاع البريطانية على ذلك بأنها ليس لديها معلومات بشأن وقوع انتهاكات على الحدود البولندية، لكنها لم ترد على الاستفسارات المتعلقة بليتوانيا.
في غضون ذلك، فإن زانا ماماند، التي لم يُعثر على جثمان أخيها بعد فقدانه في حادثة العام الماضي، طالبت بمزيدٍ من التعاطف في مناقشة قضية اللجوء ببريطانيا، ومزيد من المنطقية، "فلا يمكنهم ببريطانيا منع الهجرة غير الشرعية إلا بفتح طريق قانوني للهجرة، كما أن لهذه الخطوة كثيراً من الفوائد المالية والمعنوية والأمنية للبلاد".