مفاجأة غير سارة صاحبت قرار تقديم قرض صندوق النقد الدولي لمصر، الذي أقره مجلس إدارة الصندوق، فبينما كان تقديم القرض متوقعاً، إلا أن الدفعة الأولى جاءت أقل بكثير مما توقعته الحكومة المصرية، ما أثار تساؤلات حول قدرة القرض على مساعدة إخراج الاقتصاد المصري من أزمته، ومستقبل الجنيه في ظل هذا القرض.
فلقد وافق مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، كما هو متوقع، على منح مصر قرضاً جديداً بقيمة 3 مليارات دولار، يعادل 115.3% من حصة مصر في الصندوق، وتضمن الاتفاق الجديد صرف دفعة فورية بقيمة 347 مليون دولار، في إطار "تسهيل الصندوق الممتد"، الذي تصل مدته إلى 46 شهراً.
وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قد توقع أن يكون حجم الدفعة الأولى نحو 750 مليون دولار.
والقرض برمته غير كافٍ لسد الفجوة الدولارية في مصر، المقدَّرة بنحو 16 مليار دولار على مدى 4 سنوات في مصر، وفق تقديرات من صندوق النقد الدولي.
واشترط صندوق النقد أن تستوجب باقي الدفعات "حزمة سياسات شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تتضمن: تحولاً دائماً إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجياً، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الضعفاء، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة، وتعزيز الحوكمة والشفافية". وفق بيان صحفي صادر عن صندوق النقد، أمس السبت.
وعلى رغم التحركات المكثفة للحكومة المصرية، بالتعاون مع البنك المركزي المصري، لضبط سوق الصرف، والوصول إلى سعر عادل لصرف الدولار في السوق المصرية، كشف تقرير حديث عن أن مصر هي الدولة الأكثر عرضة لأزمة عملة بين الأسواق الناشئة خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وتصدّرت مصر القائمة بين 32 سوقاً ناشئة مدرجة على مؤشر "داموكليس" التابع لبنك "نومورا" الياباني، ما يلفت إلى وجود فرصة قوية بأن تتعرض البلاد لأزمة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة.
لماذا تُعد أزمة الجنيه الحالية أكثر حدة من 2016؟
أزمة الدولار في مصر لها 3 أسباب، الأول مزمن، وهو متعلق بميزان المعاملات الجارية لمصر، أي الفرق بين العملة الأجنبية التي تدخل البلاد، وتلك التي تخرج منها، وهي تعاني من عجز دائم مثلها مثل أغلب دول العالم الثالث وحتى كثير من الاقتصادات الناشئة والمتقدمة.
العامل الثاني عالمي، ويتمثل في تداعيات جائحة كورونا، وخاصة على السياحة ثم أعقبتها الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تسببت فيه في ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب، ما أثقل كاهل الاقتصاد المصري بشكل أكبر من معظم أقرانه بسبب اعتماد مصر على السياحة الروسية والأوكرانية، ولأنها أكبر مستورد للقمح في العالم، وكذلك مستورد كبير لحبوب أخرى متعددة.
ولكن التأثير والأكثر استمرارية للأزمة الأوكرانية جاء من هروب الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة مثل مصر، وتفاقم هذا الهروب جراء رفع بنك الاحتياط الفيدرالي للفائدة على الدولار، ما جذب المستثمرين بعيداً عن الأسواق المالية الأخرى، وهي مشكلة عانت منها اقتصادات متقدمة مثل اليابان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، ودفعتها لرفع الفائدة بدورها.
وتداخل كل ما سبق مع عامل ثالث يكاد يخص مصر وحدها، هو ارتفاع القروض التي استدانتها بالعملات الأجنبية، وتم إنفاقها في مشروعات البنية الأساسية الداخلية، وكذلك سد عجز الميزان التجاري، وبالتالي لم تنفَق في مشروعات تدر أرباحاً بالدولار، واعتماد القاهرة على افتراض أن سيل الأموال الساخنة لن يتوقف، وبالتالي فإنه يمكنها عبر مزيد من القروض سداد القروض القديمة.
الدين العام زاد 5 مرات منذ عام 2011
كان الدين العام نحو 34.9 مليار دولار عام 2011، وقت اندلاع ثورة 25 يناير، وارتفع إلى نحو 43.2 في عام 2013، وبلغ نحو 48.1 مليار دولار في عام 2015، وارتفع الدين بوتيرة كبيرة تقريباً في 2016، مسجلاً 56 مليار دولار، وارتفع إلى 79 ملياراً في 2017، و92.6 مليار دولار في عام 2018، وتجاوز الـ100 عام 2019، عند 108.7 مليار دولار، ثم 123.5 و137.9 و155.7 مليار دولار في الأعوام 2020، و2021 و2022 على الترتيب.
وصل إجمالي ديون مصر الخارجية حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 155.7 مليار دولار، وفقاً لبيانات رسمية، وذلك بزيادة أكثر من 120 مليار دولار خلال 12 عاماً فقط.
الدين الضخم أثار حالة من القلق والترقب بشأن مخاطر التخلف عن السداد في حين صدرت تأكيدات رسمية بأن أوضاع الدين آمنة، ولا يوجد ما يدعو للقلق.
وفي أغسطس/آب الماضي، أفاد تقرير لموقع إندبندنت عربية أن مصر بحاجة إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.
وكان البعض يراهن على أن قرض صندوق النقد الدولي لمصر سوف يحل الأزمة.
ولكن القرض أقل بشكل كبير من القرض الذي تم خلال عملية التعويم الأولى في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2016، والذي تضمن قرضاً قيمته 12 مليار دولار على 3 شرائح من صندوق النقد وحده، إلى جانب مليارات من القروض من شركاء مصر الدوليين من دول عربية وغربية إضافة للصين.
بينما في الوقت الحالي أصبح الاقتصاد المصري أكبر حجماً، كما زادت الديون الخارجية بشكل كبير، ما يجعل هناك حاجة لكتلة نقدية أكبر لحل الفجوة الدولارية لسداد خدمة الدين الخارجي بالأساس.
وقد ترجع ضآلة قرض صندوق النقد الدولي لمصر رغم أن التزاماتها الخارجية باتت أكبر بكثير من عام 2016، إلى أن القاهرة استنزفت أرصدتها لدى صندوق النقد، حيث تعتبر ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين، حيث بلغ حجم ديونها للصندوق نحو 17.9 مليار دولار قبل القرض الأخير، أي بما يعادل 67% من إجمالي قروض الدول العربية للصندوق.
هل تتجه مصر إلى التعويم الرابع؟
يأتي القرض الجديد مع سياسة نقدية جديدة يحددها محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله، الذي جاء خلفاً لطارق عامر، الذي استقال قبل انقضاء مدته في أغسطس/آب الماضي، وفق بيان صحفي وقتها.
نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وقبيل الإعلان عن الاتفاق المبدئي على قرض صندوق، رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 200 نقطة أساس، أعقب ذلك تسجيل الجنيه المصري أدنى مستوى في تاريخه، حيث لامس 22.5 جنيه للدولار، ثم وصل إلى نحو 24.7 في منتصف ديسمبر/تشرين الأول 2022.
وبذلك ارتفع السعر الرسمي للدولار الأمريكي بأكثر من 50% منذ مارس/آذار الماضي مقابل الجنيه، فور اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية، عندما كان الدولار يعادل نحو 15.5 جنيه.
ولكن رغم هذا الارتفاع الكبير، فإن السعر ما زال بعيداً عن سعر في السوق الموازية (السوق السوداء)، حيث يتم تداوله بسعر يتراوح بين 33 و36 جنيهاً للدولار في الأسبوع السابق لاجتماع صندوق النقد، ولكن بعد اجتماع الصندوق حدث انخفاض الدولار في السوق الموازية لنحو 28 جنيهاً أو حتى 27 جنيهاً.
المثير للقلق أن هذا الارتفاع الحاد في الدولار بالسوق الموازية يأتي في وقت تفرض فيه الحكومة المصرية قيوداً حادة على الاستيراد، أدت لوقف كامل تقريباً لبعض الواردات منذ مارس/آذار 2022، مثل السيارات التي تستهلك نحو 4 مليارات دولار سنوياً، وحتى سلع أساسية مثل الزيوت وأعلاف الدجاج، هناك قيود كبير على استيرادها بشكل أدى لارتفاع هائل في أسعارها.
ووعدت الحكومة بتخفيف قيود الاستيراد، وإلغاء نظام الاعتمادات المستندية بحلول نهاية العام، وهو النظام الذي أدى لوقف فعلي لجزء كبير من واردات البلاد منذ تطبيقه في بداية عام 2022.
هل يتهاوى الجنيه بسبب شروط صندوق النقد؟
ويلاحظ أن بيان صندوق النقد الدولي أعلن أن أبرز شروط القرض هو ضرورة الحفاظ على سعر صرف مرن للجنيه، بما يعني ذلك عدم تثبيت الجنيه بقرارات إدارية، بل تركه لآليات العرض والطلب، وما قد يعني ذلك ضرورة تحرير لسعره.
الأمر الذي يثير مخاوف من صعود كبير للدولار في حالة تحريره وتخفيف قيود الاستيراد، وقد يؤدي ذلك لقفزة أكبر من الحالية في الأسعار.
وفي الوقت ذاته، فإن استمرار تحديد سعر للجنيه بشكل رسمي أقل من سعره في السوق الموازية، يمثل خطورة كبيرة على الاقتصاد، لأن ذلك سوف يؤدي لوقف تحويل الدولارات من العاملين بالخارج لمصر عبر القنوات الرسمية، (أكبر مصدر للعملة الأجنبية بمصر)، الأمر الذي يعلق أهم مصدر للدولار ويزيد الأزمة تفاقماً.
يشير كل ما سبق إلى أن قرض صندوق النقد الدولي، ليس كافياً على الإطلاق لحل الفجوة الكبيرة في العملة الأجنبية لدى مصر، كما أن الدفعة الأولى تبدو رمزية تماماً، حتى وصفها بعض الخبراء الاقتصاديين بالهزلية.
كما أنه من اللافت أن صعود الدولار الحاد في السوق السوداء، يصاحبه صمت حكومي نادر، فلا تصريحات تُذكر من الرئيس عبد الفتاح السيسي ولا رئيس الوزراء أو محافظ البنك المركزي، علماً بأنه ليس هناك وزير للاقتصاد أو وزير للاستثمار في مصر، وباسثتناء وزير المالية محمد معيط، وبعض التصريحات من إعلاميين والخبراء المحسوبين على الدولة، وعكس مرات سابقة لم يتحدثوا كثيراً عن احتمال تراجع الدولار، بهدف تخفيف مخاوف السوق، حتى ولو على سبيل الدعاية كما حدث عام 2016، باستثناء بعض الحملات الإعلامية على تجار الذهب، الذي تحول لمخزون قيمة لدى كثير من المصريين.
ويثير موقف الحكومة من صعود الدولار في السوق السوداء، تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة متقبلة لفكرة صعود الدولار لهذا السعر المرتفع، بل أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة هي إحدى حائزي الدولار من السوق الموازية وقد يكون لزيادة الاحتياطات أو العمل على سداد ديون أو التزامات خارجية.
كما تثار تساؤلات حول إلى متى تبقى القيود على الاستيراد، والفرق الكبير بين السعر الرسمي والواقعي.
وقد يكون ترك الحكومة لوصول سعر الدولار لـ35 جنيهاً هدفه ضرب السوق السوداء، من خلال التسبب في خسارة من حاز الدولار على هذا السعر، لوقف المضاربة والهرولة على الدولار.
التعويم الكامل يبدو صعباً في ظل غياب احتياطي كبير من العملة الأجنبية
وقال رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقاً هاني توفيق، إن السعر المتداول للدولار في السوق المصرية يصل إلى 32 جنيهاً، ومن الصعب على البنك المركزي المصري أن يرفع السعر الرسمي حتى يصل لسعر السوق.
وأضاف توفيق في مقابلة مع "العربية"، أن السعر الرسمي الحالي لن يستمر عند مستواه بواقع 24.70 جنيه.
وأوضح أن البنك المركزي حتى يوافق على تعويم كامل يجب أن يدير صندوقاً يعمل على استقرار سعر الدولار في السوق، بحيث يتدخل في عمليات السوق المفتوحة، سواء بالشراء والبيع عند انفلات سعره لأعلى أو لأسفل.
وذكر توفيق أن هذا الوضع غير متوفر حالياً، بالتالي من المستحيل أن يطلب صندوق النقد تعويماً كاملاً.
وينظر لاجتماع المركزي المصري المقبل على أنه سيكون حاسماً في مسألة خفض جديد للجنيه؛ لسد الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، إذ يباع الدولار في البنوك الحكومية بـ24.70 جنيه للدولار، في حين تخطى سعره 30 جنيهاً في السوق السوداء. غير أن هناك آراء مصرفية مسؤولة أكدت أن هذه "الفجوة نشأت فقط نتيجة زيادة الطلب على الدولار في الوقت الذي تواجه فيه البلاد شحاً في العملة الصعبة"، متوقعة في هذا الصدد أن "تقل، أو تختفي تماماً، الفجوة بين السوقين الرسمية والسوداء، بمجرد ضخ الدولارات في السوق"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
قرض صندوق النقد الدولي لمصر يبدو رمزياً، واعتمادها الأساسي سيكون على دول الخليج
ولكن في كل الأحوال، فإن من الواضح أن قرض صندوق النقد الدولي لن يلعب دوراً محورياً في حل الفجوة الدولارية بقدر ما هو بمثابة شهادة ثقة لتشجيع الأموال القادمة من الدول العربية والأسواق الدولية.
وهو أمر كان واضحاً تماماً في بيان صندوق النقد الدولي، الذي أشار بالاسم لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل مثير للانتباه، حيث قال قال الصندوق، في بيان صحافي أمس السبت، إن الموافقة على القرض، ستسمح "بتوفير تمويلات إضافية بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار من شركاء دوليين وإقليميين، شاملة موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين، من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة، وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف".
وارتفع نصيب دول الخليج من الاستثمارات الجديدة المتدفقة لمصر خلال العام الجاري.
وكانت الدعوة المصرية لدول الخليج لتحويل ودائعها بمصر إلى استثمارات والتي تم الإعلان عنها أوائل العام الحالي، وسبقتها مشاورات بين الرئاسة المصرية وقيادات الدول الخليجية لنفس الغرض، السبب الرئيسي في استحواذ العرب على نسبة 37% من مجمل الاستثمارات الواصلة لمصر، تليها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين بنسبة 30%، وإنجلترا 9% والولايات المتحدة 7% وباقي مناطق العالم أقل من 17%.
وكشفت بيانات البنك المركزي المصري الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر الداخل لمصر، خلال العام المالي الأخير 2021/2022 والمنتهي آخر يونيو/حزيران الماضي، عن تصدر دولة الإمارات العربية بقيمة 5 مليارات و656 مليون دولار بنسبة 25.5% من الإجمالي، وجاءت الكويت بالمركز السادس بقيمة 669 مليون دولار، وقطر في المركز الحادي عشر بقيمة 518 مليون دولار، والسعودية بقيمة 492 مليون دولار، والبحرين بقيمة 458 مليون دولار.
ولكن هناك اعتقاد بأن الصناديق الخليجية تتريث في مسألة الدخول بقوة للسوق المصرية، وخاصة ما يتعلق بشراء أصول وأسهم مصرية، إلى حين مزيد من التخفيض في سعر الجنيه، ليصبح أكثر واقعية، لأنه من غير الطبيعي أن تشتري هذه الدول أصولاً مقومة بأكثر من قيمتها، نظراً لأنه ليس هناك خلاف على أن الجنيه، مقوم بأعلى من قيمته.
التعويم قد يعني قفزة هائلة في التضخم
ويعني ذلك أن صندوق النقد ودول الخليج والأسواق الدولية وجزءاً من عالم الأعمال المصري ينتظر تعويماً كاملاً للجنيه، مع توفير الدولار ليس فقط للمستوردين، ولكن أيضاً للمستثمرين العرب والأجانب، لأن الشرط الأساسي لدخول استثمارات خارجية جديدة أن يضمن المستثمرون وجود تدفق حر للعملات في البلاد، حتى يتسنى لهم تحويل أموالهم سواء أرباح أو أصول للخارج.
ولكن مثل هذا التعويم الذي قد يكون رابعاً، إذا صح التعبير، سيؤدي لتأجيج التضخم بشكل أكبر مما هو قائم، حيث أدى قرار البنك المركزي المصري بتطبيق نظام سعر صرف مرن للجنيه في أكتوبر/تشرين الأول إلى ارتفاع معدل التضخم الشهري 2.5% لشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث سجل معدل التضخم السنوي في المدن 18.7% وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2017.
فرغم أن جزءاً كبيراً من السلع المستوردة في مصر، مقوم منذ أشهر، بسعر 30 جنيهاً للدولار أو أكثر، إلا أنه يظل هناك نطاق كبير من السلع خاصة الأساسية مقومة بسعر للجنيه أقرب للسعر الرسمي، وبالتالي فإن التعويم الكامل سوف يطلق موجة جديدة من التضخم، الذي سيمثل عبئاً كبيراً على أصحاب الدخول الثابتة (زادت الحكومة الأجور مؤخراً بقيمة 300 جنيه أي حوالي 11 دولاراً بالسعر الرسمي)، وكذلك سيمثل خسارة كبيرة للمودعين في المصارف، كما قد يحمل معه اضطرار الحكومة لرفع أسعار الوقود والطاقة، كل ذلك مع عدم وجود ضمانة بأن فجوة الدولار ستتم تغطيتها.
إليك سعر الجنيه المصري الذي قد يسعى له البنك المركزي
في الأغلب فإن الحكومة المصرية سوف تلجأ لكل هذه الخيارات بشكل غير حاد، فقد يجتمع البنك المركزي حتى يُبين لصندوق النقد الدولي أن مصر تسير في الاتجاه الصحيح، وهناك بعض المرونة وليس تعويماً كاملاً، ورفع السعر إلى 28 أو 30 جنيهاً كحد أقصى، كما قال الخبير المالي هاني توفيق، ولكن لا يعرف هل تستطيع إنهاء وجود السوق السوداء خاصة إذا فتح الاستيراد أم لا.
وقد يكون سعر يدور حول 28 جنيهاً أو أكثر قليلاً مرجحاً بشكل كبير أن تسعى الحكومة للوصول إليه كسعر رسمي، لأنه ليس بعيداً كثيراً عن مستويات السوق السوداء (خاصة المستويات الأكثر استمرارية وليس الطفرات)، ولكنه في الوقت نفسه، لم يصل لمستوى الـ30 جنيهاً الذي يمثل حاجزاً نفسياً شديد الخطورة يشجع التهافت على الدولار.
وقد يكون التحدي الحقيقي أمام الحكومة المصرية هو إقناع السوق الموازية بأن السعر الذي ستضعه هو السعر الواقعي، وبالتالي توقف نزيف الدولار، سواء باكتناز المواطنين له، والأهم وقف تحويل المصريين في الخارج لأموالهم عبر الوسائل غير الرسمية.
في الوقت نفسه، تواصل الحكومة سلسلة من المبادرات الجزئية لتشجيع تدفق الدولار، لا يعرف مدى إمكانية نجاحها مثل مبادرة منح المصريين في الخارج إعفاء من جمارك وضرائب السيارات التي يستقدمونها، مقابل إيداعهم المبالغ ذاتها بالدولار لمدة خمس سنوات، وهي مبادرة لم تظهر النجاح المتوقع.
كما وافقت الحكومة المصرية، الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، على امتلاك الأجانب للأراضي بنظام الأمر المباشر، بشرط الدفع بالدولار، وتحويلها من خارج مصر، حيث تسعى القاهرة إلى جذب تدفقات دولارية في ظل أزمة سيولة بالعملات الأجنبية، بحسب وسائل إعلام مصرية.
قد تحقق بعض هذه المبادرات نجاحاً جزئياً، ولكن في الأغلب فإن الاستثمارات الخليجية ستكون العامل الأهم في محاولة معالجة الفجوة الدولارية، وفي الوقت ذاته، فإن الحكومة ستكون أمام اختبار شديد الصعوبة، إذا رفعت أو خففت قيود الاستيراد، مما قد يخلق طلباً حقيقياً على الدولار، يخرج عن السيطرة.