زار الرئيس الصيني شي جين بينغ، في الأسبوع الماضي، المملكة العربية السعودية في زيارة تاريخية تستغرق عدة أيام لحضور ثلاثة أحداث إقليمية رئيسية: القمة السعودية الصينية، وقمة مجلس التعاون الخليجي الصيني، والقمة الصينية العربية. وخلال الزيارة، أشاد شي والعاهل السعودي الملك سلمان بعصر جديد في العلاقات الثنائية. وأرسلت "البهجة" المحيطة بزيارة شي إشارات قوية إلى أنَّ العلاقات الصينية السعودية تدخل مرحلة جديدة من التطور السريع. وبالنسبة لإيران، شريك الصين على الضفة الأخرى من الخليج، قد يعني تعزيز العلاقات ضرراً واضحاً لطهران في تنافسها الذي طال أمده مع المملكة العربية السعودية.
الصين تمسك بخيوط معقدة بين السعودية وإيران
ترتبط الصين مع السعودية وإيران بعلاقات معقدة. ويتعين على القيادة الصينية إدارة علاقاتها بحذر مع كليهما للحفاظ على حيادها وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية كما تقول مجلة The Diplomat الأمريكية. وكل بضع سنوات، تخوض بكين هجوماً دبلوماسياً في الخليج؛ ما يثير تكهنات من المراقبين بأنَّ الصين تفضل جانباً على الآخر في النزاع السعودي الإيراني.
على الرغم من أنَّ الصين تحتفظ بعلاقات وثيقة مع كلا البلدين، برزت المملكة العربية السعودية بمثابة واحدة من الشركاء الاستراتيجيين الرائدين لبكين في المنطقة في السنوات الأخيرة. وتثير زيارة شي إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول مرة أخرى تكهنات بأنَّ تصرفات بكين يمكن أن تمثل ضربة موازية للتوازن الدبلوماسي الدقيق الذي سعى المسؤولون الصينيون طويلاً للحفاظ عليه مع الجانبين.
عملت بكين بلا كلل للبقاء بعيداً عن صراع التنافس الخليجي. ومع ذلك، يكمن التحدي في أنَّ أية ميزة تُقدَم لأحد الجانبين -على سبيل المثال، هناك تقرير تتحدث عن شراء السعودية معدات دفاعية صينية بقيمة 4 مليارات دولار- يمكن أن ينظر إليها الطرف الآخر على أنها ضرر. وتجنباً لتصور أنها تفضل طهران أو الرياض، اتبعت الصين بنشاط سياسة التكافؤ في ارتباطاتها الدبلوماسية وتعاونها العسكري.
على سبيل المثال، في عام 2016، وقّع شي اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة مع كل من السعودية وإيران، في غضون أسابيع من بعضهما البعض. وفي كل من عامي 2017 و2019، أجرت بكين تدريبات عسكرية منفصلة مع إيران والسعودية، متباعدة بأسابيع قليلة، لتجنب نقل الرسالة الخاطئة. ومع اختتام شي رحلته إلى المملكة العربية السعودية في 10 ديسمبر/كانون الأول، أعلن سفير الصين في طهران أنَّ نائب رئيس مجلس الدولة الصيني، هو تشون هوا، سيزور طهران في الأسبوع الذي يليه.
طهران توبّخ السفير الصيني بعد زيارة شي للسعودية
على الرغم من مستوى اهتمام بكين والتسامح الضمني مع علاقاتها مع الطرف الآخر، أعربت كل من إيران والسعودية عن إحباطهما من الصين بشأن تعاملها مع الطرف الآخر. بعد رحلة شي إلى المملكة العربية السعودية، استدعى نائب وزير الخارجية الإيراني لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ سفير الصين لدى إيران في عرض احتجاج نادر يوم 12 ديسمبر/كانون الأول.
أرادت طهران التعبير عن استيائها من بيان بكين المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي سلّط الضوء على تصريحات الدعم لمجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالجزر المتنازع عليها في مضيق هرمز، التي مثّلت مصدر قلق لإيران. كما شدد البيان الصيني-الخليجي المشترك على أهمية القضية النووية الإيرانية، وكذلك ربط إيران بـ"الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، ودعم المنظمات الإرهابية، فضلاً عن انتشار الطائرات بدون طيار".
وفي المقابل، في عام 2021، أعرب مسؤولون سعوديون عن قلق مماثل بشأن اتفاق الصين مع طهران لمدة 25 عاماً. أطلقت الشراكة الطموحة أجراس الإنذار في المملكة العربية السعودية؛ ودفعت المسؤولين السعوديين إلى محاولة ثني بكين عن إقامة علاقات أقوى مع إيران.
تقول مجلة The Diplomat إنَّ مساعي بكين للتوازن، وإن لم تكن مثالية، تعززها الروابط الاقتصادية القوية مع كلا البلدين والثقة الثنائية، التي نمت بين الصين والبلدين على مدى العقد الماضي. وكانت هذه الثقة أساسية في السماح لبكين بالتغلب على الضعف الدبلوماسي الذي يصدر بين الحين والآخر، وتصحيح المسار عندما تقدم طهران أو الرياض شكوى.
يبقى السؤال: ما إذا كان تواصل الصين الأكثر جرأة مع دول مجلس التعاون الخليجي هذا الشهر هو تأرجح مؤقت للبندول من إيران نحو المملكة العربية السعودية أو الوضع الراهن الموالي للسعودية؟. والاحتمال الأول هو الأرجح.
أولويات الصين في الخليج
قد تكون المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأوسع أولوية جيوسياسية على المدى القريب للمسؤولين الصينيين بسبب الفوائد المباشرة للعلاقات المتعمقة مع المملكة والتحديات الداخلية الحالية التي تواجه إيران. وتميل الصين أكثر فأكثر للاستثمارات المستقرة والقابلة للتنبؤ ومرتفعة العائدات. وقد حققت العلاقات الاقتصادية والاستثمار وعلاقات الطاقة بين بكين والرياض مكاسب كبيرة مع مخاطر محدودة في العامين الماضيين.
في غضون ذلك، لم تحقق إيران مثل هذه المكاسب للمستثمرين الصينيين على المدى القصير؛ إذ لا تزال الشركات الصينية في إيران غارقة في مخاوف بشأن خطر فرض عقوبات أمريكية. في حين أدى عدم إحراز تقدم في المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران إلى تأخير أية فوائد لاتفاق بكين مع طهران الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار.
وهذا أمر متوقع، بالنظر إلى أنَّ خارطة طريق التعاون الاستراتيجي بين بكين وطهران لها جدول زمني مدته 25 عاماً، مقارنة بخمس سنوات فقط مع المملكة العربية السعودية. وبالنسبة للصين، تعتبر شراكتها مع إيران لعبة انتظار استراتيجية تتطلب اهتماماً دبلوماسياً واسع النطاق على المدى الطويل.
ومن المرجح أن تهدف خطوات بكين التالية بعد زيارة شي إلى طمأنة إيران بشأن حياد الصين وتكافؤ الإشارات في العلاقة. وستتبع هذه الاستراتيجية نمطاً مألوفاً. أولاً، ستبعث الصين مسؤولاً رفيع المستوى إلى طهران لإعادة فرض حيادها في التنافس بين إيران والسعودية والتأكيد على سياسة الصين طويلة الأمد المتمثلة في عدم التدخل.
وبعد ذلك، ستنخرط بكين في دبلوماسية دقيقة للتواصل مع كلا البلدين لمنع المزيد من التصعيد مع إيران مع تجنب ترك انطباع بأنها تتراجع عن علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. وبينما هناك زيارة شخصية مخططة لنائب رئيس الوزراء إلى إيران، فإنَّ المعارضة الإيرانية الأخيرة للبيان الصيني المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي قد تتطلب على الأرجح مشاركة صينية على مستوى أعلى، وربما حتى مكالمة مع رئيس دولة.
أخيراً، ستستمر الصين في تعميق العلاقات مع كلٍ من طهران والرياض مع البقاء بعيدة عن الخصومة التي طال أمدها بين إيران والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإنَّ ارتباطاتها الاقتصادية المتزايدة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي الأوسع تضغط على إيران. فمن وجهة نظر طهران، يمثل تعزيز العلاقات الصينية السعودية ميزة صافية للمملكة، بينما يضر بسعي إيران للشرعية الدولية. ومن المحتمل أن يضر ذلك بمصالح الصين الخاصة في الخليج إذا لم تستعِد توازنها الدبلوماسي.