"تحويل الطائرات القديمة لمسيّرات، قد يصبح أحدث تقنيات الحروب الجديدة" وهي مقاربة بدأ تطبيقها بالفعل في الحرب الروسية الأوكرانية، فيما تجري الصين تجارب بشأنها منذ سنوات، بطريقة تقلق الولايات المتحدة التي تخشى تعرض حليفتها تايوان لموجة من الغارات بواسطة الطائرات الصينية القديمة المحولة لمسيرات.
ويزعم مراقبون غربيون أن الصين حولت بعض مقاتلاتها القديمة بدون طيار (J-6 و J-7 و J-8) إلى طائرات مسيرة كجزء من الموجة الأولية من الهجمات لاختراق الدفاعات الجوية التايوانية، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
لماذا تمتلك الصين أسطولاً ضخماً من الطائرات القديمة؟
وتمتلك بكين التي كانت معزولة عن بقية العالم لعقود أعدادأ كبيرة من الطائرات القديمة صينية الصنع أغلبها نسخ مطورة من المقاتلات السوفييتية التي حصلت عليها من الاتحاد السوفييتي عندما أصبح البلدان حليفين في عام 1949، عندما انتصر الحزب الشيوعي في الحرب الأهلية على حزب الكومنتانغ وأسس جمهورية الصين الشعبية (أو الشيوعية).
وبعد أن وقع الخلاف الصيني السوفييتي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات، أوقفت موسكو تزويد بكين بالمقاتلات وكذلك بالدعم الفني لتصنيعها واعتمدت الصين على عمليات الهندسة العكسية لمواصلة تصنيع نسخ من المقاتلات السوفييتية، ولم تطور كثيراً طائراتها الخاصة بسبب العزلة عن روسيا والغرب، إضافة لمشكلات الثورة الثقافية.
والنتيجة أنه حتى بداية التسعينيات لم يكن لدى القوات الجوية الصينية أي طائرات حديثة، بل كانت تعتمد على الطائرات المستنسخة من الأصول السوفييتية والتي تعود للخمسينيات مثل المقاتلة (J-6 ) المستنسخة من المقاتلة السوفييتية ميغ 19 أول مقاتلة صوتية ذات إنتاج كمي في العالم.
وهذه الطائرة بدأت إنتاجها في الاتحاد السوفييتي عام 1955، وفي الصين بدعم سوفييتي في عام 1958، طورت منها نسخة للهجوم الأرضي المسماة Nanchang Q-5، ويعتقد أن آخر 50 مقاتلة من J-6 أحيلت للتقاعد من قبل بكين عام 2019؛ مما يعني أن بعضها مخزن من فترة قصيرة ويمكن تحويله لطائرات مسيرة.
ويبدو أنه بالفعل تم تحويل عدد من طائرات الصين J-6 إلى طائرات مسيرة وهي تلك المتمركزة في قواعد Lianchen و Yantan-li، تم الإبلاغ عن العمل على J-6 بدون طيار لأول مرة في عام 2013.
المقاتلة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجاً في التاريخ قد تصبح مسيّرة
أما الطائرة الأهم والتي تتوافر منها أعداد كبيرة للصين ولديها قدرات جوية لافتة رغم تقادمها، فهي المقاتلة الصينية J-7 المستنسخة والمطورة من المقاتلة السوفييتية ذات الشهرة الأسطورية ميغ 21، وهي المقاتلة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجاً في التاريخ.
وشكلت ميغ 21 منذ بدء إنتاجها عام 1959، نقلة للقوات الجوية السوفييتية والدول الحليفة لها فهي غير مكلفة ولكنها سريعة، الأمر الذي أتاح بناء مجموعات كبيرة منها فيما وصفه السوفييت بـ"المقاتلات الشعبية" للتغلب على المزايا التكنولوجية للطائرات الغربية.
وبدأت الصين بإنتاج هذه الطائرة التي عرفت في الصين باسم J-7 في وقت بدأت فيه التوترات مع الاتحاد السوفييتي؛ حيث أنهى الانقسام الصيني السوفييتي فجأة جهود التعاون الأولية؛ ففي عام 1960، سحب الاتحاد السوفييتي مستشاريه من الصين، مما أدى إلى توقف مشروع J-7.
ولكن خلال فبراير/شباط 1962، كتب رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف بشكل غير متوقع إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لإبلاغه أن الاتحاد السوفييتي مستعد لنقل تكنولوجيا MiG-21 إلى بكين، وطلب من الصينيين إرسال ممثليهم على الفور لمناقشة الترتيبات.
اعتبر الصينيون هذا العرض بمثابة لفتة سوفييتية لتحقيق السلام، ورغم شكوكهم، إلا أنهم كانوا حريصين على قبول العرض السوفييتي، وفي 30 مارس/آذار 1962، تم توقيع صفقة نقل تكنولوجيا الطائرة.
ومع ذلك، نظراً لحالة العلاقات السياسية بين البلدين، لم يكن الصينيون متفائلين بشأن اكتساب التكنولوجيا، ويُزعم أنهم قاموا بالاستعدادات للقيام بهندسة عكسية لاستنساخ هذه الطائرات.
أرسل السوفييت طائرات MiG-21F في شكل مجموعة مع الأجزاء والوثائق التقنية. ولكن كما توقع الصينيون، بعد تسليم مجموعات وأجزاء ووثائق إلى مصنع شنيانغ للطائرات بعد خمسة أشهر من توقيع الصفقة، تم اكتشاف أن بعض المستندات الفنية التي قدمها السوفييت كانت غير مكتملة وأنه لا يمكن استخدام عدة أجزاء، فشرعت الصين في هندسة عكسية للطائرات بغية إنتاجها محلياً؛ ونجحوا في حل 249 قضية رئيسية واستنساخ ثماني وثائق فنية رئيسية لم يقدمها الاتحاد السوفييتي.
أجرى الصينيون أيضاً تعديلات حسّنت استقرار الطائرة، وقمرة القيادة، وكانت جهود إعادة الهندسة ناجحة إلى حد كبير، حيث أظهرت J-7 الصينية الصنع اختلافات طفيفة فقط في التصميم والأداء من طراز MiG-21 الأصلي.
أخرت الثورة الثقافية عمليات إنتاج الطائرة الواسع النطاق؛ نتيجة لذلك، تم الوصول للإنتاج الكامل للطائرة J-7 خلال الثمانينيات، أي أنه بينما كان الأمريكيون قد أنتجوا بشكل كبير طائرات إف 16 ذات الجيل الرابع والسوفييت بدأوا يطورون ميج 29 من الجيل ذاته، فإن الصينيين كانوا يصنعون طائرة تعود جذورها للخمسينيات وتنتمي للجيلين الثاني والثالث للمقاتلات النفاثة، أي أنهم كانوا متأخرين بنحو جيل ونصف.
ومع ذلك، فإن قدرات المناورة الاستثنائية والسرعة النسبية، للطائرة J-7، عوضت جزئياً أوجه القصور الكبيرة بها وهي قلة المدى والحمولة وتأخر الرادار، وظلت ميغ 21 ونسختها الصينية J-7 مستخدمة من كثير من القوى الجوية التي تعتبر متوسطة أو متقدمة نسبياً مثل مصر وباكستان والصين نفسها حتى الآن، وتمتلك بكين حالياً نحو 360 مقاتلة من طراز J-7، تجعل واحدة من أكثر المقاتلات عدداً في الصين.
ورغم تقادم J-7 وضعف رادارها، فإنها مشهورة بالمناورة العالية، والسرعة، وقد يمثل تحويلها لطائرات مسيرة مشكلة للقوات الجوية التايوانية.
الصينيون قد يحولون طائرة مخصصة لاعتراض القاذفات الأمريكية لمسيّرة فائقة السرعة
وهناك الطائرة J-8، وهي اعتراضية، أي لا تقوم بمهام القتال الجوي الجوي التلاحمي، ولكن لديها سرعة عالية تزيد على ضعف سرعة الصوت ورادار أفضل نسبياً لملاحقة القاذفات وطائرات الاستطلاع الأمريكية، وهي تطوير محلي صيني كبير يعتمد على الخبرات المكتسبة من استنساخ الطائرات السوفييتية وملاحظة الطائرات الغربية.
وبدأ تطويرها عام 1965، ودخلت الخدمة عام 1980، ورغم سرعتها فإنها تفتقد لقدرات المناورة والرادار المتقدم، الأمر الذي قد يجعلها أكثر فائدة كطائرة مسيرة.
ولدى الصين نحو 125 طائرة عاملة من J-8، بينما بلغ مجموع ما بني منها نحو 400 أي أن بكين لديها أعداد كبيرة منها سواء العاملة أو المخزنة.
كيف سيتم تحويل الطائرات القديمة لمسيّرات؟
يعد تحويل الطائرات القديمة لمسيرات غير مكلف كونها مستهلكة، وله فوائد متعددة أخرى مثل الاحتفاظ بجزء كبير من قدراتها القتالية الأصلية وخصائص طيرانها؛ مع تقليل الخسائر البشرية بسبب كونها غير مأهولة، لا يقيدها التعب البشري. وبالمثل، من خلال كونها غير مأهولة، تكون تكلفة صيانتها منخفضة، ولا تحتاج إلى إجراء تدريبات مستمرة للطيارين للحفاظ على مستوى تدريبهم.
كما أن أغلب هذه الطائرات القديمة أسرع كثيراً من الطائرات المسيرة الحالية وأعلى قدرة على المناورة.
تحويل الطائرات القديمة لمسيرات إحدى مميزاته الاستفادة من هذه الأصول المعطلة سواء المخزنة أو تلك الموجود في الخطوط الخلفية لأنه لا يمكن لها لو كانت مأهولة خوض قتال ضد طائرات وأنظمة دفاعية حديثة، وكثير من الدول في مقدمتها الصين تمتلك أسطولاً ضخماً من الطائرات القديمة اتي عفا عليها الزمن وهي مرشحة للتقاعد لو لم يتم استخدام هذه التقنية.
ونظراً لأن هذه الطائرات رخيصة ومتوفرة بأعداد كبيرة لدى بكين وليس هناك خوف من سقوط ضحايا لأنها غير مأهولة فإنه يمكنها تحميلها عبء المهام الروتينية أو الأكثر خطورة؛ مما يؤدي إلى تخفيف مهام المقاتلات الأكثر تكلفة وتوجيهها إلى المهام المعقدة.
الصين، التي صنعت هذه الطائرات منذ الخمسينيات من القرن الماضي، بارعة أيضاً في العمليات الصناعية والتقنية اللازمة لترقية الطائرات القديمة وصيانتها، وبالتالي لا يتعين عليها الاعتماد على الشركات المصنعة الأجنبية للمعدات الأصلية.
كما أن بكين واحدة من أنجح الدول في مجال تصنيع الطائرات المسيرة، رغم أنها ما زالت أقل تقدماً بشكل كبير من الولايات المتحدة، كما أن مسيراتها لم تثبت ذات الكفاءة التي أظهرتها البيرقدار التركية، ولكن بصفة عامة تستثمر بكين كثيراً في هذا المجال، وبالتالي يمكنها دمج خبراتها في مجال تطوير المقاتلات المأهولة القديمة والطائرات المسيرة.
وعلى الأرجح ستتم عملية تحويل الطائرات القديمة لمسيرات من خلال وجود موجه بشري للطائرة عن بعد، ومعدات فنية تركب في الطائرة لتقوم بتنفيذ أوامره بدلاً من الطيار، أما مسألة استخدام الذكاء الاصطناعي فما زالت قيد التطوير، ولا يعرف مدى نجاحها.
ستكون الصعوبة الأساسية بالنسبة للصين في عملية تحويل الطائرات القديمة لمسيرات في الاستفادة من قدرات الطائرات J-7 في المناورة والقتال الجوي التلاحمي ضد طائرات أخرى أو لتفادي الصواريخ.
ورغم أن هذه الطائرات التي تقارب سرعتها ضعف سرعة الصوت لديها قدرات مناورة وسرعة أعلى من معظم الطائرات المسيرة، ولكن المشكلة هي كيفية نقل الأوامر اللازمة للمناورات بالسرعة اللازمة، وكيف يستطيع الموجه البشري عن بُعد الاستجابة بطريقة مماثلة للطيار البشري.
في المقابل، ستكون هناك ميزات التخلص من الوزن البشري، أو القلق على حياة الطيارين، كما سيمكن للطائرات القيام بمناورات قاسية دون الخوف من تأثيراتها على الطيارين، كما أن المقاربة ستكون اختباراً واقعياً لفكرة المسيرات القتالية التي لم تثبت نجاحها بعد.
كيف ستوظف الصين طائراتها القديمة المسيّرة ضد تايوان؟
يحدد تقرير صادر عن معهد ميتشل لدراسات الفضاء (MIAS) بالولايات المتحدة خمسة مطارات أمامية يمكن أن تستخدمها الصين لإطلاق أسراب من المركبات الجوية القتالية غير المأهولة (UCAV) ضد تايوان.
يوجد في مطاري Longtian و Shantou الصينيين القريبين من تايوان طائرات J-6 و J-7 القتالية بدون طيار (UCAV).
ويرى التقرير أن هناك إمكانية استخدام طائرات قديمة من طراز Q-5 و J-6 و J-7 و J-8 ، والتي تحولت إلى طائرات بدون طيار لتطغى على الدفاعات الجوية التايوانية.
تكمن فائدة الطائرة المسيرة القديمة هذه في ساحة المعركة في قمع وتدمير الدفاع الجوي للعدو عبر التغلب على مواقع صواريخ أرض جو التايوانية وقصفها أو على الأقل كشف مواقعها، مما يقلل من المخاطر على طياري الصين في الخطوط الأمامية.
ويتوقع التقرير أنه بعد تحويل الطائرات القديمة لمسيرات ستكون هي خط الهجوم الأول الذي يسبق مقاتلات الخطوط الأمامية.
وسيمثل العديد من هذه الطائرات المسيرة المعاد تأهيلها معضلة للمدافعين التايوانيين، فهم مضطرون إما للاشتباك معها أو المخاطرة بفقدان الأصول العسكرية التي ستهاجمها إذا لم يتم إسقاطها.
ولكن الاشتباك معها يعني كشف مواقع وتكتيات تايوان الدفاعية واستهلاك ذخائرها.
تسمى هذه الاستراتيجية "السيكادا"، ويتوقع التقرير الأمريكي أن "القوات الجوية الصينية يمكن أن تختار إخفاء عدد كبير من هذه الطائرات بدون طيار في ملاجئ تحت الأرض وجعلها تظهر بشكل جماعي خلسة لشن هجوم على تايوان".
ويتوقع التقرير أن تستهدف الطائرات المسيرة المعاد تأهيلها مطارات تايوان أولاً عند اندلاع الحرب، ويحذر من أن الجيش الأمريكي يفتقر إلى منصات توصيل محمولة جواً وذخائر بعيدة المدى يمكنها اختراق نظام الدفاع الجوي للصين.
هل يمكن توظيف هذه التجربة في الحرب الروسية الأوكرانية؟
بينما يتناقش العسكريون الأمريكيون والتايوانيون حول السنياريوهات المحتملة للحرب بين الصين وتايوان، فإن هناك حرباً قائمة أصبحت الطائرات المسيرة طرفاً رئيسياً بها وهي الحرب الروسية الأوكرانية.
وأحال الروس الطائرة الشهيرة ميغ 21 وخليفتها الأقل نجاحاً ميغ 23 للتقاعد منذ نحو ثلاثة عقود، ولكن قد تكون بعض الأعداد مخزنة لديهم، وبالتالي قابلة لإعادة التأهيل لتصبح طائرات مسيرة هجومية، ولكن تظل مشكلة الروس في أنهم ليسوا متقدمين في مقاربة الطائرات المسيرة بأكملها لدرجة اضطرارهم لشرائها مسيرات من إيران الدولة النامية المعزولة.
في المقابل، أفادت تقارير بأن أوكرانيا عدلت طائرات سوفييتية الصنع قديمة لتصبح طائرات مسيرة وهاجمت بها قواعد في قلب روسيا تضم قاذفات استراتيجية قادرة على حمل أسلحة نووية، منها قاعدة دياجيليفو الجوية، الواقعة على بعد 240 كيلومتراً من موسكو.
فعلى ما يبدو، تمكنت القوات الأوكرانية من تحويل طائرات الاستطلاع السوفييتية السابقة من طراز Tu-141 Strizh التي دخلت الخدمة في في عام 1979 إلى طائرة هجومية بعيدة المدى مع إضافة رأس حربي لها، حسبما ورد في تقرير لموقع Aviacionline.
تم اعتراض الطائرات المسيرة الأوكرانية المعاد تأهيلها التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض من قبل أنظمة الدفاع الجوي التابعة لقوات الفضاء الروسية. ونتيجة لسقوط وانفجار شظايا الطائرات المسيرة في المطارات الروسية، أصيب هيكل طائرتين بأضرار طفيفة.
وفقاً للأدلة التي جمعتها وسائل الإعلام المختلفة، فقد تضررت جراء الهجوم الأوكراني قاذفتان روسيتان على الأقل من طراز Tu-95MS وواحدة من طراز Tu-22M3، كما أفادت وسائل الإعلام الموالية لروسيا أنه نتيجة للهجوم، قُتل ثلاثة جنود وأصيب ستة عندما اصطدمت إحدى الطائرات الأوكرانية بشاحنة وقود على المدرج.
وبدءاً من شهر مارس/آذار من هذا العام، ظهرت تقارير تفيد بأن إحدى هذه الطائرات السوفييتية التي تقوم كييف بتحويلها لطائرات مسيرة قد سقطت على الأراضي الأوكرانية، وأن أخرى بعد تحليقها فوق رومانيا والمجر انتهى بها الأمر إلى الاصطدام أمام حرم جامعي في زغرب، عاصمة كرواتيا.
ومن الواضح أن الأمر استغرق عدة محاولات وتعديلات على نظام التوجيه قبل أن يتم تحويل طراز Tu-141 إلى وسيلة فعالة إلى حد ما.
بالطبع لا يمكن استبعاد وجود دعم أمريكي فني وراء جهود كييف لتحويل الطائرات القديمة لمسيرات، وقد يشمل هذا الدعم عملية التطوير، وكذلك توجيه الطائرات نحو أهدافها.