أصبح الأكراد محط اهتمام إقليمي وعالمي من جديد بعد تصاعد الأزمة بين المجموعة الكردية المسيطرة على شمال سوريا وتركيا، إثر اتهام الأخيرة، للإدارة الكردية الذاتية بالمسؤولية عن العملية الإرهابية التي وقعت في إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسعي أنقرة لإقامة منطقة أمنية لحماية حدودها خاصة بعد قصف الأكراد لمناطق تركية.
وتوعدت تركيا مراراً بشنّ هجوم جديد ضدّ المقاتلين الأكراد في سوريا، ونفذت بعض عمليات القصف بالفعل في شمال سوريا ضد أهداف لقوات سوريا الديمقراطية، وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن العملية تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وذلك بعد أن اعترفت منفذة تفجير شارع تقسيم بإسطنبول بأنّها زرعت القنبلة بناء على أوامر حزب "العمّال الكردستاني"، وبأنها تلقّت تعليمات من مدينة كوباني (عين العرب) في سوريا.
أصول الأكراد.. إيرانيون أم أبناء عمومة العرب، وكم يبلغ عددهم؟
الأكراد كانوا دوماً جزءاً من تفاعل تاريخي مشترك قام في المنطقة وكانوا من أبرز المدافعين عن الإسلام ودوله، سواء عبر دورهم التاريخي في إقامة الدولة الأيوبية من خلال الناصر صلاح الدين الذي حرر بجنوده الأكراد والقدس وأطلق بداية نهاية الوجود الصليبي في المنطقة أو في العهد العثماني، حيث كان الأكراد من جنودها المخلصين، وظلت القبائل الكردية تدافع عنها حتى الحرب العالمية الأولى.
ومن الصعب تحديد عدد الأكراد بسبب مبالغات النشطاء الأكراد والمصادر الغربية من ناحية في أعدادهم، وتقليلها من قبل الدول التي يتواجدون فيها، إضافة للتداخل والامتزاج بين الأكراد وشعوب المنطقة، حيث يوجد عدد كبير من السكان الذين هم نتاج تزاوج الأكراد مع الشعوب المجاورة خاصة في تركيا.
ولكن بصفة عامة يقدر عدد الأكراد بين 25 و35 مليون نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي في أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا، إضافة لأعداد أقل في أرمينيا وجورجيا.
ويُنظر إلى الأكراد تقليدياً على أنهم ينتمون إلى المجموعة الهندو-أوروبية، وتحديداً للمجموعة الإيرانية، وتستند هذه الفرضيات التي طورها اللغويون في الغالب إلى حد كبير، لأن لغتهم تنتمي لمجموعة اللغات الإيرانية.
ولكن على عكس وجهة النظر هذه، تشير أحدث أبحاث الحمض النووي إلى أن وجود الأكراد أقدم من الهجرات الإيرانية التي جاءت للمنطقة من آسيا الوسطى، وأن أسلاف الأكراد كانوا يتحدثون لغة أخرى قبل الكردية التي تحولوا لها قبل آلاف السنين عبر هجرات من قبل النخب العسكرية من المهاجرين القادمين من آسيا الوسطى، حسبما ورد في دراسة بعنوان "أصل الأكراد" للباحث فرديناند هينيربيشلر.
وتعني هذه الاكتشافات الجديدة أن جذور الأكراد تعود إلى عنصرين هما سكان المناطق الجبلية في القوقاز والأناضول مع المحاربين الساميين (سكان المنطقة الأصليين الذين ينحدر منهم الآشوريين والأكاديين والآراميين والعرب).
ويمكن القول إنه لا يوجد لغة كردية واحدة، بل مجموعة من اللغات الكردية التي يتحدث بها الأكراد، ولكن هناك ثلاث لهجات (لغات رئيسية) هي الكردية الشمالية (كرمانجي)، الكردية الوسطى (سوراني)، والكردية الجنوبية (خوارون).
وعلى سبيل المثال، من وجهة نظر لغوية أو نحوية على الأقل، تختلف لغة أو لهجة الكرمانجي عن السوراني كثيراً مثل الاختلاف بين الإنجليزية والألمانية، أي أنهما لغتان منفصلتان ولكن متقاربتان وليستا لهجتين بعيدتين، حسب ما يقول فيليب ج. كرينبروك الخبير في اللغات والدراسات الإيرانية في كتابه "الأكراد – نظرة عامة معاصرة" الذي صدر عام 1992.
وكان للأكراد دور مهم في تركيبة الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية (الصفويين وغيرهم) والإمبراطوريات والدول الإسلامية بالمنطقة، وكانوا يمثلون قوة أساسية في الجيوش العثمانية وحاربوا الروس والأرمن، دفاعاً عن الأناضول ثم الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، ولكن نشأة القوميات العربية والإيرانية والتركية بشكلها الحديث فككت العلاقات التقليدية بين شعوب المنطقة دون إيجاد إطار بديل يسمح للتعايش بينها، إضافة إلى ضغط القادة المستبدين في الدول التي نشأت بالمنطقة، وكذلك دور الاستعمار في إثارة النعرات بين شعوبها، إلى جانب طموحات قادة الأكراد وخلافاتهم وتعاونهم أحياناً مع القوى الخارجية لتحقيق أهدافهم.
العراق.. أول من منح الأكراد حكماً ذاتياً وحدث ذلك قبل عقود
يبلغ عدد سكان إقليم كردستان العراق -بحسب ما نشره موقع حكومة الإقليم عام 2017 على شبكة الإنترنت – 5.2 مليون نسمة -معظمهم مسلمون سنة- يعيشون في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وحلبجة، كما يوجد الأكراد في محافظة كركوك المتنازع عليها مع الحكومة المركزية، وبنسبة قليلة في نينوى وديالى، ويضم الإقليم أيضاً قوميات أخرى.
كان العراق إحدى أوليات الدول التي اعترفت بحقوق الأكراد الثقافية وحقهم في إقامة حكم ذاتي، منذ تأسيس الجمهورية العراقية تم التوصل لاتفاق بين حكومات بغداد والأكراد أو اقتربوا من تحقيق ذلك عدة مرات، ولكن الاتفاقات فشلت بسبب الطابع الديكتاتوري للدولة العراقية من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب مبالغات مطالب قادة الأكراد في العراق وسعيهم لتعزيز سلطتهم، إضافة لصراعاتهم الداخلية وتحالفهم أحياناً مع خصوم البلاد، حيث تحالف الأكراد على سبيل المثال مع طهران خلال الحرب العراقية الإيرانية، مما أدى لتعرضهم لمأساة حلبجة، حيث يعتقد أن جيش صدام حسين قصفهم بالأسلحة الكيماوية عام 1988.
ولدى الأكراد في العراق حالياً، حكم ذاتي واسع النطاق بإقليم كردستان العراق بما في ذلك قوة عسكرية مستقلة (البشمركة)، وفي الوقت ذاته لهم نصيب كبير من المناصب في الحكومة المركزية بحكم العرف السائد بعد الغزو الأمريكي بما في ذلك رئاسة الجمهورية (سلطات محدودة) ورئاسة الأركان غالباً، واللغة الكردية هي اللغة الرسمية الثانية في العراق.
ولكن يعاني إقليم كردستان من مشكلة مالية مع الحكومة التي تحجب عنه جزء من إيرادات النفط، وتؤثر على ميزانيته، ولكن يظل الإقليم أفضل مناطق العراق من حيث الأمن والتنمية رغم شكوى المعارضة من فساد واستبداد والخلافات داخل حكومة الإقليم التي يتقاسمها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
وحاول الأكراد الاستقلال في استفتاء عام 2017، ولكن المحاولة فشلت في معارضة دول الجوار وتحفظ الاتحاد الديمقراطي الكردستاني غير المعلن على الفكرة، والتدخل العسكري للحشد الشعبي بتوجيه إيراني.
ولدى إقليم كردستان العراق علاقة اقتصادية وثيقة مع تركيا وإيران، وعلاقة متقلبة سياسياً ومتوترة أحيانا مع طهران التي تتهم قيادة الإقليم بالتحالف مع الولايات المتحد وإسرائيل، وعلاقة أقل تقلباً مع أنقرة.
إيران.. تتحالف مع حزب العمال الكردستاني في سوريا وتحاربه على أراضيها
لدى إيران أقلية كردية كبيرة تمثل نحو 10% من السكان، أي أكثر من ثمانية ملايين كردي، ويعيش معظمهم في غرب وشمال غرب البلاد، ويمثلون ثالث قومية في البلاد بعد الفرس أنفسهم والأذربيجانيين، ولكن يعتقد أن أغلبهم من السنة مع وجود نسبة كبيرة ينتمون للمذهب الشيعي، فيما تقول بعض المصادر الغربية إن أغلبية أكراد إيران من الشيعة.
ويتركز الأكراد في إيران بأجزاء كبيرة من غرب البلاد على الحدود مع العراق وتركيا، في مقاطعات كردستان، وكرمانشاه وغرب أذربيجان وعيلام ولورستان.
كان للأكراد له تجربة تاريخية محدودة في إقامة حكم مستقل، ففي عام 1946 أعلن الأكراد ميلاد ما عرفت بجمهورية مهاباد، برئاسة قاضي محمد بدعم قوات الاتحاد السوفييتي التي كانت موجودة في شمال البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تدم سوى 11 شهراً، بعد انسحاب السوفييت، وتم إعدام قادة الجمهورية بعد دخول القوات الإيرانية.
أيد النشطاء الأكراد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، بما في ذلك النشطاء الإسلاميون السنة، ولكن بدأت الأزمات بين السلطة الجديدة والأكراد، بعد حرمانهن من مقاعد في اجتماع "مجلس الخبراء" عام 1979 ، الذي كان مسؤولاً عن كتابة الدستور الجديد، حيث منع قائد الثورة الإسلامية آية الله الخميني الدكتور قاسملو، ممثل المنطقة المنتخب ، من المشاركة في الاجتماع الأول للخبراء، ثم حدثت اشتباكات بين اليساريين الأكراد وبين الحرس الثوري، ووصلت الأزمة إلى إعلان المرشد الأعلى للثورة روح الله الخميني الجهاد ضد الأكراد وقصف مدنهم بالطائرات.
منذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، لوحظ أن "حزب العمال الكردستاني" أخذ ينفّذ مزيداً من العمليات في تركيا تحديداً بجنوب شرقي الأناضول، مع تسجيل زيادة لافتة في أعداد المقاتلين المصابين من أصل إيراني-كردي (مؤشر لزيادة مشاركتهم في العنف)، في حين أن "حزب الحياة الحرة الكردستاني" (PJAK) (النسخة الإيرانية من حزب العمال الكردستاني) أوقف تقريباً عملياته على الأراضي الإيرانية، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
وبات هناك تحالف بين حزب العمال وأكراد سوريا من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، هدفه بالأساس وأد الثورة السورية وإنقاذ الأسد ومنافسة تركيا.
ولكن مؤخراً، شارك الأكراد بشكل كبير في الاحتجاجات التي نشبت في إيران، خاصة أن وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، هي الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات بعد اتهام وجه للشرطة بأنها تسببت في قتلها، كما قصفت طهران إقليم كردستان العراق.
تركيا.. حزب العدالة يحصل على نصف أصوات الأكراد
لا توجد في تركيا إحصاءات دقيقة لعدد الأكراد، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم يقدر بنحو 15 مليون نسمة، ويشكلون 56% من أكراد العالم، وتتراوح نسبتهم من 15% إلى 20% من سكان تركيا، ويعيش معظمهم في جنوب شرق البلاد، حيث يوجد أهم تجمع لهم في محافظة ديار بكر، حسب ما نشر في تقرير للجزيرة عام 2017.
معظم الأكراد الذين يعيشون في تركيا هم من المسلمين السنة، على الرغم من أن العلويين يشكلون أقلية كبيرة بينهم، وتشير التقييمات الغربية إلى أن الأكراد والزازا (شعب فرعي منهم) في شرق تركيا أكثر تديناً، مقارنة بعامة السكان في تركيا، ومقارنة بالسكان الأتراك في المناطق المشتركة.
ويعيش أكبر عدد من الأكراد في العالم في مدينة إسطنبول كبرى مدن تركيا. وعاش الأكراد والأتراك لقرون دون خلافات تُذكر تحت الحكم العثماني، وكانت القبائل الكردية في الأغلب حلفاء وجنوداً بالدولة التركية في العهد العثماني، وأسهموا في حرب الاستقلال التركية، ولكن المشكلة بدأت نتيجة ظهور الشكل العلماني المتطرف للقومية في العصر الحديث، ويُعتقد أن أول تمردات الأكراد بدأت ضد مؤسس الدولة التركية كمال أتاتورك كان لرفضهم سياسته العلمانية، ثم تحولت للطابع القومي.
ظلّ الأكراد يعانون طوال معظم سنوات الجمهورية التركية من إنكار حقوقهم الثقافية، ولكن حكومة حزب العدالة والتنمية غيّرت هذا المسار، واتخذت خطوات جريئة بمعايير الدولة التركية، حيث أعلن عن سعيها لحل سلمي للمشكلة، وأعطت الأكراد قدراً غير مسبوق من الحقوق الثقافية، ومنها السماح لهم بتدريس اللغة الكردية بشكل رسمي، وأعلن ذلك رجب طيب أردوغان بنفسه عام 2009، عندما كان رئيساً للوزراء، علماً بأن هذه الخطوة تعرضت لانتقادات من القوميين الأتراك في ذلك الوقت.
كما أنهت حكومة حزب العدالة والتنمية "حالة الطوارئ" التي كانت مفروضةً داخل 13 محافظة تقع في نطاق المعركة، ضد حزب العمال الكردستاني منذ عام 1987، كما أبرمت هدنة مع حزب العمال الكردستاني، بهدف التوصل لحل الأزمة، في ظل وحدة الدولة التركية، ولكن الحزب هو الذي نقض الهدنة مع اندلاع الحرب السورية، وتخطيطه للاستفادة منها.
المفارقة أن حزب العدالة يحصد جزءاً كبيراً من الأصوات الكردية، تصل أحياناً لنصف الأصوات في المناطق الكردية، متفوقاً على حزب الشعوب الديمقراطية الذي يقدم نفسه كممثل للأكراد، (أحياناً حزب العدالة وأردوغان يحصدان نسب أصوات في المناطق الكردية أكثر من إسطنبول وأنقرة وأكثر بفارق واضح عن إزمير تحديداً).
وينظر حزب العمال الماركسي لحزب العدالة على أنه منافس له على الصوت الكردي، في ظل أن الجذور الإسلامية الديمقراطية لحزب العدالة تجعله الحزب الوحيد القادر على جمع الأكراد والأتراك تحت مظلة الدولة التركية مع إعطاء الأكراد حقوقهم الثقافية، وتنمية مناطقهم، خاصة أنه يتم انتخاب حكامها المحليين والمشرعين كباقي مناطق البلاد.
وبالنسبة لكثير من الأكراد المتدينين والمحافظين، فإن نموذج التحديث غير المتعسف لحزب العدالة الذي لا يناهض الدين والعادات والتقاليد التركية والكردية (التي هي في الأصل متشابهة) أقرب لهم من العلمانية الراديكالية لحزب العمال.
كما أن الجناح العسكري للحزب الموجود في جبال قنديل بالعراق ظل بعد طرح حزب العدالة لمقاربته للسلام يشعر بالقلق من تراجع دوره، ولذا يقول منتقدوه إنه قوّض جهود عملية الحل. خاصة مع اندلاع الأزمة السورية التي ساعدت الحزب لتوسيع نفوذه.
ومؤخراً ظهرت مؤشرات باحتمال إدخال تعديل دستوري في تركيا لحماية الحجاب وحل مشكلة الأكراد، حيث التقى ممثلون لحزب العدالة خلال اجتماع مفاجئ مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لنقاش قضية الحجاب، وهو اجتماع ربما يعيد فتح قنوات الحوار بين الحزبين.
ولذلك يرى البعض أن الجناح العسكري لحزب العمال يسعى -عبر تفجير إسطنبول الأخير- لإفساد أي مبادرة جديدة لحل المشكلة الكردية، وخاصة أن مثل هذه المبادرات سوف تزيد التصويت الكردي لحزب العدالة، حسبما قال الكاتب أحمد إشجان، في مقال سابق، بـ"عربي بوست.
سوريا.. الأسد الأب حجب عن الأكراد الجنسية ثم تحالف ابنه مع قادتهم
يعتقد أنه قبل عام 2011، كان الأكراد يمثلون من 8 إلى 10% من السكان، وعلى الأرجح زادت نسبتهم من السكان، لأنهم أصبحوا يحكمون شمال سوريا، ولم يتعرضوا للتهجير والقتل مثل العرب السنة من قبل نظام الأسد (أو على يد القوات الكردية وداعش أحياناً).
وتتفاوت تقديرات أعداد أكراد سوريا بشدة بين مليون إلى مليوني شخص، ويشكلون نحو 6% من أكراد العالم، ويتمركزون في مناطق شمال شرقي البلاد، مثل الحسكة والقامشلي والمالكية.
كان الأكراد الفئة الأكثر معاناة من نظام الأسد حيث حجب حافظ الأسد عن أعداد كبيرة منهم الجنسية السورية، لأن جذور كثير منهم تعود لتركيا؛ حيث هاجروا منها بعد فشل ثورتهم ضد أنقرة في عهد مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك.
في المقابل، أكدت المعارضة السورية حقوقهم الثقافية (ولكنها تحفظت على فكرة الحكم الذاتي)، وتم تعيين قيادي كردي، هو عبد الباسط سيد، رئيساً للمجلس الوطني السوري، الذي كان يمثل الإطار الرئيسي للمعارضة السورية في بداية الثورة.
ولكن منذ بداية الثورة السورية، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي، الانضمام لها، أو لأُطر المعارضة، ثم تصالح مع نظام الأسد مقابل الجنسية وترك الحزب يسيطر على شمال البلاد، بعد انسحاب قوات النظام عام 2012.
واستغل حزب الاتحاد الديمقراطي؛ فرصة انشغال المعارضة السورية في المعارك ضد النظام ثم داعش، لتأسيس كيان شبه مستقل في شمال سوريا، وتم ذلك أحياناً عبر مهاجمة قوات المعارضة السورية.
ويحكم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ثلث سوريا بعد قضائه على داعش بدعم أمريكي، وهي مناطق ذات غالبية عربية سنية، وتسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بقيادة الأكراد حالياً على أكبر حقول النفط في سوريا.
وتتهم تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه فرع سوري من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً من قبل أنقرة وأغلب دول العالم بما فيها الدول الغربية، وترفض دعم الغرب له.
والحزب أسّسه في عام 2003 مقاتلون سوريّو الأصل، ينتمون إلى "حزب العمال الكردستاني"، في جبال قنديل في شمالي العراق، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
ويشير تقرير مركز كارنيغي إلى أن بعض القادة الكبار في حزب الاتحاد الديمقراطي ينحدرون من حزب العمال الكردستاني بشكل مباشر، كما أن الممارسات السياسية والرموز لدى حزب الاتحاد الديمقراطي مماثلة لتلك التي يستخدمها تقليدياً حزب العمال الكردستاني، وأكثرها وضوحاً للعيان صور زعيم "حزب العمال" المسجون عبد الله أوغلان، والهياكل التنظيمية (ولا سيما وجود نساء مقاتلات في الرتب الدنيا)؛ فضلاً عن أنه ليس واضحاً كيف تمكّن الأكراد السوريون من أن يُنشئوا بمفردهم الإطار اللوجستي والبنيوي الضروري لتشكيل قوّة عسكرية فعلية من أكثر من 10 آلاف مقاتل، بعد اندلاع الثورة السورية مباشرة (أصبحت الآن أكبر بكثير).
وتتهم تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي وحلفاءه الأمريكيين بأنهم تنصلوا مراراً من اتفاقات سابقة، لسحب قواته بعيداً عن حدودها والتخلي عن بعض المناطق التي سبق أن استولى عليها من المعارضة السورية.
ولهذا تقول إنها تسعى لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها لضمان عدم تهريب مسلحين لأراضيها أو تعرض مناطقها للقصف من قبل قواته.