جاء عرض تركيا على أوكرانيا لتزويدها بالطاقة الكهربائية عبر محطات الطاقة العامة لتعويض انقطاع الكهرباء عن البلاد جراء القصف الروسي؛ ليلقي الضوء على أسطول سفن الطاقة التركية، وكيف ساهمت في حل مشكلات نقص الطاقة في العديد من البلدان على مدار السنوات الماضية، لدرجة أن بعض الدول تعتمد عليها بشكل كامل، وهل تستطيع حل أزمة الطاقة بأوروبا؟
وبالتزامن مع بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأحد، 11 ديسمبر/كانون الأول 2022، مساعي تركيا لـ"تلبية احتياجات الشعب الأوكراني من المساعدات الإنسانية خلال أشهر الشتاء"، أعلنت شركة "كارباورشيب (Karpowership)" التركية أنها تجري محادثات لتزويد أوكرانيا بالطاقة الكهربائية من البحر عبر محطاتها العائمة في ظل تواصل الهجمات الروسية.
وشركة "كارباورشيب" لديها 36 سفينة مزودة بمحطات يمكنها توليد الكهرباء باستخدام زيت الوقود أو الغاز الطبيعي، يمكن توصيلها بشبكات الكهرباء المحلية في أقل من 30 يوماً، وفقاً للشركة.
وحمَّلت أوكرانيا مؤخراً روسيا مسؤولية انقطاع الكهرباء عن أوديسا الواقعة على البحر الأسود، والتي تعد أكبر موانئ البلاد، وقال الرئيس الأوكراني إن مليوني شخص يعيشون في ظلام بسبب القصف الروسي في المنطقة؛ بسبب انقطاع الكهرباء عنهم، بعد قصف طائرات مُسيرة روسية لمنشأتين للطاقة.
محادثات لتزويد أوكرانيا بالكهرباء عبر سفن الطاقة التركية
وقالت رئيسة مجموعة كارباورشيب التجارية زينب هاريزي، للأناضول، إن الشركة تلقت الطلب الأول من شركة "أوكرينغو" المعنية بإيصال الكهرباء بأوكرانيا لتزويدها بسفن الطاقة.
أشارت إلى أن الشركة تبحث مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة عن الحل المناسب لإيصال الكهرباء إلى أوكرانيا، نظراً لعدم ضمان سلامة السفن في حال وصولها لسواحل البلاد.
كما ذكرت أن هناك خطوطاً لنقل الطاقة الكهربائية بين رومانيا ومولدوفا وأوكرانيا، وبالتالي يمكن أن تتمركز سفن الشركة في سواحل رومانيا ومولدوفا لنقل الكهرباء عن هذه الخطوط.

وعن كمية الطاقة المزمع مد أوكرانيا بها، أوضحت هاريزي أن الشركة تجري محادثات لتزويد البلاد بطاقة كهربائية قدرها نحو 300 – 400 ميغاواط، عبر 3 أو 4 سفن، وأن هذه الكمية تكفي لتزويد مليون منزل بالكهرباء.
وشدّدت على أن سفن الطاقة يمكن أن تتمركز في موانئ مختلفة، وأوضحت أنها قادرة على توفير الكهرباء في غضون شهر واحد بعد استكمال التفاصيل الفنية والتجارية والأمنية.
وأكدت أن إمداد أوكرانيا بالكهرباء عبر مولدوفا أو رومانيا ممكن تقنياً وخيار منطقي جداً من الناحية التجارية، وقد تكون العقبة الوحيدة أمام تنفيذ ذلك "سياسية وبيروقراطية".
ومؤخراً، تعرضت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا لهجمات صاروخية روسية، لكن موسكو تقول إنها تستهدف البنية التحتية "العسكرية وليس المدنية".
قصة سفن الطاقة التركية التي تضيء مناطق واسعة بإفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية
ويعود بروز المحطات العائمة، وهي تسمى بالإنجليزية "Power Ships"، إلى ثلاثينات القرن الماضي.
وفكرتها بسيطة وهي تحويل ناقلة بضائع إلى محطة عائمة، فتبحر نحو وجهتها؛ حيث يتم ربطها بشبكة الطاقة المحلية بهدف تغذيتها.
وتملك تركيا أسطولاً من السفن القادرة على توليد الطاقة الكهربائية، تبحث أنقرة تحريكها إلى أوروبا هذا الشتاء، بعد أن عملت في عدة دول عربية وإفريقية، من بينها العراق في عام 2007.
وعلى مدى السنوات الـ25 الماضية، ومن خلال استثماراتها في الأسواق المحلية والدولية، تمتلك شركة "كارباورشيب" وتدير قدرة إجمالية تزيد على 6 غيغاوات من سفن الطاقة العائمة مع 36 سفينة طُوّرَت وأُنتجَت منذ عام 2010، وتخدم الآن في 15 منطقة حول العالم، بين إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وأيضاً في كوبا والبرازيل. وتوفر سفن الطاقة التركية نصف الطاقة الكهربائية في دول عدة في غرب إفريقيا، هي: غينيا-بيساو وغامبيا وسيراليون.
تغطي احتياجات 34 مليون شخص.. والبداية كانت في العراق
وقالت هاريزي إن شركتها تهدف إلى توفير الكهرباء بأسعار معقولة إلى البلدان التي تحتاج إلى الكهرباء، بطريقة سريعة وموثوقة، مشيرةً إلى أن "كارباورشيب" كلّفت أول سفينة عائمة للطاقة في العراق في عام 2007، حسبما نقل عنها موقع بغداد اليوم.
"تلا العراقَ لبنان وغانا وإندونيسيا وموزمبيق وزامبيا وغامبيا وسيراليون والسودان وكوبا وغينيا بيساو والسنغال.
وأضافت قائلة: "نوفر احتياجات 34 مليون شخص من الكهرباء"، حسبما نقل عنها.
وزودت شركة "كارباورشيب" لبنان بالطاقة الكهربائية من باخرتَيها فاطمة غول سلطان وأورهان باي، الراسيتَين قبالة معملَي الجية والزوق تباعاً.
وجرت مفاوضات مع حكومة الوفاق الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة، والتي تتخذ من طرابلس مقرّاً لها، بحيث ترسل "كرباورشيب" عدداً من سفن الطاقة التركية إلى الشواطئ الليبية، وفق الصحافة التركية.
وتمت ملاءمة هياكل هذه السفن مع حاجات الدول التي تفتقر إلى القدرات المناسبة لمواجهة طلب الطاقة المتنامي أو تضرّرت بنيتها التحتية نتيجة نزاعات.
.. وها هي تستعد للعمل بأوروبا
ومع تصاعد حدّة أزمة الطاقة في دول أوروبا، بجانب أوكرانيا التي تتعرض لقصف روسي ممنهج يستهدف منشآت الطاقة في جميع أنحاء البلاد، أعلنت شركة "كارباورشيب" (Karpowership) التركية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها تتباحث مع 4 دول أوروبية لإرسال سفن ومحطات عائمة لتوليد الكهرباء بسعة 2 غيغاوات.
ومن المتوقع أن ترسل شركة "كارباورشيب" مجموعة من سفن الطاقة التركية إلى أوروبا لأول مرة إذا انتهت المفاوضات إيجابياً، وفقاً لوكالة الأناضول التركية.
وتمتلك الشركة 8 سفن كبيرة للطاقة بسعة 2 غيغاوات، حيث تبلغ القدرة المركبة لأكبر هذه السفن 500 ميغاواط.
ويمكن للشركة أن تزوّد بها الدول الأوروبية بسرعة، إذ يمكن توصيل سفن الطاقة العائمة، القادرة على توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي المسال أو الوقود السائل، بشبكة الكهرباء في البلاد في نحو 30 يوماً فقط.
وبينما تستثمر الشركة أكثر من 5 مليارات دولار في هذا المجال، حددت "كارادينيز" القابضة (Karadeniz Holding)، وهي الشركة المالكة لشركة "كارباورشيب"، هدفها المتمثل في زيادة الأسطول المتكون من سفن الطاقة، إلى أكثر من خمسين سفينة بطاقة توليد كهرباء تزيد على 7500 ميغاوات.
فيما تُعتبر سفية "كرادينيز باورشيب أورهان علي خان" التي اكتمل بناؤها في 18 شهراً، إحدى أكبر سفن توليد الكهرباء في العالم بطول 300 متراً وعرض 50 متراً، وبفضل مداخنها الـ21 يمكن للسفينة توليد 500 ميغاوات من الكهرباء.
ستوفر الكهرباء والتدفئة لخمسة ملايين أسرة أوروبية
من المتوقع أن تلبي السفن التي تطلبها الدول الأوروبية من "كارباورشيب" لزيادة إمداداتها من الطاقة قبل فترة الشتاء القادمة، احتياجات 5 ملايين أسرة، بالإضافة إلى دعم أنظمة التدفئة المركزية في المناطق التي ستغطيها.
وتخطط شركة كارباورشيب التركية المستقلة -التي تتخذ من مدينة إسطنبول مقراً لها- إلى التوسع في مشروعات توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي المسال، في شتى أرجاء إفريقيا، لسدّ عجز الكهرباء الذي تعاني منه العديد من بلدان القارة السمراء.
بأسعار تنافسية
وفي منتصف عام 2021، قدّمت الشركة خدمة "توصيل وتشغيل" الكهرباء لـ9 أسواق إفريقية، بينما تدير أسطولاً من 25 محطة كهرباء متنقلة في جميع أنحاء العالم، حسبما ورد في موقع الطاقة.
وتُجري الشركة -التي تحول السفن إلى محطات كهرباء متنقلة، في إطار سياستها لبيع الكهرباء بأسعار منافسة- محادثات مع عدة دول إفريقية للمساعدة في التغلب على نقص الكهرباء، من خلال توفير حلول كهرباء مدفوعة الأجر، حسبما نشرت مجلة أفريكان بيزنس.
وتقول المديرة الإدارية لـ"كارباورشيب"، زينب هاريزي، إن إفريقيا "القارّة الأكثر أهمية" للأعمال التجارية، حيث نُجري محادثات مستمرة لصفقات الكهرباء في مجموعة من البلدان تمتد من الكاميرون إلى موريشيوس.
وتضيف هاريزي أن إفريقيا قارّة مهمة جداً، خاصة أن العديد من البلدان لديها سواحل على المحيط، وأسعار الكهرباء فيها مرتفعة على عدد السكان الكبير.
وتعتمد المحطات العائمة في توليد الكهرباء على زيت الوقود الثقيل "الفيول" أو الغاز الطبيعي المسال، وتمدّ الشبكات الوطنية بالكهرباء مباشرة.

تنتج سفن الغاز الطبيعي المسال الكهرباء بمعدل 0.12 دولار أمريكي لكل كيلوواط/ساعة، وهو أقلّ بكثير من متوسط تكلفة الكهرباء في أجزاء كثيرة من إفريقيا.
وعلى سبيل المثال، كان سعر الكهرباء في كينيا في يونيو/حزيران 2020 هو 0.202 دولار لكل كيلوواط/ساعة للمنازل و0.161 دولار للشركات.
وتقول هاريزي إن التكلفة المنخفضة تعني أن العديد من المرافق الوطنية قادرة على شراء الكهرباء من كارباورشيب، ثم بيعها من أجل الربح.
وبالنظر إلى أن تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية في أوروبا بسبب ارتفاع أسعار الغاز، وتكلفة الأيدي العاملة، فقد تكون سفن الطاقة التركية قادرة على تلبية الطلب بتكلفة تنافسية.
وتغطي استهلاك 100 % من احتياجات غينيا بيساو
وتوفر الشركة 100% من احتياجات غينيا بيساو من الكهرباء، و10% من احتياجات موزمبيق -وتشمل الأسواق الأخرى غينيا وغانا وغامبيا وسيراليون والسودان والسنغال وزامبيا.
تقدّم كارباورشيب كهرباء موثوقة دون أن تضطر الحكومات الإفريقية إلى استثمار ملايين الدولارات في مشروعات طاقة ضخمة نتيجة عجز الشبكات، في كثير من الأحيان، عن تلبية الحاجة المتزايدة بسرعة في إفريقيا.
ويمكن للشركة توفير الكهرباء في غضون 30 يوماً، كما تعتزم خفض متوسط تكلفة الطاقة لمعظم البلدان، حسبما نشرت مجلة أفريكان بيزنس.
وتبيّن زينب هاريزي أن الشركة تعتمد مبدأ الدفع أولاً بأول (دفع النفقات في وقتها)، لذا سيدفع العملاء مقابل الكهرباء في نهاية كل شهر دون أي دفعة مسبقة أو دون الحاجة إلى تأمين رأس المال أو تمويل المشروع أو أيّ شيء من هذا القبيل.
تعمل على إعادة تحويل الغاز المسال للحالة الغازية
تقول زينب هاريزي إن الشركة تقوم بإطلاق أول مشروعات تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى كهرباء في إفريقيا من خلال وحدات تخزين عائمة متخصصة لإعادة التغويز تمّ بناؤها في سنغافورة.
وتُعدّ وحدات تخزين عائمة متخصصة لإعادة "التغويز" (إعادته من الحالة المسالة للغازية) الأحدث في تكنولوجيا تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز في أثناء وجوده في البحر، ثم نقل الطاقة إلى الشاطئ.
في عام 2020، دخلت كارباورشيب في مشروع مشترك مع عملاق الشحن الياباني "إم أو إل" لبناء وحدات تخزين عائمة متخصصة لإعادة التغويز، للعمل في السنغال وموزمبيق.
وسيؤدي هذا إلى تغيير صورة توليد الكهرباء في إفريقيا، لأنه سيبيّن للجميع أنه من الممكن تسريع عملية تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى كهرباء، حتى في إفريقيا.
لماذا اتسع نطاق عملها خلال فترة جائحة كورونا؟
من المفارقات أنّ أزمة الوباء التي شلّت النشاط في شركات عدة، كان لها أثر عكسي على الشركة التركية؛ إذ ألقت الضوء على منافع المحطات العائمة ومهل التسليم التي تصعب منافستها كونها لا تتخطى الستين يوماً.
فلقد عززت كارباورشيب نموذجها المرن خلال فترة تفشّي وباء كوفيد-19، حين توقفت مشروعات الكهرباء الكبيرة في معظم أنحاء إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم؛ مما أدى إلى زيادة الطلب على طاقة "التوصيل والتشغيل".
فقد عقَّدت القيود التي فرضت لأشهر عدّة في عدد كبير من دول عالم مسارات إتمام مشاريع الطاقة الكلاسيكية التي تحتاج إلى سنوات عدّة في الأوقات العادية.
وترى هاريزي أن "انتشار الوباء جعل الناس غير متأكدين من المدفوعات والأداء ومخاطر العملة ومخاطر الإكمال والتنفيذ، وأصبح من المستحيل على الموظفين بدء البناء، حتى بالنسبة لمشروعات الهندسة والمشتريات والبناء".
على الرغم من أن أسطول كارباورشيب يغذّي الشبكات في البلدان الساحلية بشكل أساس، تعمل الشركة أيضاً مع الدول غير الساحلية.
في عام 2016، وقّعت شركة كارباورشيب عقداً مع المرافق الوطنية في موزمبيق وزامبيا لنشر 115 ميغاواط من الكهرباء في زامبيا عبر موزامبيق، وجرى نقل الكهرباء إلى شبكة موزمبيق ثم إلى زامبيا.
تساعد على التخلص من تلوث الفحم وتقدم خدمة أوروبية بأسعار صينية
وتتطلع كارباورشيب أيضاً إلى توفير الطاقة لجنوب إفريقيا، في الوقت الذي تحاول فيه التخلص من الفحم وإيجاد حلول لانقطاع التيار الكهربائي المتكرر.
وتقول هاريزي إن كارباورشيب أجرت محادثات مع شركة المرافق إسكوم المملوكة للدولة فيما يتعلق بمناقصة لتوليد الكهرباء بقدرة 3 آلاف ميغاواط تُعرف باسم برنامج مشتريات المنتج المستقل للتخفيف من المخاطر.
وتقول هاريزي إن المفهوم الشائع للشركات التركية في إفريقيا هو أنها تقدّم جودة أوروبية ولكن بأسعار صينية.