لماذا تبدو أمريكا أكبر مستفيد من قصف روسيا لمرافق الطاقة بأوكرانيا؟ يحقق لها هدفاً أرادته منذ عقود

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/06 الساعة 17:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/06 الساعة 17:33 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي - رويترز

استراتيجية جديدة لجأت إليها روسيا بعد نكساتها العسكرية، ورفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التفاوض معها، وهي قصف مرافق الطاقة الأوكرانية، وذلك قبيل حلول الشتاء القارس في المنطقة، ولكن هل تؤدي هذه الاستراتيجية لتنازل كييف عن شروطها والدخول في مفاوضات مع موسكو أم تأتي بنتائج عكسية؟

بعد الهزائم الروسية في خاركيف في شمال شرق أوكرانيا، وخيرسون في جنوب شرقها حيث استعادت  كييف عدة آلاف من الأميال المربعة من أراضيها، شهدت جبهات الحرب ثباتاً نسبياً، فلا يبدو أن الأوكرانيين قادرون على تنفيذ هجوم جديد، ولا سيما في الجنوب بعد انسحاب الروس من خيرسون التي تقع بالضفة الغربية لنهر دنيبرو، في ظل تحصن الروس بالنهر العملاق، ولا الغارات الجوية الروسية قادرة على تدمير الجيش الأوكراني الذي أصبح عدده نحو مليون جندي، ولديه شبكة دفاع جوي قوية تحمي الوحدات العسكرية المتحصنة في مواقعها، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للبنى التحتية المدنية الأقل خضوعاً للحماية بحكم انتشارها الواسع.

ولذا لجأت روسيا لاستراتيجية جديدة هي قصف البنية التحتية الأوكرانية خاصة تلك المتعلقة بالطاقة.

فمنذ أكتوبر/تشرين الأول، تواصل روسيا قصف مرافق الطاقة الأوكرانية باستخدام الصواريخ الجوالة شديدة الفاعلية والطائرات المسيرة الانتحارية الإيرانية الرخيصة.

وتعمل القوات الجوية الروسية على مدار الساعة لتدمير قطاع الطاقة الأوكراني، حيث دمرت نحو ثلث قدرة توليد الطاقة الأوكرانية.

جاء قصف مرافق الطاقة الأوكرانية في وقت يطالب فيه قادة غربيون زيلينسكي بالتفاوض

يشعر بعض المسؤولين والنقاد الغربيين بالقلق من أن الاستمرار في توفير الأسلحة لأوكرانيا -بما في ذلك الأسلحة الأكثر تطوراً، كما طلب المسؤولون الأوكرانيون- قد يؤدي إلى تصعيد الحرب إلى أراضي الناتو، مما يزيد من احتمال استخدام الرئيس بوتين للأسلحة النووية والمخاطرة بوقوع صراع مباشر بين الولايات المتحدة.

ومع هذه المخاوف واستمرار أزمة الطاقة في الغرب ولا سيما أوروبا، فإن هناك دعوات متزايدة من قبل بعض القادة الغربيين للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإنهاء الحرب من خلال مفاوضات السلام. 

كما شجع بعض المسؤولين الأمريكيين زيلينسكي وغيره من القادة الأوكرانيين على التعبير علناً عن انفتاح للتفاوض مع روسيا، على الرغم من وجود خلافات بين المسؤولين الأمريكيين حول ما إذا كان الآن هو الوقت المناسب للضغط من أجل مفاوضات جادة.  

ولكن الرئيس الأوكراني يبدو رافضاً لهذه الضغوط الغربية بإعلان وقف إطلاق نار والتفاوض مع الروس، لأنه يخشى أن أي وقف إطلاق نار سيجمد الوضع الحالي، حيث يحتل الروس مساحة ليست بصغيرة من أراضي بلاده، وفقدان الزخم الذي حققه الجيش الأوكراني، ويلوح الأوكرانيون بأن شرطهم للتفاوض انسحاب الروس من بلادهم قبل التفاوض، والعودة لخطوط ما قبل فبراير/شباط 2022، وأحياناً يلوح الأوكرانيون بضرورة الانسحاب حتى من القرم، بل أصدر زيلينسكي مرسوماً يمنع التفاوض مع روسيا ما دام بوتين رئيساً لها.

ومن هنا فإن الروس يحاولون الاستفادة من الرغبة الغربية في المفاوضات لخلق ديناميكية للضغط على أوكرانيا للذهاب لطاولة التفاوض دون شروط مسبقة، وقد يؤدي لوقف إطلاق نار، ومفاوضات لن يكون لها نتيجة في الأغلب لتمسك الطرفين بمطالبهما، وهو ما يعني واقعياً أن روسيا ستحتفظ بالسيطرة على المناطق التي في يديها الآن.

بوتين يقول للمستشار الألماني إن الدعم الغربي هو الذي يمنع كييف من التفاوض

وأجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية لمدة ساعة مع المستشار الألماني أولاف شولتز في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، قال فيها بوتين إن المساعدات المالية والعسكرية الغربية لأوكرانيا تخلق وضعاً ترفض فيه الحكومة الأوكرانية صراحة المحادثات بين موسكو وكييف، ودعا شولتز لإعادة النظر في نهج ألمانيا فيما يتعلق بالتطورات في أوكرانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع Critical Threats

من جانبه، قال شولتز إن أي حل دبلوماسي للصراع في أوكرانيا يجب أن يشمل انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد قال في 1 ديسمبر/كانون الأول إنه مستعد للتحدث مع بوتين إذا كان الرئيس الروسي يبحث عن طريقة لإنهاء الحرب، على الرغم من اعتراف بايدن بأنه ليس لديه خطط فورية للقيام بذلك. 

تمثل الضربات الصاروخية المنسقة ضد البنية التحتية ولا سيما قدرات توليد الطاقة الأوكرانية والوضع الإنساني المترتب عليها أداة موسكو لزيادة الضغط على المسؤولين الأوكرانيين والغربيين، على السواء. 

وقال بوتين في مكالمته مع شولتز إن روسيا لم يكن أمامها خيار سوى شن ضربات صاروخية على أهداف في الأراضي الأوكرانية.  

حرب الصواريخ تستنزف مخزونات الجانبين 

وعلى الرغم من ارتفاع فاعلية قوات الدفاع الجوي الأوكرانية وتقديم الغرب أنظمة دفاعية جوية جديدة مثل نظام نيسآمس الأمريكي النرويجي المستخدم في الدفاع عن البيت الأبيض في إسقاط الصواريخ والطائرات بدون طيار الروسية، إلا أن روسيا لا تزال تشكل تهديداً لشبكة الطاقة الأوكرانية والسكان المدنيين.

صرح نائب رئيس هيئة الأركان العامة الأوكراني العميد أوليكسي هروموف أن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 72% من 239 صاروخ كروز روسي 

و80% من 80 طائرات إيرانية الصنع من طراز شاهد -136 تم إطلاقها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني. 

المتحدث باسم قيادة القوات الجوية الأوكرانية يوري إغنات أيضاً لاحظ أن أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية والغربية كانت "تستنفد" مخزونات الصواريخ الروسية وتجبر الروس على التعويض عن تضاؤل ​​الصواريخ عالية الدقة باستخدام صاروخ قديم مثل Kh-55 المصمم فقط لحمل رؤوس حربية نووية كشراك خداعية.  

ومع ذلك، فعلى الجانب الآخر، فقد اعترف المسؤول الأوكراني بأن استخدام صواريخ Kh-55 جنباً إلى جنب مع الصواريخ والطائرات بدون طيار الأخرى يؤدي أيضاً إلى إضعاف الدفاعات الجوية الأوكرانية.  

6 ملايين أوكراني بلا كهرباء

وأصبح كثير من سكان أوكرانيا المدنيين بمن فيهم الأطفال والمسنون والنساء بدون تدفئة أو ماء ولا كهرباء.

فالنسبة الصغيرة من الضربات الروسية التي تمر عبر الدفاعات الجوية الأوكرانية لها تأثيرات كبيرة على البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا، حيث صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن الضربات الأخيرة تركت ستة ملايين أوكراني بدون كهرباء قبل الشتاء.

وتقول أوكرانيا إن روسيا كثفت هجماتها على أهداف البنية التحتية للطاقة في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد وترك العديد من السكان بدون تدفئة ومياه، مع حلول درجات الحرارة المنخفضة في الشتاء.

واستهدفت الضربات الروسية مدناً مثل دنيبرو، لفيف، جيتومير، كريمنشوكو خميلنيتسكي، زاباروغيا وغيرها، وأثرت الأضرار الفادحة على الوظائف الأساسية للاقتصاد الأوكراني.

واتهم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاولة "تجميد الأوكرانيين وتجويعهم".

وقال بلينكين: "بشأن الشتاء الصعب الذي ينتظرنا. نحن نعرف دليل الرئيس بوتين الجديد في الحرب: تجميد الأوكرانيين وتجويعهم، وإجبارهم على ترك منازلهم، وزيادة تكاليف الطاقة والغذاء والتكاليف المنزلية الأخرى، ليس فقط في جميع أنحاء أوروبا ولكن في جميع أنحاء العالم، ثم محاولة تقسيم تحالفنا".

قصف مرافق الطاقة الأوكرانية
صورة لآثار الحرب الروسية على أوكرانيا، كييف /رويترز

أوكرنرجو، شركة الطاقة الأوكرانية المملوكة للدولة، أشارت يوم الأربعاء إلى أن البلاد تنتج ما يكفي من الكهرباء لتلبية 73% فقط من احتياجات الاستهلاك.

يمثل الرقم تحسناً عما كان عليه قبل أسبوع، عندما تم القضاء على الغالبية العظمى من إمدادات العملاء بعد وابل من الضربات الروسية.

وأعلن بلينكن مؤخراً أن الولايات المتحدة ستقدم 53 مليون دولار لمساعدة أوكرانيا على استعادة شبكة الطاقة الخاصة بها، بعد أن حذرت البلاد من نفاد الإمدادات لإجراء الإصلاحات.

وقال بلينكن يوم الأربعاء: "يعتقد الرئيس بوتين أنه إذا كان بإمكانه رفع التكاليف بشكل كبير بما فيه الكفاية، فسوف يتخلى العالم عن أوكرانيا، وسنتركهم يدبرون أمرهم بأنفسهم". "استراتيجيته لم ولن تنجح. سنواصل إثبات خطئه".

وسيؤثر تدمير الطاقة الكهربائية للاقتصاد المدني على المرافق المدنية الأخرى ومنها إمدادات الماء والتدفئة المركزية، وهو أمر شديد الخطورة في بلد معروف بشتائه القارس البرودة مثل أوكرانيا، والأضرار ستتضاعف في مختلف أرجاء المجتمع.

استراتيجية روسيا تستهدف إطلاق موجة جديدة من اللاجئين الأوكرانيين

كما تهدف استراتيجية روسيا الغرب أيضاً، إذ تسعى في الأساس لتحريك موجة لاجئين أوكرانيين جُدد إلى أوروبا. 

وتسعى موسكو لزيادة التكاليف المالية على أوروبا بسبب دعمها لأوكرانيا.

الأزمة تتفاقم في أوكرانيا

كانت كييف تتمتع تاريخياً بفائض طاقة لكنها بدأت تستورد الطاقة من أوروبا اليوم، فيما تعاني خزائنها من ضائقةٍ شديدة. 

تحتاج أوكرانيا لاقتراض ثلاثة إلى أربعة ملايين دولار شهرياً من صندوق النقد الدولي حتى تدفع فواتير الاستيراد وتتمكن من اجتياز الشتاء.

قد يتضخم المبلغ سريعاً إذا وضعنا التكاليف الأخرى في الاعتبار ومنها الاحتياجات الاجتماعية والبنية التحتية.

طلب زيلينسكي 55 مليار دولار من المانحين الأجانب لتغطية عجز الميزانية بما في ذلك 17 مليار دولار لإصلاح البنية التحتية للطاقة. 

تُعَدُّ هذه الأرقام ضخمةً إجمالاً، وسيواجه المسؤولون الأوروبيون صعوبةً في تبرير التزامهم تجاه أوكرانيا. 

هل تؤدي هذه الاستراتيجية لانصياع أوكرانيا لطلبات روسيا؟

قامت معظم القوى الكبرى في الحروب المعاصرة، بتوسيع عملياتها الجوية، مفترضةً أن قصف المدنيين سيكون مفتاح النصر. وقد ألهمت نظرية القوة الجوية بصورةٍ مباشرة وغير مباشرة حملات قصف المدنيين في الحربين العالميتين وما بعدهما من صراعات.

ولكن يقول تقرير لمركز أسباب، ولكن  لم يسبق في التاريخ أن احتج شعبٌ ضد حكومته وطالب الحكومة بالسعي إلى السلام تحت ضغوط القصف من دولةٍ معادية. بل على العكس، ففي جميع حالات قصف المدنيين تقريباً يصبح الشعب المستهدف أكثر عزماً على الهجوم المضاد، ويعتبر الأضرار الجانبية بمثابة ثمنٍ يُدفع مقابل السيادة والاستقلال.

ويقول الموقع إنه يمكن وصف قصف المدنيين بأنه استراتيجية مصيرها الفشل وفشلها شبه مضمون، لأنها تقوي عزيمة المجتمع المستهدف. وبالتالي، لن يختلف الحال مع الاستراتيجية الجوية الروسية الجديدة التي تهدف لتدمير إمدادات الطاقة الأوكرانية قبيل الشتاء.

ويقدم التاريخ الكثير من الأمثلة حول فشل هذه الاستراتيجة أو أن الأمر يحتاج لسنوات طويلة لكي تأتي بعض الآثار، وفي الحرب العالمية الثانية، لم تستسلم اليابان وألمانيا بسبب قصف الحلفاء المدمر والذي محا مدناً بأكملها.

فلم تستسلم طوكيو إلا بعد قصف هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين نوويتين أمريكيتين، وظل الجيش الألماني يقاوم بعد دخول الحلفاء لداخل البلاد، وتعرض أغلب قواته وبناه التحتية للتدمير.

رفض الإيرانيون لسنوات التفاوض مع صدام حسين، رغم معاناتهم أكثر من العراق من حرب مدن مدمرة تبادل فيها الجانبان إطلاق الصواريخ، ولكن بغداد استخدمتها بشكل أكثف، كما أنها استخدمت الأسلحة الكيماوية بشكل واسع، مما أدى في النهاية إلى اضطرار زعيم الثورة الإيرانية آيه الله الخوميني للموافقة على وقف إطلاق النار.

ما موقف الشعب الأوكراني من القصف الروسي؟  

قيمت وزارة الدفاع البريطانية أن استراتيجية روسيا لتدمير الأهداف بالغة الأهمية (SODCIT) ليست فعالة كما كانت في المراحل الأولى من الحرب، نظراً لأن الأوكرانيين حشدوا المجتمع بنجاح. 

أجرى معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع استطلاعاً وطنياً كشف أن 86% على الأقل من المشاركين يؤيدون استمرار الهجوم الأوكراني المضاد، أي لا يوجد ما يبرر افتراض أن القصف الروسي، سواء للأهداف المدنية أو بنية الطاقة التحتية سيقنع الأوكرانيين.

ويرى معهد دراسات الحرب الأمريكي أنه  من غير المرجح أن يؤدي قصف مرافق الطاقة الأوكرانية من قبل روسيا الحيوية إلى كسر إرادة الأوكرانيين.

من المرجح أن تستمر روسيا في استهداف البنية التحتية الحيوية الأوكرانية على الأقل ما دامت أسلحة روسية كافية لتحقيق التأثيرات.

ولكن أنظمة الدفاع الجوي الإضافية المقدمة من الغرب، تثير شكوكاً حول مدى قدرة روسيا في الاستمرار في حملة القصف الصاروخية هذه.

وأشار العديد من المدونين الروس البارزين إلى أن "بناء" أنظمة الدفاع الجوي الغربية في أوكرانيا يعقد قدرة روسيا على شن ضربات صاروخية على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية وطالبوا الكرملين بتسريع حملته الصاروخية.  

هل تشجع هذه الضربات أمريكا على منح أوكرانيا صواريخ باتريوت؟

يقول تقرير Critical Threats إن التقييمات العسكرية تفيد بأن الضربات الصاروخية الروسية الحالية سيكون لها تأثير ضئيل على الخطوط الأمامية. 

هذا القلق بين المراقبين الروس يسلط الضوء على ضعف حملة الصواريخ الروسية إذا استمر الغرب في تعزيز قدرات أوكرانيا الدفاعية الجوية والصاروخية، خاصة أن استمرار توالي الصواريخ الروسية على أوكرانيا، وصمود الأخيرة، مفيد للولايات والناتو، لأنه سيمثل استنزافاً رخيص التكلفة لترسانة الصواريخ الروسية الهائلة.

تطالب بعض مراكز الأبحاث الغربية مثل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية csis، الولايات المتحدة بالاستعداد لنزاع طويل الأمد.

وبدلاً من أن تؤدي حملة قصف مرافق الطاقة الأوكرانية إلى استسلام كييف، فقد تكون مبرراً وحافزاً للغرب لتزويدها بأنظمة دفاعية أكثر تطوراً مثل نظام باتريوت الذي حقق نجاحاً كبيراً في التصدي للصواريخ ذات التصميمات السوفييتية التي أطلقها العراق على السعودية وإسرائيل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية.

تحميل المزيد