تثير ظاهرة سقوط الطائرات الروسية دون قتال اهتمام المراقبين العسكريين وسط تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة وتفاقمها مؤخراً.
وتحطمت 6 طائرات عسكرية روسية على الأقل منذ سبتمبر/أيلول بسبب أعطال داخلية على ما يبدو، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
وقد تتفاوت أسباب حدوث هذه الأعطال في الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الروسية، لكن النظر في حوادث التحطم البارزة خلال المدة الماضية وتاريخ تحطم الطائرات في الجيش الروسي قد يكشف لنا أموراً أخرى، كذلك فإن وقوع هذه الحوادث في غمار الحرب الأوكرانية الروسية المستمرة يمكن أن يكشف عن بعض طبيعة التحديات التي تواجه عمل القوات الجوية الروسية.
أبرز حوادث تحطم وسقوط الطائرات الروسية
كانت أربع طائرات من الطائرات الروسية التي تحطمت خلال المدة الماضية طائرات مقاتلة استخدمتها روسيا في الحرب الجارية على أوكرانيا. وشملت هذه الطائرات طرازات قديمة، مثل الطائرة الاعتراضية "ميكويان ميج 31" MIG-31 وطائرة الهجوم الأرضي "سوخوي سو 25" Su-25، وهي طائرات يُتوقع أن تلحق بها الأعطال الميكانيكية بها بسبب تقادمها.
ومع ذلك، فإن إحدى حوادث التحطم الجديرة بالملاحظة هي تلك الحادثة التي اصطدمت فيها طائرة قاذفة مقاتلة من طراز "سو 34" بمبنى سكني في مدينة ييسك الروسية، لتنفجر ويُسفر الانفجار عن مقتل 15 شخصاً.
وتزيد أهمية هذه الحادثة على غيرها في كون الطائرة المحطمة لم تكن طائرة مقاتلة قديمة مثل "سو 25″، بل هي طائرة حديثة لم تدخل الخدمة رسمياً مع القوات الجوية الروسية إلا في عام 2014.
وتحطمت طائرات أخرى لم تُستخدم في أي مواقع قتال بالقرب من أوكرانيا، ومن أبرزها الطائرة الحربية من طراز "سو 30" التي اصطدمت بمنزل في مدينة إيركوتسك بإقليم سيبيريا الروسي، وتحطمت هناك.
لماذا يحدث ذلك للطائرات الروسية؟
حاول بعض المراقبين تعليل الزيادة في الطائرات الروسية المحطمة بالحرب الجارية في أوكرانيا، لكن ذلك لا يفسر تحطم بعض هذه الطائرات بعيداً عن خطوط القتال.
وقد أرجعت روسيا حادثة تحطم الطائرة "سو 34" في ييسك إلى تسرب وقود بالطائرة، وأشار آخرون عند وقوعها إلى احتمال أن تكون الذخيرة التي كانت الطائرة تحملها قد انفجرت أثناء الرحلة.
استقصى خبراء آخرون هذا الحادث بالخصوص، وخلص معظمهم إلى أن محرك الطائرة أصابه عطل تسبب في اشتعال خزان الوقود. وقال أندريس غانون، أحد هؤلاء الخبراء وباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، لشبكة BBC إن مقاطع فيديو تحطم الطائرة يظهر فيها وميض أول يشير إلى اشتعال خزان الوقود، ووميض ثانٍ عند خروج الطيارين من الطائرة.
مع ذلك، فإن مايكل بونرت، المهندس بمؤسسة راند الأمريكية، يتحدث عن رأي آخر في حوادث تحطم الطائرات الروسية، ويستبعد فيه وقوع هذه الحوادث لنقص تعانيه روسيا في الشركات المصنِّعة التي تنتج من الباطن لمصلحة أطراف ثالثة، أو لنقص في عمال الصيانة المهرة.
قد يكون هناك مشكلة في الصيانة بسبب العقوبات الغربية
ويرجِّح بونرت أن يكون السبب هو العقوبات الشاملة التي فرضها الغرب على روسيا، وما أعقبها من صعوبات جمة تواجهها القوات الروسية في الحصول على الأدوات والمواد اللازمة للإصلاح والصيانة.
وكانت تقارير كثيرة صادرة عن دول غربية والمخابرات الأوكرانية قد أشارت إلى أن العقوبات الغربية قيَّدت بشدة قدرات التصنيع الروسية، وقطعت كثيراً من خطوط إمداد الدبابات والصواريخ الروسية بالمعدات وقطع الغيار.
لروسيا تاريخ طويل في حوادث الطائرات خاصة في أوقات الأزمات
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن روسيا لديها تاريخ طويل من حوادث تحطم الطائرات العسكرية. فإذا عُدنا إلى صيف 2015، على سبيل المثال، نجد أن الطائرات الروسية تعرضت لمجموعة بارزة من حوادث الطائرات، وقعت 5 حوادث منها في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز فقط. والشيء بالشيء يذكر أن هذه الحوادث وقعت أيضاً خلال الأزمة العسكرية السابقة مع أوكرانيا. وزُعم آنذاك أن الإفراط في الاستخدام هو السبب في تكرار هذه الحوادث.
وفي ذلك الوقت، نقل موقع Defense News، المتخصص في الأخبار العسكرية، عن مصدر روسي مجهول، قوله إن السبب في وقوع هذه الحوادث هو الافتقار إلى الطيارين المؤهلين، والإفراط في استخدام الطائرات القديمة.
ومع ذلك، فإن تقادم المعدات ليس المشكلة الوحيدة حالياً، فهذا أمر شائع بين كثير من الجيوش، وإنما السبب بحسب ما قال ريتشارد أبولافيا، المحلل في مجموعة Teal Group، لموقع Defense News، إن روسيا لم تتمكن يوماً من تأمين الترسانة القوية اللازمة لصيانة معداتها.
غير أن خبراء آخرين تمسكوا بأن السبب في الأمر هو استخدام روسيا المفرط لهذه الطائرات في الصراع مع أوكرانيا. وقد نقل موقع Defense News عن بول شوارتز، الباحث الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إشارته إلى أن "هناك ارتباطاً واضحاً بين تزايد وتيرة العمليات العسكرية التي شاركت فيها هذه الطائرات على مدار العام ونصف العام الماضيين من جهة، وتزايد عدد حوادث الطائرات من الجهة الأخرى".
وقال شوارتز إن روسيا استخدمت طائراتها العسكرية بكثافة في مدة زمنية قصيرة، والواضح أن ذلك الأمر أدى إلى زيادة حوادث تحطم الطائرات.
لا يُعرف على وجه التحديد وتيرة استخدام روسيا للطائرات حالياً لقياسها إلى وتيرة الاستخدام التي أسفرت عن زيادة حوادث الطائرات في 2015، لكن لما كان الصراع العسكري المستمر في أوكرانيا أشد وطأة من اضطرابات 2015، فالأقرب إلى التوقع أن تكون الوتيرة الحالية أعلى من سابقتها، وقد يكون ذلك سبباً أساسياً في استمرار حوادث تحطم الطائرات الروسية.