البقاء للأرخص وليس الأقوى، يبدو أن هذا شعار الجيش الأمريكي فبعض من أفضل الطائرات التي عرفها العالم عبر تاريخه قابعة في الحظائر يأكلها الصدأ، أو على وشك تكون كذلك، بينما هناك طائرات قديمة وشبه متخلفة هندسياً، تحظى بتدليل القوات الجوية الأمريكية، حيث يبدو أن تكاليف تشغيل الطائرات هي المعيار الرئيسي لتقييمها أكثر من قوتها.
وكشف تقريرٌ جديد لمكتب محاسبة الحكومة الأمريكية عن تفاصيل تكاليف تشغيل الطائرات وخاصة تكاليف التحليق في 47 طائرة مختلفة مملوكة للقوات الجوية، والبحرية، ومشاة البحرية، والجيش الأمريكي، والتي أظهرت تبايناً واضحاً في تكلفة تشغيل الطائرات الأمريكية المختلفة.
ويمكن القول إن التطوير في أي طائرة يزيد من تكلفة التحليق بها بشكلٍ عام، كما يلعب عمر الطائرة دوراً في المعادلة أيضاً، حسبما مجلة Popular Mechanics الأمريكية.
ما المقصود بمفهوم تكاليف تشغيل الطائرات؟
سعر شراء المقاتلة، أو قاذفة القنابل، أو المروحية ليس سوى البداية فقط في الأموال المخصصة لها؛ بل ويمكن القول إن سعر الشراء يساوي 30% فقط من إجمالي تكلفة الطائرة.
وقد حلّق بعض الطيارين الأمريكيين في رحلات جوية كلّفت دافعي الضرائب عشرات الملايين من الدولارات على مدار فترة خدمتهم؛ إذ يُحلّق طيار المقاتلة إف-35 لـ800 ساعة تقريباً داخل قمرة القيادة في المتوسط، ليكلف دافعي الضرائب أكثر من 32 مليون دولار.
وقد نشر مكتب محاسبة الحكومة وهو وكالة تقدم المعلومات للكونغرس، مؤخراً تقرير استدامة أنظمة الأسلحة عن تكاليف تشغيل الطائرات العسكرية الأمريكية ومدى توافرها.
ويُعرِّف مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية تكاليف تشغيل الطائرات بأنها تمثل "قطع الغيار، والصيانة الميدانية أو في الورشة، وخدمات العقود، والدعم الهندسي، والأفراد" بالإضافة إلى "أشياء أخرى".
ويصعب رصد تكاليف تشغيل الطائرات بدقة أحياناً؛ لأن الوكالات الحكومية، والمحللين، والمقاولين الدفاعيين يقدمون أرقاماً متباينة لهذه التكلفة بناءً على معاييرهم المختلفة. بينما يستخدم مكتب محاسبة الحكومة المعايير الثابتة نفسها، مما يجعل تقاريره مفيدةً في المقارنة بين مختلف أنواع الطائرات في الخدمة خلال فترةٍ معينة.
وإليكم تكاليف التشغيل والتحليق بمختلف الطائرات العسكرية الأمريكية لكل ساعة تحليق.
الـ"إف 16″ ملكة المقاتلات الرخيصة
- إيه-10 ثاندر بولت: 22,531 دولاراً/ساعة
- إف-16 فايتينغ فالكون: 26,927 دولاراً/ساعة
- إف/إيه-18إي/إف سوبر هورنت: 30,404 دولارات/ساعة
- إف-22 رابتور: 85,325 دولاراً/ساعة
- إف-35 جوينت سترايك فايتر: 41,986 دولاراً/ساعة
تكاليف تحليق الطائرات الأمريكية تتفاوت بشدة كما يظهر، حيث إن قاذفة الهجوم الأرضي إيه-10 ثاندر بولت هي الأرخص بين الطائرات المسلحة ثابتة الجناحين في كامل أسطول البنتاغون. ولا تتجاوز التكلفة 22,531 دولاراً/ساعة. وتُعتبر هذه المقاتلة من الطائرات القديمة، حيث بُنِيَت غالبية نماذجها الموجودة اليوم في الثمانينيات. وربما يُعتبر إصلاح الطائرات القديمة أكثر تكلفة، لكن هذه المقاتلة تُعَدُّ غير معقدةٍ نسبياً بمعايير اليوم. كما توجد أعداد كبيرة من طائرات إيه-10 التي خرجت من الخدمة، وتقف حالياً في "مقبرة الطائرات" بولاية أريزونا الجافة والمشمسة، ويمكن تفكيكها للحصول على قطع غيار مجانية.
وقد يكون ذلك هو سبب إصرار الكونغرس الأمريكي على إبقاء إيه-10 في الخدمة رغم الشكوك حول قدرتها على النجاة في بيئة عدوانية حديثة، بالنظر لبطء سرعتها وطيرانها المنخفض نسبياً وعدم قدرتها على المناورة.
وهناك نوعان أساسيان من مقاتلات متعددة المهام التي تعتمد عليها القوات الجوية والبحرية بنسبةٍ كبيرة، وكلاهما ميسور التكلفة نسبياً. إذ تصل تكلفة تشغيل المقاتلة إف-16 فايتينغ فالكون متعددة المهام إلى 26,927 دولاراً/ساعة، وذلك لأسباب تشبه مقاتلات إيه-10. كما تصل تكلفة تشغيل المقاتلة إف/إيه-18إي/إف سوبر هورنت إلى 30,404 دولارات/ساعة، وهي تكلفة معقولة نسبياً أيضاً.
ساعة تحليق بالإف 22 تبدد دخل أسرة أمريكية لمدة عام وأكثر منه قليلاً
لكن النبأ غير السار يرتبط بالمقاتلة إف-22 رابتور، أول مقاتلة شبحية من الجيل الخامس في العالم والمقاتلة الأفضل في العالم الآن إن جاز التعبير. إذ تصل تكلفة تشغيلها إلى 85,325 دولاراً/ساعة، أي ما يعادل إجمالي التزامات ضريبة الدخل الفيدرالية لـ14 أسرة أمريكية تجني دخلاً متوسطاً يعادل 70,784 دولاراً سنوياً… لمجرد التحليق بإف-22 واحدة لمدة ساعة واحدة أي أن ساعة طيران واحدة من الإف 22 تزيد تكلفتها عن متوسط دخل أسرة أمريكية في عام واحد بنحو الربع.
ولا شك أن تكاليف التشغيل المرتفعة تمثل الثمن المدفوع في مقابل صيانة قدرات الإف 22 المتطورة والرائدة، بما في ذلك تقنية التخفي من أنظمة الرادار ومحركاتها عالية الأداء من طراز إف-119.
بينما تصل تكلفة تشغيل المقاتلة إف-35 من برنامج جوينت سترايك فايتر إلى 41,986 دولاراً/ساعة. وتنطبق هذه التكلفة على جميع نسخ هذه المقاتلة بما في ذلك إف-35 إيه للقوات الجوية، وإف-35 بي لمشاة البحرية، وإف-35 سي للبحرية ومشاة البحرية.
ويعاني سلاح الجو أزمةً تتعلق بالتخلص من مقاتلات إف-16 التي يتكلف تشغيلها 26,927 دولاراً/ساعة، واستبدالها بمقاتلةٍ ذات تكلفة أكبر بمقدار 25%، مما يعني زيادة التكلفة الإجمالية بصورةٍ دائمة. ويمثل الأمر مشكلةً لأن مقاتلات إف-35 وعدت في الأساس بأن تكون تكلفة تشغيلها مساويةً لمقاتلات إف-16. وأصبحت القوات الجوية مضطرةً اليوم لشراء عددٍ أقل من مقاتلات إف-35 مع العودة لإنتاج مزيد من مقاتلات الجيل الرابع الأرخص، أو اكتشاف سبيلٍ آخر للحصول على ميزانيةٍ سنويةٍ أكبر.
قاذفات القنابل.. بي 52 قد تمتد فترة خدمتها لقرن كامل بسبب تكلفة تشغيلها
- بي-52 إتش ستراتوفورتريس: 88,354 دولاراً/ساعة
- بي 2 سبيريت: 150,741 دولاراً/ساعة
- بي-1 بي لانسر: 173,014 دولاراً/ساعة
قد يظن المرء أن تكلفة التحليق بقاذفة القنابل بي-52 إتش ستراتوفورتريس، التي يبلغ عمرها 67 عاماً، ستكون باهظةً للغاية. لكن مكتب محاسبة الحكومة أوضح أنها لا تكلف سوى 88,354 دولاراً/ساعة فقط. ولا شك أن هذا الرقم يمثل صفقةً بالنسبة لطائرة تحتوي على ثمانية محركات قديمة، وطاقم من خمس أفراد، مع القدرة على حمل الأسلحة النووية والتقليدية على حد سواء.
وتستطيع قاذفة القنابل هذه حمل ما يصل إلى 12 صاروخ مواجهة مشتركة من الجو إلى الأرض (إيه جي إم-158). أما القاذفة الشبحية الأحدث بي 2 سبيريت، التي يرجع تاريخها إلى حقبة الثمانينيات أيضاً، فتبلغ تكلفة التحليق بها 150,741 دولاراً/ساعة. بينما تصل تكلفة التحليق للقاذفة بي-1 بي لانسر ب الأقدم من بي 2 والأحدث من بي 52، إلى 173,014 دولاراً/ساعة، وهو الرقم الأغلى على قائمة القاذفات نظراً لصعوبة صيانتها.
وقد يكون خليط من تكاليف تحليق الطيران المنخفضة والقدرات المدمرة التي لا تختلف عن القاذفات الأحدث، هي السبب في أن القاذفة بي 52 التي، دخلت الخدمة عام 1955، يعتقد الجيش الأمريكي أنها ستظل صالحة للطيران حتى عام 2025 وربما لفترة أطول حتى 2040 أو للعقد الخامس من القرن الحادي والعشرين، أي قد تستمر في التحليق والقصف لـ100عام أو قرن ينقص أو يزيد قليلاً.
المروحيات: لغز الأباتشي الأقوى والأثقل والأقل تكلفة
- إيه إتش-64 أباتشي: 5,171 دولاراً/ساعة
- يو إتش-60 بلاك هوك: 3,116 دولاراً/ساعة
- إم إتش-60 سي هوك: 14,555 دولاراً/ساعة
- إيه إتش-1 زد فايبر: 20,642 دولاراً/ساعة
يحتوي أسطول الجيش الأمريكي الذي يضم آلاف المروحيات على مجموعة متنوعة من الطائرات. إذ تصل تكلفة تشغيل المروحية الهجومية قاتلة الدبابات إيه إتش-64 أباتشي إلى 5,171 دولاراً/ساعة. بينما تصل التكلفة إلى 3,116 دولاراً/ساعة مع المروحية يو إتش-60 بلاك هوك، التي تستطيع نقل 12 جندياً إلى أرض المعركة. أما نسخة البحرية إم إتش-60 سي هوك، فتصل تكلفة تشغيلها إلى 14,555 دولاراً/ساعة. ولا نعلم السبب الذي يجعل تكلفة تشغيل نسخة البحرية أكبر بخمسة أضعاف، لكن نسخة سي هوك تحمل معدات تسمح لها بتنفيذ مجموعة أكبر من المهام المعقدة. وتشمل تلك المهام اصطياد الغواصات، وأسلحة الحرب المضادة للسفن السطحية، وأسلحة الحرب الكهرومغناطيسية.
لكن هذه المقارنة تعتبر بسيطةً عند النظر إلى مروحية مشاة البحرية الأمريكية إيه إتش-1 زد فايبر. إذ تصل تكلفة تشغيلها إلى 20,642 دولاراً/ساعة، أي ما يعادل نحو أربعة أضعاف تكلفة تشغيل مروحية أباتشي المدججة بأسلحةٍ أكثر. ولا نعلم السبب الذي يجعل تكلفة تشغيل مروحية تحلق فوق الماء أكبر بأربعة أو خمسة أضعاف من المروحية التي تحلق فوق الأرض في الأساس.
إيه إتش-1 زد فايبر تعتبر مروحية متوسطة أخف بكثير من الأباتشي التي تعد مروحية ثقيلة، ولذا فهي أكثر ديناميكية ومزودة مراوح حديثة ومحركات متطورة وهذا يجعلها أسرع وأكثر قدرة على المناورة من الأباتشي الأثقل، ولكن الأباتشي حمولتها من الذخائر أكبر وأقوى وهيكلها أكثر قدرة على الصمود أمام الهجمات، حسبما ورد في تقرير لموقع the Aviation Geek Club.
قوات مشاة البحرية الأمريكية تستخدم المروحية إيه إتش-1 زد فايبر، حيث توفر مزيجاً جيداً من القوة النارية ومرونة الحركة (مثل سهولة النقل والدعم اللوجستي بالإضافة إلى خصائص الطيران)، بينما يفضل الجيش الأمريكية الأباتشي.
تكاليف تشغيل الطائرات المخصصة للاستطلاع والتجسس هي الأعلى
- إي-3 سينتري: 66,126 دولاراً/ساعة
- أرسي-135: 95,339 دولاراً/ساعة
- إي-4 بي: 372,496 دولاراً/ساعة
عادةً ما تكون الطائرات العسكرية المتخصصة باهظة الثمن للغاية. ولنأخذ على سبيل المثال الطائرة إي-3 سينتري التي تُعتبر بمثابة نظام رادار طائر ومركز قيادة متقدمة محمولة جواً، وتصل تكلفة تشغيلها إلى 66,126 دولاراً/ساعة. بينما صُمِّمَ الأسطول الصغير من طائرات الاستطلاع أرسي-135 على نفس قاعدة الطائرة النفاثة بوينغ 707، وغرضها هو جمع المعلومات الاستخباراتية، بينما تصل تكلف تشغيلها إلى 95,339 دولاراً/ساعة. وتمتلك الولايات المتحدة أسطولاً ضئيلاً من أربع طائرات إي-4 بي، المعدلة من طراز بوينغ 747-200، وتبلغ تكلفة تشغيل الواحدة منها 372,496 دولاراً/ساعة أو 103 دولارات/ثانية.
كيف أدت تكاليف التشغيل لتقاعد طائرات شهيرة وتهدد أقوى مقاتلة في العالم ذات المصير؟
تكلفة الطائرة المرتفعة قد تكون سبباً لإنهاء خدمتها أو وقف إنتاجها حتى لو كانت طائرة رائعة.
ويظهر هذا في طائرة البحرية الأمريكية الشهيرة إف 14 التي استخدمها الإيرانيون بكثافة في مواجهة الأسطول الجوي العراقي المتفوق.
كانت هذه الطائرة أسرع وأطول مدى من طائرة البحرية الأحدث إف 18، كما كان لديها رادار لا يضاهي في ذلك الوقت، ولكن كان أحد أسباب إحالتها الإف 14 للتقاعد تكلفة تشغيلها العالية.
وينطبق ذلك على الطائرة إف 22، التي تقول القوات الجوية الأمريكية إنها تتفوق على كل الطائرات الشبحية الموجودة والمستقبلية، سواء الصينية أو الروسية وحتى الأمريكية F-35،
فالطائرة F-22 المعروفة باسم رابتور عنصر حاسم في القوة الجوية التكتيكية الأمريكية، بفضل مزيجها من التخفي والأداء الديناميكي الهوائي والقدرة على المناورة وأنظمة إلكترونيات الطيران التي تتيح قدرات قتالية جوية غير مسبوقة.
فهي أول طائرة تجمع بين التجوال الخارق (الطيران أسرع من الصوت دون استخدام الحارق اللاحق)، والقدرة الفائقة على المناورة، والتخفي، ودمج أجهزة الاستشعار في منصة أسلحة واحدة.
ولكن رغم ذلك اكتفت أمريكا بإنتاج 187 نسخة منها فقط، نزولاً من خطط أولية لإنتاج 750 نسخة منها.
ودخلت الطائرة الخدمة عام 2005، وتم تسليم آخر طائرة من طراز F-22 في عام 2012، وهي فترة قصيرة للإنتاج بالمعيار الأمريكي.
وكان السبب في هذا القرار، ارتفاع تكلفة الطائرة ومشكلات الصيانة الكثيرة التي تعاني منها، والتي لم تجعلها فقط باهظة، ولكنها أدت لمشكلات صحية للطيارين، كما قللت المدة التي كانت فيها متاحة للعمل حتى سماها البعض ملكة الحظائر المتآكلة، ويضع الجيش الأمريكي خططاً لإيجاد بديل لها.
وأصبحت هذه التجربة درساً للقوات الجوية الأمريكية، بضرورة أن يراعي تطوير أي طائرة أو سلاح عامة مسألة تكلفة التشغيل، وهذا ما وضع في الاعتبار في مشروع تصميم وإنتاج الإف 35 الذي يعد أكبر مشروع عسكري في التاريخ، ولكن عانت الطائرة من نفس المشكلة، إذ يبدو واضحاً أن الجمع بين التقدم التكنولوجي والتكلفة المنخفضة أمر ليس سهل المنال.