أب وابنته يمشيان يداً بيد بالقرب من سلاح دمار شامل. كان هذا هو المشهد الذي أظهرته كوريا الشمالية للعالم، يوم السبت 19 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصور الأولى لكيم جونغ أون مع ابنته جو آي، وهو يتفقد ما يقول الخبراء إنه صاروخ باليستي عابر للقارات. لكن لماذا قد يفعل ذلك؟
ابنة كيم تجذب اهتمام العالم
قالت كوريا الشمالية إنَّ الصاروخ الذي أُطلِق، يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، من مطار بيونغ يانغ الدولي كان من طراز "هواسونغ -17″، وهو صاروخ ضخم يمكنه نظرياً إيصال رأس نووي إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة.
لكن حتى بعدما حذّر كيم من أنَّ قواته النووية مستعدة للدخول في "حرب فعلية" مع واشنطن وحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان، كانت الفتاة، وليس الصاروخ، هي التي جذبت انتباه العالم.
ماذا يعني حضورها عند الإطلاق؟ هل يمكن أن تكون خليفة محتملاً لكيم؟ ما علاقة فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات تقريباً بالأسلحة النووية؟
قال ليف-إيريك إيزلي، الأستاذ المساعد للدراسات الدولية في جامعة Ewha Womans في عاصمة كوريا الجنوبية، سول، إنَّ حضور الفتاة يجب أن يُنظَر إليه من خلال عدسة محلية.
وأضاف إيزلي لشبكة CNN الأمريكية: "خارج كوريا الشمالية، قد يبدو من المشين أن تقف أمام الكاميرات جنباً إلى جنب مع طفل أمام صاروخ بعيد المدى مُصمَّم لإيصال سلاح نووي إلى مدينة بعيدة".
وأردف: "لكن داخل كوريا الشمالية، فإنَّ الإطلاق الناجح المزعوم لأكبر صاروخ باليستي عابر للقارات من منصة متحركة في العالم هو سبب للاحتفال الوطني".
كما أشار يانغ مو جين، رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية في كوريا الجنوبية، إلى محاولات الاستمالة المحلية في صور ابنة كيم. وقال لمحطة Global News الكندية: "من خلال استعراض بعض الوقت الجيد مع ابنته، بدا أنه (كيم) أراد إظهار عائلته في صورة العائلة الجيدة والمستقرة، وإظهار نفسه في صورة الزعيم للأشخاص العاديين". وأضاف أنَّ الصور أظهرت الفتاة باعتبارها عضواً رئيسياً في سلالة كيم.
هل يمكن أن تحكم ابنة كيم بعد والدها؟
خضعت كوريا الشمالية لحكم الدكتاتورية المتوارثة منذ تأسيسها عام 1948 على يد كيم إيل سونغ. وتولى ابنه، كيم جونغ إيل، المنصب بعد وفاة والده في عام 1994. ثم تولى كيم جونغ أون السلطة بعد 17 عاماً عندما توفي كيم جونغ إيل.
لكن أي تغيير على المدى القريب في القيادة الكورية الشمالية مستبعد إلى حد كبير. يبلغ كيم جونغ أون من العمر 38 عاماً. وحتى إذا كانت هناك مشكلة غير متوقعة ستودي بحياته، فمن المحتمل أنَّ ابنته جو آي لا تزال على بعد عقد أو أكثر على الأقل من القدرة على استبدال والدها على قمة دولة كوريا الشمالية.
قال أنكيت باندا، الزميل الأول في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "لست متأكداً حقاً من الآثار المترتبة على تقديم ابنته على مسألة الخلافة".
وأضاف: "من ناحية، لا يمكن الاستخفاف بكشف أي زعيم كوري شمالي عن طفل علناً، لكنها دون السن القانونية، ولم يكن دورها في الاختبارات الصاروخية محل جذب من وسائل الإعلام الحكومية".
فيديو الصاروخ يحمل دلالات
أشار باندا إلى أنَّ الفيديو الذي نشرته كوريا الشمالية لإطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات، يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، قد يكون أكثر قيمة للاستخبارات الغربية من أي شيء يمكنها استنباطه من وجود ابنة كيم.
وأوضح باندا: "لدى الولايات المتحدة مصادر وأساليب متطورة ستمنحها نظرة ثاقبة على صواريخ كوريا الشمالية، لكن الفيديو قد يكون مفيداً لبناء نموذج أكثر اكتمالاً لأداء الصاروخ". وتابع: "في الماضي، استخدم المحللون مقاطع فيديو لاستنتاج تسارع الصاروخ عند الإطلاق، وهو ما يمكن أن يساعدنا في تحديد أدائه العام".
ووفقاً لباندا، كانت هذه هي المرة الثالثة فقط التي تنشر فيها بيونغ يانغ مقطع فيديو لإطلاق صاروخ منذ عام 2017. وقال: "اعتاد الكوريون الشماليون أن يكونوا أكثر شفافية إلى حد كبير قبل عام 2017، عندما كان همهم الأساسي هو مصداقية رادعهم النووي".
في حين أظهر اختبار، يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أنَّ بيونغ يانغ يمكنها إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات كبير الحجم وإبقاؤه عالياً لأكثر من ساعة، إلا أنَّ كوريا الشمالية لم تظهر بعد القدرة على وضع رأس حربي فوق صاروخ باليستي طويل المدى -وهي مقذوفات تُطلَق في الفضاء- وقادرة على النجاة من العودة النارية إلى الغلاف الجوي للأرض قبل أن تصيب هدفها.
لكن المحللين يقولون إنَّ الكوريين الشماليين يعملون على تكرير عملياتهم من خلال اختباراتهم المتكررة. فقد فشل صاروخ يُعتقَد أنه صاروخ Hwasong-17 ICBM الذي خضع للاختبار في وقت سابق من هذا الشهر في المراحل الأولى من رحلته.
قال هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين: "تشير حقيقة عدم انفجار (الصاروخ المُختبَر، الجمعة) إلى أنهم أحرزوا تقدماً في إصلاح المشكلات الفنية التي ميزت الاختبارات السابقة".
ما يأتي بعد ذلك من كوريا الشمالية متروك للتخمينات
خلال معظم هذا العام، توقع محللون غربيون ومصادر استخباراتية أنَّ كوريا الشمالية ستختبر سلاحاً نووياً، إذ تُظهِر صور الأقمار الصناعية نشاطاً في موقع التجارب النووية. ومثل هذا الاختبار سيكون الأول لبيونغ يانغ منذ 5 سنوات.
لكن يانغ، رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية، أخبر Global News أنَّ تجربة يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، ربما هدأت من الحاجة الملحة لإجراء تجربة نووية، على الأقل في الوقت الحالي.
وقال: "احتمال إجراء سابع تجربة نووية لكوريا الشمالية في نوفمبر/تشرين الثاني يبدو منخفضاً بعض الشيء الآن".
لكنه أشار إلى أنَّ اختباراً آخر للصواريخ البالستية العابرة للقارات يمكن أن يكون رد بيونغ يانغ إذا استمرت الولايات المتحدة في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وتوسيع التدريبات مع كوريا الجنوبية واليابان.