لم يمر يوم تقريباً منذ فازت قطر بتنظيم كأس العالم 2022 إلا وكانت الدولة الخليجية هدفاً لهجوم مصدره الغرب، هدفه التشويه والتشكيك، لكن مع اقتراب بداية المونديال أصبح الانبهار سيد الموقف، وتوالت الشهادات من الغرب نفسه.
وعندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السادسة مساء بتوقيت قطر (الثالثة بتوقيت غرينتش)، يوم الأحد 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تنطلق صافرة البداية لمباراة افتتاح المونديال بين منتخبي الدولة المضيفة والإكوادور (أحد ممثلي قارة أمريكا الجنوبية)، لينطلق مشوار 32 منتخباً تمثل قارات العالم الست، في أكبر تظاهرة كروية يتابعها عشاق الساحرة المستديرة في أركان المعمورة.
لكن ما بين ذلك اليوم الذي فازت فيه قطر بتنظيم كأس العالم، 2 ديسمبر/كانون الأول 2010، وحتى صافرة البداية للمباراة الافتتاحية للنسخة 22 من المونديال، تعرضت الدولة الخليجية لحملات من التشكيك والهجوم من الغرب، اعتبرتها الدوحة تحدياً، وواصل القائمون على التنظيم الليل بالنهار ليرتقوا فوق مستوى التحديات، بغض النظر عن النوايا.
دفاعاً عن قطر
وقبل ساعات من الحفل الافتتاحي لكأس العالم قطر 2022، نشرت صحيفة The Economist البريطانية مقالاً بعنوان "دفاعاً عن استضافة قطر لكأس العالم"، وصفت فيه استضافة الدولة الخليجية بأنها "مستحقة أكثر بكثير من مستضيفين آخرين لأحداث رياضية كبيرة في الآونة الأخيرة".
مقال الصحيفة البريطانية فند المزاعم الغربية تجاه استضافة قطر للمونديال، والتي تركزت حول عدد من الملفات، منها حقوق العمال المهاجرين، الذين أسهموا في تشييد استادات البطولة، ومعاملة مجتمع المثليين في الدولة المسلمة، فالبطولة تقام لأول مرة في دولة مسلمة عربية، والملف الثالث يتعلق بالديمقراطية.
وعقدت الصحيفة مقارنة بين روسيا، التي استضافت النسخة الماضية من كأس العالم عام 2018، والصين، التي استضافت النسخة الأخيرة من الألعاب الأوليمبية الشتوية، في فبراير/شباط من العام الحالي، لتخلص إلى أن المقارنة بينهما وبين قطر تصب في صالح الأخيرة دون شك، وعلى جميع المستويات وفي جميع الملفات.
ورغم ذلك لم تتعرض لا روسيا ولا الصين لتلك الحملات الشعواء التي تعرضت لها قطر، في دليل يؤكد على أن الهجوم الغربي ينم عن ازدواجية في المعايير على أقل تقدير، ولا يفرق بين الأنظمة الاستبدادية القمعية من جهة والأنظمة التي لا تطبق الديمقراطية بالمعايير الغربية من جهة أخرى، تقول الصحيفة البريطانية.
وفي هذا السياق تحديداً، كان جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أكثر وضوحاً من الصحيفة البريطانية، عندما اتهم السبت، 19 نوفمبر/تشرين الثاني، منتقدي طريقة معاملة قطر للعمال المهاجرين، متهماً إياهم بالنفاق.
ففي مستهل مؤتمر صحفي، قبل يوم من انطلاق كأس العالم قطر 2022، هاجم إنفانتينو المنتقدين الأوروبيين للدولة المضيفة فيما يتعلق بقضايا العمال الوافدين وحقوق المثليين: "أنا أوروبي، وبسبب ما فعلناه على مدى 3000 عام في جميع أنحاء العالم يجب أن نعتذر لمدة 3000 سنة مقبلة، قبل إعطاء دروس أخلاقية".
رئيس الفيفا واصل حديثه غاضباً: "أجد صعوبة في فهم الانتقادات، علينا أن نستثمر في مساعدة هؤلاء الناس، في التعليم، ومنحهم مستقبلاً أفضل والمزيد من الأمل، يجب علينا جميعاً أن نثقف أنفسنا، فالكثير من الأشياء ليست مثالية، ولكن الإصلاح والتغيير يستغرقان وقتاً".
"هذا الدرس الأخلاقي الأحادي الجانب نفاق محض"، وأضاف "ليس من السهل تقبل الانتقادات لقرار جرى اتخاذه قبل 12 عاماً. الدوحة جاهزة، وقطر جاهزة، وبالطبع ستكون أفضل بطولة لكأس العالم على الإطلاق".
أوروبا تتحدث عن معاملة المهاجرين
وعن ملف العمال المهاجرين، قالت الإيكونوميست إن العالم ينظر إلى هذا الملف في قطر من خلال عدسة مشوهة، فمن ناحية تعتبر الإمارة الخليجية أكثر انفتاحاً على العمالة الأجنبية من الولايات المتحدة أو أي دولة أوروبية. يمثل القطريون 12% من إجمالي عدد سكان بلدهم، وهي نسبة لم تكن لتقبلها أي دولة أخرى تزعم أنها مستنيرة ومتحضرة.
من يتحدثون عن أجور العمال في قطر ينطبق عليهم مقولة "حق يراد به باطل"، فأجر العامل، الذي يقارنه من يشنون حملاتهم ضد قطر، قد يكون أقل من الأجر في أوروبا على سبيل المثال، لكن ذلك الأجر يغير حياة ذلك العامل وحياة أسرته بشكل كامل، ولهذا يتهافت الكثير من العمال للحصول على فرصة عمل في قطر من الأساس.
النقطة الأخرى هي أن إقامة كأس العالم في قطر أدى إلى إدخال بعض التعديلات على قوانين العمل في الإمارة، ارتأى المسؤولون القطريون أنها تصب في صالح الجميع في نهاية المطاف، والسؤال هنا: هل أدت استضافة الصين للأولمبياد في تغييرات ديمقراطية على سبيل المثال؟، تساءلت الصحيفة البريطانية.
أما عن حقوق العمال والمهاجرين والمعاملة التي يتعرضون لها في أوروبا وأمريكا، فيكفي هنا إشارة رئيس الفيفيا نفسه إلى تجربته الشخصية. فقد تحدث إنفانتينو عن تجربته الشخصية كطفل لعمال مهاجرين نشأ في سويسرا، قائلاً إنه تعرض للتنمر لكونه إيطالياً، ولأن شعره أحمر ويظهر على وجهه النمش.
وقال "أعرف كيف يشعر من يتعرض للتمييز، أعرف ما يعنيه التعرض للتنمر"، وأضاف: "ماذا ستفعل؟ تبدأ في المشاركة، هذا ما يجب أن نفعله… الطريقة الوحيدة للحصول على النتائج هي من خلال المشاركة".
أما ملف الديمقراطية وحديث الغرب عن الأمر وكأنه شرط أساسي من شروط استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، ومنا كأس العالم لكرة القدم بطبيعة الحال، فالواضح أن رافعي رايات الهجوم على قطر اختاروا تجاهل تاريخ استضافة تلك الأحداث، كأس العالم الماضية استضافتها روسيا، حيث يتعرض للسجن من يصف الحرب في أوكرانيا بأنها "حرب"، كما تقول الإيكونوميست.
وخلال نسخة 1978 من كأس العالم، التي استضافتها الأرجنتين، كانت الدولة الأمريكية الجنوبية تحت حكم عسكري، كان يلقي بمعارضية من طائرات الهليكوبتر، بحسب الصحيفة البريطانية، التي تحدثت أيضاً عن الصين واستضافتها للأولمبياد الشتوية الماضية. ورغم ذلك تتعرض قطر لحملات تشويه وصفتها الإيكونوميست بأنها "كرتونية".
أما الملف الآخر فهو يتعلق بمعاملة مجتمع الميم في قطر، حيث يتم نشر الكثير مما وصفتها الصحيفة البريطانية بأنها "أخبار وتغطية خادعة". قطر دولة مسلمة تحرّم زواج المثليين، وتحرّم العلاقات خارج إطار الزواج بشكل عام، وهذه حقيقة ثابتة لن تتغير بسبب استضافة المونديال أو غيره.
هذه القوانين ليست حكراً على قطر، فجميع الدول ذات الأغلبية المسلمة تطبقها، والتعامل مع هذا الملف بشكل عام مسألة عقيدة دينية، كما أن كثيراً من الدول غير الإسلامية حول العالم تحظر مجتمع الميم بمنتهى الصرامة، فلماذا هذا الهجوم الشرس على قطر تحديداً؟، تتساءل الصحيفة البريطانية.
كيف تعاملت قطر مع تحدي كأس العالم؟
منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022، بدأت مسيرة من العمل الجاد الذي يركز على تقديم نسخة استثنائية بكل المقاييس من الحدث الرياضي الأبرز، يمكن اختصارها فيما جاء على لسان الرئيس التنفيذي لمونديال قطر، ناصر الخاطر، بأن الدوحة لن تتطرق إلى النوايا، وأن بلاده أخذت التحدي على عاتقها وارتقت إلى مستوى هذا التحدي.
فقطر لم تقع في فخ الدفاع عن الذات والرد على الانتقادات، مهما كانت مفبركة وغير منطقية ولا تهدف إلا للهدم، وإنما بدأت مسيرتها، التي استمرت 12 عاماً، لتشيد استادات بمواصفات قد لا تكون موجودة في أي مكان آخر في العالم، والتحضير لتجربة لا تُنسى للفرق وللجماهير حول العالم.
فقبل 12 عاماً كان تنظيم مونديال كأس العالم في قطر حلماً، واليوم أصبح هذا الحلم حقيقة واقعة لأول مرة في دولة من الشرق الأوسط. وأولت قطر ثلاثة ملفات رئيسية في رحلتها نحو التجهيز للمونديال، وهي الملاعب والتراث والاستدامة، لتنظيم بطولة استثنائية على مستوى العالم.
ولتنفيذ الحلم العربي وتوفير أفضل الظروف الملائمة لتنظيم بطولة كأس العالم في قطر، صدر في أبريل/نيسان 2011، قرار أميري بإنشاء اللجنة العليا للمشاريع والإرث.
وُمِنحت اللجنة القطرية المؤسسة حديثاً جميع الصلاحيات والاختصاصات اللازمة لتحقيق أهدافها، وعلى رأسها وضع الاستراتيجيات والسياسات العامة المتعلقة بكأس العالم 2022، والعمل على إيجاد البيئة المواتية لتنظيم وإنجاز المونديال، من جميع النواحي القانونية والتنظيمية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، كشفت لجنة المشاريع والإرث عن تصميم ملعب الجنوب، ويعتبر أول الملاعب التي تم الكشف عنها، وصممته المهندسة العالمية الراحلة زها حديد، بحسب تقرير للأناضول. ويجسد الملعب التراب القطري من خلال تصميمه وشكله المستوحى من القوارب الشراعية التقليدية، وبدأت أعمال تشييده عام 2014.
وفي نهاية مايو/أيار 2014، بدأ مطار حمد الدولي استقبال الرحلات الدولية إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة في عالم النقل والسفر، في خطوة استراتيجية اعتبرت أبرز المشاريع الكبيرة لاستقبال بطولة كأس العالم 2022. ويعتبر المطار الذي خطط له أن يستقبل نحو 70 مليون مسافر سنوياً المحطة الأولى لاستقبال المشجعين القادمين لمشاهدة ومتابعة المونديال.
وخلال سنوات قصيرة، حاز مطار حمد الدولي عدة جوائز عالمية، آخرها جائزة أفضل مطار في العالم لعام 2022 للعام الثاني على التوالي، ضمن جوائز "سكاي تراكس" العالمية للمطارات.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، كشفت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم 2022 عن الشعار الرسمي للبطولة، حيث تم عرض الشعار الجديد على شاشات ضخمة في العديد من المعالم البارزة في قطر.
وشاركت دول عربية وأجنبية بعرض الشعار في ذات التوقيت الذي تم الكشف عنه في الدوحة، حيث عرض في روسيا والكويت وعمان ولبنان والأردن وتونس والجزائر والمغرب والعراق وفلسطين وليبيا والسودان.
وعَكَس تصميم الشعار البعد الجامع للبطولة، بوصفها منصة لالتقاء الثقافات من مختلف أرجاء العالم، كما أنه تضمن عدة عناصر مستوحاة من الثقافة القطرية والعربية التي تتناغم مع مكونات لعبة كرة القدم.
وفي ذات المسيرة لاستضافة البطولات العالمية، نظمت قطر النسخة العاشرة من بطولة كأس العرب 2021، وأقيمت لأول مرة بتنظيم من الاتحاد الدولي لكرة القدم، وأصبحت محاكاة ناجحة لتجربة الاستعدادات القطرية لتنظيم بطولة كأس العالم.
وشهدت نهائيات البطولة مشاركة 16 منتخباً عربياً، وأقيمت مبارياتها على 6 من ملاعب بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، وشكّلت فرصة مثالية للارتقاء بالاستعدادات الخاصة باستضافة المونديال.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تم الكشف عن ساعة العد التنازلي الرسمية لكأس العالم، في احتفالية أقيمت على كورنيش الدوحة بمناسبة بقاء عام واحد على انطلاقة البطولة. وجرى تصميم شكل الساعة بطريقة تسهل رؤيتها من جميع الزوايا، بما يعكس المناظر الخلابة لأفق مدينة الدوحة.
وشهد عام 2017 تدشين استاد خليفة الدولي، و2019 تم افتتاح استاد الجنوب، بينما تم في 2020 اكتمال استاد المدينة التعليمية وافتتاح افتتاح استاد أحمد بن علي.
وعام 2021 شهد تدشين ملعب الثمامة واستاد البيت، أما في عام انطلاقة المونديال 2022 فتم تدشين استاد لوسيل، في سبتمبر/أيلول الماضي، بمباراة رسمية بين فريقي الهلال السعودي والزمالك المصري، ضمن "كأس سوبر لوسيل".
ويعتبر استاد لوسيل درّة ملاعب المونديال وأكبرها من حيث الطاقة الاستيعابية، التي تبلغ 80 ألف مشجع، ويتميز باستضافة المباراة النهائية للبطولة، التي تتزامن مع الاحتفال باليوم الوطني القطري، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2022.