تمثل انتخابات التجديد النصفي أو انتخابات نصف المدة في أمريكا هذه المرة مفترق طرق للرئيس جو بايدن وخصمه اللدود دونالد ترامب، لكنها أيضاً تعني الكثير بالنسبة للعالم، فكيف قد تتأثر الصين؟ وماذا عن العلاقات مع السعودية؟
وعلى الرغم من أنه لا الرئيس بايدن ولا سلفه ترامب سيكون اسمهما مدرجاً في بطاقة الاقتراع في الانتخابات المقررة الثلاثاء 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلا أنها تمثل الفرصة الأولى للناخبين لإصدار حكم وطني بشأن أداء الرئيس الحالي ومدى فرص الرئيس السابق في الترشح للرئاسة بعد عامين، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وينتخب الأمريكيون جميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضواً، علماً بأن الديمقراطيين، قبل الانتخابات، كانوا يمتلكون أغلبية ضئيلة بفارق 5 أعضاء فقط عن الجمهوريين. وفي مجلس الشيوخ، الذي يضم 100 عضو، ستجرى الانتخابات على 35 مقعداً، وكان المجلس منقسماً بالتساوي (50-50) والأغلبية للديمقراطيين بسبب النظام الذي يعطي نائب الرئيس (كامالا هاريس في هذه الدورة) الصوت المرجح.
وهناك أيضا انتخابات في 36 ولاية على منصب الحاكم، إضافة للعديد من مناصب العمدة في عدد من المقاطعات والمسؤولين المحليين في تلك الولايات، وتصويت على قوانين الإجهاض في كاليفورنيا وكنتاكي وميشيغان ومونتانا وفيرمونت.
كيف ستؤثر النتائج على الدعم الأمريكي لأوكرانيا؟
إذا تمكن الجمهوريون، مثلما يتنبأ البعض وتشير استطلاعات الرأي، من السيطرة على الكونغرس الأمريكي، فسيكون لذلك تبعات على جميع بلدان العالم. فهل سيستمر دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا بنفس الوتيرة؟ وهل سيصبح الرئيس بايدن أكثر تشدداً مع الصين والسعودية؟، بحسب تحليل لمجلة Foreign Policy الأمريكية، عنوانه "السياسة الخارجية في انتخابات التجديد النصفي".
المؤكد هو أن كييف ستراقب هذه الانتخابات عن كثب، وستفعل موسكو الأمر ذاته. وعلى الرغم من أن الأوكرانيين مؤمنون بأن المساعدات الأمريكية تحظى بالدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ويسود بينهم شعور بالثقة في أن المساعدة العسكرية التي حصلوا عليها حتى الآن ستستمر، إلا أن مسألة المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا مسألة وجودية إلى حد كبير.
فالولايات المتحدة هي أكبر مانح عسكري لأوكرانيا، ولا توجد دولة أخرى يمكنها سد هذه الفجوة لو تراجعت الولايات المتحدة، ولذلك من الطبيعي أن يحرص الأوكرانيون على متابعة تلك الانتخابات، بحسب تحليل فورين بوليسي.
وعلى الرغم من أن التضخم وارتفاع الأسعار، وبخاصة أسعار النفط والغاز، يهيمنان على اهتمام الناخبين الأمريكيين، إلا أن تلك الظروف الاقتصادية الصعبة تجعل من تقديم عشرات المليارات من الدولارات كدعم عسكري لأوكرانيا سؤالاً مطروحاً بطبيعة الحال.
وكان عدد كبير من أعضاء التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي قد وجهوا رسالة مفتوحة لإدارة بايدن، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يطلبون فيها وقف ذلك الدعم والدخول في مفاوضات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب.
النواب، وعلى رأسهم براميلا غايابال، رئيسة التجمع التقدمي بالكونغرس، أكدوا رفضهم "الغزو الروسي الشائن وغير الشرعي لأوكرانيا"، مضيفين: "لكن بصفتنا مشرعين مسؤولين عن إنفاق عشرات المليارات من دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين على المساعدات العسكرية في هذا النزاع، نعتقد أن مثل هذا الانخراط في هذه الحرب يحمل أيضاً الولايات المتحدة مسؤولية استكشاف جميع السبل الممكنة بجدية".
ودعت الرسالة إلى التعامل المباشر مع روسيا، لإيجاد حل "يكون مقبولاً من الشعب الأوكراني"، ولفت النواب إلى أنه "من المفترض أن يتضمن إطار عمل كهذا حوافز لإنهاء الأعمال العدائية، بما في ذلك شكل من أشكال تخفيف العقوبات، وجمع المجتمع الدولي، لوضع ضمانات أمنية لأوكرانيا حرة ومستقلة، تكون مقبولة من جميع الأطراف، وخاصةً الأوكرانيين". وأكدت الرسالة أن "البديل عن الدبلوماسية هو حرب طويلة الأمد".
وعلى الرغم من تراجع الأعضاء عن تلك الرسالة بعدها بأيام، لأسباب تتعلق بالانتخابات النصفية ذاتها، إلا أن إدارة بايدن قررت بالفعل فتح قنوات اتصال مباشر مع روسيا، وأفادت تقارير إعلامية أمريكية بأن واشنطن أبلغت الرئيس الأوكراني زيلينسكي وحكومته بضرورة التفاوض مع موسكو لإنهاء الحرب.
ماذا عن العلاقات المتوترة مع الصين؟
أما عن تأثير استيلاء الجمهوريين على الأغبية في الكونغرس، إن حدث، على نهج إدارة بايدن في التعامل مع الصين، وهل سيواصل سياسات المواجهة والتصعيد؟ على الأرجح ستستمر سياسات واشنطن الحالية نفسها، بحسب تحليل فورين بوليسي.
إذ إن أحد الأشياء المثيرة للاهتمام في الانتقال من إدارة ترامب إلى إدارة بايدن هو استمرار نفس السياسة مع الصين. فإدارة ترامب شنت حرباً تجارية ضد الصين، وعندما تولت إدارة بايدن واصلت نفس النهج المتشدد، وأصبحت استراتيجية الأمن القومي لواشنطن تنص صراحة على أن بكين "منافس".
وعلى مدى العامين الماضيين، وصل منحنى العلاقات بين أمريكا والصين إلى نقطة منخفضة للغاية، وكانت زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب (ديمقراطية) إلى تايوان مطلع أغسطس/آب الماضي، قد تسببت في خلق وضع قائم جديد، يتمثل في فرض الصين حصاراً شبه كامل على الجزيرة للمرة الأولى على الإطلاق.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.
ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
وفي هذا السياق، تنظر الصين إلى النظام الديمقراطي ذاتي الحكم في تايوان على أنه محافظة صينية منفصلة، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق الوحدة، وتقول بكين إن تايوان هي الأمر الأكثر حساسية وأهمية في علاقاتها بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تقوم سياسة الولايات المتحدة على الاعتراف بأن "الصين واحدة" ولا تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع تايوان.
لكن بايدن صرح أكثر من مرة بأن أمريكا "ستدافع عن تايوان عسكرياً إذا غزتها الصين"، وهو ما اعتبرته بكين "لعباً بالنار"، ثم جاءت زيارة بيلوسي لتسكب مزيداً من البنزين على الموقف المشتعل أصلاً.
ماذا عن علاقات أمريكا مع السعودية؟
يري تحليل فورين بوليسي أن الفترة المتبقية من رئاسة بايدن، حال فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس، قد لا تشهد تغييرات كبيرة في علاقات واشنطن والرياض، التي لا تمر بفترة إيجابية بالفعل.
فهناك تقارب في وجهات النظر بين الحزبين بشأن السعودية، حيث يتفق السيناتور الديمقراطي التقدمي، بيرني ساندرز، مع الجمهوريين بشأن ضرورة ممارسة مزيد من الضغوط على المملكة.
لكن هذا الأمر سيكون صعباً على بايدن رغم وجود ضغوط كثيرة داخل الحزب الديمقراطي لمعاقبة انتهاكات حقوق الإنسان، ففي الشرق الأوسط لا تملك الولايات المتحدة صديقاً مقرباً أو ديمقراطية مستقرة، مثل كندا أو سويسرا، وهذا سيكون تحدياً لتوجهات بايدن الواقعية في السياسة الخارجية التي يطالبه بها أحياناً مجلس أمنه الوطني.
وبطبيعة الحال، يبدو أن منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك هو رأس الحربة في أمور مثل الاتفاقات الإبراهيمية، التي كانت دائماً موضع جدل داخل إدارة بايدن. لكنهم أرادوا فعلياً حدوث تطبيع بين إسرائيل والسعودية. وفي الوقت الحالي، يبدو هذا أكثر صعوبة بكثير حتى حين يتولى ولي العهد محمد بن سلمان السلطة ويصبح الملك. لذلك ستكون العلاقة مع الرياض مؤلمة نوعاً ما لإدارة بايدن.
وهناك ملف آخر في السياسة الخارجية، يرى تحليل المجلة أن له تأثير على الانتخابات والفترة التي تليها. إذ أظهر متوسط استطلاعات الرأي أن آخر مرة حصل فيها جو بايدن على نسبة تأييد أعلى من 50% كانت اليوم الذي استولت فيه طالبان على كابول، في أعقاب الانسحاب الأمريكي من هناك.
وبالتالي، فإن هذا الملف الخارجي له تأثير مباشر على انتخابات التجديد النصفي، وما فعلته كارثة أفغانستان هو أنها قوضت ما كان يدعيه بايدن في منافسته لترامب في انتخابات 2020. وهذا يعني أن مزاعمه بأنه "الشخص الناضج الذي يجيد التصرف"، وأنه سيعيد الكفاءات والإدارة المتمكّنة والمسؤولة إلى السياسة الخارجية الأمريكية، دمرها ما حدث في أفغانستان تدميراً. لذا في المستقبل، على الأرجح سيتغل الجمهوريون هذه النقطة.
وسيطالب الكونغرس بإجراء تحقيقات بكل تأكيد، خاصة إذا سيطر الجمهوريون على مجلس النواب. فمايكل ماكول، كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، الذي طرح تقريراً أولياً يحقق في أسباب الانسحاب الفوضوي النهائي من أفغانستان، لم يخف رغبته في إجراء بعض التحقيقات المتعمقة في الخطأ الحادث، بما في ذلك مذكرات استدعاء لبعض مسؤولي إدارة بايدن في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية. لذلك إذا سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، ستندلع بالتأكيد بعض المعارك السياسية الخلافية حول الشكل الذي ستبدو عليه هذه التحقيقات ومدى تعاون إدارة بايدن مع الجمهوريين.
أما بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فهو في هذه المرحلة يبدو محكوماً عليه بالفشل، إذ قال كبير مبعوثي بايدن لإيران قبل يومين فقط إننا لن نضيع وقتنا في الاتفاق النووي في هذه المرحلة، بحسب روبي غرامر، أحد المحللين الذين تحدثوا لفورين بوليسي.
"أظن أن الجمهوريين سيستغلون مشكلة إيران لضرب بايدن، بالقول إنه متساهل جداً مع إيران. لكن إيران وضعت نفسها في مشكلة أخرى مع إدارة بايدن بخصوص أوروبا، وهي تثير حفيظة كل الكارهين لروسيا،" بحسب غرامر.
وأضاف المحلل للمجلة الأمريكية: "إذ إن روسيا تزداد اعتماداً على المسيرات والذخائر الإيرانية لمساندة حربها المتعثرة في أوكرانيا. وأعتقد أن هذا يغير حسابات إدارة بايدن بخصوص المساحة التي ستمنحها لإيران في مفاوضات الاتفاق النووي. وهذا بالإضافة إلى الاحتجاجات الحاشدة في إيران الآن على القمع الوحشي الذي يمارسه النظام بحق المرأة.
الخلاصة هنا هي أنه في خضم آلة الضجيج التي صارت عليها السياسة الأمريكية، أصبح من الشائع وصف أية انتخابات وشيكة بأنها الأهم في العصر الحديث. وهذا أمر مؤسف؛ لأنه يجعل من الصعب التعرف على انتخابات ذات عواقب حقيقية وعميقة عندما نكون أمام واحدة بالفعل. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما يواجهه الناخبون الأمريكيون ونظام حكومتهم هذه المرة، ومعهم أيضاً باقي دول العالم.