على بعد نحو مئة كيلومتر من مقر قمة المناخ بشرم الشيخ، تشهد منطقة سانت كاترين التاريخية مشروعاً للتطوير، تنفذه الحكومة المصرية يعرف باسم "مشروع التجلي الأعظم"، ولكن منتقديه يقولون إنه سوف يسبب مأساة بيئية وتاريخية، ستدمر طبيعة المنطقة الفريدة.
وخلال شتاء عام 2021، اجتاحت الجرافات الحكومية مقبرة سانت كاترين بسيناء المصرية، ووقف أفراد قبيلة الجبالية يشاهدونها وهم في حالة من عدم التصديق، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
في المقابل، تقول الحكومة المصرية إن المشاريع المختلفة التي سيتم تنفيذها في سانت كاترين صممت للترويج للسياحة هناك، وسوف تتضمن إنشاء ممرات للدراجات والمشاة مع دعم خطط زراعة النباتات مثل أشجار الزيتون.
وسبق أن قال محافظ جنوب سيناء خالد فودة لموقع al-monitor الأمريكي إن مشروع التجلي الأعظم يهدف إلى تطوير المدينة ومحيطها مع الحفاظ على الطابع البيئي لطبيعتها البكر، موضحاً أن المشروع يسعى أيضاً إلى إنشاء مزار روحي على الجبال المحيطة بالوادي المقدس للأديان السماوية الثلاثة.
ويهدف المشروع إلى ربط المدينة ببقية المنطقة الساحلية بجنوب سيناء حيث تقع منتجعات شهيرة مثل شرم الشيخ ودهب، إضافة للطور عاصمة المحافظة.
هدم المقابر وانتهاك القوانين الدولية لأجل مشروع التجلي الأعظم
يقول مهند صبري، المؤلف والباحث الذي ألف كتباً كثيراً عن شبه جزيرة سيناء المصرية: "قضى الناس الليل بأكمله في جمع رفات أقاربهم المتوفين من الأنقاض التي خلفتها الجرافات".
وكان الهدف من تدمير هذه المقبرة تمهيد الطريق لمشروع التجلي الأعظم، الذي أطلقته الحكومة المصرية رسمياً في مارس/آذار عام 2021 بهدف تحويل جنوب سيناء إلى مركز سياحي.
لكن الجزء الأكبر من هذا المشروع، الذي اكتمل بنسبة 70%، سيقام في محمية سانت كاترين الطبيعية، وهي أحد المواقع التي أدرجتها اليونسكو في قائمة التراث العالمي وتضم دير سانت كاترين الأثري وجبل موسى، الذي يحتل مكانة خاصة عند المسلمين واليهود والمسيحيين.
واتهم عدد من الخبراء، ومنهم صبري، وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصرية، التي تشرف على المشروع، بانتهاك قوانين مواقع التراث العالمي، وقالوا إن أعمال البناء تقوض الطابع التاريخي والديني للمدينة، وتسببت كذلك في طرد السكان البدو الأصليين.
وتضم المباني الجديدة ما لا يقل عن خمسة فنادق ومئات الفيلات والمنازل الخاصة.
وقال صبري إن: "مركز البلدة تم تغييره وتجريفه بالكامل"، وإن البناء امتد إلى بوابات الدير.
وقال متحدث باسم مركز اليونسكو للتراث العالمي لموقع Middle East Eye إن فريقهم في مرحلة "المراقبة التفاعلية". وقالت المتحدثة إن "مركز التراث العالمي بدأ حواراً مع السلطات المصرية لجمع كل العناصر اللازمة لخبرائنا لإبداء رأيهم الموضوعي في هذا الوضع".
المشروع ينفذ على حساب حراس سانت كاترين التاريخيين
يقول صبري، مؤلف كتاب Sinai: Egypt's Linchpin, Gaza's Lifeline, Israel's Nightmare، إن هذا المشروع يأتي على حساب قبيلة الجبالية، السكان الأصليين للمدينة، والمعروفين تاريخياً باسم حراس سانت كاترين. وقال إن جميع منازل البدو التي كانت تعترض طريق البناء هُدمت وطُرد سكانها، حسب قوله.
وقال عماد سلام، وهو مرشد سياحي بدوي يبلغ من العمر 41 عاماً وتربطه علاقة مصاهرة بقبيلة الجبالية، لموقع Middle East Eye: "لقد هدموا منزلنا ومنحونا تعويضاً، لكنه لا يكفي شراء قطعة أرض صغيرة من الحكومة أو الوحدات السكنية الجديدة المبنية في سانت كاترين".
وأضاف: "وهناك آخرون لم يتسلموا أي شيء، لأنهم لم يتمكنوا من تقديم مستندات قانونية تثبت ملكيتهم لهذه المنازل. وكثير من البدو في سيناء يمتلكون أراضيهم ببناء منازلهم عليها".
وأضاف أن المشروع يهدد مصدر الدخل الرئيسي لأفراد العائلة الذين يعملون مرشدين سياحيين وطهاة وبائعين وأصحاب بازارات وجمّالين وعاملين في مجال الضيافة.
وقال: "الحكومة تريد استغلال كل متر"، حسب تعبيره.
إنهم يخشون تدمير الحياة البدوية
"الحكومة المصرية لم تأخذ رأي السكان في هذا المشروع"، حسب أحمد الجبالي، وهو من سكان سانت كاترين يبلغ من العمر 55 عاماً وصاحب منزل ضيافة بدوي.
وقال لموقع Middle East Eye: "جميعنا ندعم التنمية، ولكن كان يجب أن يسألونا رأينا أولاً. المهندسون الذين سيبنون هذه المنازل الجديدة التي يفترض أن تكون على الطراز البدوي لم يسكنوا في منازل البدو فعلياً. أما نحن فقد ولدنا وعشنا كل حياتنا في بيوت بدوية. نموذج معيشتهم لا يناسبنا وسيغير طريقة حياتنا".
واعتبر الجبالي أن بلدته مهملة منذ عقود، ولم تفكر الحكومات المتعاقبة في تحسين بنيتها التحتية، لا سيما الصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم.
وقال: "لم يذكروا هذا المكان إلا حين أرادوا الاستفادة منه. سيشركوننا في هذه الأعمال التجارية، وتدريجياً سيهمشوننا ويعاملوننا كالغرباء"، وأعرب عن مخاوفه من أن يفقد مصدر دخله الوحيد، السياحة، بسبب هذا المشروع الجديد.
لماذا تعد عملية التطوير مناقضة لطبيعة سانت كاترين السياحية والتاريخية؟
"تتمتع بلدة سانت كاترين "بنوع مميز جداً من السياحة"، وفقاً لصبري.
وقال: "السائح الذي يأتي يريد ركوب الجمال، والذهاب إلى الوادي، والدير، وتسلق جبل سيناء، وكل هذه الخدمات يقدمها البدو. والسائحون يحبون الإقامة في دار الضيافة البدوية المحلية".
وبناء الفنادق وهذا المشروع السياحي مكان هذا النظام سيؤثر على السكان المحليين، لأن الحكومة "لن تعطل هذا النظام فحسب، بل ستقضي على مصدر دخلهم الرئيسي".
المشروع سيؤدي لقدر كبير من التلوث وسيقتلع آلاف الأشجار
قال الجبالي إن المشروع الجديد سيسبب قدراً كبيراً من التلوث، على عكس المدينة الأصلية التي كانت تجذب الزوار بفضل هدوئها ونقاء جوها.
وقال: "الناس يأتون من مختلف أنحاء العالم إلى هنا لأنه لا يوجد تلوث، ولكن حين تبني السلطات آلاف الغرف والفنادق والشاليهات، فالتلوث سينتشر. وكل هذه الأماكن ستحتاج إلى الماء والكهرباء والغاز، ولكن من أين؟".
وأضاف أنه تم بالفعل اقتلاع أشجار كثيرة لإفساح المجال أمام المباني أو الطرق.
وفضلاً عن الأضرار التي لحقت بالسكان المحليين، شيدت السلطات طريقاً سريعاً بطول 70 كيلومتراً لربط مدينة الطور الإدارية المطلة على خليج السويس بالمدينة القديمة.
ونقل موقع Middle East Eye عن خطاب مفتوح كتبه خبراء في سيناء: "هذا الطريق السريع يدمر منطقة صنفتها الحكومة المصرية محميات طبيعية، وهو يقطع هذه المنطقة المحمية ويقسمها إلى قسمين، وهذا له تداعيات بيئية مدمرة".
وتخطط حكومة السيسي لبناء طريق آخر عبر وادي إسلا، الذي "يعتبر الأبعد والأجمل والأكثر ثراءً بيولوجياً في شبه جزيرة جنوب سيناء بأكملها"، وفقاً لما ذكره الخطاب.
ويضيف الخطاب أيضاً أن الحياة البرية المحلية، ومنها فراشة سيناء الزرقاء المهددة بالانقراض، ستصبح عرضة للخطر أيضاً.
وجاء فيه: "وهذا التدمير لمنطقة من المفترض أنها مخصصة محمية يثير تساؤلات عن استراتيجية مصر الكاملة لحماية البيئة".
ولقد تم إسكات السكان المحليين ومنظمات المجتمع المدني، بينما يشارك قادة العالم في قمة شرم الشيخ للمناخ، على بعد 100 كيلومتر جنوب موقع المشروع، لحضور قمة المناخ السنوية للأمم المتحدة COP27. ولن يشارك فيه أي ممثل عن سانت كاترين.
وتخوض مصر حرباً ضد المتطرفين المسلحين في سيناء منذ ما يقرب من تسع سنوات. وقد صعدت الجماعات المسلحة في المنطقة من هجماتها على القوات المسلحة بعد تولي السيسي الحكم في عام 2013.
ولم يستهدف الجيش الجماعات المسلحة فحسب، بل شن أيضاً هجمات واسعة النطاق على سكان المنطقة من البدو، خصوصاً في شمال سيناء، مركز التمرد، حسب الموقع البريطاني.
وامتدت هذه الإجراءات الأمنية الآن إلى جنوب سيناء، حيث فُرض تعتيم إعلامي صارم على شبه الجزيرة بأكملها وإجراءات قمعية على الصحفيين والباحثين الذين يحاولون تغطية الحرب من منظور السكان المحليين، وفقاً لتقرير الموقع.
يقول أحمد سالم، رئيس مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ومقرها لندن، إن مجموعات المجتمع المدني التي تمثل البدو المحليين تعرضت للقمع، ولا يُسمح بتداول أي روايات غير رواية الجيش.
وأضاف: "حرية التعبير رفاهية في سيناء. وفي خضم هذا القمع واسع النطاق، ينشغل الناس بسلامتهم. وليس مستغرباً أن يغيب أي تمثيل لمنظمات المجتمع المدني في سيناء عن قمة المناخ 27".