تمثل انتخابات التجديد النصفي أو انتخابات نصف المدة في أمريكا هذه المرة مفترق طرق للرئيس جو بايدن وخصمه اللدود دونالد ترامب، لكنها أيضاً تمثل حجر الزاوية، وتجيب عن الأسئلة الكبرى للولايات المتحدة، فكيف ذلك؟
تشغل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المقررة الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، الساحة الإعلامية والسياسية المنقسمة تماماً، حيث لن تحدد فقط مستقبل الغرفتين التشريعيتين في واشنطن، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، لكن سيكون لها أيضاً تأثير ضخم على الانتخابات الرئاسية القادمة، المقررة في 2024.
وبحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية، فإنه في آلة الضجيج التي صارت عليها السياسة الأمريكية، أصبح من الشائع وصف أية انتخابات وشيكة بأنها الأهم في العصر الحديث. وهذا أمر مؤسف؛ لأنه يجعل من الصعب التعرف على انتخابات ذات عواقب حقيقية وعميقة عندما نكون أمام واحدة بالفعل. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما يواجهه الناخبون الأمريكيون ونظام حكومتهم يوم الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني.
لماذا انتخابات أمريكا مهمة فعلاً هذه المرة؟
إذ تجري انتخابات التجديد النصفي في وقت تعاني فيه أمريكا من انقسام سياسي مرير يقسم البلاد بالتساوي. وهذا وضع غير عادي؛ ولهذا فإنَّ قائمة الأسباب التي تجعل هذه الانتخابات مهمة طويلة على غير العادة. وتقف جميع أجزاء النظام في وضع استعداد، ومستقبل الديمقراطية الأمريكية نفسها على المحك.
صارت السيطرة على الكونغرس على حافة الهاوية أكثر من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين. وينقسم مجلس النواب بالتساوي؛ لدرجة أنَّ نقل خمسة مقاعد فقط يمكن أن يقلب ميزان القوى من الديمقراطيين إلى الجمهوريين. ومجلس الشيوخ منقسم حرفياً – 50 مقعداً لكل حزب- بحيث يمكن أن يؤدي فقدان مقعد واحد إلى انتزاع السيطرة من الديمقراطيين (الذين يتولون زمام السلطة الآن فقط لأنَّ كامالا هاريس، بصفتها نائب الرئيس، لديها تصويت كسر التعادل).
ستحدد نتيجة الصراع مسار الفترة المتبقية من ولاية جو بايدن الرئاسية. إنَّ المسار الذي يمكن لهذا الرئيس -أو أي رئيس- اتباعه من حيث وضع السياسة يختلف اختلافاً كبيراً في ظل كونغرس يسيطر عليه حزبه عن المسار الذي تنقسم فيه سلطة الكونغرس، أو تكون السلطة بالكامل في أيدي حزب المعارضة.
وتحمل هذه الانتخابات أو تاريخها عموماً أنباء غير سارة للرئيس جو بايدن، إذ دائماً ما يخسر حزب الرئيس الذي يتولى الرئاسة في فترة ولايته الأولى مقاعد في انتخابات التجديد النصفي -بمتوسط 31 مقعداً في مجلس النواب خلال الانتخابات الخمسة الماضية- وتظهر استطلاعات الرأي تراجع الديمقراطيين خلال الشهر الماضي.
ولن تتوقف العواقب عند هذا الحد. إذ سيتأثر أيضاً الفرع الثالث للإدارة الأمريكية، وهو القضاء. في البيئة الحزبية الحالية في البلاد، ليس هناك ما يضمن إمكانية الاعتماد على مجلس الشيوخ في أيدي الجمهوريين لتأييد القضاة الفيدراليين المُعيّنين من رئيس ديمقراطي للمحكمة العليا، وحتى لمجموعة من المحاكم الأدنى التي غالباً ما تتخذ قرارات بعيدة التأثير أو تؤسس لسوابق اجتماعية وتنظيمية مهمة.
ماذا تعني هذه الانتخابات لدونالد ترامب؟
بخلاف ذلك، لدى الانتخابات النصفية الكثير لتكشفه عن مستقبل دونالد ترامب. فقد كان الرئيس السابق فاعلاً استثنائياً نشطاً في النقاش الدائر حول الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي الحزب الجمهوري؛ إذ أيد أكثر من 200 مرشح على كل مستوى من مستويات النظام السياسي. والشيء الوحيد المؤكد هو أنَّ ترامب سيدعي فوزاً ساحقاً لنفسه بغض النظر عن النتيجة الفعلية.
بالنسبة للجمهوريين الآخرين، فإنَّ السؤال عمّا إذا كان ترامب قد ساعد الحزب حقاً أو أضر به، من خلال دعم بعض المرشحين المتطرفين الذين قد يخسرون يوم الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني- سيحدد بدرجة كبيرة مدى نفوذ الرئيس السابق في المستقبل. وسيساعد تقييم الحزب لتأثير ترامب، بدوره، في تحديد مستوى دعمه متى اختار الترشح مرة أخرى للرئاسة في عام 2024، وما إذا كان المتنافسون الجمهوريون الآخرون على الرئاسة يشعرون بالجرأة لتحديه.
وعلى نفس المنوال، فإنَّ حجم خسائر الديمقراطيين يمكن أن يساعدهم في تقرير ما إذا كانوا سيراهنون على بايدن للاحتفاظ بالبيت الأبيض في غضون عامين. وهو بالفعل أكبر رئيس سناً في التاريخ: سيبلغ 80 عاماً في غضون أسبوعين و86 عاماً في نهاية الولاية النظرية الثانية. وقد تؤثر النتيجة أيضاً في تفكيره بشأن الترشح مرة أخرى.
قبل شهرين فقط، كان يبدو أن بايدن سيقود الديمقراطيين إلى تحقيق نتائج جيدة في انتخابات التجديد النصفي، لكن منذ ذلك الحين، طغت المخاوف الاقتصادية على تلك القضايا.
وكأنَّ كل هذا لم يكن كافياً، يتصارع الأمريكيون أيضاً مع سؤال غير مسبوق في العصر الحديث: هل سيقبل المرشحون نتيجة الانتخابات، وهل سيصدق المواطنون النتائج عند الإعلان عنها؟
هذا هو الامتداد الحتمي لسعي ترامب الحثيث لإثبات ادعائه الكاذب بأنَّ الانتخابات الرئاسية لعام 2020 زُوِّرَت بطريقة ما وسُرِقَت منه. وإذا صُدِّقَت استطلاعات الرأي، فقد قبلت شريحة كبيرة من الحزب الجمهوري هذا الادعاء؛ مما دفع بعض المرشحين من معسكر ترامب إلى اقتراح أنهم لن يقبلوا النتائج إذا خسروا.
ويعني هذا أن خطر الانقسام الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذي تجسد يوم اقتحم أنصار دونالد ترامب الكونغرس (6 يناير/كانون الثاني 2021)، لا يزال قائماً وربما يكون قد استفحل، في ظل تسليح الملايين أنفسهم "لاستعادة" أمريكا، حال خسر الجمهوريون مرة أخرى.
وكانت مجلة Newsweek الأمريكية قد نشرت تحقيقاً استقصائياً عنوانه "ملايين الأمريكيين غاضبون ومسلحون استعداداً للسيطرة على البلاد حال خسارة ترامب عام 2024″، رصد كيف أن الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة من أنصار ترامب ليست التهديد الأخطر الذي تواجهه البلاد، بل مواطنون عاديون بعشرات الملايين اقتنعوا تمام بأن ترامب كان فائزاً وتمت سرقة النتيجة.
كان الجمهوري ترامب قد رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها لصالح الديمقراطي جو بايدن، وظل الرئيس السابق، ولا يزال حتى اليوم، يردد أنه تعرض "للسرقة" دون أن يتمكن هو وأنصاره من تقديم أدلة تقبل بها المحاكم المختلفة، وصولاً إلى المحكمة العليا.
ماذا عن الرافضين للنتائج إذا خسروا؟
وأكثر من ذلك، يسعى بعض هؤلاء المرشحين، في ولايات متنوعة ومهمة مثل بنسلفانيا وأريزونا، إلى مناصب على مستوى الولاية، مثل حكام أو وزراء خارجية. وإذا فازوا، فسيكونون مسؤولين عن الجهاز الانتخابي للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتظل هناك أسئلة مهمة أخرى عالقة. إذا سيطر الجمهوريون على الكونغرس، فسيحرصون على حلّ اللجنة التي تحقق في أعمال العنف التي ارتكبها أنصار ترامب في مبنى الكابيتول في 6 يناير/تشرين الثاني من العام الماضي، ولا شك في أنهم سيبدأون في النظر في الأنشطة التجارية الخارجية لنجل بايدن، هانتر.
سيكون هناك ضغط لخفض الإنفاق المحلي وزيادة الإنفاق الدفاعي، وربما يكون هناك جهد من أنصار سياسة الانعزال "أمريكا أولاً" لقطع المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا.
إذاً ما هي النتيجة الأكثر ترجيحاً في منتصف المدة؟ كان استطلاع أجرته صحيفة The Wall Street Journal في الأيام الأخيرة مشجعاً للجمهوريين ومحفزاً للديمقراطيين. فقد تحرك الجمهوريون في صدارة السؤال العام حول أي من ناخبي الأحزاب يفضلون في سباقات الكونغرس بعد تحول كبير في دعم النساء بعيداً عن الديمقراطيين ونحو الجمهوريين.
ويبدو أنَّ التضخم يمثل مصدر القلق الأول في أذهان الناخبين، حتى إنه قد يضر بالديمقراطيين، الذين يتحملون اللوم باعتباره الحزب المسؤول. يقول خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي جون أنزالون، الذي شارك في إدارة استطلاع الصحيفة، إنه وجد أنَّ الناخبين المستقلين يميلون إلى "الانقسام ضد الحزب عندما يكون لديك تشخيص اقتصادي كما نراه الآن. وبهذا، انتهت القصة".
ومع ذلك، إذا كانت استطلاعات الرأي صحيحة، فإنَّ السباقات الرئيسية على مستوى الولاية التي ستحدد السيطرة على مجلس الشيوخ كلها متقاربة. وستحدد "بنتيجة هامشية، بإجمالي نقطتين"، كما يقول خبير استطلاع الرأي الجمهوري نيل نيوهاوس. يمكن لموجة طفيفة على الصعيد الوطني أنَّ تحول كل واحد من تلك السباقات المتقاربة في نفس الاتجاه؛ مما يؤدي إلى استيلاء مثير من الجمهوريين على السلطة أو تحول سحري لصالح الديمقراطيين.
النتيجة بعيدة كل البعد عن الوضوح. لكن ما هو واضح هو أنَّ الأيام القليلة المقبلة ستشكل مستقبل الرئيس الحالي والسابق، وستؤثر العواقب في الأمريكيين لسنوات قادمة.