يبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا تدخل مرحلة جديدة، فبعدما تعرضت موسكو للعديد من الانتكاسات مؤخراً، مثل فقدان مساحات من الأراضي التي كانت قد سيطرت عليها شرق أوكرانيا في بداية الحرب، وكذلك تعرض جسر القرم الاستراتيجي لتفجير عنيف من قبل أوكرانيا، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن حملة قصف مدمرة، مستهدفاً المناطق السكنية والبنية التحتية للطاقة. حيث تشهد كييف ومناطق أخرى ضربات جوية بواسطة طائرات مسيّرة انتحارية، تقول أوكرانيا والغرب إنها صناعة إيرانية.
لماذا يصعّد بوتين القصف الجوي في أوكرانيا؟
السؤال الذي يطرحه محللون الآن بعد التصعيد الروسي والقصف المتواصل على مراكز المدن الأوكرانية، هو: في أي اتجاه ستتأرجح الحرب، وما الذي يريده بوتين من تصعيد القصف الجوي على كييف؟
للإجابة عن ذلك، تقول أندريا كيندال تايلور، مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي في مركز الأمن الأمريكي الجديد، والتي خدمت في وكالة المخابرات المركزية كمحللة رئيسية متخصصة بالشأن الروسي، إن التفجيرات التي بدأت يوم الاثنين الماضي، كانت رداً مباشراً على الضربة الأوكرانية الناجحة على جسر مضيق كيرتش الممتد نحو القرم.
وتضيف تايلور لمجلة foreign policy الأمريكية، أن الروس -وبوتين على وجه الخصوص- قرروا الرد بهذه الطريقة، لأن هذه الهجمات الجوية الموجعة تستجيب للتأثير المتزايد لبعض الأصوات المتشددة داخل روسيا، والتي ترى أنه بالتصعيد وحده يمكن لروسيا إجبار أوكرانيا على التراجع بمرور الوقت.
ويبدو أن روسيا تلجأ لضربات الطائرات المسيرة الانتحارية، أو طائرات "كاميكازي"، لأنها البديل الأقل تكلفة، حيث تمطر موسكو بها العاصمة كييف، مستهدفة البنية التحتية لا سيما التدفئة والكهرباء. ويدرك بوتين أنه مع حلول فصل الشتاء، يحتاج إلى محاولة إلحاق هذا الألم بالأوكرانيين في محاولة لحملهم على التراجع شرق البلاد.
تجاوز الشتاء بأقل الخسائر لروسيا وآلام أكثر لأوكرانيا
وترى تايلور أن بوتين يحاول قلب السيناريو بالطريقة التي ينظر بها الروس إلى الحرب، عبر ضم الأراضي في شرق أوكرانيا، ومنع المساس بها، وتصوير الحرب أنها حرب دفاعية، وبالتالي حشد الروس لدعم الحرب. ويصور بوتين هذا الصراع على أنه قتال ليس فقط مع أوكرانيا ولكن أيضاً مع الولايات المتحدة والغرب، ساعياً لتأطير هذا الصراع من منظور "وجودي" للغاية.
ويجب أن نلاحظ أن هناك خزاناً انتخابياً داخل روسيا لأصوات أكثر تشدداً تطالب بمثل هذه الأنواع من الهجمات، ويبدو أن المتشددين لديهم تأثير أكبر على اتخاذ بوتين للقرار وأفعاله في الوقت الحالي.
وتقول المحللة الأمريكية، إن هذه القوى المتشددة يصعب السيطرة عليها، ويبدو في بداية الحرب، أن بوتين أراد الجلوس ومحاولة تصوير نفسه كقائد عقلاني بالمقارنة مع هذه الأصوات المتشددة، لكن قوة هذه الأصوات تتصاعد، وعلى بوتين إجراء تعديلات لاسترضاء تلك الشريحة من المجتمع والطيف السياسي.
لا يمكننا الدخول في رأس بوتين، لمعرفة أنواع الخيارات التي تدور في خلده الآن، لكن بحسب تايلور، فإن الأولوية الأولى لبوتين هي اجتياز فصل الشتاء دون التنازل عن المزيد من الأراضي للأوكرانيين.
ما خيارات أوكرانيا لمواجهة المرحلة الجديدة من الحرب؟
على الجانب الآخر، ما زال أمام حلفاء كييف فعل المزيد لتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، كما ترى المحللة الأمريكية، أن الأوكرانيين يرون أنه لن يردعهم مطلقاً خطر استخدام بوتين لسلاح نووي تكتيكي، لأن ذلك لن يغير نتيجة الحرب من وجهة نظرهم. ولن يؤدي إلا إلى تغيير التكاليف التي يتعين عليهم تحملها وتكبدها من أجل الصمود والانتصار.
ويطالب الأوكرانيون بأسلحة ذات قدرات بعيدة المدى، وأنظمة صاروخية أخرى من شأنها أن تسمح لهم بضرب روسيا. لكن الولايات المتحدة تخشى أنها لا تستطيع السيطرة على حلفائها الأوكرانيين بشكل كامل، ما قد يؤدي إلى تصعيد الحرب مع روسيا بلا داعٍ.
وفي تطور لافت، تعرّضت مقاطعة بيلغورود الروسية المتاخمة لأوكرانيا لقصف، الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول، وأعلن حاكمها فياتشيسلاف غلادكوف -عبر تطبيق تليغرام- عن إصابة 4 أشخاص، جراء قصف أوكراني على بيلغورود، عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه.
أضاف غلادكوف أن الدفاعات الجوية الروسية تصدت لهجوم صاروخي أوكراني كبير استهدف مطار المقاطعة، وأنها أسقطت 10 صواريخ، وأن صاروخين سقطا في محيط المطار، كما أكد حاكم المقاطعة وقوع "أضرار طفيفة" بمنازل وسيارات.
شكلت بيلغورود مصدر إمداد للقوات الروسية في بدايات حرب روسيا على أوكرانيا المستمرة منذ 8 أشهر، ويشير استهدافها الجديد تساؤلات بشأن حسابات كييف ورهانات موسكو في المقابل.
وفي تصريحات جديدة للكرملين تحمل تلويحاً جديداً من قبل موسكو بالأسلحة النووية، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الثلاثاء 18 أكتوبر/تشرين الأول، إن المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا قبل أسابيع من أوكرانيا، تخضع بالكامل لحماية الترسانة النووية الروسية.
وأضاف بيسكوف في حديث مع الصحفيين: "هذه الأراضي أجزاء غير قابلة للانتزاع من روسيا الاتحادية، وتحظى بالقدر نفسه من التأمين، شأنها شأن بقية الأراضي الروسية".