يبدو أن الغرب يريد استسلام الجنود الروس كأسرى حرب، ولكنه لا يرغب في استقبال الروس الفارين من حملة التجنيد كلاجئين يلقون معاملة إنسانية.
واحتفت وسائل الإعلام الغربية بإطلاق أوكرانيا موقعاً إلكترونياً يشجع الجنود الروس على الاستسلام، وبحظر الحكومة الروسية له.
الموقع الأوكراني الذي يشجع على استسلام الجنود الروس يتلقى سيلاً من الطلبات
فمنذ الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، تلقى موقع يسمى Hochu Zhit أكثر من 2000 طلب من أفراد الجيش الروسي من أجل ترك مواقعهم والاستسلام طوعاً إلى القوات الأوكرانية، وذلك حسبما نقل موقع The Kyiv Independent.
ولكن الحكومة الروسية حظرت أمس الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول مستخدمي الإنترنت حول البلاد من الولوج إلى موقع أوكراني يشجع أفراد الجيش الروسي على الاستسلام، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
والموقع الأوكراني الحكومي الذي يشجع على استسلام الجنود الروس اسمه Hochu Zhit، أي "أريد أن أعيش" باللغة الروسية.
ويتعهد الموقع بالالتزام باتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، ويقدم لأفراد الجيش الروسي ثلاث وجبات يومياً ودعماً قانونياً ورعاية طبية إذا قدموا طلباً للاستسلام عبر الموقع أو عبر الخط الساخن المرتبط به.
يأتي إطلاق ذلك الموقع بعد أن دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشهر الماضي الروس للاحتجاج على التعبئة الجزئية التي أعلنها بوتين.
وأعلنت أوكرانيا عن الخط الساخن للمرة الأولى في 19 سبتمبر/أيلول عن طريق وزارة الدفاع الأوكرانية، قبل يومين فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة العامة لـ300 ألف من قوات الاحتياط لإرسالهم إلى الجبهة، وجُنِّد كثير منهم بالفعل.
وأفادت منظمة The Roskomsvoboda Project الروسية غير الحكومية المناهضة للرقابة أمس الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول، بأن الدخول إلى الموقع حُظر بموجب سلطة مكتب المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف.
ونقلت صحيفة Kommersant ما أوردته منظمة Roskomsvoboda Project في توضيحها لحظر الموقع الأوكراني: "المشروع جرى حظره مرتين.. المرة الأولى بـ"الإخفاء" عندما حُظرت جميع النطاقات والنطاقات الفرعية للموقع، والمرة الثانية كانت عن طريق حظر الموقع بأكمله".
لم ترد وزارة الدفاع الأوكرانية، التي تدير موقع Hochu Zhit، فوراً على طلبات للتعليق أرسلها موقع Business Insider، وكذلك لم ترد حكومة روسيا الاتحادية.
روسيا تعترف بأخطاء في التعبئة وتتعهد بإنهائها
كانت السلطات الروسية قد اعترفت بوقوع أخطاء في حملة التعبئة الجزئية التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتعهد بوتين يوم الجمعة الماضي، بإنهاء التعبئة المثيرة للانقسام التي شهدت استدعاء مئات الآلاف من الرجال للقتال في أوكرانيا وفرار أعداد كبيرة، حسب تقديرات غربية.
وقال إنه ينبغي إنهاء استدعاء جنود الاحتياط في غضون أسبوعين.
انقسام أوروبي حول قبول الروس الفارين.. أوكرانيا تريدهم أسرى لا لاجئين
وبينما تشجع أوكرانيا على استسلام الجنود الروس كأسرى حرب، يبدو أن كييف والعديد من العواصم الأوروبية لا سيما الواقعة في أوروبا الشرقية، لا تريد استقبال الروس الفارين كلاجئين من حملة التجنيد (أي يريدونهم أن يصبحوا جنوداً ثم يستسلموا للأسر).
يقول البعض إن الروس الفارين من حملة التعبئة قد يشلكون بعض المخاطر بالنسبة للبلدان التي تستمر في قبول المواطنين الروس.
تشير دول مثل فنلندا، وكذلك دول البلطيق ذات الكثافة السكانية المنخفضة، إلى المشكلة الأمنية التي يمكن أن يمثلها هؤلاء الروس. يتذكرون أن العديد من هؤلاء القادمين الجدد رحبوا بالحرب، إلا أنهم الآن لا يريدون الانضمام.
من ناحية أخرى، فإن دولاً مثل ألمانيا وفرنسا ليس لديها ذات المخاوف: لأن لديها عدداً أكبر من السكان، وتمثل تقليدياً دولاً توفر الحماية للاجئين، كما أن بُعد المسافة بينها وبين روسيا يُنظر إليه على أنه نعمة.
أشارت حكومة ألمانيا التي تستضيف أعداداً كبيرة بالفعل من اللاجئين السوريين والأوكرانيين، إلى أنها ستمنح الإقامة للروس الرافضين للتجنيد لأسباب ضميرية.
ولكن حتى هذا لا يعجب الأوكرانيين والكثير من ساسة أوروبا الشرقية.
يتخوف البعض من أن بوتين قد يرسل طابوراً خامساً، لإحداث الفوضى، لا سيما في دول أوروبا الشمالية والشرقية المجاورة لروسيا، حيث لا تزال ذكرى مقتل شيشاني عام 2019 في حديقة بالعاصمة الألمانية برلين على يد عملاء روس ماثلة.
وقال عضو البرلمان الأوروبي أورماس بايت وهو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي ووزير خارجية إستونيا السابق: "أعتقد اعتقاداً راسخاً أن منح اللجوء للرجال الذين يغادرون روسيا حالياً سيكون مخاطرة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا ينبغي القيام بهذه الخطوة".
وأضاف: "لا يوجد سبب لافتراض أن الرجال الذين يغادرون روسيا حالياً سيكونون تلقائياً ضد حرب روسيا ضد أوكرانيا أو نظام بوتين".
الحجة الثانية التي يستند إليها هي أنه إذا كانت روسيا تريد حقاً الحصول على أكبر النتائج الممكنة من التعبئة المعلنة، فلماذا لم تغلق روسيا حدودها؟ لماذا يُسمح لمئات الآلاف من الرجال بمغادرة البلاد؟
ويتساءل لماذا لا يذهبون لدول آسيا الملاصقة لروسيا مثل الصين ودول آسيا الوسطى.
وأفادت تقارير بأن بعض المجتمعات الأوكرانية في البلدان الأوروبية أعربت عن قلقها بالفعل من منافسة الروس الفارين من التجنيد المحتملة للاجئين الأوكرانيين، حيث يبدو أنهم يريدون استسلامهم كأسرى حرب يوضعون في السجون، لا أن يكونوا لاجئين.
ويقولون إن الروس الذين قبلوا سياسات حكومتهم لأكثر من نصف عام من الحرب الأكثر دموية يغادرون الآن ليس لأنهم منشقون ولكن ببساطة خوفاً من التعرض للقتل في ساحة المعركة.
ويزعمون أنه من غير المرجح أن يؤدي الاستمرار في قبول الفارين الروس إلى تقويض حملة التجنيد الإجباري في روسيا، ولكنه سيؤدي إلى مشاكل أمنية في البلدان المضيفة.
بينما يتبنى بعض الأوروبيين اقتراحاً أقل حدة، حيث يطالبون بالسماح للدول الأوروبية الصغيرة المجاورة لروسيا مثل فنلندا باستقبال الفارين من حملة التجنيد، ثم نقلهم إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين الأكبر والأبعد عن روسيا. لكن مع إخضاع الفارين لفحوصات أمنية صارمة من قبل السلطات المختصة.