يعمل باحثون عسكريون أمريكيون على تطوير شبكات طاقة لاسلكية لنقل الطاقة بتحويل الطاقة لموجات ونقلها عبر الأثير لتعزيز سرعة إمداد الطاقة، الأمر الذي سوف يحدث ثورة غير مسبوقة في الاقتصاد وطريقة عمل الجيوش على السواء.
ومن شأن هذه التقنية توفير قدر مذهل من مرونة الأصول العسكرية في الخطوط الأمامية بعيداً عن البنية التحتية للطاقة، إضافة لجلب الطاقة من الفضاء، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وتعمل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية (DARPA) على برنامج ترحيل الطاقة اللاسلكية الضوئية الثابتة يسمى (POWER)، والذي يهدف إلى تصميم مرحلات الطاقة الضوئية المحمولة جواً والتي ستشكل جزءاً من شبكات طاقة لاسلكية عاملة بسرعة الضوء.
فكرة شبكات طاقة لاسلكية تعود إلى أكثر من مئة عام مضت
تعود فكرة إرسال الطاقة بدون أسلاك أو بناء شبكات طاقة لاسلكية إلى عام 1890 عندما جرب العالم الروسي نيكولا تيسلا أجهزة لنقل الطاقة باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية. بينما لم يكن تيسلا قادراً على تحقيق حلمه في تزويد العالم بالطاقة، لدينا اليوم أشياء مثل الشحن اللاسلكي للأجهزة القريبة من بعضها البعض.
ويرجع الفضل إلى كاتب الخيال العلمي إسحاق أسيموف في إبراز فكرة مشاريع الطاقة الشمسية الفضائية في عام 1941.
وقال العقيد بول كالهون، مدير برنامج الطاقة في مكتب DARPA للتكنولوجيا التكتيكية: "هذه هي بمثابة معادل لثورة الإنترنت ولكن بالنسبة للطاقة بدلاً من الاتصالات من خلال تسخير الشبكات المرنة متعددة المسارات لخلق تدفق للطاقة من مصادر إنتاجها الوفيرة إلى المستهلكين المتعطشين للطاقة".
ويواجه الجيش الأمريكي كغيره من الجيوش، تحديات كبيرة في نقل الطاقة، هي التي تدفعه لدعم مسار الطاقة المنقولة لاسلكياً، حيث قال كالهون: "غالباً ما يتعين على وحدات الجيش العمل بعيداً عن البنية التحتية القائمة للطاقة والاعتماد على الوقود السائل الذي يتطلب خطوط إمداد غير مستقرة".
إمدادات الوقود تحتاج إلى مساحات كبيرة وتمثل أهدافاً سهلة للأعداء
في الوقت الحالي، يجب أن تخصص المنصات والوحدات العسكرية مساحات كبيرة لتخزين كمية الوقود السائل المطلوبة لإكمال المهمة، الأمر الذي يؤدي إلى استهلاك جزء من مساحة المعدات وجعلها ثقيلة، إلى جانب مخازن ثابتة ومتنقلة، والتي تكون عادة أهدافاً سهلة للعدو.
وأثبتت حرب أوكرانيا أهمية اللوجستيات وإمدادات الوقود التي يعتقد أنها سبب أساسي لتعثر لحملة الربيع الروسي العسكرية، بسبب مشكلات اللوجستيات التقليدية المعروفة عن الجيش الروسي، حيث زعمت تقارير غربية أن مشكلات اللوجستيات وخاصة إمدادات الوقود دفعت بعض جنود الجيش الروسي للتخلي عن معداتهم.
كما أن تخزين الوقود سواء في مستودعات أو عربات لنقله أو حتى في خزانات الآليات العسكرية هي دائماً نقطة ضعف سهلة التفجير بالنسبة للعدو.
ولكن مع إدخال شبكات نقل الطاقة اللاسلكية، ستصبح هذه المنصات قنوات هوائية بدلاً من حاويات، مما يتيح إمكانات كبيرة مثل المدى غير المحدود أو القدرة على التحمل حتى في المنصات الصغيرة غير المكلفة، إضافة لصعوبة استهدافها، حيث يصبح المصدر الوحيد المعرض للخطر هو نقطة إخراج الطاقة ونقطة استقبالها وإعادة تحويلها.
الفكرة التي تقف وراء إرسال الطاقة عبر الهواء تأتي من الاتصالات اللاسلكية
لتحقيق هدف صنع شبكات طاقة لاسلكية، أنت بحاجة إلى تحويل الطاقة من مصدر إنتاجها إلى موجة منتشرة، في الأغلب ستكون موجات كهرومغناطيسية، ثم إرسالها عبر الفضاء الحر، وتجمعها من خلال فتحة، ثم تحويلها مرة أخرى إلى شكل طاقة كهربائية.
العقبة التي تحول دون تحقيق هذه التكنولوجيا حتى الآن هي "كفاءة التحويل".
في شبكة الطاقة الضوئية التي تتكون من عدة "عقد"، يؤدي التحويل من موجة الانتشار (الموجات الكهرومغاطيسية) إلى الكهرباء في كل عقدة إلى خسائر وهدر في الطاقة غير مقبولة.
كل من هذه التحويلات غير فعال نسبياً وتراكم التحويلات عبر الشبكات غير عملي.
قال كالهون: "سيعمل برنامج POWER على تطوير مرحلات إرسال طاقة فعالة تعيد توجيه عمليات إرسال الطاقة الضوئية مع زيادة جودة الحزمة إلى أقصى حد في كل نقطة على طول طريق النقل، مع حصاد الطاقة بشكل انتقائي حسب الحاجة". وقال: "إنه جهد من ثلاث مراحل".
سوف تؤدي إلى ثورة في عالم الطاقة
يوفر تدفق الطاقة السريع والمرن عبر ساحة المعركة ميزة عسكرية حاسمة، أنه يعادل ثورة النقل التي حدثت على مر التاريخ مثل الطرق الرومانية والسكك الحديدية والحرب الآلية وناقلات التزود بالوقود الجوي… إلخ.
وقال كالهون: "نعتقد أن ابتكار شبكات طاقة لاسلكية سيتيح ثورة الطاقة القادمة". وأضاف: "سيضغط بشكل كبير على الجداول الزمنية للنقل وسيوفر بشكل مرن الطاقة الموزعة للمستهلكين في الهواء، على الأرض، في البحر، تحت سطح البحر، وفي الفضاء".
وسبق أن أعلنت شركة RCA الأمريكية للاتصالات قبل سنوات عن تطويرها لجهاز قادر على شحن الهواتف المحمولة بحوالي 30 ٪ من الطاقة في 90 دقيقة باستخدام نقطة وصول لاسلكية قريبة، ويعتمد مقدار وقت الشحن على قرب المستخدم من نقطة اتصال، ولكن لم يُعرف هل دخل المنتج حيز الإنتاج أم لا؟
البحرية الأمريكية تجري تجربة لنقل طاقة موجات الميكروويف
إضافة لوكالة DARPA، تعمل البحرية الأمريكية أيضاً على نقل الطاقة لاسلكياً.
في أبريل/نيسان 2022، أظهر فريق من الباحثين من مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية (NRL) جدوى إشعاع طاقة الميكروويف الأرضية من خلال إرسال 1.6 كيلووات من الطاقة بنجاح على مسافة كيلومتر واحد باستخدام حزمة موجات دقيقة تبلغ 10 جيجاهرتز.
كان هذا أهم عرض لإشعاع القوة منذ ما يقرب من 50 عاماً، وقد تم إجراؤه في حقل أبحاث الجيش الأمريكي في ولاية، ماريلاند الأمريكية.
كان العرض جزءاً من مشروع NRL's Safe وشركة (SCOPE-M) حول إطلاق شعاع ميكروويف مستمر، بتمويل من مكتب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للأبحاث والهندسة، وصندوق تحسين القدرة التشغيلية للطاقة.
ويتألف مشروع SCOPE-M من عشرات الآلاف من هوائيات النطاق x. يتم توصيل كل هوائي بصمام ثنائي مقوم صغير يحول طاقة الميكروويف العارضة إلى طاقة كهربائية ذات تيار مستمر.
وفقاً لبريان تيرني، مهندس إلكترونيات في شركة SCOPE-M، كان العرض ذا صلة باهتمام وزارة الدفاع الأمريكية بنقل الطاقة اللاسلكية من الفضاء والتي من شأنها أن تتضمن حصول الجنود على الطاقة لمعداتهم.
وأوضح تيرني أنه يمكن استخدام مصفوفة مماثلة (هوائي مقوم) تستخدم من قبل SCOPE-M في الفضاء.
على الرغم من أن SCOPE-M كانت وصلة إرسال قدرة أرضية، إلا أنها كانت دليلاً جيداً على مفهوم وصلة إرسال طاقة عبر الفضاء.
الفائدة الرئيسية من إرسال الطاقة من الفضاء إلى الأرض لصالح وزارة الدفاع هي التخفيف من الاعتماد على إمدادات الوقود للقوات، والتي يمكن أن تكون عرضة للهجوم، حسبما قال تيرني.
يرتبط مشروع شبكات الطاقة اللاسلكية بمنافسة ضارية بين الصين وأمريكا تدور حول جلب الطاقة من الفضاء.
أبرز الدول التي تجري أبحاثاً أو مهتمة بمفهوم الطاقة الشمسية الفضائية هي اليابان والصين وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ففي عام 2008 أصدرت اليابان قانون الفضاء الأساسي الذي وضع الطاقة الشمسية الفضائية كهدف وطني، ولدى وكالة جاكسا المعنية بالأمر، خارطة طريق للوصول إلى حصاد الطاقة الشمسية الفضائية بشكل تجاري.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اقترحت الصين التعاون في مجالات الفضاء مع الهند وذكرت من بينها الطاقة الشمسية الفضائية (SBSP)، حيث تحدثت بكين عن مبادرة الطاقة الشمسية المستمدة من الفضاء التي قالت إنه يمكن لكل من الهند والصين العمل فيها جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى الراغبة في ارتياد الفضاء لجلب الطاقة الشمسية الفضائية إلى الأرض.
في عام 2015، عرضت الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء خارطة طريقها في المؤتمر الدولي لتطوير الفضاء.
في مايو/أيار 2020، أجرى مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية أول اختبار له لتوليد الطاقة الشمسية في قمر صناعي.
تم البحث في العديد من مقترحات حصد الطاقة الشمسية الفضائية (SBSP) منذ أوائل السبعينيات، ولكن لم يكن أي منها مجدياً اقتصادياً مع البنية التحتية لإطلاق الفضاء في الوقت الحاضر.
يتكهن بعض التقنيين بأن هذا قد يتغير في المستقبل البعيد إذا تم تطوير قاعدة صناعية خارج الأرض يمكنها تصنيع أقمار صناعية للطاقة الشمسية من الكويكبات أو الأجسام القمرية، أو إذا كانت تقنيات إطلاق فضائية جديدة جذرية غير الصواريخ يجب أن تصبح متاحة في المستقبل.
بالفعل هناك مشاريع أمريكية اختبارية في مجال الطاقة الشمسية الفضائية.
فهناك مشروع X-37 PRAM-FX يوصف بأنه سري، وهو عبارة عن طائرة فضائية عسكرية غير مأهولة تسمى X-37B، تشبه نسخة أصغر من مكوك الفضاء، والتي صممها باحثون في مختبر أبحاث البحرية الأمريكية.
ويقال إن هذه الطائرة تحمل جهازاً يحول الطاقة الشمسية إلى موجات دقيقة يمكن بثها إلى الأرض لتوفير طاقة خالية من الانبعاثات.
وحلقت الطائرة الفضائية X37-B في الفضاء خمس مرات من قبل، وهي قادرة على البقاء في المدار لأكثر من عام. لكن الجيش الأمريكي كان شديد الصمت بشأن ما كان تفعله هذه الطائرة بالضبط في الفضاء خلال معظم هذه المهام السرية للغاية، وآخر رحلة معروفة، تم إطلاقها في 17 مايو/أيار 2020.
ويعتقد أنه بينما تهدف هذه التجربة إلى اختبار كفاءة النظام في الفضاء، فإنها لن ترسل حزمة موجات دقيقة إلى الأرض.
هل هي مضرة؟
يتحدث البعض عن أن هناك مشكلة ستنتج جراء تسليط أشعة ميكروويف قوية على الأرض، مما قد يخلق خطراً على كل شيء يحلق في السماء من الطائرات إلى الطيور المهاجرة. وقد يكون البديل هو استخدام الليزر، لكنه له مخاطره ومشكلاته الخاصة، وبالتالي فهناك من يقترح أن تكون المناطق فوق المحطات الأرضية مناطق حظر طيران.
ولكن يقول آخرون إنه على عكس مظهر الطاقة الشمسية الفضائية في الروايات الشعبية وألعاب الفيديو، فإن معظم التصميمات التي تقترح أفكاراً لحزم نقل الطاقة الشمسية الفضائية ليست ضارة إذا تعرض لها البشر عن غير قصد، في حال مثلاً إذا خرج مسار الشعاع المرسل من القمر الصناعي عن مساره.
كما يفترض أن يكون هناك قيود على البنية التحتية الخاصة بأنظمة نقل الطاقة الشمسية الفضائية وإجراءات احترازية تمنع أن تتسبب حزم نقل هذه الطاقة في أي مخاطر على البشر أو الحيوانات والنباتات.
العوائق والسلبيات
تواجه الطاقة الشمسية الفضائية عدداً من المشكلات أبرزها تكلفة إطلاق أقمار صناعية ملائمة للعملية، في ظل تكنولوجيا الإطلاق الحالية، والحجم الكبير والتكلفة المقابلة لمحطة الاستقبال على الأرض.
تاريخياً جعلت تكلفة إطلاق الصواريخ والوزن المطلوب لمشروع بهذا الحجم فكرة الطاقة الشمسية الفضائية غير مجدية. وهناك علماء لا يزالون يؤمنون بهذا الرأي اليوم.
يقول آخرون إن وجهة النظر هذه أصبحت قديمة بسرعة بسبب الانخفاض الكبير في تكاليف إطلاق الصواريخ، من خلال الجهود التي تم تمويلها من قبل المليارديرات بما في ذلك المدير التنفيذي لشركة تيسلا إليون ماسك الذي أسس شركة SpaceX العاملة في مجال الفضاء، وجيف بيزوس المدير التنفيذي لأمازون الذي أسس شركة Blue Origin لنفس الغرض.
وفي كل الأحوال، فإن فكرة شبكات الطاقة اللاسلكية لنقل الطاقة من مصدر أرضي، قد تتجاوز مشكلة التكلفة الكبيرة للأصول الفضائية التي يحتاجها جلب الطاقة من الفضاء للأرض.
فالأبحاث في هذا المجال تتركز على سبل نقل الطاقة إلى موجات تطلق عبر الأثير ليتم تجميعها قرب نقطة الاستهلاك.
ولا يعرف بعد هل ستكون نقاط الاستهلاك محطات ثابتة أم وحدات في الآليات التي تحتاج للتزود بالطاقة.
ولكن الفكرة إذا تحولت لواقع سوف تغير شكل الاقتصاد والجيوش، قد يجد العالم نفسه قد استغنى عن ناقلات النفط وأنابيب الغاز، وتصبح الطاقة مثل الاتصالات متاحة للجميع في نفس اللحظة.