منذ كشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أنيابه وشن أعنف ضربات صاروخية منذ بداية الحرب، أصبح الهدف الرئيسي لأوكرانيا وحلفائها حماية الأجواء، فما مدى قدرة نظام الدفاع الجوي الأمريكي "ناسماس" على تنفيذ المهمة؟
كانت روسيا قد شنت ضربات صاروخية مكثفة استهدفت أغلب مدن أوكرانيا، واشتعلت أماكن عديدة في كييف العاصمة، ليستنجد زيلينسكي بالغرب، في رد "انتقامي" من موسكو على تفجير جسر كاريش الاستراتيجي، الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا.
وكانت عدة انفجارات قد هزت العاصمة الأوكرانية كييف ومدن لفيف وترنوبل ودنيبرو وغيرها، صباح الإثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول، بعد ساعات من اتهام بوتين أوكرانيا بتدبير "الانفجار الإرهابي"، الذي ألحق أضراراً بالجسر.
أوكرانيا تستنجد بداعميها الغربيين
الهجمات الصاروخية الروسية، الأعنف على الإطلاق منذ بدأت الحرب في فبراير/ شباط الماضي، كانت قد جاءت في ظل ازدياد الانتقادات الموجهة للجنرالات الروس بسبب الانتصارات الأوكرانية المتتالية في ميدان الحرب منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
وصلت الرسالة الروسية مبكراً إلى كييف، واتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي روسيا بمحاولة محو بلاده "من على وجه الأرض"، وأضاف عبر تليغرام: "إنهم يحاولون تدميرنا ومحونا من على وجه الأرض.. تدمير مواطنينا الذين ينامون في منازلهم في (مدينة) زابوريجيا. قتل الأشخاص الذين يذهبون للعمل في دنيبرو وكييف. صفارات الإنذار لا تهدأ في جميع أنحاء أوكرانيا. هناك صواريخ تسقط. للأسف هناك قتلى وجرحى".
وكرر زيلينسكي ووزير دفاعه مناشدة داعميهم الغربيين سرعة إرسال منظومات دفاع جوي متطورة لحماية السماء الأوكرانية من الصواريخ والمسيرات الروسية، إذ على الرغم من النجاحات الميدانية، ظلت أوكرانيا عُرضة للهجمات الجوية، وفي حديث بعد الضربات، طلب الرئيس الأوكراني من حلفائه الغربيين تسريع تسليمهم لأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة.
وهذا بالضبط ما يفعله حلفاء كييف الآن
وألقى تقرير لصحيفة The Independent البريطانية مزيداً من الضوء على إحدى تلك المنظومات التي بدأ الحلفاء في إرسالها لأوكرانيا، وهي منظومة أمريكية الصنع تسمى "ناسماس".
ففي الأيام التي تلت الهجوم الصاروخي الروسي، الذي ألحق أضراراً بالبنية التحتية للطاقة وقتل 14 مدنياً على الأقل، تعهدت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتسليم أنظمة دفاع جوي متطورة.
على رأس تلك القائمة، كان هناك تعهد من البيت الأبيض بتسريع تسليم نظام صاروخي أرض-جو مطوَّر محلياً، أو اختصاراً "ناسماس"، المخصص للدفاع الجوي الأرضي القصير إلى متوسط المدى.
وافقت الولايات المتحدة على تسليم ثماني منظومات صاروخية "ناسماس" في أغسطس/آب، بعد الطلبات المتكررة من زيلينسكي. وكان من المقرر وصول أول اثنتين منها لأوكرانيا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والباقي في تاريخ لاحق.
لكن البيت الأبيض قال إنه عجّل بهذا التسليم في أعقاب الهجمات الصاروخية الروسية الأخيرة، ويتوقع وزير الدفاع الأوكراني الآن وصول أول اثنتين قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
تكلّف الأنظمة نحو 23 مليون دولار لكل وحدة، وفقاً لوزارة الدفاع، وقال وزير الدفاع لويد أوستن للصحفيين، يوم الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول: "سنوفر الأنظمة هناك بأسرع ما يمكننا الحصول عليها مادياً".
وعلى الرغم من أن العالم الآن يعيش على أطراف أصابعه حرفياً، في ظل وصول الحرب إلى مرحلة تهدد بتخطيها حدود أوكرانيا وتحولها إلى حرب عالمية ثالثة، أو كما وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن "حرب نهاية العالم"، إلا أن الطرفين الرئيسيين فيها، بوتين وبايدن، لا يبديان أي استعداد للتراجع.
فالرئيس الأمريكي لا يوضح كيف يمكن تفادي هذا الخيار النووي المدمّر، في ظل استمرار إرسال الدعم العسكري إلى أوكرانيا، التي تحقق انتصارات ميدانية مهمة منذ مطلع سبتمبر/أيلول، بفضل ذلك الدعم الغربي، وفي الوقت نفسه إقرار بايدن وباقي الزعماء الغربيين بأن بوتين لن يقبل الهزيمة بأي صورة من الصور.
كيف يعمل نظام "ناسماس" للدفاع الجوي؟
إذاً ما هي منظومة "ناسماس"؟ وهل ستكون كافية لحماية أوكرانيا من المزيد من الهجمات الصاروخية؟ "ناسماس" هو نظام دفاع جوي متنقل متوسط المدى قادر على تحديد "طائرات العدو الحالية والمتطورة والمركبات الجوية غير المأهولة والتهديدات الناشئة من صواريخ كروز" والاشتباك معها وتدميرها، وفقاً لما ذكرته الشركة الأمريكية المُصنّعة Raytheon Missiles and Defense، التي طورت النظام بالاشتراك مع الشركة النرويجية، شركة الدفاع والطيران Kongsberg.
وتستخدم أنظمة "ناسماس" لحماية المجال الجوي حول واشنطن العاصمة، حيث البيت الأبيض ومنطقة الكابيتول الأوسع، حيث مقر الكونغرس، منذ عام 2005 تقريباً.
والنظام الصاروخي مزود بثلاث قاذفات، يمكن لكل منها حمل ما يصل إلى 6 صواريخ، ويمكنه تحديد أهداف تصل إلى 25 ميلاً (40.2 كيلومتر). وهذه القاذفات قادرة على الاشتباك مع 72 هدفاً في وقت واحد في الوضعين النشط والسلبي، وباستخدام صواريخ الباحث النشط، يمكنها اعتراض أهداف تتجاوز المدى البصري، وفقاً لتحالف الدفاع الصاروخي، وهي مجموعة ضغط معنية بأنظمة الدفاع الصاروخية.
وحالياً، تستخدم أوكرانيا مخزوناً موجوداً من أنظمة الدفاع الجوي السوفييتية الصنع، مثل نظام الصواريخ أرض-جو بعيد المدى "إس-300". ووفقاً لصحيفة The Financial Times، استفادت أيضاً من نظام "بوك" متوسط المدى بالقرب من الخطوط الأمامية.
لكن معظم هذه الأنظمة صُممت منذ ما يقرب من 40 عاماً وفشلت في حماية المجال الجوي الأوكراني بالكامل، كما أظهرت الضربات الصاروخية الروسية الأخيرة.
وفي حديث صحفي، يوم الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن وافقت الولايات المتحدة على تسريع تسليم "ناسماس"، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي إنَّ الأوكرانيين استخدموا أنظمتهم الحالية بـ"فاعلية كبيرة"، لكنهم طالبوا بحماية أكثر شمولاً في الشكل "نظام دفاع صاروخي جوي متكامل"، أي مزيج من الأنظمة ذات النطاقات المختلفة.
وأضاف الجنرال ميلي: "هذه لا تسيطر على كل المجال الجوي فوق أوكرانيا، لكنها مصممة للسيطرة على الأهداف ذات الأولوية التي تحتاج أوكرانيا لحمايتها".
هل يمكن حماية سماء أوكرانيا بالكامل؟
ليست الولايات المتحدة وحدها هي التي تعزز الدفاعات الجوية الأوكرانية. فقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية يوم الخميس، 13 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ "ناسماس" ستدعمها صواريخ جو – جو متقدمة متوسطة المدى (AMRAAM) ترسلها المملكة المتحدة. وقالت وزارة الدفاع، في بيان، إنَّ الصواريخ، التي تبلغ تكلفة كل منها حوالي 1.2 مليون دولار، ستكون "أول صواريخ تتبرع بها المملكة المتحدة قادرة على إسقاط صواريخ كروز".
وصرح وزير الدفاع البريطاني بن والاس: "ستساعد هذه الأسلحة أوكرانيا في الدفاع عن أجوائها من الهجمات وتقوية دفاعها الصاروخي الشامل إلى جانب ناسماس الأمريكية".
وقد تحرك بعض حلفاء الناتو أسرع من الولايات المتحدة، إذ وصلت بالفعل 4 أنظمة صاروخية أرضية من طراز "إيريس تي" ألمانية الصنع، يمكنها الدفاع ضد الصواريخ لمدى يصل إلى 25 ميلاً (40.2 كيلومتر)، إلى أوكرانيا هذا الأسبوع. وعلى غرار "ناسماس"، سرّعت ألمانيا تسليمها بعد الضربات الصاروخية الروسية.
وأعلنت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت، للصحفيين في بروكسل، تسليم ثلاثة أنظمة دفاع جوي أخرى إلى أوكرانيا العام المقبل. وقالت: "أوكرانيا بحاجة ماسة لأنظمة دفاع جوي ومدفعية، وهذا بالضبط ما تقدمه ألمانيا".
بدوره، أعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف وصول الأنظمة الألمانية وشيك التسليم الأمريكي باعتباره "حقبة جديدة للدفاع الجوي" في أوكرانيا.
وغرّد على تويتر: "بدأت حقبة جديدة من الدفاع الجوي في [أوكرانيا]. إيريس تي من [ألمانيا] موجودة هنا بالفعل. وناسماس [الأمريكية] قادمة. وهذه ليست سوى البداية، إذ نحتاج المزيد…".
السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت أنظمة الدفاع الجوي الجديدة ستكون كافية لوقف الهجمات الصاروخية الروسية في المستقبل. اقترح بعض المحللين العسكريين أنه حتى أنظمة الدفاع الأكثر شمولاً في العالم لا يمكنها حماية أوكرانيا بالكامل، وأنَّ قادتها العسكريين سيظلون مضطرين لاتخاذ خيارات حاسمة حول كيفية توزيع الأنظمة الممنوحة لهم بين الأهداف المدنية والعسكرية.
لكن تايلر روغواي، كاتب الطيران والدفاع، جادل بأن أهم جانب في صواريخ "ناسماس" هو التوافر الواسع للذخيرة اللازمة لإطلاقها. وكتب روغواي في موقع The Drive: "سلاح ناسماس الأساسي هو صاروخ AIM-120 المتقدم جو-جو متوسط المدى (AMRAAM). ونعم، هذا هو نفس الصاروخ الذي تستخدمه الطائرات المقاتلة حول العالم في التطبيقات العسكرية الجو-جو".
وقال الجنرال ميلي في إحاطته إنَّ المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة لأوكرانيا الآن هي تعلم كيفية تنسيق الأنظمة المختلفة العديدة التي في طريقها إلى قواتها المسلحة. وأضاف: "لذا فالأمر معقد للغاية من الناحية الفنية. لكنه قابل للتحقيق، وهذا ما نهدف إليه".