“عرين الأسود” أبطال فلسطين الجدد.. لماذا يثيرون قلق إسرائيل والسلطة رغم افتقادهم قوة الفصائل الأخرى؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/10/13 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/13 الساعة 16:37 بتوقيت غرينتش
مئات الفلسطينيين يشيعون جثمان شاب قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية/ الأناضول

أصبحت مجموعة عرين الأسود الفلسطينية مثار قلق إسرائيلي كبير، وسط التفاف شعبي فلسطيني حولها، وفي الوقت ذاته، يبدو أن تركيبة وجذور المجموعة جعلت السلطة الفلسطينية تتحفظ على مواجهتها، وخاصة أن عرين الأسود تكاد تحصر دورها في التصدي لتوغلات الاحتلال الإسرائيلي.

في مطلع عام 2022، لاحظ مسؤولون أمنيون لدى الاحتلال الإسرائيلي زيادة في عدد عمليات إطلاق النار على أهداف عسكرية إسرائيلية في منطقة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة. 

ونُسب ذلك التصاعد حينها إلى مجموعة تُدعى "كتائب نابلس"، كانت قد اتخذت من البلدة القديمة في نابلس بؤرة تصعيد لنشاطها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

بناء على معلومات استخباراتية، اهتم مسؤولو الأمن الإسرائيليون اهتماماً خاصاً ببعض الشخصيات البارزة في المجموعة، واتُّخذ القرار بالتحرك ضدهم، ثم قرر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في فبراير/شباط، اغتيال 4 شخصيات بارزة من المجموعة، بدعوى تخطيطهم لمهاجمة جنود إسرائيليين.

اقتحمت قوة إسرائيلية خاصة من وحدة "اليمام"، التابعة لشرطة الاحتلال وسطَ مدينة نابلس في نهار يوم 8 فبراير/شباط، وحاصرت مجموعة من المقاومين الفلسطينيين، وقتلوا أشرف المبسلات، وأدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وعرَّفت سلطات الأمن الإسرائيلية الثلاثة بأنهم منتمون إلى كتائب نابلس، وزعمت أن رابعهم وقائد المجموعة، إبراهيم النابلسي، لم يكن حاضراً في تلك العملية.

واصلت القوات الإسرائيلية مطاردة المجموعة، حتى تمكنت في 9 أغسطس/آب من اغتيال إبراهيم النابلسي في منطقة نابلس، وأعلن جيش الاحتلال في ذلك الوقت أن النابلسي كان أحد المسلحين في مجموعة مبروكة، لكنه "لا ينتمي إلى فصيل فلسطيني معين" من فصائل المقاومة.

بعد شهر من اغتيال النابلسي، أصيب مستوطن إسرائيلي في عملية إطلاق نار من سيارة مسرعة بالقرب من بلدة حوارة الفلسطينية بالضفة الغربية، وتمكنت السيارة من الفرار من مكان الحادث. ثم أعلنت مجموعة لم تكن معروفة لسلطات الاحتلال، تُسمى "عرين الأسود"، مسؤوليتها عن عملية إطلاق النار.

منذ ذلك الحين، أعلنت مجموعة "عرين الأسود" مسؤوليتها عن عدة عمليات إطلاق نار وهجمات على قوات الاحتلال في منطقة نابلس والضفة الغربية، حتى تحولت إلى معضلة لقوات الأمن الإسرائيلية وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

أعضاء عرين الأسود ينتمون لفصائل مختلفة وهدفهم التصدي لتوغلات الاحتلال

نقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين مزاعم بأن المجموعة تتكون من أفراد كانوا ينتمون في السابق إلى فصائل أخرى، لكن سير الأمور دفعهم إلى "تغيير تعريفهم العلني لأنفسهم"؛ ليصبحوا المجموعة المعروفة باسم "عرين الأسود".

ينشط أفراد المجموعة في منطقة نابلس، خاصة في البلدة القديمة وفي مخيم بلاطة للاجئين، وغايتهم المعلنة هي التصدي لجنود الاحتلال الإسرائيلي عند أي اقتحام للمدينة، أو مقاومة القوات الإسرائيلية المساندة للمستوطنين في اقتحامهم لقبر يوسف الواقع بضواحي المدينة بدعوى الصلاة فيه.

هكذا يختلفون عن حماس والجهاد، وكثير منهم مؤيد لفتح

زعمت الصحيفة الإسرائيلية أنها تحدثت إلى أحد أفراد المجموعة، ونقلت عنه قوله إن عملياتهم تتمحور حول الرد على حملات الجيش الإسرائيلي ومداهماته للمنطقة، و"لا توجد لدى المجموعة غرفة عمليات بالمفهوم العسكري، أو خطط معينة أو أهداف رسمية". وادَّعت الصحيفة قوله إن المجموعة بعيدة كل البعد عن كونها ميليشيا منظمة، وإنهم لا ينفذون عمليات على غرار عمليات الجناح العسكري لحركة حماس أو "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.

كان معظم المنتمين إلى مجموعة "عرين الأسود" على وفاق مع حركة فتح الفلسطينية حتى بضعة أشهر مضت. بل إن كثيراً منهم أقارب لأفراد في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، أو كانوا في الماضي منتمين إلى فصيل "التنظيم" المسلح التابع لحركة فتح، والذي أسسه القيادي مروان البرغوثي، وشارك في الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

مجموعة عرين الأسود الفلسطينية
فلسطينيون يحملون جثمان ابراهيم النابلسي القيادي البارز في كتائب شهداء الاقصى التابعة لفتح والذي قتل في اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال/رويترز

وقال أحد المنتمين القدامى إلى حركة فتح من البلدة القديمة بنابلس، ممن لهم معرفة بمقاتلين في "عرين الأسود"، للصحيفة الإسرائيلية، إن المجموعة بعيدة كل البعد عن كونها تنظيماً قائماً على الترتيب الهرمي، الذي يأخذ الأوامر من مركز قيادة أو من رأس تنظيمي سياسي، "فهي تختلف تماماً عن كتائب شهداء الأقصى مثلاً خلال الانتفاضة الثانية، والتي كانت قائمة على تنظيم هرمي يضم رئيس حركة فتح ياسر عرفات وكبار رموزها، مثل مروان البرغوثي"، عادة الجانب الفلسطيني الرسمي ينفي توجيه عرفات أو البرغوثي لشهداء الأقصى.

وزعم المصدر الفلسطيني أن "عرين الأسود" مجموعة محلية من الشباب المنتمين إلى منظمات مختلفة، وإن كان أغلبهم مؤيداً أو مرتبطاً بحركة فتح، إلا أن المجموعة تضم أيضاً منتمين إلى حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

ولهذه الأسباب تحفّظت السلطة في البداية في الاستجابة لطلب إسرائيل التصدي لهم

طلبت السلطات الإسرائيلية من السلطة الفلسطينية شنَّ حملة على مجموعة "عرين الأسود"، لكن مشكلة السلطة تكمن في أن المجموعة تختلف عن نظيراتها في جنين على سبيل المثال، فالأخيرة تتلقى مساندة من حركة الجهاد الإسلامي -بحسب المزاعم الإسرائيلية- أمَّا "عرين الأسود" فقوامها من أناس هم جزء لا يتجزأ من حركة فتح والسلطة الفلسطينية نفسها.

من ثم، فإن السلطة الفلسطينية كانت عاجزة عن التحرك ضد المجموعة، وإلا نال ذلك من شرعية سيطرتها على الضفة الغربية، فالمجموعة تقول إن غايتها الوحيدة هي حماية سكان نابلس من اقتحام الجنود الإسرائيليين وحملاتهم على المدينة والضفة الغربية.

 إسرائيل تزعم أن قيادياً حمساوياً أصبح يتزعمها واعتقاله أثار غضباً بالمنطقة

تزعم الصحيفة الإسرائيلية أن مصعب اشتية، الناشط بحركة حماس الفلسطينية، قد تولى قيادة المجموعة بعد اغتيال إبراهيم النابلسي، وأنه شرع في تعزيز التواصل التنظيمي، من جهة الإمدادات المادية واللوجستية، مع حركة حماس.

انتشر الاحتفاء بالمجموعة والمنتمين إليها على وسائل التواصل الاجتماعي، وازداد تأييدهم بكل مقطع فيديو ينشرونه عن عملياتهم المصورة ضد الاحتلال ونشاطهم في الضفة الغربية، واستدعى ذلك مزيداً من المساندة والتمويل للمجموعة، حتى نمت وصارت أقوى بمرور الوقت.

قرر المسؤولون في السلطة الفلسطينية التحرك ضد المجموعة، وتوجهت مجموعة من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في 19 سبتمبر/أيلول إلى مخبأ اشتية في نابلس، واعتقلته بدعوى الاشتباه في تورطه بمخالفات ضريبية والإضرار بأمن السلطة الفلسطينية. وأدى اعتقاله إلى احتجاجات واشتباكات في نابلس بين قوات الأمن الفلسطينية من جهة، ومقاومين وأنصارهم من الناس العاديين في الجهة الأخرى.

ثم طلب عباس اعتقال أعضائها

كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد استدعى رؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ نحو أسبوعين، للحديث عن توتر الأوضاع في الضفة الغربية. وتطرق بعض الحاضرين في الاجتماع إلى صعوبة العمل ضد المقاومين الفلسطينيين الذين يقولون إن عملياتهم موجهة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وليس المدنيين الإسرائيليين.

ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مصادر قولها إن عباس أوضح لرؤساء الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنه لن يقبل استمرار نشاط المسلحين غير الخاضعين لسيطرة السلطة الفلسطينية، وأمر بمواصلة عمليات مصادرة الأسلحة واعتقال المتورطين فيما وصفه بـ"تحريض النشطاء" في الضفة الغربية.

ولكن السلطة الفلسطينية وجدت حلاً وسطاً للتعامل معهم 

وادعت الصحيفة الإسرائيلية أيضاً أن السلطة الفلسطينية بدأت تبذل مساعي لدمج بعض المنتمين إلى "عرين الأسود" في قوات الأمن الفلسطينية، وحثِّهم على تسليم أنفسهم وأسلحتهم مقابل السجن مدة قصيرة، أو الإقامة الجبرية، ثم ضمهم إلى قوات الأمن بعد ذلك، إذا تبيَّن التزامهم.

وقال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية لصحيفة Haaretz: "مخطئ من يظن أن السلطة ستلجأ إلى المواجهة المباشرة أو الاعتقالات الجماعية في ذلك الوقت، الذي نشهد فيه حملات تصعيد إسرائيلية خطيرة ضد الفلسطينيين، فالسلطة ستلجأ إلى محاولة دمجهم وتسوية أوضاعهم".

تقول الصحيفة الإسرائيلية إن إسرائيل اتخذت أيضاً في الأسابيع الأخيرة خطوات بارزة لتقوية السلطة الفلسطينية، فاختلف تعاملها عن سابقه في جنين، وامتنعت عن دخول نابلس إلا في الحالات التي وردت فيها معلومات عن خطط لتنفيذ عمليات. وترمي سلطات الاحتلال بهذه السياسة إلى تقوية قوات الأمن الفلسطينية في مواجهتها مع مجموعة "عرين الأسود".

تحميل المزيد