أفادت وكالة الأناضول التركية بأن تعديلين أدخلهما السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز وكريس فان هولين، قد تم حذفهما من نسخة مجلس الشيوخ لمشروع قانون الإنفاق الدفاعي السنوي للولايات المتحدة.
ما يفتح الباب لزيادة فرصة إتمام صفقة الطائرات الـF-16 العالقة إلى تركيا بدون شروط. وتبلغ الصفقة حوالي 6 مليارات دولار، وتشمل بيع 40 طائرة مقاتلة من طراز F-16V تم بناؤها حديثاً، بجانب الحصول على مجموعات تحديثات لأسطول الطائرات القديم، من طراز 80 F-16 C /D، والتي تمتلك القوات الجوية التركية منها عدد 245 طائرة موجودة في مخزونها.
وكشفت مصادر مطلعة للوكالة التركية أن مجلس الشيوخ الأمريكي، عقد الثلاثاء جلسة لتحديد الصيغة النهائية لمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي يتضمّن ميزانية الدفاع للعام القادم، وأثناء الجلسة ناقش أعضاء المجلس نحو 900 ملحق مطروح، وتم استبعاد ملحقين مطروحين كانا يقفان عائقاً أمام إتمام صفقة الطائرات، حيث تضمن الملحقان شروطاً تعجيزية لتركيا، لضمان عدم استخدام أنقرة الطائرات الحربية في عمليات إقليمية ضد اليونان، أو في العمليات العسكرية ضد حلفاء الولايات المتحدة الأكراد داخل سوريا، مثل قوات سوريا الديمقراطية (SDF) ووحدات حماية الشعب (YPG).
بعد استكمال مجلس الشيوخ مشروع القانون سيتم تحويله إلى نص مشترك مع نسخة مجلس النواب، ومن ثم إرساله إلى مكتب الرئيس جو بايدن، للموافقة عليه.
وكانت تركيا قد تعرَّضت لأزمة كبيرة بعد إخراجها من قِبل الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب من برنامج مقاتلات F-35، عقاباً لها لشرائها منظومة الدفاع الجوي S400 الروسية.
وترى واشنطن أن طائرات F-16 تتعارض مع منظومة S-400 الروسية، وتُعرّض المعلومات الأمنية الأمريكية للخطر.
ولتغطية احتياجات تركيا الأمنية كرّست جهودها الدبلوماسية منذ فترة للضغط لإتمام هذه الصفقة.
لماذا غيَّرت واشنطن رأيها بشأن الصفقة؟
في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة العشرين بروما، وأبدى الرئيس الأمريكي خلال اللقاء رغبةً لإتمام هذه الصفقة، لكن لم تجرِ الرياح بما تشتهي السفن، فقد عارض أعضاء الكونغرس رغبة الرئيس بايدن، وتتعرض الصفقة لخطر الانهيار.
وأدى ذلك إلى موجة تصعيدات من الجانبين، كان آخرها تصريح للرئيس التركي أردوغان، أكد فيه استعداد بلاده للتزود بمقاتلات أخرى، إن لم تصدّر واشنطن F16 لتركيا، وهدد بمقدرة أنقرة على التصرف، على غرار شرائها صواريخ S-400 الروسية.
لكن بعيداً عن حدة التصعيد العلني، أشار موقع (TRT WORLD) إلى أن الفضل يرجع لفاعلية الجهود الدبلوماسية التركية في واشنطن لتغيير قرار مجلس الشيوخ حول الصفقة.
وهذا يدفعنا لقراءة أعمق بين السطور، للأسباب المحتملة وراء هذا التغيير الإيجابي.
ما هي الآلية الاستراتيجية التركية- الأمريكية؟
بجانب رغبة بايدن الإيجابية نشأت آلية من تفاهم بين الرئيسين خلال اجتماعهما على هامش تلك القمة في روما.
حيث أثمر هذا التفاهم في روما عن إطلاق مبادرة سميت بـ"الآلية الاستراتيجية التركية- الأمريكية"، والتي تم الإعلان عنها يوم 4 أبريل/نيسان 2022، بعد عقد اجتماع في العاصمة التركية أنقرة، برئاسة مستشارة وزارة الخارجية الأمريكية المسؤولة عن الشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، ونائب وزير الخارجية التركي السفير سادات أونال.
بعد الإعلان عن المبادرة تكثفت الزيارات الدبلوماسية على مستوى الطرفين.
وتحدثت المصادر التركية والأمريكية باهتمام عن تلك الآلية الاستراتيجية، كمنصة منظمة يمكن من خلالها مناقشة جميع الأمور، رغم أنها لم تكن الجهود الأولى في جمع البلدين، حيث سبقتها العديد من المحاولات الفاشلة، والتي كان آخرها مجموعات العمل في عام 2018 لحل الخلافات حول الشؤون القنصلية، والسياسة المتعلقة بسوريا.
اللوبي التركي في واشنطن واحتمالية التأثير على القرار؟
منذ تخليها عن ثوبها القديم كحليف مضمون للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عملت تركيا على صنع لوبيات لها، تعمل وتضغط من أجل مصالحها في ملفات عدة، ويعد اللوبي التركي واحداً من أكبر لوبيات منطقة الشرق الأوسط داخل واشنطن بعد اللوبي الإسرائيلي.
ويتشعب على عدة مستويات في الولايات المتحدة: البيت الأبيض، والكونغرس، والإعلام الأمريكي، هذا وقد وصلت تكلفة إنفاق أنشطة للضغط السياسي بين عام 2010 وحتى منتصف عام 2020 تقريباً إلى 33 مليوناً و652 ألف دولار أمريكي.
ورغم المشاركة في الضغط على ملفات دفاعية مختلفة وقفت تركيا عاجزة أمام التعنت الأمريكي بفرض عقوبات بسبب صفقة الـS-400، لذلك لا يرجح أن التأثير كبير في ظهور المؤشرات الإيجابية الأخيرة الخاصة بإتمام الصفقة.
لماذا الآن تحديداً تلوّح واشنطن باقتراب نجاح الصفقة؟
لقد أثرت حرب روسيا العنيفة في أوكرانيا، والانقسام العالمي على الطريقة التي تنظر بها تركيا والولايات المتحدة إلى بعضهما البعض، وبشكل أكبر دفعت الولايات المتحدة لإعادة النظر في الاعتبارات الجيوسياسية بشكل أعمق.
فمع استمرار الحرب في كييف ومع تزايُد الحاجة إلى الحفاظ على جبهة موحدة ضد موسكو، تسعى تركيا والولايات المتحدة إلى وضع علاقتهما المضطربة منذ فترة طويلة على مسار أفضل.
وما يشير إلى فاعلية الآلية الاستراتيجية المشتركة الحالية ليس النتيجة التي ظهرت في تغيير شروط الصفقة، بل الاحترافية الدبلوماسية التركية في الأروقة الأمريكية، حيث تدرك تركيا جيداً قيمة مخزونها الجيوسياسي، الذي تم تقديره بوضوح في أعقاب الأزمة الأوكرانية.
بجانب رفض أنقرة للغزو الروسي، وإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل، وفقاً لاتفاقية "مونترو"، فضلاً عن الدعم العسكري لكييف عبر الطائرات المسيرة "بيرقدار تي بي2″، يتضح أن تركيا تعاملت بحكمة مع الإدارة الأمريكية من خلال تلك الآلية، فبينما اختبرت تركيا نظام الـS-400، الذي حصلت عليه روسيا في أواخر عام 2020 كجزء من عملية الاستحواذ، اختارت أنقرة عدم تشغيل النظام حتى الآن، ما دفع المفاوضات الفنية التي بدأت بالأشهر الماضية للتمهيد لإتمام صفقة الـF-16.
يظهر جلياً أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع بنجاح تركيا الدبلوماسي لممارسة المزيد من الضغط على الكونغرس، والذي انعكس إيجابياً حالياً على الصفقة.