هل يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخروج من المأزق الأوكراني الذي وضع نفسه والعالم بأكمله فيه عبر حربه على أوكرانيا، أم أن خليطاً من كبريائه القيصري وطموحات الأوكرانيين وخطط الأمريكيين سوف تمنع الوصول لحل لهذه الأزمة، وتدخل العالم في حرب نووية.
لم يتعود بوتين على الهزيمة منذ اولى حروبه والتي كانت الشيشان وقلبت الخزي الروسي في الجمهورية القوقازية المتمردة إلى بداية صعود الرجل القادم من الـ"كي جي بي" (الاستخبارات السوفييتية)، ثم حربه على جورجيا 2008، وسحقه للمعارضة السورية.
فلم يذق بوتين سوى طعم النصر منذ أن تولى السلطة، وكان النصر بلا تكلفة كبيرة على روسيا في أغلب المرات، مقابل خسارة مريرة لأعدائها، وكان على ما يبدو ضحية لهذا النجاح، فقرر عكس المرات السابقة ابتلاع لقمة أكبر من قدرته.
فاليوم الآية انقلبت، تسجل روسيا خسائر كبيرة في أوكرانيا، وحسب التقديرات الغربية والأوكرانية الخسائر الروسية أكبر من الأوكرانية، ولكن بصرف النظر عن المبالغات الأوروبية والأوكرانية فمن المؤكد أن خسائر روسيا كبيرة، وأن خسائر كييف أقل مما توقع الأوكرانيين أنفسهم، ولهذا فهم لديهم دافع لمواصلة القتال، خاصة أن الحياة في أوكرانيا منذ تراجع هجوم الربيع الروسي على كييف أصبحت شبه طبيعية، قبل أن يشن بوتين هجومه الأخير على المدن الأوكرانية.
بوتين يتوق لحل سياسي يخرجه من المأزق الأوكراني بمظهر المنتصر
ويمثل تراجع الهجمات على المدن الأوكرانية منذ الانسحاب الروسي من شمال البلاد مؤشراً على أن بوتين كان يريد حلاً سياسياً، ولكنه بطبيعة الحال حل يجب أن يظهر فيه أمام شعبه والعالم بمظهر المنتصر.
غير أنه على الجانب الآخر هناك مؤشرات على أن الأوكرانيين وبالأكثر الأمريكييين يريدون استمرار القتال، ووفقاً لبعض التقارير كان الروس والأوكرانيون قد اقتربوا من التوصل لاتفاق خلال المفاوضات التي كانت ترعاها تركيا، ولكن الأوكرانيين أوقفوا المفاوضات بحجة اكتشاف ضحايا لمذابح روسية في مناطق أوكرانية انسحبت منها موسكو وقيل إنهم غادروا المفاوضات بضغط أمريكي.
يريد الأمريكيون تدمير أكبر قدر من القوة الروسية قبل وقت الحرب، وهو أمر صرح به وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وقد أغراهم صمود الأوكرانيين بتدمير عدوهم التاريخي، دون أن يتورطوا في أي قتال، بل مجرد التبرع بأسلحة أغلبها قديم قيمتها بضع عشرات من المليارات.
الأوكرانيون من جانبهم، الذين كانوا شعباً حائر الهوية ممزقاً بين الشرق الروسي والغرب الأوروبي باتوا فخورين بإنجازهم، وأمدهم هذا بطاقة إيجابية لا حدود لها، فأصبحوا يوزعون المديح والتوبيخ على القادة الغربيين، حسب ما يصلهم من دعم، بل إنهم يريدون تحرير كل أراضيهم.
متى يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي لإعلان الانتصار؟
الباحثة ماري دومولان من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، العائدة من أوكرانيا، تقول إن الأوكرانيين "لن يتوقفوا قبل استعادة أراضيهم وإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا"، حسبما ورد في تقرير لموقع فرانس 24.
وأقرت في الوقت نفسه بأنها تجهل "في أي وقت يعتبر الأوكرانيون أنهم استعادوا ما يكفي من الأراضي"، وما إذا كانت استعادة شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا لا تزال مطروحة.
وهكذا بينما يريد بوتين اعترافاً أوكرانيا بضم القرم، والمقاطعات الأربع الأخرى لروسيا شرطاً للسلام، فإن الأوكرانيين بات طموحهم تحرير القرم، والتي تمثل خطاً أحمر للروس وليس بوتين فقط، بما في ذلك معارضون روس يمتدحهم الغرب.
تقول دومولان: "إننا نبتعد عن الحل أكثر مما نقترب منه".
روسيا تلوح بالنووي مع استمرار توالي نجاحات أوكرانيا
منذ بدأت روسيا تتعرض للهزيمة في أوكرانيا في إقليم خاركييف ثم دونيستك وأخيراً خيرسون، وهي تبدو كدب جريح، يواجه كل مأزق بتصعيد جزئي، ولكن سرعان ما تزيد ردود الفعل الغربية والأوكرانية لإرباكها.
من الواضح أن المزيج الفعال من أسلحة أنظمة الدفاع الجوي والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية الصاروخية الذي استخدمه الأوكرانيون منع الروس من حماية قواتهم في المناطق الشرقية لأوكرانيا من هجمات كييف المضادة.
وفي مواجهة ذلك، بدأ الروس يلوحون بالسلاح النووي، وبعد أن جاء رد أمريكي غامض، ولكن بدا حازماً، لأول مرة، حيث قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الجانب الأمريكي أبلغ الروس بأنه سيكون هناك رد حاسم من أمريكا إذا ضربوا أوكرانيا بأسلحة نووية.
لا يعرف ما هذا الرد، هجوم نووي أمريكي مضاد أم عقوبات أشد قسوة أم ضربة تقليدية أمريكية قاسية، مثلما قال الجنرال ديفيد بتريوس المدير الأسبق للمخابرات الأمريكية.
ولكنها عادت لتقلل من هذا الاحتمال
بعد ذلك بدأ الروس في التقليل من شأن الاحتمال النووي، وعلق الكرملين على مطالبة رئيس الشيشان رمضان قديروف باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، بالإشارة إلى أن المسائل النووية لا تبحث بشكل عاطفي.
ثم أعلن بوتين ضم المقاطعات الأوكرانية الأربع التي لم يسيطروا عليها بالكامل (بينهما مقاطعتان يسيطر الروس فقط على نصفيهما، بينما يسيطرون على معظم المقاطعتين الأخريين)، في محاولة واضحة للتغطية على نجاحات الأوكرانيين الميدانية.
فرد الأوكرانيون باستعادة مزيد من أراضيهم، ونقلوا الهجوم الناجح من الشمال شرق خاركيف للشرق في دونتيسك ثم خيرسون في الجنوب، ليثبتوا أن ما يحدث ليس مجرد صدفة أو ضعف استثنائي في جبهة روسية دون أخرى.
لماذا قصفت روسيا أهدافاً غير عسكرية بكييف بصواريخ استراتيجية؟
بعد هجوم جسر القرم رد الروس بقصف المدن الأوكرانية برشقات من الصواريخ الاستراتيجية التي هم في أمس الحاجة إليها، والتي أطلقوها من طائرات استراتيجية من فوق البحر الأسود وبحر قزوين، بدا الأمر استعراضاً شرساً من قوى عظمى عجوز وقعت في مأزق.
شكل هذا القصف الذي تركز على أهداف غير ذات قيمة عسكرية أو استراتيجية تذكيراً لأوكرانيا والغرب، بأن روسيا دولة عظمى لديها أسلحة استراتيجية جبارة.
ولكن ذكر هذا القصف أيضاً أن قوة روسيا الضاربة فشلت في وقف الهجوم الأوكراني على مناطق أدعت للتو أنها جزء منها.
ورد الغرب على الهجوم الصاروخي على المدن الأوكرانية بسرعة، حيث وعد كييف بحزمة من الأنظمة المضادة للصواريخ، التي قد تضعف التفوق الروسي الصاروخي، خاصة أن كييف أسقطت نحو نصف الصواريخ التي أطلقتها موسكو.
كما أصبح رفض الخضوع لما يسمى الابتزاز النووي الروسي شعاراً رائجاً في الغرب.
في مواجهة كل تصعيد روسي يرد الأوكرانيون وحلفاؤهم الغربيون بمزيد من التصعيد، ويفاخر الغرب بأنه حشر بوتين في الزواية، ولكن الواقع أن العالم كله محشور معها.
الغرب يرى أن بوتين يلوح بالأسلحة النووية لكسب الوقت
كتب المؤرخ الأمريكي تيموثي سنايدر على موقعه الإلكتروني أن الرئيس الروسي "يخسر الحرب التقليدية التي شنها، وهو يأمل أن تردع تلميحاته إلى الأسلحة النووية الديمقراطيات الغربية، عن تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، وتسمح له بكسب بعض الوقت لإبطاء الهجوم الأوكراني".
ويبدو أن رهان بوتين على التصعيد لردع الهجمات الأوكرانية الأخيرة قد باء بالفشل، فلقد تصاعدت الدعوات لمزيد من المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، وها هي ألمانيا، الدولة التي كانت أكثر حذراً في استعداء موسكو ترسل أنظمة دفاعية مضادة للطائرات لكييف.
"الهروب إلى الأمام" هو الخيار الذي يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التجأ إليه في الظرف الحالي، إذ يبدو مصمماً على المضي قدماً في هذا الاتجاه، دون أن يلوح في الأفق أي سيناريو محتمل للخروج من الحرب.
وما يؤشر على سوء الأمور أنه حتى وسائل الإعلام في فرنسا، أكثر الدول الغربية مهادنة لروسيا، تؤكد على استحالة الدخول في مفاوضات بالوقت الحاضر، في ظل التهديد باستخدام السلاح النووي من "الدب الروسي".
إنه يريد خوض حرب طويلة الأمد
ومع ضم مناطق أوكرانية جديدة وتعبئة مئات آلاف الروس وخطاب الكرملين المتوعد، يبدو أن بوتين يؤهل روسيا لحرب طويلة الأمد، وفي الأغلب هذا ما يريده الأمريكيون والأوكرانيون أيضاً.
فقد كان بوتين يراهن على عملية عسكرية خاصة تنتهي سريعا بانهيار الدولة الأوكرانية، ولكن اليوم يراهن على حشد موارد روسيا وسكانها في حرب طويلة الأمد تؤدي لإحباط الشعوب الغربية، وإجبارها حكامها المنتخبين على الضغط على أوكرانيا للتفاوض.
ولكن على الجانب الآخر، حرب طويلة الأمد من شأنها استنزاف الجيش والاقتصاد بروسيا، كما تريد واشنطن، ومن شأنها أن تفتح الباب لاستعادة مزيد من الأراضي كما تريد كييف.
وترى فرنسا أن بوتين انطلق في "هروب إلى الأمام".
وأمريكا تصم آذانها عن تهديده النووي
أما الولايات المتحدة فيبدو أنها بعد أن كانت تتجاهل تهديد بوتين النووي في بداية الحرب فإنها اليوم لا تجد حرجاً في الدخول في مبارزة معه، حول من الذي سيبادر بإشعال حرب عالمية ثالثة قد تدمر كوكب الأرض.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس "كيف سيجد بوتين مخرجاً؟ كيف يتموضع بحيث يحفظ ماء الوجه ولا يخسر جزءاً كبيراً من سلطته في روسيا؟"، وهذه أسئلة تتردد في جميع العواصم الغربية التي تسعى لفهم أهداف بوتين وتبحث عن وسيلة لوقف الحرب.
ولكن الغريب أن القوى الليبرالية واليسارية الغربية التي لطالما تحدثت عن حماية الأرض من تغيرات المناخ والمفاعلات النووية والوقود الأحفوري، لا تجد حرجاً في تصعيد خطابها، متجاهلة احتمال تدمير كوكب الأرض تماماً جراء تعمد الغرب محاصرة ديكتاتور، لطالما تفاوض معه من قبل.
وأعلنت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، المعارضة على غرار جميع دول أوروبا الشرقية لأي مساومة مع بوتين، أن "المخرج الوحيد من هذا النزاع هو أن تخرج روسيا من أوكرانيا"، غير أن الانسحاب الروسي غير مطروح الآن على الأقل.
وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، في مقابلة أجرتها معه صحف من أوروبا الشرقية "ما زلنا في زمن حرب"، بعدما دعا لفترة طويلة إلى التفاوض، واتهم باعتماد موقف مهادن حيال روسيا.
لكنه أضاف أن الحرب "لن تنتهي بمعاهدة سلام، بل في التوقيت والشروط التي يختارها الأوكرانيون"، ولو أن باريس تردد أن الخروج من الحرب يجب أن يأخذ أيضاً بالضرورات الأمنية الأوروبية.
يعني ذلك أن أنه لا مجال في الوقت الحالي لمفاوضات سلام، وأن الغرب يراهن على حسم الأزمة على الجبهة العسكرية، حيث استعادت أوكرانيا المبادرة على وقع هجماتها المضادة.
ولكن كيف سيرد بوتين والنخبة الروسية على هزيمة محتملة من أوكرانيا، قد تصل لمحاولة استعادة القرم، وهي مسألة لم تعد مستبعدة، خاصة أن طبيعة جزيرة القرم كشبه جزيرة تجعل الدفاع الروسي عنها ليس بالسهل.
يصف الدبلوماسيون الغربيون بوتين بأنه "دب جريح"، ما يزيد خطورته، يبقى من المستحيل كشف نوايا بوتين، ولا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن اعتبار "ابتزازه النووي" جدياً.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي مؤخراً "اليوم هو في وضع صعب، هناك حرب لا يتمكن من الانتصار فيها، فما الذي يمكن أن يرضيه؟ لا رد لدينا، لكن التصعيد المستمر يبقى خطراً ماثلاً. لا يمكن لديكتاتور أن يخسر حرباً، لأنه إن خسر فهذا يعني موته".
يبدو الغرب مفعماً بنشوة نصر تحقق بدماء الأوكرانيين، ولكن المشكلة أن الغرب هو أول من يعلم أن هزيمة مذلة لدولة نووية هو أمر أخطر من انتصارها.
كثيراً من الروس لا يرون في أوكرانيا أزمة جوهرية، ولذا يراهن الغرب على سقوط بوتين
من بين المخارج التي يراهن عليها الغرب انهيار نظام بوتين، حسب عدد من الباحثين، وهم يستندون إلى إشارات استياء ظهرت مؤخراً في صفوف النخب الروسية حيال الهزائم في أوكرانيا.
كما انتقد عدد من المسؤولين والمشرفين على الدعاية الروسية حملة التعبئة الجزئية، التي دفعت عشرات آلاف الروس إلى الفرار من البلاد، معتبرين أنها كانت فوضوية واعتباطية.
وأشارت الباحثة في معهد كارنيغي تاتيانا ستانوفايا إلى أن النخب الروسية خلافاً لبوتين لا تعتبر أن أوكرانيا تطرح "مشكلة وجودية" لروسيا.
وكتبت في مجلة "فورين بوليسي" هذا الأسبوع أن "المسألة الجوهرية تكمن في معرفة ما إذا كانت النخب الروسية والمجتمع عموماً مهيئة للحاق به في رحلته إلى الجحيم، أم أن بوتين فتح الطريق لسقوطه بنفسه بتصعيد رهانه الكارثي في أوكرانيا"، حسبما ورد في تقرير موقع فرانس 24.
فبينما نجح بوتين لسنوات في جعل القرم من ثوابت القومية الروسية، لم يفعل ذلك مع بقية أقاليم أوكرانيا ذات الأغلبية الناطقة بالروسية، وظلت موسكو تعترف بكون إقليم دونباس جزءاً من أوكرانيا حتى قبل الغزو مباشرة.
وعلى عكس الصين التي جعلت تايوان ثابتاً من ثوابت الحياة السياسية الصينية، (وخاصة أنها لها أسانيد من القانون الدولي)، فإن مسألة أوكرانيا كانت مسألة ذات أهمية ما للروس، ولكن ليست مصيرية، والروس لم يبدوا كثيراً من الاهتمام مثلاً بمشكلات الأقليات الناطقة بالروسية في أوكرانيا، بقدر سعيهم إلى استغلالهم.
وأوردت صحيفة واشنطن بوست، الجمعة، أن أحد أفراد الدائرة المقربة من بوتين عبر له صراحة عن عدم موافقته على قيادة الحرب في أوكرانيا، غير أن مصادر في أجهزة الاستخبارات الغربية لفتت رداً على أسئلة الصحيفة إلى عدم وجود مؤشرات إلى مخاطر بإطاحة النظام.
وقالت ماري دومولان بهذا الصدد: "يجب ألا نعتبر تمنيات الغرب واقعاً"، مشددة على أن التوتر بين "الأجنحة داخل النظام" لا يطال مكانة الرئيس الروسي نفسه. وختمت "لا أحد يعلم متى سيحصل ذلك، ووفق أي سيناريو، ومن سيأتي بعد بوتين".
هل يكون بديل بوتين أخطر على الغرب؟
كما أن الرهان على انقسام النظام يحمل في طياته مخاطر جمة، فقد يأتي نظام أكثر تساهلاً، ومستعد للتفاوض مع الغرب، ولكن طلبات الغرب ومحاولته إملاء شروط على روسيا كأنها مهزومة، قد يؤدي إلى رد فعل قومي متطرف، ويجب أن نتذكر أن أدولف هتلر جاء كرد فعل على مبالغة الحلفاء في إذلال ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
وبينما يراهن بوتين الآن على التلويح بالنووي لدرء أي تصعيد أوكراني إلى حين يستطيع توسيع التصنيع العسكري وآلة الحرب الروسية، (وهي مسألة ستستغرق أشهراً) فإن الغرب يراهن على هزيمة الجيش الروسي، أو سقوط بوتين أو كلاهما.
ولكن في طريق محاولة كل طرف تحقيق أهدافه يظل خيار الحرب النووية قائماً بشكل غير مسبوق في التاريخ، وفي الأغلب أكثر من احتمال وقوعه في أزمة الصواريخ الكوبية في الستينيات التي يشاع مقارنة أزمة أوكرانيا بها.
المشكلة الرئيسية أن خطوط الطرفين الحمراء (المعلنة على الأقل) أصبحت بعيدة الحل المنطقي.
ففي الأغلب الحل الممكن سيقوم على أنه لا يمكن لأوكرانيا أو العالم القبول رسمياً بضم خمسة أقاليم لموسكو (بما فيها القرم)، لاسيما أن أقرب حلفاء روسيا لم يفعلوا ذلك باستثناء نظام الأسد.
كما أن كييف قد تستطيع تحرير جزء كبير من أراضيها، ولكن تحرير كامل أراضيها بما فيها القرم (التي سبق أن أقر كثير من ساسة الغرب بأنه لا أمل في استعادتها)، هي وصفة لانتحار نووي أوكراني جماعي.
الحل الأقرب للواقعية هو أن تحرر كييف جزءاً كبيراً من أراضيها التي احتلت بعد الغزو الأخير، بحيث يبقى لبوتين مساحة يستطيع الادعاء أمام الشعب الروسي أنه غنمها من الحرب، على ألا تعترف كييف أو المجتمع الدولي بهذا الضم.
هذا الحل المنطقي يعني أنه في الأغلب لن يكون هناك سلام بين البلدين، بل هدنة ووقف إطلاق نار، بمراقبة ووساطة من دول محايدة مثل تركيا.
ولكن استمرار رفض الطرفين لهذا الحل أو نصف الحل، يعني أنه بقدر ما هناك احتمال لهزيمة روسيا وتنحي بوتين، كما يأمل الغرب، فإن هناك احتمالاً مساوياً لمحو أوكرانيا بالأسلحة النووية.
إذا كان بوتين قد قام بمقامرة خرقاء بحربه على أوكرانيا، فإن مقامرة الغرب وكييف بمحاولة إذلال روسيا، والتعامل معها كعراق صدام حسين أو ألمانيا النازية، بينما مازالت الأزرار النووية في حوزة بوتين، هي خيار أكثر خطورة.