المستقبل مع الصين والحاضر مع أمريكا.. هل تكرر إسرائيل مع بكين وواشنطن ما فعلته مع بريطانيا وألمانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/10/12 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/12 الساعة 11:50 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نتنياهو/ رويترز

تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ من العلاقات بين الصين وإسرائيل، وها هي تحاول عرقلة اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، لأنها تخشى، على ما يبدو، أن يتكرر ما حدث في الثمانينيات، وهو أن تتسرب تكنولوجيا أمريكية حساسة للجيش الصيني عبر البوابة الإسرائيلية.

في المقابل تحاول تل أبيب تهدئة روع الحليف الأمريكي، مع الإصرار على تعزيز العلاقات مع العملاق الآسيوي الصاعد، وهو ما يبدو من حرصها على إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وإسرائيل..

وتُعد الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وارتفعت قيمة التجارة بين البلدين من 10.96 مليار دولار إبان بدء محادثات اتفاقية التجارة الحرة عام 2016، إلى 18.16 مليار دولار في 2021، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

لماذا تحرص الصين على توقيع اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل؟

يقول رجل الأعمال تشو، الذي يُصدّر المركبات الصينية إلى إسرائيل، إن توقيع اتفاقية تجارة حرة سيكون له تأثيرٌ مباشر على شركته. وأشار إلى أن نسبة الضرائب الإسرائيلية على السيارات الكهربائية تنخفض بنحو 10% تقريباً عند توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الدولة المصدرة.

وأفاد إيلان ماور، رئيس غرفة التجارة بين إسرائيل والصين وهونغ كونغ، لموقع Middle East Eye البريطاني: "سيدفع المستهلك الإسرائيلي نسبة ضرائب أقل بكثير بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة".

العلاقات بين الصين وإسرائيل
وزير النقل الإسرائيلي السابق يسرائيل كاتس وموظفو شركة هندسة السكك الحديدية الصينية يحتفلون ببداية أعمال البناء تحت الأرض للسكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب، إسرائيل عام 2017/رويتر، أرشفية

كما ستمثل اتفاقية التجارة نصراً رمزياً لبكين، حيث وقعت الولايات المتحدة أول اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل عام 1985. وإذا نجحت بكين في توقيع الاتفاقية، فستكون أول اتفاقية توقعها الصين في الشرق الأوسط، بينما تزداد بصمة الصين في المنطقة من خلال مشروعات مثل مبادرة الحزام والطريق.

فضلاً عن أن إتمام الصفقة قد يعزز المحادثات الجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل توقيع اتفاقيات تجارية.

لكن المحادثات بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وألد أعدائها تحظى باهتمامٍ حذر في واشنطن اليوم.

تاريخ العلاقة بين الصين وإسرائيل يقلق أمريكا.. هكذا تم تسريب أسرارها العسكرية لبكين

تحدث مسؤولٌ أمريكي إلى الموقع البريطاني شرط السرية، وقال: "لدينا الكثير من الأسئلة غير المجابة حول الصفقة. ما الذي تعنيه اتفاقية التجارة الحرة بالنسبة لصناعات التقنية والصناعات الحساسة؟ نتحدث إلى الإسرائيليين حالياً في محاولةٍ لاستيضاح الأمر".

وقبل عقود ساعدت إسرائيل الصين سراً على تطوير مجموعة من أفضل أسلحتها، فعلى سبيل المثال، الطائرة J-10 التي تعد المقاتلة الرئيسية لسلاح الجو الصيني، جذور تصميمها اعتمدت بشكل كبير على الاستفادة من المقاتلة "لافي" التي طورتها إسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين بناء على تصميمات وتقنيات ومحركات أمريكية، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

ودخلت الطائرة لافي الإسرائيلية حيز المرحلة التجريبة وطارت بالفعل في بعض التجارب، ولكن  إسرائيل أوقفت المشروع بسبب تكلفته وإصرار الولايات المتحدة التي توفر 40% من مكونات Lavi على منع تصديرها حتى لا تنافس إف 16، فباعت إسرائيل التصميمات للصين في بداية التسعينيات، في ذلك الوقت كانت قد بدأت الدول الغربية في منح تصدير التكنولوجيا العسكرية لبكين، بعد مذبحة ميدان السلام السماوي عام 1989، ولكن فوبيا الصين، لم تكن قد تملكت الغرب بعد، ولم تنتبه أمريكا إلا متأخراً، إلى أن تل أبيب ما زالت تسرب التكنولوجيا المتقدمة (والتي أغلب أصولها غربية) لبكين.

المفارقة هنا أن الطائرة لافي نفسها كانت مستوحاة من إف 16، مع تطويرات إسرائيلية (قد تكون متأثرة أيضاً بالخبرة الإسرائيلية مع طائرات ميراج الفرنسية)، أي أن المقاتلة الصينية J-10 المتأثرة بتصميم لافي الإسرائيلية، تحمل تأثيرات من إف 16 الأمريكية التي باتت تنافسها الآن.

المقاتلة الصينية J-10 التي يعتقد أن تصميمها مأخوذ من تصميم إسرائيلي بدوره متأثر من الطائرة إف الأمريكية/رويترز

وقبل ذلك كان صاروخ PL-8 الصيني المضاد للطائرات هو إحدى ثمار فترة التعاون الثرية بين بكين وتل أبيب خلال الثمانينيات. فلقد أعجبت الصين بأداء Python 3 الإسرائيلي في لبنان في عام 1982 وطلبت نقل التكنولوجيا الخاصة به، فقدمت إسرائيل ترخيصاً للصين لإنتاج صواريخ Python III في أواخر الثمانينيات، قبل أن تبدأ الصين التصنيع المحلي الكامل، حسبما ورد في تقرير لموقع the drive الأمريكي.

هل تكرر إسرائيل مع أمريكا والصين ما فعلته مع ألمانيا وبريطانيا؟

واليوم مع صعود الصين العظيم، واحتمال تحولها للقوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم يبدو أن إسرائيل لا تستطيع مقاومة إغراء محاولة التقرب منها، لضمان أن تظل صديقة القوة الأقوى في العالم مثلما نقلت الوكالة اليهودية رهانها من ألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى لبريطانيا.

وكانت ألمانيا أول دولة توجه إليها مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل طالباً مساعدتها في إقامة دولة يهودية، حيث التقى هرتزل بالقيصر الالماني ويلهلم الثاني، لطلب دعمه تأسيس دولة يهودية في الشرق برعاية ألمانيا، ورحب هذا بهذا التوجه الزعماء الصهاينة، لا سيما وأن الكثيرين منهم كانوا من اليهود الألمان، بالإضافة إلى أن الثقافة الأصلية لهرتزل نفسه كانت ثقافة ألمانية.

ولكن عند اجتماع القيصر الألماني بالسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، رفض الأخير هذا التوجه، مما دفع القيصر الذي كانت سياسته تقوم على التحالف مع الدولة العثمانية إلى الابتعاد عن المشروع الصهيوني.

ولكن رغم ذلك عندما دخلت ألمانيا الحرب العالمية الأولى، كان يخدم في هذه الحرب ما لا يقل عن 100,000 جندي يهودي ألماني. الغالبية منهم في الجبهة، حسب موسوعة الهولوكوست، ونتيجة لهذه التطورات نقلت الوكالة اليهودية الرهان من بريطانيا وعندما تراجعت قوة الأخيرة نقلت الرهان إلى أمريكا بعد ذلك خاصة مع تزايد تأثير اليهود الأمريكيين على الحياة السياسية والاقتصادية الأمريكية. 

إليك التكنولوجيا التي تخشى واشنطن أن تنقلها تل أبيب لبكين

مع احتدام المنافسة الصينية الأمريكية، باتت الولايات المتحدة أكثر حسماً في هذه القضية، وأصبحت العلاقات الاقتصادية بين الصين وإسرائيل سبب انزعاجٍ نادر في علاقة تل أبيب الجيدة دائماً مع واشنطن.

أثارت الاستثمارات الصينية في قطاع التقنية الإسرائيلي المزدهر دهشة واشنطن. وشكّلت التقنية 97% من إجمالي الصفقات بين البلدين خلال العقدين الماضيين. ويمثل هذا الأمر مصدر قلقٍ للولايات المتحدة، نظراً للتعاون التقني الدفاعي الوثيق بينها وبين إسرائيل.

وقال ديفيد شينكر، المسؤول الكبير السابق في الخارجية الأمريكية، للموقع البريطاني: "يمتلك الجميع علاقات تجارية مع الصين. وليست هناك مشكلة مع التجارة في حد ذاتها. بل تكمن المشكلة في المنتجات التي تتبادلها تجارياً معهم، وما يُسمح لهم ببنائه والاستثمار فيه".

وشكّلت إسرائيل هيئةً حكومية لفحص الاستثمارات الأجنبية في البلاد عام 2019، تحت ضغطٍ من الولايات المتحدة. لكن واشنطن أُصيبت بخيبة الأمل إزاء أداء لجنة المراجعة، وفقاً لتصريحات مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين للموقع البريطاني. وتجدر الإشارة إلى أن آلية المراجعة لا تغطي الصفقات التقنية بصورةٍ رسمية.

كما حاولت الولايات المتحدة منع إسرائيل من استخدام الصين في تشييد مشروعات البنية التحتية أيضاً.

إذ افتتحت مجموعة Shanghai International Port Group المملوكة لحكومة شانغهاي ميناءً جديداً على البحر المتوسط في حيفا العام الماضي، بالقرب من المكان الذي يرسو فيه الأسطول السادس الأمريكي. مما دق أجراس الإنذار في واشنطن حيال إمكانية استغلال بكين للميناء كواجهةٍ للتجسس.

وخسرت شركةٌ صينية مشروعاً لبناء محطة لتحلية المياه عام 2020، بعد أن حذّر وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، من مشاركة بكين في هذا المشروع خلال رحلةٍ إلى الأراضي المحتلة.

الاستثمارات الصينية في إسرائيل تراجعت بالفعل

يرى البعض أن الانتقادات الأمريكية بعيدة عن واقع التطورات الأخيرة. حيث تراجع حجم الاستثمارات الصينية في التقنيات الإسرائيلية منذ بلغت السوق ذروتها عام 2018.

ونسب دورون إيلا، الباحث في الشأن الصيني بمعهد Institute for National Security Studies، تراجع الاستثمارات إلى عمليات الفحص الإسرائيلية المُحسّنة. وأوضح لـMiddle East Eye: "لا تغطي آلية المراجعة كل الجوانب التي يريد الأمريكيون تغطيتها، لكن تأثيرها كان مرعباً".

بينما يرى آخرون أن آلية المراجعة نجحت أكثر من اللازم. حيث قال رجال الأعمال والمحللون الذين تحدثوا إلى الموقع البريطاني إن بعض الصفقات التي كانوا يؤمنون بضرورة إتمامها لم تتحقق.

وقال ماور: "تريد الولايات المتحدة أن تقول ضمنياً: 'لنحظر أي تقنية يمكنها مساعدة الصين على منافسة الصناعة والاقتصاد الأمريكيين'".

وتُسلط هذه التوترات الضوء على الخيط الرفيع الذي يتعين على إسرائيل اجتيازه وهي تحاول تعميق علاقاتها الاقتصادية مع بكين، واستيعاب مخاوف واشنطن الأمنية في الوقت ذاته.

وقال توفيا غيرينغ، من مركز السياسات الإسرائيلية-الصينية في معهد Institute for National Security Studies، للموقع البريطاني قائلاً: "أقول للمحاورين الأمريكيين: 'هدِّئوا من روعكم'، وأقول لأصدقائي الإسرائيليين: 'استمعوا إلى الأمريكيين'".

ونفى غيرينغ أن توقيع اتفاقية تجارة حرة يجب أن يزيد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقال: "تبدو هذه المرحلة الجديدة من العلاقات الصينية-الإسرائيلية أوضح من ذي قبل، سواءً على صعيد الفرص أو المخاطر". وأردف أن الاتجاه بدأ يتحوّل مؤخراً إلى تنسيقٍ أكبر مع واشنطن على صعيد المخاوف حيال وصول الصين إلى الصناعات الإسرائيلية الحساسة.

ولكن إسرائيل لم تضم قطاع التكنولوجيا لخطة مراجعة العلاقة مع بكين

وتُراجع الحكومة الإسرائيلية حالياً خطةً لتقوية الرقابة على الاستثمارات الأجنبية. لكن المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين، الذين تحدثوا إلى الموقع البريطاني، أعربوا عن شكوكهم في تأثير هذه المراجعة. وليس قطاع التقنية الإسرائيلي المتطور مدرجاً على قائمة الصناعات الجديدة التي ستخضع للمراجعة أيضاً.

يقول البعض في واشنطن إن هذا هو أقل ما يمكن لإسرائيل أن تقدمه لأقرب حلفائها عندما يكون واقعاً في منافسةٍ بين القوى الكبرى، حيث تشهد هذه المنافسة بروز التقنية باعتبارها إحدى نقاط المواجهة.

ويقول غيرينغ: "ليس في مصلحة إسرائيل أن تخسر الولايات المتحدة تفوقها التقني".

بينما أضاف شينكر: "لا يجب أن تضطر الولايات المتحدة لإخبار إسرائيل بالأمور التي نعتبرها إشكالية. بل يقع على عاتق الإسرائيليين وضع عملية واقعية لمراجعة التجارة والاستثمارات".

ومن المؤكد أن واشنطن ليست قلقةً إزاء العلاقات الإسرائيلية مع بكين، بقدر قلقها إزاء العلاقات مع بقية شركائها في المنطقة.

إذ أوضح مسؤولٌ أمريكي سابق بارز من المطلعين على فكر إدارة بايدن، خلال حديثه إلى Middle East Eye بشرط السرية: "لا تشعر الولايات المتحدة بالمستوى نفسه من القلق عندما نتحدث عن إسرائيل. لأن نطاق العلاقات مختلف".

حيث رفضت إسرائيل تقنية الجيل الخامس الصينية مثلاً، بعكس السعودية والإمارات.

وتساعد بكين المملكة العربية السعودية مثلاً على تطوير الصواريخ الباليستية والقدرات النووية، بينما توقفت محادثات بيع مقاتلات إف-35 للإمارات بسبب المخاوف الأمريكية من تأثير الصين على أبوظبي.

لأن تل أبيب تريد زيادة صادراتها من أشباه الموصلات للصين

يكمن الغرض الرئيسي من اتفاقية التجارة الحرة في تعميق العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين.

وترغب إسرائيل في تسوية العجز التجاري الذي يصل إلى 6.6 مليار دولار بينها وبين بكين تحديداً، وهو أكبر عجزٍ تجاري بينها وبين أي دولة أخرى.

ومن المرجح أن تُترجم هذه الرغبة إلى تصدير مزيد من السلع المتطورة، بالنسبة لاقتصادٍ مثل الاقتصاد الإسرائيلي. ويشمل هذا أشباه الموصلات التي تمثل نحو 50% من الصادرات الإسرائيلية إلى الصين.

بينما قال رجل الأعمال تشو: "نشهد إضافة مزيد من أشباه الموصلات الإسرائيلية إلى السيارات الكهربائية الصينية. وبعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة، سيصبح بإمكان مزيد من شركات أشباه الموصلات الإسرائيلية أن تتعاون مع مزيد من شركات السيارات الكهربائية الصينية".

فضلاً عن أن اتفاقية التجارة الحرة يمكنها أن تسهل على الشركات الإسرائيلية افتتاح مصانع تجميع في الصين، لأنها ستؤدي لخفض التعريفات الجمركية بحسب تصريحات الباحث الزائر في كلية ييل للحقوق تشاوي تشو. وأردف تشاوي تشو: "تعتبر إسرائيل بوابة وصول مهمة إلى الأسواق المتقدمة الأخرى. وسيمثل دخول المنتجات الصينية إلى الأسواق الإسرائيلية دعايةً لها في أوروبا والخليج".

تحميل المزيد