مرحلة جديدة دخلتها الحرب الأوكرانية بعد الهجوم الروسي الصاروخي على كييف وعدد من المدن الأوكرانية، حيث أصبح تقديم الأنظمة الدفاعية الجوية الغربية لأوكرانيا عنوان المرحلة المقبلة، ولكن كيف سيؤثر ذلك على مسار المعارك، وهل يحمي أوكرانيا من صواريخ روسيا، وهل يغير مسار الحرب لصالحها؟
ومنذ بداية الحرب كان واضحاً أن أوكرانيا نجحت في استخدام فعال لمزيج من أنظمة الدفاع الجوي المتوافرة لديها، ضد سلاح الجو الروسي، وهي خليط من أنظمة قديمة طويلة المدى سوفييتية الأصل مثل نظام إس 300 الذي ورثته كييف عن الاتحاد السوفييتي، أو تلك التي قدمها أعضاء بالناتو كانوا جزءاً من الكتلة الشرقية.
إضافة إلى مزيج من الأنظمة الدفاعية الشرقية والغربية متوسطة المدى وأخرى قصيرة المدى، من بينها آلاف من الصواريخ المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف والتي حصلت أوكرانيا على بعضها من الغرب، إضافة إلى المخزون السوفييتي الذي تمتلكه.
مكَّن هذا المزيج كييف من تحييد الطيران الروسي المتفوق بشكل كبير على نظيره الأوكراني، فلقد منعت الأنظمة قصيرة المدى- خاصةً المحمولة على الكتف- الطيران الروسي، سواء المقاتلات أو طائرات الدعم الأرضي ثابتة الجناح أو المروحيات، من توفير الدعم المناسب للقوات البرية الروسية في مواجهة نظيراتها الأوكرانية، الأمر الذي أضعف أداء الجيش الروسي على الأرض بشكل لافت.
فيما منعت الأنظمة متوسطة المدى وطويلة المدى المقاتلات والقاذفات الروسية من العمل من ارتفاعات عالية، وتركت المجال الوحيد المتاح لها وهو قصف الأهداف الأوكرانية الثابتة بإطلاق الطائرات الروسية أجيالاً حديثة من صواريخ جو-أرض من مدى بعيد.
ولكن هذه الصواريخ غير فعالة ضد الأهداف المتحركة، كما أن مخزون روسيا ليس كبيراً منها، ويقال إنه يوشك على النفاد، حسب التقارير الغربية.
ولكن قيام الروس بضرب أهداف مدنية سهلة يصعب الدفاع عنها، يشكل ضغطاً على الرأي العام الأوكراني، الذي أصبح يعيش حياة شبه طبيعية منذ انسحاب الروس من محيط كييف بعد تعثر هجوم الربيع، الذي تقول المصادر الغربية والأوكرانية إنه كان يهدف إلى دخول العاصمة كييف.
والآن مع عودة روسيا للقصف الصاروخي، ورغم الشكوك في فعاليته العسكرية، ومدى قدرة موسكو على الاستمرار فيه، فتح ذلك الباب أمام مجال لطالما كان الغرب متردداً فيه وهو منح كييف أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى غربية الصنع ومتطورة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد أن نقل لنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تعازيه لأحباء القتلى والجرحى الذين سقطوا في الهجمات الصاروخية الروسية التي وصفها بايدن بـ"الحمقاء"، قد تعهد بمواصلة تزويد كييف بالدعم اللازم للدفاع عن نفسها.
ولكن لم يحدد البيت الأبيض أنظمة الدفاع الجوي التي ناقشها بايدن مع زيلينسكي.
والآن يركز حلف شمال الأطلسي على إرسال الدفاعات الجوية الأوكرانية بعد الهجمات الصاروخية الروسية، حيث يجتمع وزراء دفاع الناتو في بروكسل هذا الأسبوع، وسيكون إرسال أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا على رأس جدول أعمال الجميع، حسبما صرحت السفيرة الأمريكية لدى الحلف جوليان سميث، للصحفيين، الثلاثاء.
أمريكا وعدت بتزويد أوكرانيا بالنظام الدفاعي الذي يحمي البيت الأبيض
حتى الآن لم تقدم دول الناتو أي نظام دفاعي جوي متطور من صنع غربي لكييف، باستثناء وعد بتقديم نظام (NASAMS) الأمريكي النرويجي الذي تعهدت به الولايات المتحدة لأوكرانيا قبل الهجمات الأخيرة، وهو النظام الذي يمكنه التعامل مع صواريخ كروز الروسية، ولكن لم يصل إلى كييف بعد.
وتتميز هذه المنظومة بأنها أول منظومة دفاع جوى (قصيرة إلى متوسطة المدى) في العالم تعمل بنظام مركزي آلي بشكل كامل لا يتدخل البشر فيه بتاتاً.
وتملك المنظومة القدرة على تبادل المعلومات والبيانات بين أجزائها بطريقة آلية، حيث يستطيع رادارها أن يلتقط الأهداف ثم ينقل بياناتها إلى الصواريخ التي تنطلق نحوها لتدميرها مباشرة، دون أن يلمسها إنسان ولو بضغطة زر بسيطة.
كما أثبت NASAMS قابلية التشغيل البيني مع أنظمة طويلة المدى مثل Patriot.
ويعتقد أنه سوف يتم تسريع تسليم أوكرانيا هذا النظام الأمريكي النرويجي المشترك الذي تستخدمه واشنطن لحماية البيت الأبيض نفسه.
ولكن جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، قال إن الولايات المتحدة تعاقدت مع شركة ريثيون لبناء ثمانية NASAMS إضافية، لكن البنتاغون قال إن الأنظمة لن تصل لسنوات.
الأنظمة الدفاعية الجوية الغربية محور جهود الناتو لدعم كييف
أصبح قصف روسيا أهدافاً مدنية بأوكرانيا في نهاية هذا الأسبوع، رداً على قصف جسرها الوحيد المؤدي إلى شبه جزيرة القرم، محور الدعم الغربي لأوكرانيا حالياً بعد أن أصابت ملاعب الأطفال وجسور المشاة، باستخدام صواريخ كروز بشكل أساسي. أدت الهجمات حتى الآن إلى مقتل 14 شخصاً على الأقل وإصابة 100 آخرين.
كما تنشر موسكو طائرات إيرانية بدون طيار ضد الجنود الأوكرانيين والبنية التحتية المدنية، مما كانت له آثار مدمرة، حسب وصف تقرير لصحيفة Politico الأمريكية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال خطابه بالفيديو أمام قمة مجموعة السبع في 11 أكتوبر/تشرين الأول، إن المخابرات العسكرية الأوكرانية أظهرت أن روسيا طلبت 2400 طائرة إيرانية من طراز شاهد-136 كاميكازي.
ويركز الأوكرانيون في أحاديثهم الأخيرة، على خطورة الطائرات المسيرة الإيرانية، ولا يعرف هل ذلك سببه خطر فعلي لهذه الطائرات، أم محاولة اجتذاب صقور اليمين الأمريكي الساخطين على طهران أكثر من بوتين.
ورداً على ذلك، قالت السفيرة جوليان سميث إن الناتو يخطط لمناقشة أفضل السبل لحماية البنية التحتية الأوكرانية من الضربات القاتلة حسب وصفها، حيث ظهرت الدفاعات الجوية كأكثر احتمال للتسليم في المستقبل القريب.
وقالت سميث في إيجاز نظمه مكتبها: "نحن الآن ننتقل مرة أخرى إلى الدفاع الجوي"، مشيرة إلى أنه في المراحل السابقة، تركزت استجابة الناتو على ما تحتاجه أوكرانيا في لحظات محددة من الحرب، أي الذخائر والدفاع الساحلي. ستشكل الدفاعات الجوية "جوهر الحديث غداً"، في أول يومين من الاجتماعات بمقر الناتو في بروكسل.
ستشمل فعاليات الناتو اجتماعاً لوزراء دفاع الحلف، إضافة إلى مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية، وهي تجمُّع للقادة العسكريين برئاسة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
ودعا مشرعون أمريكيون، يوم الثلاثاء، إدارة بايدن إلى إرسال مزيد من الأسلحة المتطورة إلى كييف فور وقوع وابل من الهجمات الصاروخية الروسية، حيث حث السيناتور الجمهوري جيم ريش، بايدن على إرسال دفاعات جوية طويلة المدى وطائرات مقاتلة.
وقال ريش في بيان: "وابل الضربات التي شنها بوتين على المباني المدنية في أوكرانيا اليوم، وضمن ذلك ملعب للأطفال ومحطات المياه والكهرباء، دليل على أن روسيا دولة إرهابية ترتكب أعمال إبادة جماعية". "سيساعد تسليح وتجهيز أوكرانيا بشكل أفضل في إنقاذ الأرواح ومنح أوكرانيا القدرة على إنهاء هذه الحرب بشكل أسرع. إدارة بايدن يمكنها ويجب عليها أن تفعل المزيد للدفاع عن أوكرانيا".
وقال النائب الجمهوري مايكل ماكول: "يجب جعل بوتين يفهم أن مثل هذا التصعيد الوحشي وأن جرائم الحرب لن تكسر دعم الولايات المتحدة والعالم الحر لأوكرانيا"، حسب تعبيره.
لماذا يواجه الناتو تحدياً في تزويد أوكرانيا بالصواريخ الدفاعية؟
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، للصحفيين، يوم الثلاثاء، إن الغالبية العظمى من الضربات في أوكرانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع نُفِّذت باستخدام صواريخ كروز أُطلقت من قاذفات بعيدة في المجال الجوي الروسي. وأضاف كيربي أن الدفاعات الجوية الأوكرانية كانت قادرة على إسقاط بعض الصواريخ، لكنه أشار إلى أنه "لا يوجد نظام سلاح واحد ذو رصاصة فضية" لمواجهة التهديد.
التحدي بالنسبة للغرب، هو أن لديه قليلاً من أنظمة الدفاع الجوي المتاحة للتبرع الفوري بها لكييف، حسبما تنقل صحيفة Politico عن توم كاراكو، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
لم يحل الجيش الأمريكي بعدُ مشكلة كيفية حماية شعبه وقواته العسكرية من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تشكل الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز الإيرانية تهديداً مستمراً للجنود والبنية التحتية الأمريكية وحتى المدنيين الأمريكيين في المنطقة.
واجهت الولايات المتحدة مشكلة مماثلة عندما طلبت دول خليجية مزيداً من الأنظمة الدفاعية الجوية بعد تكرار الهجمات الحوثية على السعودية والإمارات، علماً بأن دول الخليج تدفع بشكل فوري- إن لم يكن بشكل مسبق- مقابل ما تحصل عليه من أسلحة من أمريكا عكس كييف التي تنالها مجاناً.
فهناك طلب مرتفع للغاية على الدفاع الجوي، من قبل الغرب وحلفائه، حيث يقول كاراكو: "الغرب والأوكرانيون يدفعون الآن تكلفة العقدين الماضيين من عدم الاهتمام بالدفاع الجوي والدفاع الصاروخي". "لقد اعتبر الغرب التفوق الجوي أمراً مفروغاً منه لفترة طويلة جداً، وهذا ما يبدو عليه الأمر عندما تواجه عدواً يتمتع بكثير من القوة الجوية والصاروخية".
ومع ذلك، فإن زيلينسكي يضغط على دول مجموعة السبع لتوفير دفاعات جوية بسرعة. وقال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إنه من "المُلحّ" أن تشق هذه الأنظمة طريقها إلى أوكرانيا.
وقال باري بافيل من مؤسسة راند: "هناك مجموعة من القدرات ذات الأولوية في المرحلة الحالية والتالية للحرب، وستكون من بينها دفاعات جوية أكثر تقدماً".
بعد هجماتها المضادة الناجحة في الشرق والجنوب، قامت كييف بتعديل قائمة رغباتها للأسلحة مع إظهار روسيا استعدادها لضرب أهداف مدنية، حيث وضعت كييف الدفاعات الجوية على رأس القائمة.
وجددت كييف طلبها العاجل لهذه القدرات يوم الإثنين، وفقاً لأحد مساعدي الكونغرس والمستشار الأوكراني، اللذين لم يُسمح لهما بالحديث رسمياً، حسب Politico.
وتضغط أوكرانيا على الولايات المتحدة لتسريع تسليم نظامين متقدمين من أنظمة الصواريخ أرض-جو على وجه التحديد، والتي من المقرر أن تصل في الشهر المقبل، ولكن لم يعرف نوعهما.
ولكن طلبت كييف نظام C-RAM وAvenger، وهما نظاما دفاع جوي قصيرا المدى، وفقاً لمساعد الكونغرس.
في ظل هذه الأزمة قد يكون الأرجح أن يكون أول الأنظمة الجوية الدفاعية الغربية المقدمة لأوكرانيا، هو نظام التصوير الألماني بالأشعة تحت الحمراء (Iris-T SLM)، وهو صاروخ موجه جو-جو قصير إلى متوسط المدى يعمل بالأشعة تحت الحمراء، أو الأنظمة الأمريكية القصيرة المضادة للمدفعية الصاروخية، وقذائف المدفعية، والهاون.
وسبق أن وعدت برلين بإرسال 11 بطارية من نظام Iris-T SLM، الألماني الصنع إلى أوكرانيا قبل أربعة أشهر، قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن هذه البطاريات "ستمكن أوكرانيا من حماية مدينة بأكملها من الغارات الجوية الروسية".
ورغم أن السبب الدقيق للتأخير غير واضح، فقد تم توجيه الأمر مباشرة إلى الشركة المنتجة التي يُزعم أنها كانت تنتظر رخصة تصدير من الحكومة الألمانية، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية.
ويقول محللون إن الغرب يمكنه حل مأزق الدفاع الجوي لأوكرانيا من خلال الجمع بين القدرات المختلفة، لكن يبقى السؤال: ما الدول التي ستكون على استعداد للتخلي عن أنظمتها الدفاعية من أجل أوكرانيا؟
لماذا رفضت أمريكا تقديم باتريوت لأوكرانيا، وهل تفعلها بعد هجمات كييف؟
طلبت أوكرانيا نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي "باتريوت"، لكن واشنطن رفضت مراراً، بسبب الندرة النسبية للنظام، من بين أسباب أخرى.
قبل الهجمات الصاروخية على المدن الأوكرانية، لم تستجب واشنطن لهذا الطلب؛ ليس فقط خوفاً من أنها ستكون خطوة استفزازية لموسكو، ولكن أيضاً بسبب القلق من أن الصيانة المعقدة ودعم الأنظمة من شأنهما أن يمثلا عبئاً على أوكرانيا في خضم الحرب، إضافة إلى أن هناك طلباً على صواريخ باتريوت من قبل حلفاء أمريكا في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط والمحيط الهادئ.
واكتسب باتريوت شهرته الأساسية من تصديه لهجمات صواريخ سكود العراقية في عام 1991، ولكن أداءه لم يكن مثالياً.
وقد ظهرت عيوب باتريوت الواضحة أمام الطائرات المسيرة الخاصة بإيران والحوثيين وحماس والتي تتهرب من الرادارات، كما حدث مع إسرائيل، والسعودية ثم الإمارات.
في 14 سبتمبر/أيلول 2019، تعرضت السعودية لهجوم يعتقد أنه إيراني، استهدف منشآت شركة أرامكو السعودية، منها منشآة أبقيق المركزية، وأدى الهجوم إلى وقف نحو 5% من إنتاج النفط العالمي.
استُخدمت في الهجوم طائرات بدون طيار وصواريخ كروز الإيرانية. واستخدم في الهجوم صاروخ كروز الإيراني من نوع سومار، وهو تقليد لصاروخ كروز الروسي من طراز KH-55.
كانت المواقع السعودية محميَّة من قبل أنظمة جوية فرنسية وسويسرية قصيرة المدى (كروتالي وأورليكون) وأنظمة باتريوت الأمريكية بعيدة المدى. لم يستجب أي منها أو يردّ بأي شكل من الأشكال على الهجوم الإيراني، على الرغم من أن إيران أطلقت ما لا يقل عن 25 طائرة مسيرة وصاروخ كروز ضد منشآتي بقيق وكريس، حسبما ورد في تقرير لموقع Asia Times.
قبل الهجوم الصاروخي الروسي الأخير، كان الأمريكيون يفكرون دون حسم، في تزويد كييف بصواريخ باتريوت من خلال التعاقد مع شركة Raytheon الأمريكية المنتجة لها لبناء أنظمة مخصصة لكييف، بدلاً من استخدام بطاريات باتريوت التي يوجد عليها طلب كبير بالنسبة لأمريكا وحلفائها.
والآن، لا يعرف هل تدفع التطورات الحالية واشنطن إلى سحب بطاريات باتريوت من الجيش الأمريكي، وحلفاء واشنطن لإرسالها إلى كييف، وهذا أمر سيُغضب حلفاء كثيرين أم أن واشنطن تتعمّد خيار التصنيع خصوصاً لأوكرانيا والذي سوف يستغرق وقتاً طويلاً.
وقال كاراكو إنه مقارنة بأصول الدفاع الجوي والصاروخي الحالية في أوكرانيا، فإن نظام باتريوت نظام أحدث وأطول مدى، من شأنه أن يزود كييف بقدرة جديدة حاسمة ضد الهجمات الروسية. وبينما يمكن لصواريخ NASAMS التي وعدت بها الولايات المتحدة إسقاط صواريخ قصيرة إلى متوسطة المدى، فإن باتريوت تستطيع التعامل مع الصواريخ الأطول مدى بشكل واضح.
هل تمنح أمريكا، أوكرانيا درة تاجها الدفاعي؟
قد يكون أفضل ما في جعبة الولايات المتحدة لتقديمه لأوكرانيا هو نظام ثاد، ولكن النظام المتطور باهظ الثمن، ويعتقد أن الولايات المتحدة لا تمتلك فوائض كبيرة منه، وقد تكون لديها قائمة طويلة من الطلبات، كما أن النظام مخصص لإسقاط الصواريخ فقط دون الطائرات.
وقد يكون الأفضل فنياً بالنسبة للأوكرانيين، هو مزيج من نظامي باتريوت وثاد، حيث لهما أدوار تكميلية، فالأول تم تصميمه لإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى في مرحلتها النهائية على ارتفاعات منخفضة، بينما تم تحسين نظام ثاد لإسقاط الصواريخ متوسطة المدى في نهاية مسارها الأوسط ومراحل الرحلة النهائية، على ارتفاعات أعلى مما تستطيع صواريخ باتريوت الوصول إليه.
وتركز الولايات المتحدة مؤخراً على تعاون النظامين أو تكاملهما لبناء قدرة تشغيلية أفضل في مواجهة التهديدات، حسبما قال الجنرال راندال ماكنتير القائد السابق للفريق متعدد الوظائف للدفاع الجوي والصاروخي.
ميزة استخدام باتريوت مع رادار نظام ثاد بدلاً من صواريخ ثاد هو أن باتريوت يستطيع استهداف الطائرات والطائرات المسيرة، كما أنه أرخص من نظام ثاد الباهظ الثمن.
وعكس نظام S-400 الدفاعي الروسي، فإن نظام ثاد لديه طبقة دفاع واحدة لمواجهة أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ومتوسطة المدى، بينما "إس-400″ يمكنه التصدي للطائرات والصواريخ.
كما أن مدى إس-400 أيضاً أوسع، حيث يقدر بـ400 كيلومتر مقابل 150-200 للنظام الأمريكي، رغم أن هذا مدى تقديري، لأن المدى الحقيقي لنظام ثاد سري.
وتبلغ تكلفة نظام S-400 الروسي نحو 500 مليون دولار، بينما تبلغ تكلفة بطارية باتريوت باك 2 مليار دولار، وتصل تكلفة بطارية THAAD إلى نحو 3 مليارات دولار، وفقاً لما نقله موقع CNBC الأمريكي عن أشخاص على معرفة بتقييمات المخابرات الأمريكية.
مقارنةً بالنظامين الأمريكيين، ثاد وباتريوت، فإن نظام S-400 الروسي الصنع قادر على إشراك مجموعة واسعة من الأهداف، على نطاقات أطول وضد تهديدات متعددة في وقت واحد.
ومن حيث القدرة والكفاءة التشغيلية، أشار أحد المصادر لـCNBC إلى أنه على الرغم من عدم وجود سلاح مثالي، فإن إس-400 يتفوق حتى على ثاد، جوهرة تاج الدفاع الصاروخي الأمريكي. سبق أن تسرب اقتراح أمريكي بدعوة تركيا إلى أن تتبرع بنظام إس 400، لأوكرانيا، وتجاهلت أنقرة الاقتراح، فيما لم تنضم اليونان التي لديها نظام إس 300 إلى قائمة المتبرعين لأوكرانيا.
يظل ثاد مميزاً في مواجهة أنظمة الصواريخ الباليستية ومتوسطة المدى العابرة للقارات، غير أنه باهظ الثمن ونادر، والأهم أن إرساله إلى أوكرانيا قد يعني احتمال سقوطه- وهو درة الدفاعات الجوية الأمريكية- في يد الروس.
الحل قد يكون لدى إسرائيل، ولكنها لن تتبرع به لكييف
يظهر هنا نظام بديل أرخص ومتوافر وهو القبة الحديدية الإسرائيلية، وهو نظام يتميز بأنه قليل التكلفة، لأنه يعمد إلى إسقاط الصواريخ التي يرصد أنها تمثل خطراً عسكرياً فقط، وبالتالي لا يطارد الصواريخ القصيرة.
لكن من المتوقع أن تمتنع إسرائيل عن تزويد كييف به، حسب صحيفة Politico الأمريكية.
فلقد جاهدت تل أبيب لإرضاء أمريكا في الأزمة الأوكرانية مع العمل في الوقت ذاته على تجنب التصعيد مع روسيا، التي تعد جارتها عبر سيطرتها على الأجواء السورية، وتسمح لها بقصف مواقع إيران وحزب الله وحتى مواقع الأسد بأريحية.
من شأن إرسال تل أبيب للقبة الحديدية لأوكرانيا تغيير هذه المعادلة، وظهر عزوف تل أبيب عن استعداء روسيا واضحاً في عدم فرضها أي عقوبات تُذكر عليها حتى إن بدأت موسكو تتنبى خطاباً هجومياً ضدها.
كما أن القبة الحديدية نظام مخصص للصواريخ قصيرة المدى قديمة الطراز، وهي صواريخ متوافرة لدى روسيا، ولكن بحوزة موسكو أيضاً صواريخ أكبر مدى وأكثر سرعة من الصواريخ التي تخصص القبة الحديدية في إسقاطها.
إضافة إلى أن هناك شكوكاً في قدرة القبة الحديدية على التعامل مع الطائرات المسيرة الإيرانية، حيث إن سجلها في تعامل مع الطائرات المسيرة التي تصنعها حماس والجهاد ليس جيداً، وهي على الأرجح نسخ أقل تقدماً من الطائرات المسيرة الإيرانية التي باتت في حوزة موسكو.
نعم، إنها صواريخ دفاعية، ولكن ربما تحمل نذراً خطيرة
رغم أن الهجمات الروسية الصاروخية قد وفرت مبرراً للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاعية جوية غربية متطورة، فإن سبيل أوكرانيا إلى ذلك لن يكون سريعاً أو سهلاً، وقد يستغرق وقتاً.
ورغم أن هذه الأنظمة لا يُنتظر أن توقف- حالما تصل- الهجمات الصاروخية الروسية تماماً، فإنها بالتأكيد سوف تخفف وطأتها على أوكرانيا.
وهذا احتمال قد يؤشر لمزيد من التصعيد في الحرب، فامتلاك أوكرانيا هذه الأنظمة لن يشجعها فقط على توسيع هجماتها المحتملة على الجيش الروسي في المناطق الأوكرانية المحتلة حديثاً، ولكن قد يشجعها على قصف القرم، كما قد يوفر لها الجرأة للرد على أي هجمات روسية صاروخية بضرب العمق الروسي.
كما قد يشجع هذا الخيار أوكرانيا على تجاهل التلويح الروسي باستخدام الأسلحة النووية في الحرب، لأنها قد تفترض أن الأنظمة الدفاعية الجوية الغربية ستحميها.
فالدعم الغربي الواسع جعل أوكرانيا نداً لروسيا، وهو أمر يغضب الروس من ناحية ويحرجهم، كما أنه من ناحية أخرى يشجع كييف على مواصلة القتال.
يشير كل ما سبق إلى أن الحرب تتجه للتصعيد من قبل الجانبين، وأن الأنظمة الدفاعية الجوية الغربية التي قد تصل لكييف، بقدر ما ستحمي سماوات هذا البلد، إلا أنها مؤشر على أن نهاية الحرب ليست قريبة.