النرويج تنقذ أوروبا بإمدادات بديلة للغاز الروسي، فلماذا أصبح البعض في الغرب يراها دولة شريرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/10 الساعة 14:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/10 الساعة 14:53 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع رئيس الوزراء النرويجي جوناس غار ستوير في كييف /رويترز

جدل يتصاعد حول دور النرويج في أزمة الطاقة الأوروبية بعد أن كان ينظر لها باعتبارها بطلة الغرب، ولكن هناك من أصبح يحسدها على الأرباح الإضافية التي حققتها، والتي وصلت لأكثر من 80 مليار دولار، وطالبها البعض بمشاركة هذه الأموال مع أوكرانيا، أو بقية الدول الأوروبية.

وتشهد قارة أوروبا أزمة نقص عامة في إمدادات الغاز الطبيعي بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وقد أخذت الأزمة تنذر بالتفاقم بما تعرضت لها خطوط الأنابيب من انفجارات مجهولة المصدر في الآونة الأخيرة، لذلك فإن أوروبا لم تكن يوماً أحوج إلى غاز النرويج من حاجتها إليه اليوم، بيد أنها لأسباب أخرى لم تكن أيضاً أكثر امتعاضاً منها في يومٍ مثلما هي اليوم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

بدأ الغاز يتدفق إلى بولندا، صباح السبت 1 أكتوبر/تشرين الأول 2022، من خط "أنابيب "البلطيق" الجديد، من النرويج عبر الدنمارك وبحر البلطيق، وذلك بالتزامن مع بدء اليونان وبلغاريا تشغيل خط أنابيب غاز طال انتظاره، سيساعد في تقليل اعتماد جنوب شرق أوروبا على الغاز الروسي وتعزيز أمن الطاقة.

يُعد خط الأنابيب الجديد محورَ استراتيجيةِ بولندا لتنويع إمداداتها من الغاز بعيداً عن روسيا، وبدأت في تلك الاستراتيجية قبل سنوات من غزو موسكو لأوكرانيا، في فبراير/شباط 2022. 

دور النرويج في أزمة الطاقة الأوروبية لا غنى عنه

ومنذ نشوب الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من 7 أشهر، ازداد دور النرويج في أزمة الطاقة الأوروبية، حتى أصبحت إمداداتها لا غنى عنها، فالنرويج الآن، وليست روسيا، هي المورد الرئيسي للغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي. وإذا كانت الانفجارات التي عطلت خطوط أنابيب "نورد ستريم" من روسيا لم تؤد إلى أزمة إمدادات غاز، فإن ذلك لأن الاتحاد الأوروبي كان قد خفض بالفعل اعتماده على الغاز الروسي واحتفل في الأسبوع نفسه بافتتاح خط أنابيب جديد من النرويج إلى بولندا.

تعوِّل بلدان أوروبا على الوقود القادم من النرويج لتخطي أشهر الشتاء الباردة، ومساعدتها في ملء مخزونها لسنوات مقبلة. غير أن النرويج، وإن وصفت كثيراً بأنها دولة خيرة، ومُدحت لأنها موطن جائزة نوبل للسلام، وقد زادت بالفعل صادراتها من الغاز لمساعدة أوروبا في هذه الأزمة، فإن ذلك كله لم يمنع أن تواجه في الوقت نفسه انتقادات لاذعة من بعض الجهات في القارة، وتتعرض لاتهامات بأن الزيادات المفرطة في عائداتها من الغاز جديرة بأن توصف بأنها تربُّح من الحرب الجارية.

80 مليار دولار زيادة في الأرباح والبعض يطالبها بالتبرع لأوكرانيا

لا شك في أن تداعيات الحرب جعلت النرويج أكثر ثراءً، فهي أحد كبار الموردين في صناعة النفط والغاز، ومن المتوقع أن تبلغ عائدات أوسلو من قطاع النفط هذا العام قرابة 109 مليار دولار، بزيادة قدرها 82 مليار دولار على عائداتها في عام 2021. وكثير من تلك العائدات سيذهب إلى صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي بات يوصف بالدجاجة التي تبيض ذهباً لتوسع استثماراته وأصوله التي تبلغ قيمتها أكثر من 1 تريليون دولار أمريكي.

وصف النقاد عائدات النرويج من أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار بأنها أرباح فاحشة. وحثَّ رئيس الوزراء البولندي النرويج على مشاركة "حصة من الزيادة الهائلة في أرباحها" مع أوكرانيا، واتهم أوسلو بـ"انتهاز" الصراع لتعظيم أرباحها، وإن بطريق غير مباشرة.

دور النرويج في أزمة الطاقة الأوروبية
النرويج حققت زيادة كبيرة في الأرباح بفضل القفزة في أسعار النفط والغاز/رويترز

تعرضت الشركات الخاصة الأمريكية أيضاً لانتقادات بسبب تحقيقها أرباحاً ضخمة من مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، إلا أن انخراط الحكومة النرويجية في صناعة النفط والغاز، وواقع أن النرويج جزء من أوروبا، جعلا الامتعاض منها أشد وطأة والانتقادات الموجهة إليها أكثر حدة.

على الجانب الآخر، رفض المسؤولون النرويجيون مزاعم التربح من الأزمة، وقالوا إن ارتفاع الأسعار نتيجة حتمية لنقص المعروض من الطاقة في السوق. واحتجت النرويج بانضمامها إلى العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على روسيا، ومساعداتها العسكرية لأوكرانيا، وجهودها لتأمين السلعة التي باتت أوروبا في أمس الحاجة إليها حالياً، ألا وهي الغاز.

استدعى هذا النقاش أسئلة عديدة، منها: ما هي الحدود التي يمكن على أساسها أن توصف دولة ما -من الدول المصدّرة للطاقة- بأنها "خيرة" أو "شريرة"، في ظل التعامل مع حرب جارية وتضخم اقتصادي وأزمة مناخية؟

تصدرت هذه الأسئلة القضايا المطروحة للنقاش الأسبوع الماضي، فقد انضم رئيس وزراء النرويج، يوناس غار ستوره، إلى القادة الأوروبيين في اجتماع غير رسمي في براغ، وكان مدار الاجتماع هو حرب روسيا في أوكرانيا والتعامل الأوروبي معها. وقال الاتحاد الأوروبي وأوسلو، يوم الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول، إن الجانبين اتفقا على "إنشاء أدوات مشتركة" لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة و"العمل بفاعلية على تخفيض الأسعار المرتفعة على نحو مفرط"، لكنهما لم يصرحا بالقرارات التي قد ينطوي عليها ذلك.

نواب نرويجيون يطالبون بإنشاء صندوق للتضامن 

وطالبت مجموعة من النواب النرويجيين على مدار شهور بإيداع الأرباح النفطية الزائدة على ما كان متوقعاً لعام 2022 في "صندوق تضامن"، معللين طلبهم بأنه ليس من الإنصاف ولا الحكمة اكتناز هذه الأرباح في وقت يدفع فيه الأوكرانيون ثمنها، ويتاخم فيه الاقتصاد الأوروبي حافة الركود، وتجتاح أزمة ارتفاع أسعار السلع الأساسية دول العالم النامية.

وقالت لان ماري نجوين بيرج، نائبة البرلمان عن حزب الخضر النرويجي، "صحيح أنه لا ذنب لنا في حرب الطاقة التي يشنها [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين على أوروبا، لكننا نملك القرار في تحديد ما نريد أن نفعله بمكاسبنا من هذا".

هل يفرض الاتحاد الأوروبي ضريبة أرباح على النرويج؟ 

كان الاتحاد الأوروبي قد أقر "ضريبة أرباح غير متوقعة" (windfall tax) على بعض منتجي الطاقة، و"مساهمة تضامنية" من شركات النفط والغاز، ومن المقرر أن تُستخدم هذه الأموال في التخفيف من حدة ارتفاع أسعار الكهرباء على المستهلكين داخل الاتحاد الأوروبي. ومع أن النرويج ليست من دول الاتحاد الأوروبي، فإن البعض يأمل في أن تنضم إليه في هذه القرارات أو تتعاون معه في تدابير أخرى، مثل تعيين حدٍّ أقصى لسعر الغاز.

غير أن هذه الدعوات لم تُلاقِ إلا الفتور من جانب الحكومة النرويجية. وحين يُسأل المسؤولون النرويجيون عن ارتفاع أسعار الطاقة يقولون إنها مسألة تخص شركات الصناعة، فتُسأل الشركات فتجيب بأن الأمر لا يتوقف عليها، وأن للحكومة يداً فيه أيضاً. والواقع أن الدولة تملك حصة كبيرة من قطاع الطاقة.

في معرض الرد على ذلك، أنكر أندرياس بيلاند إريكسن، وزير الدولة للطاقة والبترول، الاتهامات بأن النرويج تستغل الحرب لحصد أرباح غير مبررة، مؤكداً أن ارتفاع أسعار الطاقة "يضر بالنرويج أيضاً"، وأشار إلى أن صادرات البلاد من الغاز إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 8% على نظيرتها في العام الماضي، وقال: "أوروبا ترى ذلك بنفسها، وتعرف أننا شريك متعاون معها".

من جانب آخر، قالت كارين ثوربون، أستاذة المالية في المدرسة النرويجية للاقتصاد: "لم يسأل كثير من الناس عن إذا كان من العدل الاستفادة من هذا الموقف أم لا، ويقول معظمهم نحن نقبل بالأسعار التي تُعرض علينا".

لماذا يساعدون ألمانيا التي أصرت على الاعتماد على النفط الرخيص؟ 

ويقول كثير من النرويجيين إن لديهم الخضرة وجمال الطبيعة لأنهم يعتمدون على الطاقة النظيفة لتدفئة منازلهم، ويستعملون السيارات الكهربائية، في حين يبيعون الوقود الأحفوري لغيرهم كي يحرقوه. وقالت ثوربون: "هذا الرأي منتشر هنا، فالناس تسود بينهم فكرة مفادها أن السيئين هم من يحرقون الوقود الأحفوري [للحصول على الطاقة]. وهم يقولون إنهم يحرقونه على أي حال، فإن لم يأخذوه منَّا، سيشترونه من غيرنا".

في الوقت نفسه، يبدو العاملون في صناعة النفط والغاز في النرويج كمَن فاز بجائزة اليانصيب وضاق ذرعاً بمكالمات أبناء عمومته البعيدين الذين يطالبونه بإنقاذهم. ويتساءل بعض النرويجيين مستنكراً: لماذا يتعين على النرويج التي اتبعت سبل الرشادة أن تنقذ دولة مثل ألمانيا، التي اغتنت من الاعتماد على النفط الرخيص والغاز الوفير من روسيا؟

يقر المسؤولون والدبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في الأحاديث الخاصة بأنه من المحرج لهم أن الاتحاد أمضى عام 2021 يحث النرويج على عدم التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي للحد من مصادر الوقود المسببة للتغير المناخي، إلا أن الاتحاد منكبٌّ الآن في عام 2022 على ابتزازها لتخفيض أسعار النفط والغاز.

لكن بعض المسؤولين يعلِّل التغير في موقف الاتحاد الأوروبي بالحرب وتداعياتها. وقال مسؤول من الاتحاد الأوروبي، إن وصف النرويج المروجة للسلام والمحبة لتقديم المساعدات بأنها تتربح من الحرب يمثل لمسؤوليها "لكمة في موضع يؤلمهم".

وأوروبا هي التي رفضت إبرام عقود طويلة الأمد معهم

في المقابل، يقول كولبجورن أندرياسن، مدير الاتصالات في "جمعية النفط والغاز النرويجية": "لقد تحولنا من طرف لا يُعبأ به إلى بطل للجميع بين ليلة وضحاها. لم يكن الناس يكترثون لدورنا في أمن الطاقة، وكنا عندهم مجرد بواعث [لغازات الاحتباس الحراري]. لكن الآن أصبحت أوروبا تدرك شدة حاجتها إلينا حقاً".

قال بيورن فيدار ليروين، خبير صناعة الطاقة، إن "دول الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية تشتكي ارتفاع الأسعار، لكن السعر يتوقف على حركة السوق. هذا هو الثمن الذي يتعين عليهم دفعه اليوم". وأشار إلى أن أوروبا حررت الأسعار في أسواق الغاز على مدار عشرين عاماً ماضية، وانصرفت عن العقود طويلة الأجل بين المشترين والبائعين إلى التسعير الفوري [للاستفادة من انخفاض الأسعار أحياناً].

لذلك، فإن ليروين يقول إنه لا يتعاطف مع المشترين الأوروبيين، إذ "لو كانوا تمسكوا بالعقود طويلة الأجل، لكان السعر الآن أقل". ولفت إلى أن أوروبا تقاعست عن مساعدة النرويج في عام 2014، حين أدى انخفاض أسعار النفط إلى بطالة كثيرين عن العمل واضطرابات عمالية، "من قال في بروكسل وقتها ماذا يمكننا أن نفعل لمساعدة النرويج؟".

قالت إنغريد ليلاند، نائبة زعيم حزب الخضر النرويجي، إن تذكير النرويج بخيريتها وحبها للمساعدة يبدو أنه لاقى آذاناً مصغية من الحكومة، واستحثَّها على تعزيز تعاونها مع أوروبا.

ومن ثم، توقعت ليلاند أن تسعى الشركات النرويجية للحصول على عقود طويلة الأجل مع أوروبا، وهو ما يوفر لها تدفقات مطردة من الإيرادات، وربما تتفق مع العملاء الملتزمين على تثبيت الأسعار عند سعر أقل من المعدلات الحالية. وقد بدأت بريطانيا بالفعل دراسة هذا الخيار.

مع ذلك، ترى ليلاند أن الاتفاق على توريد الطاقة بعقود طويلة الأجل قد يعوِّق مساعي النرويج نحو الطاقة النظيفة، وهي تأمل في أن تتضامن الحكومة مع أوروبا، لكن من دون التضحية بالأهداف الموضوعة في سبيل التصدي للتغير المناخي.

تحميل المزيد