بعد أن كان الناتو متخوفاً من انتصار روسيا في حرب أوكرانيا، بات الآن متخوفاً أكثر من هزيمتها، ويثير هدوء بوتين وطموحات أوكرانيا المتصاعدة قلق المسؤولين الغربيين؛ حيث يُتوقع أن تكون حرب أوكرانيا في فصل الشتاء شديدة الدموية، لأن لدى الأوكرانيين خطة متهورة قد تؤدي لرد فعل روسي خطير.
لم تكن موجة التهديدات الروسية باستخدام الأسلحة النووية، والإمعان في خفض إمدادات الطاقة، أبرز أسباب الخوف لدى حلفاء أوكرانيا في الولايات المتحدة وأوروبا خلال المدة الماضية، بل إنها رسخت احتمال انتصار أوكرانيا لديهم، غير أن ذلك الاحتمال انطوى في الوقت نفسه على مخاوف من عواقب هزيمة فلاديمير بوتين، وشكوك لديهم فيما إذا كانوا يريدون له هذه الهزيمة أم أن الأمر قد يكون له تداعيات لا تحمد عقباها، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
استحضر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، هذه المخاوف إلى العلن في تصريحات له يوم الخميس، 6 أكتوبر/تشرين الأول، فقد حذّر من أن تهديدات الرئيس الروسي باستخدام السلاح النووي قد لا تكون خدعة، معللاً ذلك بأن خيارات بوتين الأخرى لإنقاذ حملته العسكرية في أوكرانيا باتت أقل من ذي قبل.
وقال الرئيس الأمريكي في حفل لجمع التبرعات بمدينة نيويورك يوم الخميس: "نحاول معرفة كيف سيجد بوتين مخرجاً؟ ومتى قد يتوقف؟ ما الذي قد يحدث، فلم يعد يرى نفسه في موضع خزي فحسب، بل في موقف يخسر فيه نفوذه في روسيا نفسها؟"
ولوحت روسيا مراراً بأنها قد تستخدم الأسلحة النووية في الحرب الأوكرانية، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه لا يمزح في هذا الأمر، بينما قال رئيس مجلس الأمن القومي والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، إن بلاده من حقها استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن المقاطعات الأوكرانية الأربع التي ضمتها مؤخراً، فيما دعا رمضان قديروف، رئيس الشيشان، إلى الرد على الانتصارات الأوكرانية باستخدام أسلحة نووية تكتيكية.
ورد الكرملين على دعوة قديروف، بقوله إنه يفضل "نهجاً متوازناً" وليس مدفوعاً بالعواطف فيما يتعلق بمسألة استخدام الأسلحة النووية، فيما بدا أنه رسالة لتهدئة الغرب من مخاوف الحرب النووية، ولكنها تهدئة لا يعرف هل هدفها تقليل التصعيد أم خداع الغرب والأوكرانيين.
حرب أوكرانيا تدخل مرحلة مقلقة
في الوقت الحالي، أوقع بوتين نفسه في مأزق، فقد استبعد احتمال المحادثات بقرار ضمِّه للأراضي الأوكرانية المحتلة وإمعانه في المضي قدماً بالحرب بعد إعلان التعبئة العامة بما لا يقل عن 300 ألف جندي احتياطي، حسب تقرير الوكالة الأمريكية.
وقال أليكسي مكاركين، نائب رئيس مركز الحلول السياسية في موسكو، "واقع الأمر أن بوتين يضع شروطاً جديدة على الطاولة، فليس هناك مجال للمناورة".
شبَّه مسؤول أوروبي حالة بوتين حالياً بالحيوان المحاصَر الذي يزداد شراسة؛ لأنه أوقع نفسه في الفخ، حسبما ورد في تقرير Bloomberg.
كييف لديها خطة طموحة وقد تكون متهورة، وهكذا رد الغرب على طلباتها العسكرية
في غضون ذلك، استعادت أوكرانيا بهجماتها المضادة آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي التي لم تكد روسيا تحتلها إلا منذ أسابيع قليلة، وزاد ذلك من طموحات كييف وإيمانها بقدرتها على دفع قوات روسيا إلى الوراء، بل حتى إلى ما وراء المناطق التي كانت تحتلها قبل الغزو في 24 فبراير/شباط. وكلما زاد تقدم أوكرانيا، زادت المخاوف من أن تكون هذه الهزيمة أشد وطأة من أن يقبلها بوتين.
استبعد المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون أن تستطيع القوات الروسية المستدعاة حديثاً، بضعف حوافزها وقلة تدريبها وسوء عتادها، إيقاف التقدم الأوكراني. ومع ذلك فإنهم أيضاً لا يتوقعون نصراً سريعاً لكييف، وقاوموا مطالب كييف بالحصول على أسلحة بعيدة المدى لتسريع تقدمهم.
الأوكرانيون يتوقعون طرد القوات الروسية من معظم أراضيهم خلال الشتاء
لم يتبق إلا بضعة أسابيع على فصل الشتاء الذي يُتوقع أن تزيد فيه صعوبة القتال، والمسؤولون الأمريكيون والأوروبيون في قلق من أن يطول أمد الحرب، وأن يشتد عجز روسيا على استعادة زمام المبادرة، فتدفع بمزيد من القوات والمعدات لإبطاء تقدم أوكرانيا. ويذهب بعض الخبراء إلى أن كييف قد تكون قادرة على دفع قوات موسكو إلى ما وراء المناطق المحتلة بحلول الصيف المقبل.
يقول مسؤولون أوكرانيون إن نجاح هجومهم المضاد حتى الآن يشي بقدرتهم على طرد القوات الروسية من معظم الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال بعد 24 فبراير/شباط، في غضون 3 إلى 6 أشهر، (أي في الشتاء) إذا استمرت إمدادات الأسلحة من الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
على ماذا يراهن الروس؟
أما في موسكو، فإن بعض المسؤولين يعولون على ضعف عزيمة أوروبا وتراجع أمريكا عن مساندة الأوكرانيين، تحت وطأة الأزمات المتلاحقة بسبب قطع إمدادات الطاقة، والتكلفة المتزايدة لمساعدة أوكرانيا.
إلا أن مطلعين على بواطن الأمور أقروا بأن التصريحات العامة، وإن بدت واثقة بأن التعبئة ستسهل على القوات الروسية استئناف الهجوم في غضون شهر أو شهرين، فإنها تخفي وراءها خشية بأن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الكرملين الآن هو نزاع طويل الأمد يستمر سنوات، ويتخلله اشتعال الصراع بين الفينة والأخرى.
زاد هذا الاحتمال من مخاوف الجانبين بأن بوتين قد يقرر أنه لا بديل أمامه سوى مزيد من التصعيد، وشنِّ ضربات أعنف على محطات الطاقة الأوكرانية وغيرها من المنشآت المدنية، أو حتى استخدام أسلحة كيماوية أو نووية. واستدعى تخريب خطوط أنابيب الغاز "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق مخاوف من استهداف البنية التحتية للطاقة في أوروبا أيضاً.
وفي لقاء مع شبكة CBS الأمريكية هذا الأسبوع، قال وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إن بوتين قد يزداد "خطورة وتهوراً إذا شعر بأنه محاصر في ركن بلا مهرب"، فالزعيم الروسي يعمل على أساس "افتراضات معيبة، ويزعم القدرة على الصمود في مواجهة الأوكرانيين وتصعيد الأمور مع الولايات المتحدة، ومع الغرب" في الوقت نفسه.
صقور أمريكا يطالبون بتغيير النظام الروسي؟
مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، حثَّ علناً هذا الأسبوع على "تغيير النظام الروسي"، وقال إن بوتين يجب أن يرحل، إلا أن بعض المسؤولين الأوروبيين يخشون أن يكون بديله أكثر تشدداً منه.
ومما يزيد الارتياب أن خطابات بوتين شديدة الصلابة عن "خطوطه الحمراء" لم تعقبها في كل الأحوال أفعال تؤيدها، بل إن الجيش الأوكراني استعاد بالفعل بعض الأراضي التي أعلن بوتين أنها روسية "إلى الأبد" بعد عمليات الضم، وهو ما أثار انتقادات شديدة لأداء القوات الروسية في وسائل إعلام حكومية.
فعلى الرغم من تحذيرات بوتين من أن الهجمات على شبه جزيرة القرم سيعقبها رد هائل، فإن بوتين لم يفعل الشيء الكثير بعد أن شنَّت كييف مجموعة من الهجمات الصاروخية على منشآت عسكرية روسية في شبه الجزيرة خلال الصيف.
وقد بذلت روسيا حتى الآن قصارى جهدها للتقليل من أهمية الهجمات على المناطق الحدودية بالقرب من أوكرانيا، ووصفت الانفجارات أحياناً بأنها ليست إلا "ضوضاء عالية" في أماكن عامة، لكي لا تضطر إلى الاعتراف بأن الهجمات وقعت على أراضيها.
وقال مكاركين، المستشار السياسي، إن "هزيمة واسعة النطاق في أوكرانيا ستكون أفدح من أن يتستر عليها بوتين. الروس لن يتقبّلوا هذا".