حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن الروس من خطر نشوب حرب نووية في حال استخدامهم لسلاح نووي في أوكرانيا. وهو محق في قلقه، وفي تحذير الروس من اتخاذ هذه الخطوة المصيرية كما يقول محللون غربيون.
إذ أعرب الرئيس الأمريكي، مساء الخميس 6 أكتوبر/تشرين الأول، عن قلقه من اندلاع حرب نووية، وقال في تصريح، كان على ما يبدو ارتجالياً، خلال حفل لجمع تبرعات للحزب الديمقراطي: "لا أظن أن استخدام سلاح نووي تكتيكي سيمر دون حرب تنهي العالم".
وكما هو متوقع، حاول خبراء استراتيجيون وخبراء في السياسة الخارجية تحليل وتوضيح تصريحاته، وأعلن منتقدون يمينيون أن هذا العجوز فاشل ولا يستحق منصبه، وشعر الأمريكيون بالذعر، كما تقول مجلة The Atlantic الأمريكية.
بايدن يحذر من الحرب النووية.. "تصريحات جاءت لتصدم العالم"
تقول المجلة الأمريكية صحيح أن لا أحد يرغب في أن يتحدث أي رئيس عن حرب نووية دون تحضير مسبق، ولكن ربما أتت تصريحات بايدن لتصدم العالم، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتوقظه من استسلامه لهذا الخطر الكارثي.
ولكن ما ينبغي أن يدركه الأمريكيون وحلفاؤهم أن بوتين يتحدث كثيراً عن الأسلحة النووية بهذه الطريقة لأنه يريد تعويد الغرب على فكرة أن له الحق في استخدامها. فمنذ اليوم الأول للحرب، أطلق بوتين تهديدات نووية في هجومه على أوكرانيا وتحذيراته للغرب على السواء. ويرى مراقبو الشأن الروسي أن فرص لجوء بوتين إلى الأسلحة النووية ضعيفة. لكن القلق بدأ ينتابهم منذ اللحظة التي بدأ فيها الجيش الروسي ينهار في ساحة المعركة.
فبوتين، بتهديده استخدام الأسلحة النووية، يحاول التلاعب بأطراف هذه اللعبة النووية. فيسعى لغرس فكرة أن هجوماً نووياً محدوداً لا يختلف فعلياً عن أي نوع آخر من القصف في نفوس دول العالم، وفي الوقت نفسه ينتهك جميع المحرمات "النووية"، بكل ما تثيره هذه الكلمة من قلق. وربما يظن أن هذا سيمكّنه من إرهاب الأوكرانيين وإجبارهم على الاستسلام، وإبعاد الغرب، وفي الوقت نفسه الإفلات من عواقب تجاوزه أكبر خط أحمر في عالم العسكرية.
"بوتين اعتاد أن يهدد بشيء مروّع، ليفعله بعد ذلك"
مارس بوتين اللعبة نفسها في انتهاكات أخرى للقوانين الدولية. فيلوّح بأنه سيفعل شيئاً مروّعاً، ويفعله، ثم يفترض أن بقية العالم سيتقبل ما فعله باعتباره واقعاً جديداً وسيتعايش معه. وهي مقامرة أتت ثمارها في الماضي، خاصة حين استولى على القرم، وأعلن بعدها الحرب على أوكرانيا.
على أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية أخطر بكثير من مغامرة القرم وغزو أوكرانيا. لكن بوتين ليس الوحيد الذي يظن أن الغرب سيتقبل الأمر ببساطة إذا استخدمت روسيا سلاحاً نووياً. فحين أجرى الكاتب إريك شلوسر مقابلة مع وزير الدفاع السابق وليام بيري في مجلة The Atlantic قبل بضعة أسابيع، صرح شلوسر بأن روسيا قد ارتكبت بالفعل فظائع كثيرة، وأن سلاحاً نووياً محدوداً "قد لا يثير جدلاً كبيراً". واتفق بيري مع ذلك بالقول: "أظن أن العالم سينتفض، لكن لا أظن أن انتفاضته ستستمر طويلاً، ربما أسبوعاً أو أسبوعين".
وربما كان الرئيس بايدن محقاً في أن إطلاق سلاح نووي ما هو إلا بداية الانزلاق نحو كارثة عالمية. فسيتغير العالم من اللحظة التي تطلق فيها روسيا سلاحاً نووياً. ولن تهدأ ثورة العالم؛ لأن كاميرات التلفزيون ستُري العالم ما يفعله هجوم نووي حتى لو كان محدوداً: ما لم يختر بوتين تنفيذ ضربة دراماتيكية دون فائدة عسكرية تُذكر، مثل تفجير في البحر قد يؤدي إلى إصابات جراء الإشعاع وحرائق مهولة تصبح بجوارها المشاهد التي تصلنا حالياً من أوكرانيا مجرد مناوشات بسيطة.
أمريكا تهدد روسيا بـ"عواقب وخيمة" لا يعرف ماهيتها
وهجوم كهذا "يقتضي" رد. فرغم مخاوف بيري، وآمال بوتين، لا فرصة تقريباً في أن تكتفي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وحتى القوى النووية الأخرى مثل الهند والصين بغض الطرف لو أقدم بوتين على استخدام الأسلحة النووية مثل أي سلاح آخر. والأهم أن بايدن أبلغ الروس بالفعل، سراً وعلناً، أن أمريكا وحلفاءها سيفرضون "عواقب وخيمة" على روسيا وجيشها. ولا يُعرف على وجه اليقين كيف سيكون شكل هذه العواقب، لكنها قد تقضي نهائياً على قدرة روسيا على شن حرب في أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود.
وعند هذه المرحلة، سيتعين على بوتين -لو كان لا يزال في السلطة- إما الإقرار بالهزيمة، أو التصعيد والمقامرة مرة أخرى. وقد يزعم بوتين بعد ذلك أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يمثلان تهديداً وجودياً للدولة الروسية، فيطلق تحذيراً نووياً شاملاً يهدد أوروبا وأمريكا مباشرة.
وسيكون لزاماً على الولايات المتحدة حينها أن ترد وتصعّد بالمثل. وبوتين، مثلما قال الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف خلال أزمة الصواريخ الكوبية، سيكون قد ربط عقدة حرب، وسيحاول كل طرف تصعيدها. وأقل حسابات خاطئة قد تؤدي لنتائج مروعة.
والخيار الوحيد الذي يحول دون وقوع كارثة كهذه هو الموافقة على شروط بوتين، واستسلام أوكرانيا في الحال، وتخلي الغرب عن شرق ووسط أوروبا. وهذا ما يتوقعه بوتين على الأرجح، لكنه سيكون خطأً آخر من "ديكتاتور روسي" يستهين بخصومه ويرتكب أخطاءً لا تُغتفر في كل منعطف، كما تقول "ذي أتلانتك".
وبوتين إذاً يحاول تصوير استخدام الأسلحة النووية في غزوه أمراً عادياً. ولو نجح، فلن يتوقف. والولايات المتحدة لم تخض حربين عالميتين وحرباً باردة كي ترضخ للابتزاز وتقبل مطالب زعيم روسي يضع النظام العالمي برمته رهينة قنبلة نووية. وكان واجباً على بايدن -وأي رئيس أمريكي- أن يقول بوضوح ومباشرة إن استخدام الأسلحة النووية ينطوي على مخاطر مروعة.