ارتفاع صوت اليمين الهندوسي المتطرف في الهند لم يترك شيئاً إلا واستهدفه، حتى السينما المشهورة عالمياً "بوليوود" لم تسلم من التشويه وحملات المقاطعة، فما علاقة حكومة مودي والمسلمين بالقصة؟
صحيفة The Guardian البريطانية تناولت أحدث فصول المد الهندوسي المتطرف، في تقرير عن كيف تؤثر حملات المقاطعة اليمينية على صناعة السينما الهندية، وذلك منذ تولي ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا الحكم قبل 8 سنوات.
"قاطعوا" بوليوود!
صدر فيلم Laal Singh Chaddha المقتبس عن فيلم Forrest Gump الشهير، في أغسطس/آب من العام الجاري. وبعد أسبوع من صدور الفيلم كتب حساب يملك 280 ألف متابع التغريدة التالية على تويتر: "تصدر هاشتاغ #أوردوود نتائج البحث. شكراً لكل من قبلوا استخدام هذا المصطلح الذي يصف بدقة العصبة المعادية للقومية الهندية والهندوسية من المتحرشين الذين يأخذون أموالكم لتدميركم". وحصدت التغريدة نحو 5800 إعجاب وأُعيد نشرها أكثر من 1700 مرة.
وينتشر مصطلح "أوردوود" الازدرائي بواسطة جمهور الشبكات الاجتماعية والساسة اليمينيين المتشددين. حيث تُكتب اللغة الأوردية بنصوص فارسية-عربية، كما تعتبر اللغة الوطنية لدولة باكستان؛ ما يعني أنها لغة مرتبطة بالمسلمين، وتُستخدم في هذا السياق للزعم بأن صناعة الأفلام الهندية مصابةٌ بـ"رهاب الهندوسية".
وتُعتبر صناعة الأفلام الهندية المعروفة باسم "بوليوود" أحد أشهر منتجات الهند منذ عقود، سواء للهنود أنفسهم أو للعالم بأسره، لكن ترسيخ القومية الهندوسية تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا أحدث تحولاً طال جميع أوجه الحياة في الهند، تدفع ثمنه الأقليات، وبخاصة المسلمين.
وكان تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية، عنوانه "مع احتفال الهند بعيد الاستقلال الـ75، ثمة تقليل من قيمة إرث غاندي، والاستهزاء به"، قد ألقى الضوء على التحول الخطير من الديمقراطية القائمة على التعدد إلى الشعبوية الهندوسية التي تمثل خطراً داهماً على الأقلية المسلمة في الهند، والتي يبلغ تعدادها أكثر من 200 مليون شخص من سكان البلاد البالغ 1.4 مليار نسمة.
إذ تتعرَّض سمعة غاندي للتشويه بانتظام في مسيرات المتشددين القوميين الهندوس، معتبرين أنَّه كان رخواً في تكتيكاته ضد البريطانيين، ومتصالحاً بصورة مفرطة مع مسلمي الهند، الذين انفصلوا وشكَّلوا دولتهم الخاصة بهم، باكستان في 14 أغسطس/آب 1947. كما تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي وفي منتديات الإنترنت الكثير من الأكاذيب والمغالطات حول خيانة غاندي المزعومة للهندوس.
ويأتي فيلم Laal Singh Chaddha من بطولة وإنتاج عامر خان، أحد كبار نجوم السينما الهندية الثلاثة الذين يحملون لقب خان. وشهدت منصات الشبكات الاجتماعية عاصفةً من الهجمات الموجهة بمجرد صدوره، مع دعوات لمقاطعة الفيلم.
وتضمنت التغريدات الموجهة إعادة نشر تعليقات خان عن انتشار "عدم التسامح" داخل الهند عام 2015، فضلاً عن بعض مشاهد فيلمه PK عام 2014 (الذي انتقد فيه التعصب الديني الأعمى).
وسجّل فيلم Laal Singh Chaddha أداءً ضعيفاً في صناديق التذاكر، لكن دعوات المقاطعة لم تتوقف. كما تعرضت أفلام أخرى مثل Vikram Vedha وDobaara ووShamshera وBrahmastra للانتقادات أيضاً، وخاصةً آخر فيلمين بسبب إعادة نشر تصريحات عمرها 11 عاماً للممثل رانبير كابور حول أكل لحم البقر.
ماذا يعني ذلك للهند ونجومها؟
الممثلة البوليوودية سوارا بهاسكار قالت لصحيفة الغارديان: "تعتبر بوليوود من الصناعات التي يحظى المسلمون بالتمثيل فيها، ويحققون النجاح داخلها؛ ما يضايق اليمين الهندوسي".
وتعرضت سوارا نفسها لغضب اليمين، لدرجة تهديدها بالقتل، لكنها أردفت: "إذا وجدوا وسيلة ترفيه جماهيرية شهيرة تتمتع بعلمانية وتعددية وتنوع طبيعي فسيحاولون تشويه هذه الوسيلة لدفع أجندة القومية الهندوسية ونزع شرعية العلمانية".
كما استُخدمت حملات التصيد المنظمة ضد أفلام ومسلسلات مثل Thappad، وA Suitable Boy، وBombay Begums بسبب حديث آخر اثنين عن الحب بين الأديان؛ حيث صور أحد مشاهد مسلسل A Suitable Boy فتاةً هندوسية تقبل شاباً مسلماً، ليخرج بعدها مسؤول على مستوى وزاري في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ويرفع قضية جنائية ضد شركة Netflix، التي عرضت المسلسل في الهند.
كما دعا الساسة، وخاصةً من حزب بهاراتيا جاناتا، إلى "فحص وتفكيك منظومة" بوليوود، حيث زعم بعضهم أن خان "يغسل الأموال" وأن فيلم Laal Singh Chaddha "يمجد الإرهاب".
وفي السياق نفسه، كانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد نشرت تقريراً عنوانه "حملة هجوم متزايدة يشنّها ناريندرا مودي ضد بوليوود"، رصد إلقاء القبض على نجل النجم الهندي الشهير شاه روخ خان (شاروخان) بتهمة تعاطي المخدرات في إحدى الحفلات، وما تعرضت له نجمة أخرى في إطار ما تقوم به الحكومة الهندوسية المتطرفة بحق الأقلية المسلمة.
ففي معظم أنحاء العالم، تمثل أخبار المشاهير قدراً من الإلهاء المؤقت للجمهور، لكن اعتقال نجل شاروخان سلَّط الضوء على النسيج الاجتماعي المهترئ في الهند، حيث تعمّق الانقسام بين الهندوس والمسلمين منذ أن أصبح ناريندرا مودي رئيساً للوزراء، بحسب المجلة الأمريكية.
أنصار حكومة مودي القومية الهندوسية دافعوا عن ذلك الاعتقال باعتباره إجراء قانونياً، زاعمين أنَّه يكشف مدى الفساد والانحلال في عالم صناعة السينما الهندية "بوليوود". في المقابل، يؤكد ليبراليون في الهند أنَّها خطوة متعمّدة تهدف إلى تشويه صورة النجم المحبوب المسلم لإرضاء اليمين الهندوسي.
كاتب سيناريو فيلم Laal Singh Chaddha، حسين حيدري، قال للغارديان إن هذه الحملات "تتوافق بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة مع المشاعر المعادية للمسلمين وعقدة الاضطهاد الهندوسية".
كما تحدث عن الغضب من مسلسل Tandav الذي أظهر ممثلاً من أصول مسلمة يرتدي زي معبود هندوسي، قبل أن يُحذف هذا المشهد من المسلسل. وأوضح حيدري: "يُعتبر الجمع بين ممثل مسلم وبين الصور المفترض أنها معادية للهندوس بهذه الطريقة بمثابة منجم ذهب لهم".
هل نجحت حملات المقاطعة؟
كشفت ورقة بحثية نشرها أستاذ المعلومات في جامعة ميشيغان جويوجيت بال، والباحثة شيريل أغاروال، مؤخراً، أن التغريدات التي حملت هاشتاغ "#قاطعوا_بوليوود #BoycottBollywood" ظهرت بطريقةٍ منظمة، حيث استخدمت العديد من الحسابات الوهمية خطاب الكراهية، ونشرت المعلومات الكاذبة، ووصفت الأفلام الهندية الجنوبية بأنها أكثر "تقليدية من أعمال بوليوود المنحطة والمتحفظة ثقافياً".
ووجدا في بحثهما أن 12,889 من أصل 167,989 حساباً شاركوا في نشر الرسائل المناهضة لبوليوود لم يكن لديهم أي متابعين، كما جرى إنشاء غالبيتهم في العامين الماضيين؛ ما يشير إلى سلوك تآمري في هذه الحالة.
فإلى أي مدى كانت حملات المقاطعة فعالة؟ ليس هذا واضحاً دائماً. إذ فشل نحو 20 من أصل 26 عملاً بوليوودياً كبيراً في عام 2022 حتى الآن (أي ما يعادل 77%) بحسب التقارير، وخسرت هذه الأعمال نصف استثماراتها أو أكثر، لكن الخبراء يرون أن نتائج صناديق التذاكر متأثرة بفترة ما بعد كوفيد، بينما يتجه الهنود اليوم إلى منصات البث عبر الإنترنت.
فيما قال تاران أدارش، ناقد الأفلام والمحلل التجاري، لصحيفة The Guardian إن دور عرض الأفلام أخبرته بأن حملات المقاطعة أثرت على فيلم Laal Singh Chaddha. لكن أدارش أكد على وجود عوامل أخرى مثل انتشار منصات البث عبر الإنترنت إبان إغلاقات كوفيد، ما أدى إلى عزوف الناس عن دفع المال مقابل تجربة المشاهدة في دور السينما. وأردف: "أي أن الجمهور لن ينجذب لزيارة دور السينما إلا في حال وجود فيلم ترفيهي جيد للغاية على الشاشة الكبيرة".
ولا شك أن نجاح رانبير كابور وعليا بهات في فيلم Brahmastra يقدم لنا مثالاً مضاداً. إذ قدم الفيلم أداءً جيداً في صناديق التذاكر رغم حملات التصيد، ورغم انتقادات بعض النقاد. حيث نسبوا نجاح الفيلم إلى رمزيته الهندوسية المستقاة من شكل الأفلام الخيالية المستوحاة من الأساطير الهندوسية، ومنها فيلم RRR الشهير على مستوى العالم.
ويرى حيدري أن هذا الأمر أحدث فارقاً هنا. حيث قال: "اعتمدت الحملة ضد فيلم Laal Singh Chaddha على استخدام الدوافع المناهضة للمسلمين، لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك مع فيلم Brahmastra".
بينما قالت سوارا: "لا أعتقد أن بوليوود تدرك بالضرورة أن مصدر هذا الاستهداف هو الأيديولوجية التي تحكم الهند؛ إذ تهدف هذه الأيديولوجية إلى فرض سيطرةٍ كاملة على الأفكار والتعبير، ويمكن وصف مشروعهم الثقافي بأنه قائم على الأكثرية والشمولية".