تتسع رقعة الاشتباكات بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال بالضفة الغربية، من جنين إلى نابلس، وحتى الخليل جنوباً، خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير، فيما تستمر إسرائيل بشن حملات اعتقالات يومية يسقط فيها الشهداء، وتهدد بتكثيف مطارداتها للمقاومين الفلسطينيين. فهل يقود ذلك إلى عملية عسكرية واسعة بالضفة خصيصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية؟
هل تقف إسرائيل على أبواب عملية عسكرية كبيرة بالضفة؟
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن مجلس الوزراء وجيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (الشاباك) بذلوا جهوداً كبيرة، يوم الأربعاء، 28 سبتمبر/أيلول، للتأكيد على أن الاعتقالات التي وقعت في مخيم جنين استندت إلى تحذير محدد وفوري. وأسفرت العملية عن استشهاد 4 فلسطينيين، بينهم مسلحان مطاردان من قِبَلِ سلطات الاحتلال. وكان هذا هو أخطر الحوادث الأخيرة في الضفة الغربية، بحسب الصحيفة.
ويهدد الاحتكاك العنيف المستمر بجر إسرائيل إلى عملية أكثر شمولاً في جنين ومدن أخرى بالضفة، قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تقول تحليلات إسرائيلية إن يائير لابيد رئيس الحكومة، قد يهرب نحو عملية عسكرية واسعة في جنين ومناطق أخرى بالضفة لرفع أسهمه قبل الانتخابات، لكن نتائج ذلك الخيار قد تنقلب ضده.
بحسب "الشاباك"، فقد "تورّط" المطلوبون في جنين مؤخراً في عدة عمليات إطلاق نار، بما في ذلك إطلاق نار على الرائد بار فليح عند حاجز الجلمة القريب من جنين، والذي تسبب في مقتله بهجوم من أنصار اليمين الصهيوني على الحكومة التي اتهمت بالفشل.
وتقول مخابرات الاحتلال إن اثنين من المطلوبين الذين استشهدوا في جنين الأربعاء، كانا يحملان بنادق وعبوات ناسفة، وكانا يخططان لتنفيذ هجوم في غضون أيام، وأحدهما هو شقيق رعد خازم، الفلسطيني الذي نفّذ عملية شارع ديزنغوف في تل أبيب في أبريل/نيسان، وأدت لمقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين.
واستخدم جيش الاحتلال خلال اقتحام جنين عبوات ناسفة ضد المقاومين الفلسطينيين، في حين تصدى ضابط في المخابرات العسكرية التابعة للسلطة الفلسطينية، لاقتحام قوات الاحتلال، وأصيب برصاصة قناص إسرائيلي في رأسه من مسافة بعيدة.
ووقعت العديد من الحوادث المماثلة في جنين ونابلس ومناطق أخرى من الضفة منذ شهر مارس/آذار. وتقول صحيفة هآرتس، إن جنود الاحتلال يذهبون إلى هذه المناطق وهم يعلمون أنهم سيواجهون عمليات إطلاق النار من قبل خلايا المقاومة التي باتت تنشط بشكل غير مسبوق منذ سنوات.
إسرائيل تتهم السلطة الفلسطينية بالتقاعس في مواجهة المقاومين
في أوائل سبتمبر/أيلول، انتقد رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ورئيس "الشاباك"، رونين بار، ما اعتبراه خللاً في قوات الأمن الفلسطينية في شمال الضفة الغربية.
وفي جنين، من الواضح لإسرائيل أنها قضية خاسرة، كما تقول "هآرتس"، فمعارضة السلطة الفلسطينية عميقة، ولا تجرؤ القيادة في رام الله في الوقت الحالي على إصدار أوامر لقواتها بالتحرك. حاولت السلطة الفلسطينية مؤخراً تنفيذ اعتقالات واستعادة السيطرة، لكنها أدت إلى اشتباكات عنيفة مع خلايا المقاومة النشطة، وفي هذه الأثناء يبدو أن السلطة الفلسطينية قد تراجعت خطوة إلى الوراء.
وجاء حادث الأربعاء عقب محادثة بين بيني غانتس والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي اتصل بوزير الدفاع يوم الإثنين. ويبدو أن هناك نية فلسطينية لإجراء محادثة مماثلة مع رئيس الوزراء يائير لابيد -وهو أمر غريب إلى حد ما بحسب هآرتس- وهذا إما أنه لم يحدث، أو لم يُبلَغ به، رغم أن عباس اتصل برئيس كيان الاحتلال إسحاق هرتسوغ يوم الثلاثاء. وفي يوم الأربعاء، تعرّض عباس بالفعل للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي في الضفة الغربية بسبب صداقته مع الإسرائيليين أثناء قيامهم بقتل الشباب الفلسطينيين.
ما الذي تفكر فيه حكومة لابيد لمنع اتساع رقعة المقاومة بالضفة؟
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، تواجه حكومة لابيد الآن ثلاثة مسارات عمل محتملة: التراجع بشكل كبير عن عمليات الاعتقال في جنين، كما تريد السلطة الفلسطينية، والتركيز على الحالات التي توجد فيها "قنبلة موقوتة" واضحة.
والمسار الثاني هو مواصلة العمليات في شكلها الحالي مع اتخاذ خطوات لتجنب بقاء الجنود لفترات طويلة في المنطقة.
وأخيراً إجراء عملية عسكرية أكبر تركز على جنين والمناطق المجاورة لها -والتي ستشمل انتشاراً واسع النطاق، وقد تستمر إلى ما لا نهاية.
وتفضِّل حكومة لابيد، بحسب صحيفة هآرتس، المسار الثاني، لكن حتى هجوماً واحداً مميتاً إضافياً على طرق الضفة الغربية أو داخل إسرائيل نفسها قد يدفعها إلى اختيار المسار الثالث.
يجب أخذ "الحساسية الإسرائيلية المتزايدة" تجاه الخسائر العسكرية في هذه العمليات في الاعتبار. في الأسابيع الأخيرة، تعرضت حكومة وجيش الاحتلال لهجوم من اليمين الصهيوني بسبب المخاطرة بحياة الجنود في عمليات في مناطق مكتظة بالسكان الفلسطينيين.
وهناك دار الحديث عن استخدام طائرات مسيَّرة هجومية بدلاً من اقتحامات الجنود. ونتيجة لهذا الضغط، استُخدِمَت الطائرات المسيَّرة لتوفير غطاء جوي للقوات، ولكن ليس لإطلاق ضربات حتى الآن.
في غضون ذلك، يجدر الانتباه إلى العلاقة بين جنين وغزة، والتي أدت في أوائل أغسطس/آب إلى عملية عسكرية قصيرة في القطاع، عملية "كسر الفجر"، بعد اعتقال غير عادي من قبل الجيش الإسرائيلي في جنين، إلى مزيد من القتلى في جنين، وخاصة بين أعضاء الجهاد الإسلامي، وقد يدفع هذا جماعة الجهاد إلى إطلاق صواريخ على إسرائيل من القطاع تضامناً مع الضفة الغربية، وتحديداً جنين.